700 مليون يعانون الجوع حول العالم

عدد الجوعى يزداد والتمويل يجف... وأفريقيا جنوب الصحراء الأكثر معاناة

سيندي ماكين تتحدث عبر الفيديو مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك (الأمم المتحدة)
سيندي ماكين تتحدث عبر الفيديو مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك (الأمم المتحدة)
TT

700 مليون يعانون الجوع حول العالم

سيندي ماكين تتحدث عبر الفيديو مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك (الأمم المتحدة)
سيندي ماكين تتحدث عبر الفيديو مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك (الأمم المتحدة)

أخبرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، سيندي ماكين، أعضاء مجلس الأمن أن أزمة الجوع العالمية خلّفت أكثر من 700 مليون شخص لا يعرفون متى سيحصلون على وجبتهم التالية، مؤكدة أن الطلب على الغذاء يزداد باطّراد فيما يجفّ التمويل الإنساني.

وكانت ماكين تتحدث أمام مجلس الأمن، إذ أشارت إلى أحدث تقرير للمنظمة الأممية المعنية بمكافحة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي عبر العالم. صدر التقرير رسمياً الجمعة قبل أيام من الاجتماعات الرفيعة المستوى للدورة السنوية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التي تشهد على هامشها مؤتمراً بعنوان «في منتصف الطريق» نحو الموعد النهائي لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، في ظل عدم حصول تحسن يذكر عالمياً في معظم الأهداف المتعلقة بالأغذية والزراعة.

قبل «كوفيد» وبعده

أورد التقرير أن «الآثار المتبقية لجائحة (كوفيد 19)، إلى جانب الأزمات الأخرى مثل تغير المناخ والنزاعات المسلحة، لها آثار واسعة النطاق»، مضيفاً أن «التقدم الذي أحرز في العقدين الماضيين ظلّ راكداً، بل انعكس في بعض الحالات». وأوضح أن انعدام الأمن الغذائي العالمي زاد بشكل حاد عام 2020 حين عطلت الجائحة أسواق المواد الغذائية وأدت إلى ارتفاع البطالة، لكن الجوع لم يعد إلى مستويات ما قبل «كورونا»، مشيراً إلى أن نحو 29.6 في المائة من سكان العالم، أي 2.4 مليار شخص، عانوا انعدام الأمن الغذائي بشكل معتدل أو حاد عام 2022، ارتفاعاً من 1.75 مليار خلال عام 2015. وأكد أن نقص التغذية هو الأسوأ في جنوب العالم، مع ارتفاع معدلات الجوع بشكل أكبر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، علماً أن العالم لم يشهد أيضاً أي تحسن نحو هدف خفض هدر الغذاء إلى النصف، الذي ظل عند نحو 13 في المائة منذ عام 2016.

أرقام مخيفة

وأفادت ماكين، أرملة السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين، أن نقص التمويل أوجب على المنظمة الأممية خفض حصص الغذاء لملايين الأشخاص، آسفة لأن «مزيداً من التخفيضات في الطريق». وقالت: «نعيش الآن سلسلة من الأزمات المتزامنة والطويلة الأمد التي ستستمر في تأجيج الحاجات الإنسانية العالمية»، معتبرة أن «هذا هو الواقع الجديد للمجتمع الإنساني (...) وسنتعامل مع التداعيات لسنوات مقبلة». ولفتت إلى تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التي تشير إلى أن قرابة 47 مليون شخص في أكثر من 50 دولة «على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة. ويقدر الآن أن هناك 45 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون المجاعة أو سوء التغذية الحاد».

ووفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي في 79 دولة، فإن ما يصل إلى 783 مليون شخص، أي واحد من كل 10 من سكان العالم، لا يزالون ينامون جوعى كل ليلة. وأكدت المنظمة أن أكثر من 345 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي هذا العام، بزيادة قدرها 200 مليون شخص تقريباً عن أوائل عام 2021 قبل جائحة «كوفيد 19»، معتبرة أن السبب الجذري لهذا العدد المرتفع هو «مزيج مميت من النزاعات والصدمات الاقتصادية والظواهر المناخية المتطرفة والارتفاع الكبير في أسعار الأسمدة».

