«أسبوع الغذاء العالمي» يبحث استخدام «الدرونز» والذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات

الواعر لـ«الشرق الأوسط»: الصراعات الجيوسياسية والتغير المناخي يعيقان تحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول 2030

فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)
فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)
TT

«أسبوع الغذاء العالمي» يبحث استخدام «الدرونز» والذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات

فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)
فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)

سيطرت السياسة على نقاشات قمة توفير الغذاء ومحاربة الجوع في أسبوع الغذاء العالمي الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي. وتزامنت النقاشات حول تحديات الصراعات والحروب على الأمن الغذائي مع إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان والذي أحيى آمالاً لدى المشاركين في إمكانية حدوث انفراج في الصراعات المشتعلة في المنطقة، واتخاذ خطوات لتخفيف المعاناة؛ لا سيما في غزة والضفة الغربية ولبنان والسودان. كما ركزت القمة على استكشاف حلول ابتكارية تستفيد من التقنيات الحديثة وآليات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة توفير الغذاء، بالإضافة إلى تعزيز الدعم الدولي لهذه المبادرات.

وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، يواجه نحو 800 مليون شخص خطر الجوع، ما يعادل 10 في المائة من سكان العالم. وقد أدت الصراعات الجيوسياسية والتغير المناخي إلى تأخير تحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول 2030، ومن المتوقع أن يتأخر هذا الهدف حتى عام 2050.

والجوع هو السلاح الذي تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث يشير عبد الحكيم الواعر، مساعد المدير العام والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط»، إلى أن المنظمة قادرة على توفير الحليب الطازج لكل أطفال غزة؛ لكن المعوقات تتمثل في إغلاق المعابر والقيود التي تفرضها إسرائيل. كما تتزايد التحديات مع مجيء إدارة جمهورية ورئيس أميركي ليس لديه قناعة بالتغير المناخي وتأثيراته على الزراعة وتوفير الغذاء.

المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة الدكتور عبد الحكيم الواعر (الشرق الأوسط)

تحديات المنطقة

وقال الواعر عن الآمال التي يمكن أن تحققها قمة أبوظبي بمشاركة 600 وفد من 70 دولة: «تركز القمة على الأمن الغذائي في وقت حساس، حيث تواجه المنطقة تحديات مثل زيادة السكان وارتفاع الطلب على الغذاء، مع قلة الموارد الطبيعية والمياه العذبة، خاصة في الدول العربية التي تضم ثمانية من بين العشر دول الأكثر جفافاً في العالم. كما أن التغيرات المناخية وارتفاع مستويات البحر وتأثير المياه المالحة على الأراضي الزراعية وتذبذب الأمطار يزيد من تعقيد الوضع»، وأضاف أن التغيرات المناخية، بالتزامن مع الصراعات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية، جعلت قضية الأمن الغذائي أولوية رئيسية، خاصة في قمة «كوب 27» في مصر و«كوب 28» في الإمارات. وقد زاد الاهتمام العالمي بالأمن الغذائي والمائي والطاقة المتجددة، مع التأكيد على دور الزراعة بوصفها مصدراً أساسياً لتوفير الغذاء. كما يعكس العدد الكبير من الوفود المشاركة في أسبوع الأمن الغذائي رغبة في تبادل الأفكار والخبرات وطرح حلول ابتكارية لزيادة الإنتاج باستخدام الموارد المحدودة. وأكد أن قمة أبوظبي أسفرت عن خريطة أولويات يجب الاستثمار فيها مستقبلاً عبر التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والأكاديمي للوصول إلى حلول مبتكرة.

مواجهة آثار التغير المناخي

وحول كيفية مواجهة آثار التغير المناخي في ظل إدارة أميركية جمهورية لا تضع قضية التغير المناخي في أولوياتها، قال الواعر: «يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة، بغض النظر عن التغيرات السياسية والإدارية، تظل ملتزمة بدعم منظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة. فهي عضو مؤسس للمنظمة، ولعبت دوراً أساسياً في تأسيسها منذ قمة كيبك عام 1945، ولا تزال من أكبر المانحين. ولا أعتقد أن وصول الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة سيؤثر على تمويل المنظمة. أما فيما يخص قضايا المناخ، فهناك مؤسسات أخرى معنية بها، وتُجرى نقاشات على مستويات سياسية واقتصادية. على الرغم من ذلك، أصبحت دول العالم أكثر قدرة على التكيف والاستجابة لتوجهات الحكومات الصناعية».

فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام الذي يقدمه مطبخ خيري في خان يونس (رويترز)

وعن حجم الفجوة الغذائية في العالم اليوم وما هي الزراعة الرقمية والبصمة الغذائية والبصمة الكربونية، أشار الواعر إلى وجود فجوة مالية كبيرة لتحقيق الأمن الغذائي، حيث تحتاج المنطقة العربية إلى 422 مليون دولار للاستجابة الطارئة للتحديات في مناطق الصراعات مثل غزة ولبنان والسودان واليمن، إضافة إلى المناطق المتضررة من الفيضانات. ومع جمع 14 في المائة فقط من المبلغ المطلوب، هناك فجوة تصل إلى 86 في المائة. وأكد على أهمية التمويل المحلي والدولي لدعم خطة الطوارئ لضمان توفير الغذاء بشكل مستدام، بما في ذلك الحبوب والبذور والعلف الحيواني والأسمدة. وخلال القمة تمت مناقشة سبل تمويل مبادرات الأمن الغذائي لمواجهة هذه الأزمة، وأضاف الواعر: «الزراعة الرقمية تتضمن استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، مثل الطائرات من دون طيار (الدرونز) للمسح والإنذار المبكر، وتطبيقات الأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى منصات الإرشاد الزراعي لصغار المزارعين. أما البصمة الغذائية، فهي تشير إلى ارتباط المنتجات الزراعية بمكان نموها، مما يربطها بتلك المنطقة. بينما البصمة الكربونية تقيس الانبعاثات الناتجة عن إنتاج المحاصيل بدءاً من تجهيز الأرض وحتى وصولها للأسواق، بهدف تقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة عبر تحسين استهلاك المياه والطاقة».

وفي احتفال العالم بيوم الأغذية العالمي تحت شعار «الحق في الغذاء من أجل حياة ومستقبل أفضل»، يرى الواعر أن الحق في الغذاء يعد من حقوق الإنسان الأساسية حسب المعاهدات الدولية، لكن واقع الوصول إلى الغذاء يختلف بين المناطق. يعاني نحو 735 مليون شخص من الجوع أو نقص التغذية، يعيش معظمهم في دول ذات دخل منخفض أو مناطق صراع. وقد تفاقمت أزمة الغذاء نتيجة الصراعات المسلحة، والتغيرات المناخية، وارتفاع الأسعار، مما جعل الحصول على غذاء كاف وآمن أمراً بعيد المنال.

ومع استخدام الجوع كسلاح ضد الفلسطينيين، بالإضافة إلى أزمة الأمن الغذائي التي تعصف باليمن والسودان بسبب الصراعات، يبرز دور المنظمات الدولية بشكل عام ودور «الفاو» في مواجهة استخدام الجوع كسلاح خلال الحروب. وفي هذا الإطار، يقول الواعر: «إن لبنان أيضاً تأثر بالأزمة، وإن المنطقة العربية تمر بأزمة إنسانية حادة بسبب حرب غزة، التي تعد الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يُستخدم الجوع كسلاح ضد النساء والأطفال. وتشير المنظمات إلى ضرورة وقف هذه المعاناة. وتقوم (الفاو) بدعم الزراعة والثروة الحيوانية في هذه الدول من خلال توزيع بذور المحاصيل، والأدوات الزراعية، واللقاحات الحيوانية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية وتقديم حوافز نقدية للأسر المتضررة لضمان استمرارية الإمدادات الغذائية».

أطفال السودان ضحايا الحرب والأوبئة والجوع (رويترز)

وأضاف: «يعد اليمن من أكثر البلدان تأثراً بالصراع، حيث يعاني 19 مليون يمني من أزمة أمن غذائي شديدة في 2023، مع انعدام الأمن الغذائي الحاد لنصف السكان. يعتمد 85 في المائة من غذائه على الاستيراد، مما يجعله عرضة لارتفاع الأسعار واضطرابات الإمدادات. كما يعتمد 2 من كل 3 يمنيين على الزراعة، وتقوم «الفاو» بتقديم مساعدات زراعية وإعادة تأهيل البنية التحتية. في السودان، يعاني 25 مليون شخص من آثار الصراع، بينما في غزة، يعاني مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. وفي لبنان، يعيش 30 في المائة من السكان في فقر مدقع، مما يستدعي زيادة التمويل لتلبية الاحتياجات الطارئة لهذه الدول».

