أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تصنيف كينيا دولة حليفة خارج حلف الناتو، مشيداً خلال المؤتمر الصحافي المشترك بالبيت الأبيض مع الرئيس الكيني ويليام روتو، بجهود نيروبي في مكافحة «داعش» و«حركة الشباب» في شرق أفريقيا والمساعدة في مهام إعادة الاستقرار في هايتي.
وأطلق الرئيسان ما سموه «رؤية نيروبي - واشنطن» التي تحتوي على مبادرات لتوفير الموارد المالية للدولة الأفريقية المثقلة بالديون وتوفير فرص التمويل للقطاع الخاص، حيث أعلن بايدن توفير مبلغ 21 مليار دولار لصندوق النقد الدولي الذي سيوفر من جانبه مبلغ 250 مليون دولار.
وقال بايدن: «أنا فخور بإعلان أنه سيكون هناك 250 مليون دولار في قدرة بنوك التنمية مثل البنك الدولي لخطوط الإقراض للدول ذات الدخل المنخفض وسيتم أيضاً إطلاق تعاون تكنولوجي وشراكة صناعة بين الولايات المتحدة وكينيا».
فيما أعرب الرئيس الكيني ويليام روتو عن تطلعه للتعاون مع الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة الديون وأزمة التغير المناخي والاضطرابات السياسية في أوروبا والشرق الأوسط وتجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا وإبرام شراكات تجارية واستثمارية. وقد ركزت أسئلة الصحافيين بشكل كبير على مشاركة قوات كينية في هايتي، حيث أكد الرئيس الكيني على أهمية مشاركة القوات الكينية لإقرار السلام واتفق معه الرئيس الأميركي على أهمية مكافحة العصابات التي تزعزع الاستقرار في هايتي.
كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد استقبل رئيس جمهورية كينيا ويليام روتو في البيت الأبيض، ظهر الخميس، في أول زيارة دولة يقوم بها الرئيس الكيني إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين، وأول زيارة يقوم بها زعيم أفريقي خلال ولاية الرئيس بايدن. وتهدف الزيارة إلى تعميق العلاقات الأميركية بالدول الأفريقية والإعلان عن سلسلة من الاتفاقات، خاصة أن الزيارة تتزامن مع الذكري الستين للعلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة وكينيا.
وقال بايدن في استقباله للرئيس الكيني: «اليوم نبدأ العقد القادم من شراكاتنا مع مبادرة للتقريب بين الشركات والمجتمعات في بلدينا، وسيكون الأمن الصحي والاقتصادي والإلكتروني والبيئي من القضايا التي سنناقشها».
وقال روتو: «اليوم نحتفل بماضينا ونحن متفائلون بمستقبلنا ومن خلال هذه الزيارة الرسمية ستتاح لنا الفرصة للمناقشة وإجراء المحادثات حول الشراكة والقيادة».
وقد احتفى الرئيس الأميركي بضيفه الأفريقي من خلال استقبال رسمي وسط عشرات وسائل الإعلام الكينية والأميركية، وعزف النشيد الوطني لكلا البلدين، إضافة إلى حفل عشاء رسمي يحييه المغني براد بيزلي.
وأهدى بايدن للرئيس الكيني الطبعة الأولى من كتاب «بوق الضمير» لمارتن لوثر كينغ، في علبة مع نقش لإحياء ذكري زيارة الدولة، وقدمت جيل بايدن لزوجة الرئيس الكيني قلادة من اللؤلؤ والزبرجد.
مواجهة الصين
وقد أثارت الزيارة التي جاءت بدعوة من البيت الأبيض، كثيراً من التساؤلات؛ حيث تأتي في وقت يتراجع فيه النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية مع انسحاب القوات الأميركية من النيجر ومن منطقة الساحل التي تسمى حزام الانقلابات، وقد أدت موجة من الانقلابات العسكرية والانتخابات الهشة والحروب المستعرة في عدة دول أفريقية إلى قلب المشهد السياسي في أفريقيا.
وتحاول إدارة بايدن استعادة نفوذها في القارة الأفريقية، في مقابل محاولات كل من روسيا والصين لزيادة نفوذهما والدخول في صفقات تجارية واقتصادية مع دول المنطقة. وقد اعترف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بأن العامل الرئيسي في جدول زيارة الدولة للرئيس الكيني هو الرغبة في مواجهة نفوذ الصين المالي في القارة الأفريقية، حيث تفوقت على الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات.
