حرب غزة والتصعيد الإسرائيلي في لبنان يسبقان بايدن إلى الجمعية العامة

روسيا تنأى بنفسها عن إجماع أممي حول «ميثاق مستقبلي» يشمل إصلاح مجلس الأمن

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في «قمة المستقبل» قبل بدء المناقشة العامة للدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (د.ب.أ)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في «قمة المستقبل» قبل بدء المناقشة العامة للدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (د.ب.أ)
TT

حرب غزة والتصعيد الإسرائيلي في لبنان يسبقان بايدن إلى الجمعية العامة

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في «قمة المستقبل» قبل بدء المناقشة العامة للدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (د.ب.أ)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث في «قمة المستقبل» قبل بدء المناقشة العامة للدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (د.ب.أ)

يصعد العشرات من زعماء العالم، الثلاثاء، إلى المنصة الرخامية الخضراء في القاعة الكبرى للجمعية العامة للأمم المتحدة لتحديد مواقفهم وتطلعاتهم في شأن القضايا التي تعني بلدانهم وشعوبهم ومستقبلها، وسط إلحاح متزايد على منح المنظمة الدولية زخماً جديداً يمكنها من الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في تسوية النزاعات الحالية، مثل حربي غزة وأوكرانيا، ونزع فتيل النزاعات التي تنذر بالتوسع سواء أكانت في السودان أو مع إيران أو حول تايوان، والتفرغ لقضايا مصيرية مشتركة مثل تغيّر المناخ وتقدم الذكاء الاصطناعي.

وفيما واصل الآلاف من كبار زعماء العالم والمسؤولين الذين يمثلون الدول الـ193 في الجمعية العامة والدول والهيئات المراقبة وممثلي المئات من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المجيء للمشاركة في أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية، في ظل التصعيد المتسارع للعمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وعلى خلفية المخاوف من اتساع حرب غزة في اتجاهات مختلفة؛ يترقب العالم الكلمة التي سيلقيها الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي الأخيرة له فيما يشكل أكبر منتدى دولي على الإطلاق، قبل أن تنتهي ولايته بعد أقل من أربعة أشهر، في خضم موسم انتخابي أميركي لا سابق له سيتحدد في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس وغريمها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، علماً بأن لكل منهما رؤيتين متعارضتين تماماً للأمم المتحدة ودورها ومستقبلها. ولم يتضح ما إذا كانت هاريس سترافق بايدن في هذه المحطة الدولية المهمة.

أعمدة الدخان تتصاعد قرب مدينة صور في جنوب لبنان بعد غارات إسرائيلية (رويترز)

أناس يبحثون عن ناجين وعن جثث الضحايا بين أنقاض أبنية دمرها القصف الإسرائيلي في خان يونس بقطاع غزة (أ.ف.ب)

كلمات كلمات

ويتوقع أن يدلي بايدن خطاباً آخر في مناسبة رفيعة المستوى تشارك فيها الممثلة والناشطة المناخية جين فوندا ورئيس البنك الدولي أجاي بانغا، بالإضافة إلى شخصيات بارزة أخرى.

وبالإضافة إلى بايدن، وفقاً للترتيب الذي أعدته الأمانة العامة للأمم المتحدة، سيتوالى على المنصة التي شهدت صعود شخصيات تاريخية عليها منذ عام 1952 عندما انتهى تشييد المبنى الحالي الشهير للمنظمة الدولية عند ما يسمى «خليج السلاحف» على ضفة النهر الشرقي «ايست ريفير» بضاحية مانهاتن في نيويورك، كل من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل المغربي الملك محمد الخامس، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس البولندي أنديه دودا. وستكون الكلمة الأبرز الأربعاء للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

«قمة المستقبل» وميثاقها

الرئيس التشيكي بيتر بافيل يتحدث في «قمة المستقبل» في الأمم المتحدة ويبدو خلفه رئيس الجمعية العامة فيليمون يانغ في نيويورك (رويترز)