المديرة التنفيذية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة سيندي ماكين (أرشيف - أ.ب)

ولاحظت ماكين خلال اجتماع مجلس الأمن، الذي يركز على المساعدات الإنسانية العامة، أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء والحرب في أوكرانيا دفعت أسعار المواد الغذائية بعيداً عن متناول ملايين الأشخاص في كل أنحاء العالم، في الوقت نفسه الذي تسبب فيه ارتفاع أسعار الأسمدة في انخفاض إنتاج الذرة والأرز وفول الصويا والقمح. وقالت إن «التحدي الجماعي الذي يواجهنا هو تعزيز الشراكات الطموحة والمتعددة القطاعات التي ستمكننا من معالجة الجوع والفقر بشكل فعال، وخفض الحاجات الإنسانية على المدى الطويل».

دور القطاع الخاص

امرأة تعمل في حديقة خضراوات مشتركة في كواندينجيزي بجنوب أفريقيا (رويترز)

وشارك في اجتماع مجلس الأمن الرئيس التنفيذي لشركة «ماستركارد» مايكل ميباخ، الذي قال لأعضاء المجلس إن «الإغاثة الإنسانية كانت منذ فترة طويلة مجالاً للحكومة ومؤسسات التنمية، وكان يُنظر إلى القطاع الخاص على أنه مصدر للتبرعات المالية»، مضيفاً أنه «لا يزال المال مهماً، لكن الشركات يمكنها تقديم المزيد». وأكد أن «القطاع الخاص على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات المطروحة بالشراكة مع القطاع العام». لكنه شدد على أن «الأعمال التجارية لا يمكن أن تنجح في عالم فاشل»، معترفاً بأن الشركات يمكنها استخدام خبراتها لتعزيز البنية التحتية، ومن أجل «ابتكار أساليب جديدة وتقديم حلول على نطاق واسع» لتحسين العمليات الإنسانية.

أما رئيس الشؤون العالمية في بنك «غولدمان ساكس» جاريد كوهين، فأكد أن إيرادات كثير من الشركات المتعددة الجنسيات تنافس الناتج المحلي الإجمالي لبعض دول مجموعة العشرين لدول الاقتصادات الكبرى. وأضاف أن «الشركات العالمية اليوم تتحمل مسؤوليات تجاه مساهمينا وعملائنا وموظفينا ومجتمعاتنا والنظام الدولي القائم على القواعد، الذي يتيح لنا القيام بالأعمال التجارية». وشدد على أن الشركات يمكنها الوفاء بهذه المسؤوليات أثناء الأزمات؛ أولاً من خلال عدم التدافع «لإعادة اختراع العجلة في كل مرة»، ولكن من خلال الاعتماد على الذاكرة المؤسسية والشراكة مع الشركات الأخرى والقطاع العام. كما تحتاج الشركات أيضاً إلى «التصرف بسرعة والابتكار في الوقت الفعلي، واستخدام الاتصالات المحلية، وتقديم خبراتها في الاستجابة الإنسانية».

ولاحظت المندوبة الإماراتية الدائمة لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، أن المنظمة الدولية وجّهت نداء لجمع أكثر من 54 مليار دولار هذا العام، مضيفة أنه «حتى الآن، لم نجمع 80 في المائة من هذه الأموال»، ما يدل على «أننا نواجه نظاماً في أزمة». ورأت أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي كانت ذات يوم إضافات مفيدة صارت الآن حاسمة للعمل الإنساني.

وقالت نظيرتها الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، إن فجوة التمويل تركت الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم «في لحظة خطر كبير». وأضافت أن الشركات كثّفت جهودها، بما في ذلك في هايتي وأوكرانيا، لمساعدة اللاجئين في الولايات المتحدة، ولكن لفترة طويلة جداً «لجأنا إلى القطاع الخاص حصراً للحصول على التمويل».

18 منظمة متخصصة

في غضون ذلك، أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن ابتعاد العالم عن مسار تحقيق الأهداف المناخية، يقوض الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة الجوع والفقر واعتلال الصحة، والوصول إلى المياه النظيفة والطاقة والجوانب الأخرى للتنمية المستدامة.

