خطوات «البطة العرجاء» قد تترك أثراً عميقاً على حربَي غزة ولبنان

بايدن يمكنه اتخاذ قرارات راديكالية خلال الأسابيع الـ10 الأخيرة من عهده

تعهد ترمب بإنهاء حروب غزة ولبنان وأوكرانيا فور تسلّمه الرئاسة (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء حروب غزة ولبنان وأوكرانيا فور تسلّمه الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

خطوات «البطة العرجاء» قد تترك أثراً عميقاً على حربَي غزة ولبنان

تعهد ترمب بإنهاء حروب غزة ولبنان وأوكرانيا فور تسلّمه الرئاسة (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء حروب غزة ولبنان وأوكرانيا فور تسلّمه الرئاسة (أ.ف.ب)

يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن أن يتّخذ الكثير من القرارات البالغة الأهمية، وربما الراديكالية، خلال الأسابيع العشرة الأخيرة من عهده، بما في ذلك في رسم مستقبل السياسات الخارجية للولايات المتحدة، من دون أن يفرض التزامات على الإدارة المقبلة أو يقيّد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي يعود إلى البيت الأبيض رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

لم يتضّح بعد مدى تطابق التصريحات الانتخابية والتجارب السابقة مع السياسات الخارجية الفعلية التي سيعتمدها ترمب، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه سيحظى بقوة استثنائية لم يتمتع بها أي رئيس في التاريخ الأميركي. غير أن الرئيس بايدن يمكنه، على رغم كونه في فترة «البطة العرجاء» بحسب الوصف التقليدي في السياسة الأميركية، اتخاذ قرارات حازمة على غرار ما فعله الرئيس السابق باراك أوباما عندما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن رقم 2234 في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2016 باعتبار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد 5 يونيو (حزيران) 1967 «غير شرعي ويشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي».

تجارب سابقة

بايدن لدى إلقائه خطاباً بالبيت الأبيض في 7 نوفمبر (أ.ب)

كذلك، تعيد المواقف المتشدّدة التي اتّخذها الرئيس ترمب من إيران خلال عهده الأول بين عامي 2016 و2020، إلى الأذهان فضيحة «إيران كونترا»، وهي مؤامرة سرية لبيع أسلحة لإيران واستخدام العائدات لتمويل متمردي «الكونترا» في نيكاراغوا خلال إدارة الرئيس رونالد ريغان. ولكن التداعيات استمرت خلال عهد الرئيس جورج بوش الأب، الذي خسر المعركة الرئاسية عام 1988 أمام الرئيس السابق بيل كلينتون. وعلى رغم ذلك، أصدر بوش في 24 ديسمبر 1992 عفواً عن ستة من المتهمين أو المدانين، من دون أن يواجه أي منهم عقوبة السجن.

يأتي فوز ترمب الآن في وقت تلوح فيه سلسلة من المواقف الضرورية، وخيارات دبلوماسية صعبة وتهديدات بالتصعيد في الشرق الأوسط وأوكرانيا وخارجها.

وفي خضم حرب غزة ولبنان وخلال اليوم الانتخابي الطويل في الولايات المتحدة، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فجأة إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، المعروف بعلاقته الوثيقة مع المسؤولين الكبار في إدارة بايدن، علماً أنه مضطر إلى مواصلة العلاقة معهم إلى حين تسلم ترمب المقاليد الرئاسية. وستكون هذه الفترة حرجة، وربما حاسمة، في ظل استعار حربي إسرائيل مع «حماس» في غزة ومع «حزب الله» في لبنان، ومخاطر اتساع نطاقها لتشمل إيران، وحاجة إسرائيل إلى استمرارية تدفق شحنات الأسلحة الأميركية. وقد يستخدم بايدن أيضاً أيامه الأخيرة في منصبه لإنهاء حرب غزة وإطلاق الرهائن، فضلاً عن وضع حد نهائي لحرب لبنان، وبالتالي لتسوية الحسابات مع حكومة نتنياهو بعدما عانت الإدارة الحالية طويلاً من إساءات وإهانات على يد نتنياهو طوال الفترة الماضية.