واستبق زعماء العالم بدء المناقشات العامة لهذه الدورة، التي تقام الثلاثاء، بالموافقة على مقررات طموحة لـ«قمة المستقبل» التي انعقدت يومي الأحد والاثنين، وأصدرت بإجماع لا يحتاج إلى تصويت «ميثاق المستقبل» الذي يتألف من 42 صفحة ويجمع دول العالم سوية على رغم انقساماتها العميقة لمعالجة تحديات القرن الحادي والعشرين، وأبرزها تغير المناخ والذكاء الاصطناعي والنزاعات المتصاعدة وزيادة عدم المساواة والفقر.

الباب المفتوح

وشكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الزعماء والدبلوماسيين على اتخاذ الخطوات الأولى وفتح «الباب» لمستقبل أفضل لسكان الأرض البالغ عددهم الآن أكثر من ثمانية مليارات إنسان. وقال: «نحن هنا لإعادة التعددية من حافة الهاوية»، مضيفاً أن «مصيرنا المشترك الآن هو أن نسير من خلالها. وهذا لا يتطلب مجرد اتفاق، بل يتطلب عملاً» لتنفيذ وعود الميثاق الجديد، ومنها إعطاء الأولوية للحوار والمفاوضات من أجل إنهاء «الحروب التي تمزق عالمنا» من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا والسودان، فضلاً عن إصلاح مجلس الأمن باعتباره الجهاز الأقوى للأمم المتحدة، وتسريع إصلاحات النظام المالي الدولي، والاستماع إلى الشباب وإشراكهم في صنع القرار.

وأشار إلى عدد من الأحكام الرئيسية في الميثاق والملحقين الاثنين به، «الميثاق الرقمي العالمي» و«إعلان الأجيال القادمة»، تلزم زعماء العالم بإصلاح مجلس الأمن - المؤلف حالياً من 15 عضواً بينهم خمسة دائمين للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا يحظون بحق النقض «الفيتو» وعشرة منتخبين لولاية من عامين لكل منهم - لجعله أكثر انعكاساً لعالم اليوم و«تصحيح الظلم التاريخي ضد أفريقيا»، التي ليس لها مقعد دائم، ومعالجة التمثيل الناقص لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأميركا اللاتينية. ورأى أن الميثاق «يمثل أيضاً أول دعم متعدد الأطراف متفق عليه لنزع السلاح النووي منذ أكثر من عقد من الزمان»، إذ يلتزم «اتخاذ خطوات لمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي وتنظيم استخدام الأسلحة الفتاكة المستقلة».

وظل مصير الاتفاق موضع تساؤل حتى اللحظة الأخيرة. وعلمت «الشرق الأوسط» من الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن هذه الشكوك طالت حتى غوتيريش الذي «أعد ثلاثة خطابات: واحد للموافقة، وآخر للرفض، وثالث إذا لم تكن الأمور واضحة».

روسيا تنأى بنفسها

وتعززت هذه الشكوك بتصريح لنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين الذي اقترح تعديلات من شأنها أن تضعف الاتفاق بشكل كبير، قائلاً إن «لا أحد سعيد بهذا الاتفاق». وأضاف أن روسيا ستنأى بنفسها عن الإجماع إذا لم يستجب لطلباتها.

وبالنيابة عن الدول الأفريقية الـ54 التي عارضت التعديلات الروسية، ردت جمهورية الكونغو الديمقراطية باقتراح لعدم التصويت على التعديلات. وتمت الموافقة على هذا الاقتراح وسط تصفيق حاد. ولم تحصل روسيا على دعم سوى إيران وبيلاروسيا وكوريا الشمالية ونيكاراجوا والسودان وسوريا.

ثم عرض رئيس الجمعية العامة فيليمون يانغ الاتفاق للتصويت وضرب بمطرقته، دالاً على إجماع الدول الأعضاء على الوثيقة من دون تصويت. وأعلن قبل بدء الخطابات أن الميكروفونات ستصمت بعد خمس دقائق من بدء كل كلمة، في حدث نادر في الأمم المتحدة. وعلى رغم أن كلماتهم لم تعد مسموعة بعد الدقائق الخمس، واصل الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح، والرئيس الآيرلندي مايكل هيغينز كلماتهم.