ووفقاً لتقرير مشترك، أصدرته 18 منظمة متخصصة بتنسيق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن 15 في المائة فقط من أهداف التنمية المستدامة تسير على الطريق الصحيحة، وأن العلوم المتعلقة بالطقس والمناخ والمياه يمكنها أن تعزز أهدافاً مثل الأمن الغذائي والطاقة النظيفة وتحسين الصحة واستدامة المحيطات والمدن القادرة على الصمود. وأشار إلى أن عام 2023 أظهر بكل وضوح تغير المناخ، حيث أدت درجات الحرارة القياسية إلى احترار الأرض وارتفاع حرارة البحار، علماً أن الطقس المتطرف تسبب في حدوث فوضى في كل أنحاء العالم.

وقال الأمين العام للمنظمة، بيتيري تالاس، إن مجتمع العلوم يقف متحداً في هذه اللحظة المحورية من التاريخ للمشاركة في الجهود المبذولة لتحقيق الرخاء للناس وللكوكب، وإن التقدم العلمي والتكنولوجي الرائد مثل النمذجة المناخية عالية الدقة، والذكاء الاصطناعي، والتنبؤ الآني، يمكن أن يحفز التحول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن توفير الإنذارات المبكرة للجميع بحلول عام 2027 سيؤدي إلى إنقاذ الأرواح وسبل العيش، وسيساعد في حماية التنمية المستدامة.


مقالات ذات صلة

برنامج الأغذية العالمي: نستهدف إيصال 150 شاحنة محملة بالطعام إلى غزة يومياً

العالم العربي برنامج الأغذية العالمي يستهدف إيصال 150 شاحنة محملة بالطعام إلى غزة يومياً (إ.ب.أ) play-circle 00:47

برنامج الأغذية العالمي: نستهدف إيصال 150 شاحنة محملة بالطعام إلى غزة يومياً

قال برنامج الأغذية العالمي، اليوم، إنه يستهدف إيصال 150 شاحنة محملة بالطعام إلى غزة يومياً؛ لمواجهة الاحتياجات «الهائلة» التي تتطلب إبقاء جميع المعابر مفتوحة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يكافحون من أجل الحصول على الغذاء في مركز توزيع بخان يونس (أ.ب)

«الأغذية العالمي»: 80 ألف طن من الغذاء تنتظر الدخول إلى غزة

قال برنامج الأغذية العالمي، اليوم الخميس، إن لديه 80 ألف طن من الغذاء كافية لإطعام أكثر من مليون شخص تنتظر السماح لها بالدخول إلى غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الاقتصاد أحد الصيادين في سواحل منطقة عسير السعودية (واس)

سواحل عسير تحقق 41 مليون دولار من الثروة السمكية خلال 2024

شهدت سواحل منطقة عسير السعودية ارتفاعاً في الإنتاج السمكي خلال عام 2024 بأكثر من 4 آلاف طن سنوياً لتحقق عوائد اقتصادية للصيادين تقدر بـ155 مليون ريال

«الشرق الأوسط» (أبها )
شمال افريقيا صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز) play-circle 01:42

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم (الجمعة)، إن نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان الذي يشهد حرباً عنيفة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الاقتصاد أكبر مدينة للثروة الحيوانية في منطقة الشرق الأوسط (واس)

بـ2.4 مليار دولار... السعودية تعلن عن أكبر مدينة للثروة الحيوانية بالشرق الأوسط

أعلنت السعودية، الأربعاء، عن أكبر مدينة للثروة الحيوانية في منطقة الشرق الأوسط بقيمة 9 مليارات ريال (2.4 مليار دولار)، لتعزيز أمنها الغذائي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

أوروبا قلقة من سياسات ترمب... والصين تستعدّ لاقتناص الفرصة

دونالد ترامب وشي جينبينغ خلال قمة مجموعة الـ20 في أوساكا باليابان في 29 يونيو 2019 (رويترز)
دونالد ترامب وشي جينبينغ خلال قمة مجموعة الـ20 في أوساكا باليابان في 29 يونيو 2019 (رويترز)
TT

أوروبا قلقة من سياسات ترمب... والصين تستعدّ لاقتناص الفرصة

دونالد ترامب وشي جينبينغ خلال قمة مجموعة الـ20 في أوساكا باليابان في 29 يونيو 2019 (رويترز)
دونالد ترامب وشي جينبينغ خلال قمة مجموعة الـ20 في أوساكا باليابان في 29 يونيو 2019 (رويترز)