وقف النار... والحرب

وعلى غرار ما حصل في عهد أوباما، يمكن لبايدن اغتنام فرصة انعقاد مجلس الأمن قريباً للنظر في كيفية وقف الحرب في الشرق الأوسط. ويمكنه أن يختار عدم استخدام حقّ النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار أعدّته فرنسا منذ أشهر للمطالبة بوقف النار، وربما فرض عقوبات ضد الأطراف الرافضة لقبول التهدئة.

ولا أحد يمكنه أن يعرف الآن ما إذا كان ترمب سيتدخل لمنع اتخاذ خطوة كهذه من «البطة العرجاء»، علماً أن الرئيس السابق استشاط غضباً من نتنياهو عندما هنأ بايدن على فوزه في انتخابات 2020. لكن نتنياهو أطلق مبكراً حملة لاستعادة حظوة ترمب، وزار مارالاغو في يوليو (تموز) الماضي، وتحادث معه عبر الهاتف مرات في الأسابيع الأخيرة من الحملة الرئاسية. وكان نتنياهو بين أوائل زعماء العالم الذين هنأوا ترمب على فوزه الانتخابي الأخير، واصفاً ما حصل بأنه «أعظم عودة في التاريخ» بين جميع الرؤساء الأميركيين.

وستواجه إدارة بايدن، الأسبوع المقبل، اتخاذ قرار لمعالجة مهلة الأيام الـ30 التي فرضتها على الحكومة الإسرائيلية لتخفيف المخاوف الإنسانية أو المخاطرة بتعليق شحنات الأسلحة الأميركية وغيرها من المساعدات. ولعل أحد العوامل التي تُعقّد قرار الإدارة هو معرفة أنه إذا قطع بايدن الإمدادات العسكرية عن إسرائيل، فإن ترمب يمكن أن يعيد على الفور عمليات نقل الأسلحة عندما يصل إلى البيت الأبيض في 20 يناير المقبل.

غموض ترمب

ترمب ونتنياهو في مارالاغو 26 يوليو (أ.ب)

وكان ترمب تحدث مراراً عن إنهاء إسرائيل للحرب في غزة، وقال الأسبوع الماضي الأمر نفسه عن القتال في لبنان. ولكنه توعد باتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إيران وطموحاتها النووية، من دون أن يُظهر أي رغبة في خوض حرب معها. كما أكد نائب الرئيس المنتخب جيمس ديفيد فانس، الأسبوع الماضي، أن «مصلحتنا تكمن في عدم الذهاب إلى حرب مع إيران. سيكون ذلك بمثابة تشتيت كبير للموارد. وسيكون مكلفاً للغاية لبلدنا»، متفقاً بذلك مع المواقف العامة للسياسة الخارجية لترمب.

وكذلك لا تزال خطط ترمب الفعلية في السياسية الخارجية غامضة، فهو يدرك أن حل حرب أوكرانيا في غضون 24 ساعة ليس واقعياً، والتراجع عن دور أميركا بصفتها «شرطي العالم» بحسب تعبير فانس، الذي لم يحدد ما إذا كانت الإدارة المقبلة ستتخذ إجراءات فيما يتعلق بتوسيع اتفاقات إبراهيم في الشرق الأوسط.

ومع انتصار ترمب، تواجه أوكرانيا وضعاً صعباً للغاية بسبب إعلان الرئيس المنتخب في مناسبات عدّة أنه سيتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيوقف الدعم الأميركي الكبير الذي تقدمه إدارة بايدن للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الحرب مع روسيا.

وربما يقرر بايدن خلال هذه الفترة شحن أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، في سياق الحزمة البالغة 61 مليار دولار التي وافق عليها الكونغرس في أبريل (نيسان) الماضي. ولا يزال بايدن يواجه مسألة ما إذا كان سيسمح لأوكرانيا باستخدام أنظمة صواريخ أميركية بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية، وهو الأمر الذي طالب به الأوكرانيون منذ أشهر. لكن البيت الأبيض تجنبه وسط مخاوف من أن بوتين سيُصعّد الحرب أو يعقّد الأولويات الأخرى للسياسة الخارجية الأميركية.