ويحذر «ميثاق المستقبل» من «مستقبل مظلم»، مضيفاً أن زعماء العالم يجتمعون «في وقت من التحول العالمي العميق» ترتفع فيه «المخاطر الكارثية والوجودية» التي يمكن أن تدفع الناس في كل مكان «إلى مستقبل من الأزمة المستمرة والانهيار». غير أنه يؤكد في الوقت ذاته أن الزعماء يأتون إلى الأمم المتحدة في وقت من الأمل والفرصة «لحماية حاجات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية من خلال الإجراءات المنصوص عليها في ميثاق المستقبل»، الذي يتضمن 56 إجراء في شأن قضايا بما في ذلك القضاء على الفقر، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز السلام وحماية المدنيين، وتنشيط النظام المتعدد الأطراف.

حوكمة للذكاء الاصطناعي

وقال غوتيريش إن الميثاق الرقمي «يتضمن أول اتفاق عالمي حقيقي في شأن الحوكمة الدولية للذكاء الاصطناعي». ويلزم زعماء العالم إنشاء لجنة علمية دولية مستقلة في الأمم المتحدة لتعزيز الفهم العلمي للذكاء الاصطناعي ومخاطره وفرصه. كما يلزم الأمم المتحدة بدء حوار عالمي حول حوكمة الذكاء الاصطناعي مع جميع اللاعبين الرئيسيين. ولفت إلى أن إجراءات الميثاق تشمل أيضاً تدابير «لتنفيذ استجابة فورية ومنسقة للصدمات المعقدة» بما في ذلك الأوبئة. كما يشمل «التزاماً رائداً من الحكومات للاستماع إلى الشباب وإشراكهم في صنع القرار».

وكانت ألمانيا وناميبيا قادتا 18 شهراً من المفاوضات في شأن الاتفاق. وقال الرئيس الناميبي نانغولو مبومبا إن الزعماء يجب أن يغادروا القمة ملتزمين مساراً نحو السلام، لا مسار يؤدي إلى «كارثة بيئية، واتساع فجوة التفاوت، والصراع العالمي والدمار وصعود التقنيات الخطيرة التي تهدد أمننا».

وحذر المستشار الألماني أولاف شولتز من أنه إذا لم تتحد البلدان لتنفيذ إجراءات الاتفاق «لن يحكم التاريخ علينا فقط... بل أيضاً على الشباب في جميع أنحاء العالم». ونبه إلى أن «الطريق وعر» نحو تحقيق هذه الأهداف.


مقالات ذات صلة

عشرات القتلى من المجوّعين بغزة ضحايا لآلة الحرب الإسرائيلية

المشرق العربي لقطات من مقطع فيديو تظهر فتاة تركض من مكان الحادث أثناء غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في مخيم البريج الأربعاء (رويترز)

عشرات القتلى من المجوّعين بغزة ضحايا لآلة الحرب الإسرائيلية

واصلت القوات الإسرائيلية، استهدافها للفلسطينيين الذين يتدفقون عند نقاط توزيع المساعدات، ما أدى لمقتل عشرات القتلى والجرحى

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: عودة الحديث عن «صعوبات» رغم «التفاؤل» الأميركي

عاد الحديث من جديد عن «صعوبات» تواجه محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة بالدوحة، حسب تسريبات إعلامية متتالية لا سيما من جانب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي متظاهرون يصطدمون بالشرطة في ميدان ترافلغار بلندن عقب إعلان حظر مجموعة «فلسطين أكشن» (أ.ف.ب)

الشرطة البريطانية تُوقف عشرات من أنصار مجموعة «فلسطين أكشن»

