عندما يتسيّد الجيوبوليتيك!

يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)
يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)
TT

عندما يتسيّد الجيوبوليتيك!

يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)
يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)

هل اجتماع نخبة العالم في دافوس يحّل مشكلات العالم؟ بالطبع لا، لكن من الضروري الحضور، فالمنتدى منصّة دوريّة تحضرها النخبة انطلاقاً من المبدأ الذي يقول: «الغائب دائماً خاسر»، خصوصاً في عصر وسائل التواصل الاجتماعيّ، إذ يمكن القول إن الصورة أصبحت هي الرسالة.

يتوافد السياسيون إلى دافوس، كما رجال الأعمال، والمجتمع المدني، بهدف مناقشة المسائل الكونيّة والأزمات، والسعي لإيجاد الحلول لها. منتدى دافوس هو نادٍ مخصّص للأقوياء. لا مكان للضعفاء فيه أو الفقراء. إذا أردت أن تنضمّ، فما عليك إلا أن تدفع بدل الحضور الماليّ، أو أن تنتمي إلى دولة عظمى، أو دولة عاديّة لكنها تقع ضمن الأهداف الاستراتيجيّة لدولة عظمى.

يُركّز المنتدى على بناء الثقة بين اللاعبين الكبار في عالم سريع التحوّل. فالمناخ يُهدّد البشريّة. والذكاء الاصطناعي يُهدّد الإنسان في كينونته كما قال العالم الفيزيائي الراحل ستيفن هوكينغ، وهو الذي أثبت على الأقل نظريّاً أن الثقب الأسود يبثّ إشعاعات يمكن رصدها، وبعكس ما قيل إنه لا شيء يخرج من الثقب الأسود حتى الضوء -من هنا تسميته بالثقب الأسود.

في دافوس، تتشكّل الشبكة العنكبوتيّة للحضور. تحوي هذه الشبكة السياسيين، والاقتصاديين، والمهندسين، والمنظّمات الدوليّة، والمجتمع المدنيّ، والشركات الخاصة والإعلام. يجري تبادل الأفكار ضمن هذه الشبكة، وذلك بهدف إعادة الثقة لعالم متداعٍ. تناقش هذه الشبكة كل المواضيع، كالفساد مثلاً، وحقوق الإنسان، وسلاسل التوريد. والهدف هو تسريع آليات التحضير والتنفيذ لكل الأمور العالقة. تؤمِّن هذه الشبكة، فرصة اللقاء ونقاش مسائل من الصعب معالجتها بالقنوات التقليديّة.

مشاركة تصور زميلة لها على المنصة الرئيسية لمنتدى دافوس في اليوم الختامي في 19 يناير الحالي (إ. ب. أ)

تسعى هذه الشبكة إلى خلق الثقة في عالم تراجعت فيه فكرة العولمة، وتحوّل تدريجيّاً نحو الإقليميّة (Regionalism)، ونحو تحالفات من نوع جديد. فهناك محور «روسيا – الصين – إيران - كوريا الشماليّة» وغيرها. وهناك إعادة إنعاش لحلف الناتو، حتى توسيعه. هناك «محور الأوكوس» بين أميركا وأستراليا وبريطانيا. هناك توسيع الـ«بريكس». هناك تجمّع الـ«كواد»، والمؤلّف من كلٍّ من أميركا واليابان والهند وأستراليا.

يحاول منتدى دافوس حل مشكلات العالم، في ظلّ نظام عالمي قديم بدأ يتهاوى. في نظام عالمي يُعاد فيه توزيع موازين القوّة. في عالم تصعد فيه الصين بوصفها دولة عظمى تسعى لتغيير الستاتيكو. في عالم تدور فيه حتى الآن الحروب بالواسطة، في كل من أوكرانيا وقطاع غزة. في عالم مُهدّد في كلّ لحظة بأن تنشب حرب كونيّة بين أميركا والصين حول مصير جزيرة تايوان. في عالم تدنّى فيه الحديث كثيراً حول إمكانيّة استعمال السلاح النوويّ. في عالم تعود فيه الدول إلى القوميّات. في عالم يخشى عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. في عالم تظّهر فيه دور مهمّ للقوى الكبرى الإقليميّة، خصوصاً في الشرق الأوسط، وبحيث إن مشاريع هذه القوى ترتكز على أمرين مهمّين هما: خلق مناطق نفوذ، والعودة إلى العصر الإمبراطوري مع تغيير الحدود بالقوّة. في عالم يسعى إلى إنقاذ الكرة الأرضيّة من الاحتباس الحراري، لكن في ظلّ حروب الكبار التي تؤذي المناخ بشكل دراماتيكيّ. فعلى سبيل المثال، أنتجت الحرب الإسرائيليّة على غزة نحو 281 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، التي بدورها توازي حرق 150 ألف طن من الفحم الحجريّ.