غير خافٍ أن الدول الأوروبية عموماً ودول الاتحاد الأوروبي خصوصاً، تتهيّب مرحلة إقامة دونالد ترمب الثانية في البيت الأبيض، لأن رجل الأعمال الجمهوري يتّبع سياسة الصقور في العلاقات الخارجية، وربما مع الحليف قبل الخصم، انطلاقاً من «حق» الولايات المتحدة في قيادة العالم، و«واجب» المستظلين بحمايتها من حيث تأدية ما يستحق عليهم من واجبات، ليس أقلها - على سبيل المثال – كلامه عن ضرورة رفع الإنفاق الدفاعي للدول المنتمية إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) من 2 إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي عتبة قد لا تستطيع الولايات المتحدة نفسها بلوغها.

سياسة الصقور هذه تتمثل أيضاً في أن المحيطين بترمب يدعون إلى الانسحاب السريع للقوات الأميركية المنتشرة في أوروبا تحضيراً لمواجهة الصين بشكل أفضل، على أساس أن العملاق الأصفر هو مصدر التهديد الأكبر للولايات المتحدة، وبالتالي يجب توجيه الجهود إلى عملية احتوائه ودرء الأخطار التي يمثلها، بينما الدول الأوروبية «غنية»، وقادرة على الاعتناء بأنفسها.

من المؤكد أن القادة الصينيين، وعلى رأسهم الرئيس شي جينبينغ، يدركون أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض سوف تؤدي إلى تعقيد العلاقات الجيوسياسية بين صاحبَي الاقتصادين الأول والثاني في العالم؛ ما يرفع منسوب خطر التسبب باضطرابات اقتصادية وأزمات سياسية وعسكرية على مستوى الكرة الأرضية، غير أنهم بحنكتهم وسياسة الصبر والتروّي التي يعتمدونها قد يرون في نهج ترمب فرصاً دسمة. والمقصود هنا تحديداً استثمار الصين في أي تباعد أميركي – أوروبي لتعزيز الحضور في القارة العجوز، ففي مشهد خلافيّ بين ضفّتي الأطلسي، سوف يضاعف الأوروبيون حكماً علاقاتهم التجارية مع بكين (بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي 739 مليار يورو عام 2023)، لأنهم سيحتاجون إليها للحفاظ على الحد الأدنى من المستوى الاقتصادي الذي يسمح لهم بتمويل جهودهم الدفاعية المتزايدة.

رئيس قرغيزستان صدير جاباروف خلال الاحتفال بإطلاق خط السكك الحديدية الرابط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان (أ.ف.ب)

* الطريق إلى أوروبا

في ظل الراهن والمتوقّع، تعمل القيادة الصينية على تأمين طرق النفاذ إلى أوروبا ضماناً لحسن انسياب السلع بين الجانبين، وهذا ليس بمستغرب على من أطلق «مبادرة الحزام والطريق»؛ لذلك تسعى الصين بنشاط إلى إيجاد طريق إلى أوروبا يتجاوز روسيا - ممرها الأول نحو «الغرب القديم»، لأن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حرب أوكرانيا تعرقل التجارة، وتزيد أخطار عدم الاستقرار على طول الطرق البحرية. ومن شأن الطريق البديل أن يمكّن الصين من توسيع صادراتها، وتعزيز قدرتها التنافسية وتسريع تسليم السلع والمنتجات إلى المستوردين مع زيادة أحجام التجارة.

يكفي النظر إلى الخرائط للتأكد من أن طريق الصين البديل إلى أوروبا يمر عبر آسيا الوسطى وبالتحديد كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان. وقد شهدت الأخيرة أواخر العام الماضي الاحتفال بإطلاق خط السكك الحديدية الرابط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان، وهو مشروع طال انتظاره على امتداد طريق الحرير التاريخي. والواقع أن المشروع، الذي اقترحته أوزبكستان عام 1996، اكتسب زخماً، وازداد أهمية بسبب الضغوط الجيوسياسية الناجمة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات القاسية المفروضة على روسيا وجارتها بيلاروسيا.

