غوانتانامو: قضية النطق بالحكم ضد عبد الهادي العراقي وصلت إلى مرحلة حاسمة

اعترف بالتآمر مع أسامة بن لادن و«القاعدة»... وتورطه بقتل ضابط أميركي في أفغانستان

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» معتقل في خليج غوانتانامو منذ عام 2007 واعترف بارتكابه جرائم حرب في أفغانستان عامي 2003 و2004 (نيويورك تايمز)
عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» معتقل في خليج غوانتانامو منذ عام 2007 واعترف بارتكابه جرائم حرب في أفغانستان عامي 2003 و2004 (نيويورك تايمز)
TT

غوانتانامو: قضية النطق بالحكم ضد عبد الهادي العراقي وصلت إلى مرحلة حاسمة

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» معتقل في خليج غوانتانامو منذ عام 2007 واعترف بارتكابه جرائم حرب في أفغانستان عامي 2003 و2004 (نيويورك تايمز)
عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» معتقل في خليج غوانتانامو منذ عام 2007 واعترف بارتكابه جرائم حرب في أفغانستان عامي 2003 و2004 (نيويورك تايمز)

قبل عشرين عاماً، عندما تلقت عائلة «إيغرز» في كيب كورال، بولاية فلوريدا، الأخبار المؤلمة بأن ابنهم الأكبر قد قُتل في أفغانستان، ففعلوا ما تفعله عائلات الخدمة العسكرية تماماً. دفنوه في مقبرة أرلينغتون الوطنية. وقد أنصتوا سامعين عندما وصف كاهن الجيش اعترافه الأخير في ساحة المعركة. وقد حزنوا مع الرئيس جورج بوش، القائد الأعلى للجيش، وأكرموا ذكراه بإخلاص في كل مناسبة للذكرى.

صورة للكابتن إيغرز في أفغانستان (في الوسط) معلقة على الحائط في كيب كورال - فلوريدا (نيويورك تايمز)

هذا الأسبوع، يقوم والد وشقيقة النقيب دانيال دبليو إيغرز، وهو من القوات الخاصة، بتكريمه بطريقة مختلفة. وهما الآن في خليج غوانتانامو لتمثيله في محاكمة أحد قادة المتمردين الأعداء السابقين في أفغانستان. كان النقيب إيغرز يبلغ من العمر (28 عاماً) عندما قُتل في جولة خدمته الثانية في أفغانستان. كان قد انغمس في الغذاء والثقافة الأفغانية ويتكلم لغة الباشتو.

قال بيل إيغرز، والده، في مقابلة أُجريت معه مؤخراً: «لقد كان رجلاً متواضعاً للغاية». لقد نشأ وهو يطمح بالانضمام إلى الجيش بقدر ما يمكن لأي شخص أن يتذكره، وكان يؤمن حقاً «بالله، والعائلة، والوطن»، كما قال والده. في اتفاق الإقرار بالذنب تم التوصل إليه قبل عامين، واعترف زعيم المتمردين، عبد الهادي العراقي، بأنه كان يقود المقاتلين الذين زرعوا وفجّروا اللغم الذي يعمل بالضغط فقتل النقيب إيغرز وثلاثة آخرين من أفراد القوات الخاصة الأميركية.

وكان هناك تبادل لإطلاق النار، وكان الكوماندوز الأميركيون يلاحقون ما يعتقدون أنهم قوات هاربة من «طالبان» عندما تعثرت سيارتهم «هامفي» جراء الانفجار. وتعد هذه القضية سابقة شاذة في محكمة غوانتانامو التى تشكلت بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والتي تعدّ العالم ساحة معركة في الحرب ضد الإرهاب. وتتخذ قضية عبد الهادي وجهة نظر أكثر تقليدية للحرب ومنطقة القتال.

مدخل معسكر غوانتانامو شديد الحراسة (الشرق الأوسط)

الاعتراف بالذنب

ووافق عبد الهادي على أن بعض التكتيكات - التي استخدمتها قواته من «طالبان» و«القاعدة» لمحاربة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان في 2003 و2004 - تُشكل جرائم حرب. واعترف العراقي بالتآمر مع أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» ابتداءً من عام 1996.

وقد ساعد العراقي حركة «طالبان» في تفجير تماثيل بوذا الضخمة في وادي باميان في أفغانستان، وهو موقع للتراث العالمي تابع لـ«يونيسكو»، في مارس (آذار) 2001.