ضرب وباء الإنفلونزا الإسبانيّة العالم، فحصد نحو 50 مليون ضحيّة. لم يأبه العالم للوباء، فالجيوبوليتيك هو المُتسيّد. لذلك استمرّت الحرب العالميّة الأولى التي حصدت بدورها أكثر من 40 مليون قتيل. سُمّي الوباء الإنفلونزا الإسبانيّة، فقط لأن الحديث عنه وتغطيته كانا في إسبانيا التي لم تشارك في الحرب. لكنّ المصدر الأساسي للوباء هو كالعادة من شرق آسيا.

في الختام يبقى السؤال الجوهري على الشكل التالي: هل يمكن لمن يتسبب بأزمات العالم أن يبتكر الحلول لها؟ وعليه لا يمكن لأي شيء أن يتقدّم على اللعبة الجيوبوليتيكيّة خلال التحوّلات الكبرى في النظام العالمي.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السعودي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس «دافوس»

الخليج وزير الخارجية يستقبل مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس «دافوس»

 استقبل الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، في مقر الوزارة بالرياض، الاثنين، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» كلاوس شواب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد 
جانب من انطلاق فعاليات المنتدى العالمي الاقتصادي في الرياض أمس (واس)

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

انطلقت في العاصمة السعودية الرياض، أمس (الأحد)، أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، برعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وبمشاركة دولية واسعة.

هلا صغبيني ( الرياض) مساعد الزياني ( الرياض )
الخليج ولي العهد السعودي مستقبلاً أمير الكويت اليوم في الرياض (واس)

محمد بن سلمان يستعرض التطورات وتعزيز العلاقات مع مشعل الأحمد والسوداني

التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع أمير الكويت ورئيس الوزراء العراقي كل على حدة وذلك على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشاركون في حلقة نقاش جانبية خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض في 28 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

حزمة مشاريع عراقية جاهزة للتنفيذ تعرض خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض

قال مصدر حكومي مطّلع إن العراق سيقدم خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض حزمة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ أمام كبريات الشركات المشاركة في المنتدى.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من المعنين بالتحضير للمنتدى (صفحة وزارة الاقتصاد والتخطيط على «إكس»)

تحضيرات اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي في الرياض بين الإبراهيم وبرينده

ناقش وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغي برينده، التحضيرات الجارية للاجتماع الخاص بالمنتدى الذي سيُعقد في المملكة في…

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تركيا تُعلن استعدادها «لتقديم الدعم اللازم للبنان»

لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
TT

تركيا تُعلن استعدادها «لتقديم الدعم اللازم للبنان»

لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)
لبنانيون يسيرون بجانب السيارات في شوارع بيروت (رويترز)

أعلنت تركيا، الأربعاء، أنها «مستعدة لتقديم الدعم اللازم للبنان» بعد ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيّز التنفيذ.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إنها «ترحب بالنتيجة الإيجابية للمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في لبنان، وتأمل أن يكون دائماً».

وأضافت: «على المجتمع الدولي أن يضغط على إسرائيل للاحترام الصارم لوقف إطلاق النار، والتعويض عن الأضرار التي سببتها في لبنان»، معربة عن «دعم» أنقرة لهذا المسار، من دون مزيد من التوضيحات، وفقاً لما ذكرته الـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار بيان الخارجية: «بهذه المناسبة، نودُّ أن نذكر بأنه من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، يجب إعلان وقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة في أسرع وقت ممكن، ويجب وضع حد لسياسات إسرائيل العدوانية».

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» حيّز التنفيذ في الساعة الرابعة فجر الأربعاء بالتوقيت المحلي للبنان. ووسّعت إسرائيل حربها التي تشنّها على قطاع غزة، لتشمل لبنان في الفترة الماضية، وقتلت عدداً من كبار قادة جماعة «حزب الله» التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد ذكر تركيا، الثلاثاء، «إلى جانب مصر وقطر وإسرائيل وغيرها»، خلال تعداده الدول الوسيطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس».

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم، إن تركيا مستعدة للمساعدة بأي طريقة ممكنة للتوصل لوقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، وعبّر عن ارتياحه لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في لبنان.

وكانت حركة «حماس» قد أعلنت اليوم أنها «جاهزة لاتفاق وقف إطلاق النار وصفقة جادة لتبادل الأسرى» مع إسرائيل، موضحة أنها أبلغت الوسطاء في مصر وقطر وتركيا بذلك.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمس الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستدفع مرة أخرى باتجاه التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة «مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل ودول أخرى».