(ويكيميديا)

من المتوقع أن ينقل خط القطارات هذا نحو 15 مليون طن من البضائع سنوياً، ما يخفض أوقات التسليم إلى أوروبا 7 أيام مقارنة بالطرق الحالية، لكنّ الوصول إلى هذا الواقع ليس بالأمر السريع، فإنشاء الخط سيبدأ في يوليو (تموز) المقبل على أن يكون المشروع منجَزاً بعد 6 سنوات. وفي انتظار ذلك، يبقى «الممر الأوسط» الذي يبدأ في تركيا، ويمر عبر منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى هو أقصر طريق بين غرب الصين وأوروبا.

الطرق البديلة أمر لن يعجب روسيا التي ترى في دول آسيا الوسطى منطقة نفوذ لها بحكم حقائق الجغرافيا ووقائع التاريخ، لكن موسكو لا تملك وسائل ضغط كبيرة على بكين، خصوصاً مع ظل غرقها في وحول الحرب الأوكرانية التي ستكمل الشهر المقبل عامها الثالث؛ فالصين تستورد من روسيا كميات ضخمة من النفط الخام والغاز الطبيعي، في عملية تلبي حاجة الصناعة الصينية إلى مصادر الطاقة، وترفد الاقتصاد الروسي بالمال اللازم للصمود في مواجهة متطلبات الحرب وعبء العقوبات.

ويقول إدوارد ليمون، الأكاديمي المتخصص في شؤون آسيا الوسطى في جامعة «تكساس آي إن إم» الأميركية: «كان اعتماد آسيا الوسطى على روسيا كدولة عبور للتجارة عاملاً رئيسياً في نفوذ الأخيرة إقليمياً، لكن في نهاية المطاف، ومع انشغالها بالحرب في أوكرانيا وحاجتها الماسة إلى حلفاء في المنطقة، ليس بوسع روسيا أن تفعل الكثير حيال التمدد الصيني».

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوّضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (رويترز)

* الشباك الصينية

أحجم الرئيس الأميركي السابع والأربعون حتى الآن عن تنفيذ تهديده بفرض رسوم جمركية باهظة على الصين، وقال إن البلدين يمكن أن ينسجا «علاقة جيدة للغاية». وأكد شي جينبينغ في المقابل أن محادثته الهاتفية مع ترمب قبل أيام من تنصيبه هي «نقطة بداية جديدة»، وأرسل نائبه هان تشنغ إلى العاصمة الأميركية لحضور احتفال التنصيب، وهو أرفع مسؤول صيني يحضر هذا الحدث على الإطلاق.

غير أن ترمب لا يزال يلوّح بعصا الرسوم الجمركية، وقال في هذا الصدد: «لدينا ورقة قوة واحدة كبيرة جداً حيال الصين، وهي الرسوم الجمركية. هم لا يريدونها، وأفضل ألا أضطر إلى استخدامها، لكنها ورقة قوة هائلة». وبالتالي فإن «شهر العسل» الأميركي – الصيني قد لا يطول كثيراً، فتتلبّد الغيوم، وتقع المواجهة، وتندلع حرب تجارية جديدة بين الجانبين.

إذا استعمل سيّد البيت الأبيض هذه الورقة، فستكون الصين سعيدة للغاية بتوجيه قسط كبير من عملياتها التجارية من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وسيرتاح الأوروبيون بدورهم، ويتمسكون بوسيلة تخفف عبء التكاليف الاقتصادية للسياسات الأميركية حيالهم، لكن هذا قد يجعل أوروبا مع الوقت تعتمد أكثر على الصين. فأين مصلحة أميركا في دفع حليفها الغربي الطبيعي بعيداً عنها؟

يرى محللون وخبراء أن أي استراتيجية أميركية لاحتواء الصين وردعها يجب أن تأخذ في الاعتبار مراعاة أكبر كتلة تجارية في العالم، أي الاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين. فبقاء الاتحاد في تحالف وثيق مع واشنطن يتوقف إلى حد كبير على إدارة الثانية للعلاقة عبر الأطلسي. أما دفع الأوروبيين نحو الاعتماد على الصين اقتصادياً والطلب منهم في الوقت نفسه أن يعززوا إنفاقهم الدفاعي لتعزيز حائط الصد الغربي في وجه الصين وروسيا فأمر يجافي المنطق، ويضرّ بالمصلحة الأميركية بالذات، لأن شنّ ترمب المحتمل لحربين تجارتين ضد الاتحاد الأوروبي والصين في آنٍ واحد سيؤدي إلى تحولات حتمية في المشهد الجيوسياسي.