مقالات ذات صلة

الحلفاء والخصوم يستعدون لـ«عصر ترمب»

الولايات المتحدة​ تعهد ترمب بإنهاء حروب غزة ولبنان وأوكرانيا فور تسلّمه الرئاسة (أ.ف.ب)

الحلفاء والخصوم يستعدون لـ«عصر ترمب»

عكست تصريحاتٌ لصنّاع القرار في عواصم عالمية عدة، بعد إعلان فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية جديدة، شعوراً عاماً بأن العالم مُقبل على تغييرات جوهرية خلال الأشهر

علي بردى (واشنطن) هبة القدسي (واشنطن) ميشال أبونجم ( باريس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب: لن يكون أمامنا خيار سوى تنفيذ «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين

قال الرئيس الأميركي المنتخب إن قضية الحدود تعد إحدى أولوياته القصوى، وإن إدارته لن يكون أمامها خيار سوى تنفيذ عمليات «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول (رويترز)

«سي إن إن»: ترمب قد يسمح لباول بمواصلة مهمته حتى نهاية ولايته

من المرجح أن يسمح الرئيس المنتخب دونالد ترمب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بقضاء بقية فترة ولايته التي تنتهي في مايو (أيار) 2026.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن لدى إلقائه خطاباً في البيت الأبيض يوم 7 نوفمبر (أ.ف.ب) play-circle 02:15

بايدن يتعهّد بانتقال سلمي للسلطة ويطالب بتقبّل اختيار الناخبين

في خطاب لم يستمر أكثر من 6 دقائق، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بانتقال سلمي للسلطة والقيام بواجبه بما ينص عليه الدستور.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

تقرير: حلفاء هاريس يلومون بايدن على خسارتها الفادحة أمام ترمب

قالت وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء إنه رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يكن اسمه على ورقة الاقتراع، لكن التاريخ سيتذكر على الأرجح الهزيمة الفادحة لنائبته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب: لن يكون أمامنا خيار سوى تنفيذ «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
TT

ترمب: لن يكون أمامنا خيار سوى تنفيذ «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إن قضية الحدود ستكون إحدى أولوياته القصوى فور توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) المقبل، مضيفاً أن إدارته لن يكون أمامها خيار سوى تنفيذ عمليات «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين.

وفي مقابلة هاتفية مع تلفزيون «NBC»، اليوم (الخميس)، أشار ترمب إلى أن موقفه بشأن قضية الحدود كان جزئياً سبباً في انتصاره في الانتخابات التي أجريت يوم الثلاثاء.

وقال إن الناخبين «يريدون أن تكون هناك حدود، وهم يحبون أن يأتي الناس، ولكن عليهم أن يأتوا بحبّ للبلاد. عليهم أن يأتوا بشكل قانوني». وأضاف: «يجب أن نجعل الحدود قوية».

وأعلن الرئيس الأميركي المنتخب أنه «يعتقد» أنه سيتحدث قريباً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال، في أول مقابلة تجرى معه منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية: «أعتقد أننا سنتحدث معاً».

كان بوتين قد هنّأ ترمب على فوزه في الانتخابات. وقال، اليوم (الخميس)، إنه مستعد للتحدث مع ترمب لأن أي أفكار بشأن تسهيل إنهاء أزمة أوكرانيا تستحق الاهتمام.

وقال بوتين إنه معجب بكيفية تعامل ترمب في اللحظات التي أعقبت محاولة اغتياله في يوليو (تموز). ووصفه بأنه «رجل شجاع».

وأشار الرئيس الروسي إلى أن بلاده مستعدة لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن الكرة الآن في ملعب واشنطن.

ودأب الكرملين على القول إن العلاقات مع الولايات المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها، ويعزو السبب في ذلك إلى دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. وقال بوتين إنه يأمل في إصلاح العلاقات الروسية الأميركية ذات يوم.