بحلول عام 2003، بعد الغزو الأميركي، كان عبد الهادي العراقي قائداً للمتمردين، أغلبهم من «طالبان» ومن قوات أخرى أيضاً. وأطلقوا النار على مروحية للإخلاء الطبي كانت في محاولة لانتشال جندي مصاب توفي في وقت لاحق.

وكانت القوات التي تخضع لقيادة عبد الهادي تظهر بمظهر المدنيين لتنفيذ الهجمات الانتحارية أو زرع القنابل في المركبات المدنية لمهاجمة وقتل القوات الأميركية والحليفة.

كان بيل إيغرز وهو من قدامى المحاربين وضابط شرطة سابق أول فرد من العائلة يشاهد الإجراءات التمهيدية في القضية (نيويورك تايمز)

هيئة محلفين للاستماع إلى الأدلة

ويجري هذا الأسبوع اختيار هيئة محلفين من ضباط الجيش الأميركي للاستماع إلى الأدلة وبيانات التأثير العائلي لاتخاذ حكم بالسجن عليه من 25 إلى 30 عاماً.

وبموجب اتفاق 2022، يمكن لعبد الهادي العراقي أن يقضي فترة العقوبة في عُهدة دولة أخرى، إذا تم العثور على حليف موثوق به لمنحه الرعاية الطبية. إذ خضع، خلال 17 عاماً قضاها في غوانتانامو، لسلسلة من العمليات الجراحية لعموده الفقري بسبب مرض القرص التنكسي الذي تركه معاقاً وفي حاجة إلى رعاية متخصصة.

جانب من القاعدة الأميركية في غوانتانامو (أ.ب)

وألقي القبض على عبد الهادي، البالغ من العمر الآن 63 عاماً، في تركيا عام 2006 واقتيد إلى «موقع أسود» سري تابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قبل غوانتانامو. ووجهت إليه الاتهامات في عام 2014، وهو عامه السابع قيد الاعتقال العسكري، في قضية غير مألوفة في البداية لدى عائلة إيغرز.

وأصبح بيل إيغرز، وهو من قدامى المحاربين في حرب فيتنام وضابط شرطة سابق، أول فرد من أفراد الأسرة يشاهد إجراءات ما قبل المحاكمة في القضية. وجلس كمتفرج وحيد في القسم الخاص بالضحايا وأقاربهم في قاعة المحكمة الخفية، يحدق عبر صفوف من طاولات الدفاع إلى المتهم والقاضي في المقدمة. كانت ريبيكا، أرملة دانيال إيغرز، قد علمت بأمر القضية واتصلت بحميها. «يا أبي، هل يمكنك أن تسدي لي معروفاً؟». متذكراً ما قالته عندما طلبت منه أن يمثل العائلة في المحاكمة. الخدمة العامة هي جزء من نسيج عائلة الكابتن إيغرز، تمتد إلى الجد الأكبر للأم الذي خدم كفرد عدّاء في الحرب الإسبانية - الأميركية. وخدم بيل إيغرز كمدفعيّ على المروحيات القتالية في فيتنام. وخدم بيلي شقيق دانيال إيغرز الأصغر بجولتين في العراق.

وشقيقته ماري ليبيد تعمل محققة في قوة شرطة فلوريدا. وكانت العقيد ريبيكا إيغرز، التي وُلدت في فيتنام ونشأت في مزرعة بولاية ويسكونسن، قد تقاعدت مؤخراً من الجيش، الذي انضمت إليه بعد أكثر من عقدين من الزمن بعد أن تم إخلاؤها، باعتبارها يتيمة، أثناء سقوط سايغون.

وتقابلت مع دانيال في مدرسة الضباط المرشحين. ذهب ولداهما، اللذان كانا في السادسة والثالثة من العمر عندما توفي والدهما، إلى القلعة في ولاية ساوث كارولينا، وهي الكلية الأم لوالدهما. عندما كان لا يزال صبياً في مذبح الكنيسة، عاد النقيب المستقبلي إيغرز إلى المنزل من المدرسة الإعدادية وسأل والدته: هل يمكن أن يكون شخص ما جندياً وكاهناً في الوقت نفسه؟ وأوضحت له أن الجيش لديه فيلق للضباط من القساوسة، من بينهم الكهنة الروم الكاثوليك المرسومون. طموح قصير الأجل. وقال أبوه إنه «تعرف على فتيات» في المدرسة الثانوية. عندما سمعت لأول مرة عن القضية، وجدت شقيقة الكابتن إيغرز أن الأمر محير بعض الشيء.