تستطيع منظمة «الفاو» من خلال الدعم الحيواني توفير الحليب الطازج لأطفال غزة، ولكن المعابر مغلقة ولا توجد ممرات آمنة. وتتطلع المنظمة إلى المؤتمر الذي تستضيفه مصر في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) لمناقشة إيصال المساعدات إلى قطاع غزة وفتح المعابر. لأول مرة، يُصنف جميع سكان غزة (2.2 مليون شخص) في المرحلتين الرابعة والخامسة من تصنيف الأمن الغذائي، مما يعني أن الأسر غير قادرة على توفير وجبة واحدة في اليوم.

وعن إمكانيات تطبيق تقنيات زراعية ذكية لضمان الأمن الغذائي، أشار الواعر إلى أن هناك العديد من النقاشات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة، لكنه يعتقد أن تنفيذ هذه التقنيات سيستغرق وقتاً طويلاً، خاصة في المنطقة العربية حيث يعتمد الإنتاج الزراعي بشكل كبير على صغار المزارعين. هذه التقنيات تتطلب موارد مالية ضخمة وإمكانيات تقنية قد تكون غير متاحة للمزارعين الصغار. ورغم أن كبار المزارعين يمكنهم الاستفادة من هذه التقنيات، فإن 80 في المائة من الإنتاج الزراعي ما زال يعتمد على صغار المزارعين، مما يعني أن تقليص تكاليف هذه التقنيات وجعلها في متناول هؤلاء المزارعين سيستغرق وقتاً طويلاً.

«أرشيفية» لطوابير الجوعى في أميركا أمام بنك طعام (رويترز)

وختم الواعر قائلاً: «هدف القضاء على الجوع لا يمكن تحقيقه بحلول عام 2030، للأسف، لأن المؤشرات تشير إلى أن العالم ليس على المسار الصحيح. مع تأثيرات الأزمة الاقتصادية، وجائحة كورونا، وأزمة البحر الأسود، وضغوط التغيرات المناخية، شهدنا صحوة عالمية. إذا استمر هذا الزخم، أتوقع أن نصل إلى القضاء على الجوع بحلول عام 2050، خاصة مع تهديد أكثر من 800 مليون شخص بالجوع في العالم».


مقالات ذات صلة

خبراء ينصحون: لا تشترِ هذه الأطعمة مرة أخرى

صحتك فتيات يتناولن الآيس كريم على جسر ويستمنستر في لندن (إ.ب.أ)

خبراء ينصحون: لا تشترِ هذه الأطعمة مرة أخرى

ينصح الخبراء باستبعاد مجموعة من الأطعمة تماماً من وجباتك الغذائية. وللأسف، أكثر الأطعمة غير الصحية التي نتناولها هي غالباً الأطعمة الأفضل طعماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد طفل يلعب في حقل للشعير بمدينة صنعاء اليمنية (إ.ب.أ)

أسعار الغذاء العالمية تنخفض للشهر الثالث في نوفمبر

انخفضت أسعار السلع الغذائية الأساسية العالمية للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر، مع تراجع أسعار السلع الرئيسية باستثناء الحبوب.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد إحدى مناطق الاستزراع السمكي في المنطقة الشرقية (واس)

السعودية تعيد رسم خريطة الأسماك... من الاستيراد إلى التصدير

يشهد قطاع الاستزراع السمكي في السعودية منذ سنوات طفرة متسارعة جعلته اليوم أحد أعمدة تحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الواردات

أسماء الغابري (جدة)
العالم العربي خطة أممية تهدف إلى تحسين إنتاجية وتنوع وجودة الزراعة في اليمن (الأمم المتحدة)

خطة طوارئ أممية لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن

وضع مكتب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في اليمن خطة طوارئ جديدة لتعزيز وتنفيذ برامج واستراتيجيات تُعنى بأولويات الأمن الغذائي في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات

محمد ناصر (تعز)
شؤون إقليمية اشتعال النيران في ناقلة النفط «كايروس» التابعة لـ«أسطول الظل» الروسي إثر هجوم أوكراني عليها بالبحر الأسود قبالة ساحل تركيا يوم 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

تركيا قلقة إزاء هجمات أوكرانيا على ناقلتين تابعتين لـ«أسطول الظل» الروسي

عبّرت تركيا عن قلقها إزاء هجمات تبنتها أوكرانيا على ناقلتَيْ نفط تابعتين لـ«أسطول الظل» الروسي، في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها بالبحر الأسود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.