أُوقف عشرات من أنصار «فلسطين أكشن»، السبت، في بريطانيا خلال مظاهرة مؤيّدة للحركة الداعمة للفلسطينيين التي باتت محظورة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري فلسطينيون يصرخون أثناء طلب الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة الجوع في غزة (رويترز) play-circle 00:33

تحليل إخباري هدنة غزة: ملف خرائط الانسحاب في انتظار ردّ إسرائيل

قالت مصادر في حركة «حماس» إن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة دخلت أسبوعها الحاسم، في انتظار التوصل لاتفاق بشأن البند المتعلق بخرائط انتشار الجيش الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يصرخون أثناء طلب الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة الجوع في غزة (رويترز) play-circle

مقتل 116 فلسطينياً في غارات إسرائيلية متواصلة على غزة

أفادت مصادر في مستشفيات غزة بمقتل 116 مواطناً فلسطينياً وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية على القطاع منذ فجر اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (غزة)

تقرير: وكالة أميركية تسارع لبناء مخيمات للمهاجرين بعد تلقي تمويل جديد

مركز احتجاز كور سيفيك للمهاجرين في مقاطعة كيرن بكاليفورنيا ينتظر افتتاحه لاستقبال المهاجرين بالتعاقد مع إدارة الهجرة والجمارك (أ.ف.ب)
مركز احتجاز كور سيفيك للمهاجرين في مقاطعة كيرن بكاليفورنيا ينتظر افتتاحه لاستقبال المهاجرين بالتعاقد مع إدارة الهجرة والجمارك (أ.ف.ب)
TT

تقرير: وكالة أميركية تسارع لبناء مخيمات للمهاجرين بعد تلقي تمويل جديد

مركز احتجاز كور سيفيك للمهاجرين في مقاطعة كيرن بكاليفورنيا ينتظر افتتاحه لاستقبال المهاجرين بالتعاقد مع إدارة الهجرة والجمارك (أ.ف.ب)
مركز احتجاز كور سيفيك للمهاجرين في مقاطعة كيرن بكاليفورنيا ينتظر افتتاحه لاستقبال المهاجرين بالتعاقد مع إدارة الهجرة والجمارك (أ.ف.ب)

ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، يوم السبت، أن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية تسابق الزمن لبناء مخيمات للمهاجرين في جميع أنحاء البلاد بعد تلقيها تمويلاً جديداً بقيمة 45 مليار دولار، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز من 40 ألفاً إلى 100 ألف سرير بحلول نهاية العام.

وأضاف التقرير، نقلاً عن وثائق اطلعت عليها الصحيفة، أن الوكالة تعطي الأولوية للمخيمات الواسعة النطاق في القواعد العسكرية وسجون إدارة الهجرة والجمارك، بما في ذلك موقع بسعة خمسة آلاف سرير في فورت بليس بولاية تكساس ومواقع أخرى في كولورادو وإنديانا ونيوجيرزي.

وقال مسؤول كبير في وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، لوكالة «رويترز»: «تدرس الوكالة جميع الخيارات المتاحة لتوسيع الطاقة الاستيعابية للأسرّة... العملية تشمل إيواء المحتجزين في بعض القواعد العسكرية».

وقال التقرير إن مسؤولين أميركيين كباراً في وزارة الأمن الداخلي، بمن فيهم الوزيرة كريستي نويم، عبروا عن تفضيلهم لمراكز الاحتجاز التي تديرها الولايات الجمهورية والحكومات المحلية بدلاً من شركات السجون الخاصة.

وقالت نويم الأسبوع الماضي إنها تجري محادثات مع خمس ولايات يقودها الجمهوريون لبناء مواقع احتجاز أخرى مستوحاة من منشأة «أليجيتر ألكاتراز» في فلوريدا.

وذكرت نويم، خلال مؤتمر صحافي في فلوريدا، دون أن تسمي أياً من الولايات «لدينا عدد من الولايات الأخرى التي تستخدم بالفعل منشآت ألكاتراز نموذجاً لكيفية الشراكة معنا».