«الحرب هي الحرب»

وقالت المحققة ليبيد آنذاك: «الحرب هي الحرب»، لكن قرار السجين بالاعتراف بالذنب حسم أمراً ما. وقالت: «أعتقد أن شقيقي سيحترم ذلك. مع العلم أنهما كانا قائدين لمجموعتيهما، فإنه سيحترم أن هذا الرجل تحمل المسؤولية عن ذلك، بدلاً من أن يكون جباناً» الآن، من الصعب تخيل ما قد يفكر فيه الكابتن إيغرز في قضية جرائم الحرب هذه.

يقول بيل إيغرز: «هل يعتقد ابني أنه ضحية؟»، وأضاف: «لا أستطيع الإجابة عن ذلك حقاً». وأضاف: «كان هناك قائد من جهة وكان هو متواجداً على الجهة الأخرى...»، وقال السيد إيغرز، متفكراً في الأمر: «ربما كان يقول: دعوا النظام يتولى الأمر. لا تضغط عليه».

خدم في الحرب العراقية - الإيرانية

ويقول عبد الهادي، وهو عراقي الجنسية، إن اسمه الحقيقي هو «نشوان التمير»، وخدم في الحرب العراقية - الإيرانية 1980-1988، وهرب إلى أفغانستان لتجنب العودة إلى جيش صدام حسين في حرب الخليج عام 1991. ووافق عبد الهادي أيضاً على أن قواته كانت مسؤولة عن القنبلة التي زُرعت على جانب الطريق في 29 مايو (أيار) 2004، والتي قتلت النقيب إيغرز وقوات الكوماندوز الأخرى في فريقه القتالي التكتيكي، ومكتوب على شاهد القبر من الرخام الأبيض للكابتن إيغرز جزء من رسالة تيموثاوس الثانية: «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، وَأَكْمَلْتُ السَّعْيَ، وَبَقِيتُ مُخْلِصاً». في وقت لاحق، اعترف قسيس كان في أفغانستان بأن الكابتن إيغرز كان يتعبد حتى نهاية حياته.


مقالات ذات صلة

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

الولايات المتحدة​ البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

غوانتانامو: اتفاقات الإقرار بالذنب لمتهمين في قضية 11 سبتمبر سارية

أفاد قاضٍ عسكري في غوانتانامو بأنه سيواصل قبول إقرارات الذنب من ثلاثة متهمين مقابل أحكام بالسجن المؤبد.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إسكالييه التي كانت آنذاك عميدة في الجيش الأميركي تتحدث خلال تدريب القيادة القانونية الاحتياطية للجيش عام 2019 (نيويورك تايمز)

من هي وكيلة العقارات التي حسمت قضية 11 سبتمبر؟

أثارت موافقة سوزان إسكالييه على صفقة الإقرار بالذنب، وهو واحد من أهم القرارات في تاريخ محكمة الحرب في خليج غوانتانامو.

كارول روزنبرغ
آسيا عبد الرحيم غلام رباني المعتقل السابق في غوانتانامو  (وسائل الإعلام الباكستانية)

بعد 18 عاماً بغوانتانامو... باكستاني يتوفى بكراتشي

بعد سنوات طويلة من المرض ونقص الرعاية الصحية، توفي عبد الرحيم غلام رباني، مواطن باكستاني أمضى 18 عاماً بسجن غوانتانامو في كراتشي، مسقط رأسه.

عمر فاروق (إسلام آباد )
خاص معتقلون في «معسكر إكس» الشديد الحراسة ضمن «معتقل غوانتانامو» (غيتي) play-circle 02:16

خاص ذكرى 11 سبتمبر وإغلاق «معتقل غوانتانامو»... وعود متجددة دونها عراقيل

اليوم وفي الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر لا يزال «معتقل غوانتنامو» مفتوحاً رغم كل الوعود والتعهدات بإغلاقه لطي صفحة لطخت سمعة أميركا في العالم.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر «غوانتانامو» حيث يُحتجَز أسرى «القاعدة» و«طالبان» (نيويورك تايمز)

هل ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب في قضية «11 سبتمبر»؟

أحدث قراران دراماتيكيان صدمة في إطار قضية 11 سبتمبر (أيلول): إبرام صفقة الإقرار بالذنب مقابل إسقاط عقوبة الإعدام واستبدال السجن مدى الحياة بها، ثم التراجع عنها.

كارول روزنبرغ (واشنطن*)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».