وقد اتبعت الصين نهجاً ثابتاً منذ عدة سنوات بتقديم قروض بفائدة عالية للدول الأفريقية ذات الدخل المنخفض لمساعدتها على تمويل تنمية المشروعات المحلية، بما في ذلك بعض مشروعات البنية التحتية الرئيسية ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومن بين تلك المشروعات: خط السكك الحديدية فائق السرعة من نيروبي إلى مومباسا الذي مولته الحكومة الكينية بقروض بالمليارات من بنوك الدولة الصينية.
ومن عام 2000 إلى عام 2022، أقرضت بكين 170 مليار دولار للدول الأفريقية - بما في ذلك 6.7 مليار دولار لكينيا - لتمويل هذه المبادرات، وأثقلت تلك القروض أفريقيا بالديون الباهظة الثمن التي عجزت البلدان عن سدادها، ما دفع العديد من الدول إلى طلب الإغاثة من مقرضيها السياديين. والآن تواجه البلدان الأفريقية خيار خدمة ديونها وتعزيز تنميتها. وقال مسؤول أميركي كبير للصحافيين في مؤتمر صحافي: «هذا موقف صعب بالنسبة لهم، ونود أن نراهم قادرين على تحقيق طموحاتهم الخاصة».
وقد دعمت الولايات المتحدة فكرة تخفيف أعباء الديون عن الدول الأفريقية وزيارة الاستثمارات الغربية وأعلنت في قمة العشرين، العام الماضي، دعم مشروع لبناء ممر للسكك الحديدية يربط بين أنغولا والكونغو وزامبيا لتسهيل نقل المعادن في المنطقة. وقد استضاف بايدن قمة أميركية أفريقية في ديسمبر (كانون الأول) 2022 وتعهد بالقيام بزيارة إلى القارة، لكنه لم يف بوعده حتى الآن. وأعلن بايدن في أثناء ترحيبه بالرئيس الكيني أنه يعتزم زيارة أفريقيا في فبراير (شباط) من العام المقبل بعد إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.
تحديات أمام الرئيس الكيني
على الجانب الآخر تأتي زيارة الرئيس روتو إلى الولايات المتحدة وسط غضب في كينيا بشأن خطط الحكومة لفرض ضرائب إضافية، ويواجه الرئيس روتو انتقادات متزايدة حول الإسراف الحكومي المنفلت، ويتهمه معارضوه بالنزعة الاستبدادية في إدارة الدولة، ويقدم الرئيس الكيني مساعدات مهمة في مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية، إضافة إلى مساعدة الولايات المتحدة في قمع العنف في هايتي ونشر ألف ضابط شرطة كيني ضمن قوة الدعم الأمني المتعددة الجنسيات.
وقد وصل الرئيس الكيني ويليام روتو إلى الولايات المتحدة يوم الثلاثاء وقام بإلقاء كلمة في مكتبة ومتحف كارتر الرئاسي في ولاية أتلانتا، تعهد فيها بإبقاء كينيا على طريق الديمقراطية وتعزيز المساءلة والشفافية والتعاون بشكل أقوى مع منظمات المجتمع المدني وإجراء الإصلاحات الاقتصادية لتحقيق نمو مستدام للاقتصاد الكيني. وشملت أجندة الرئيس روتو لقاءات مع أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وزيارة لمقبرة أرلينغتون الوطنية، ووضع إكليل من الزهور عند المقبرة.
علاقات باردة
وقد تراجع النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية مع حلفاء مثل النيجر، التي طالب المجلس العسكري فيها برحيل القوات الأميركية، وإثيوبيا والسنغال اللتين تشهدان اضطرابات داخلية، وتأمل إدارة بايدن في أن تكون زيارة الدولة للرئيس الكيني نوعاً من إعادة الدفء للعلاقات الباردة التي شهدتها الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية.
وتنظر إدارة بايدن إلى الزعيم الكيني بعدّه أحد أقرب الشركاء الأمنيين والاقتصاديين في أفريقيا، خاصة أن الرئيس روتو (57 عاماً) نجح في وضع كينيا بوصفها إحدى الدول الصاعدة اقتصادياً في شرق أفريقيا، وتسعى الإدارة الأميركية إلى تعاون أمني أوثق لمحاربة «حركة الشباب» في الصومال، وأن تتخذ الولايات المتحدة من كينيا مركزاً للجهود لإنهاء الفوضى في بلدان مجاورة؛ مثل السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
في المقابل، يسعى الرئيس روتو إلى حشد الدعم الأميركي لأجندته السياسية والاقتصادية والحصول على مساندة أميركية فيما يتعلق بتخفيف ديون كينيا والدول الأفريقية لدى المؤسسات المالية الدولية، وتعزيز خطط مكافحة التغير المناخي في القارة الأفريقية، وهي القضايا التي يحاول من خلالها الرئيس الكيني اكتساب مكانة وسمعة متميزتين بعدّه رجل الدولة الرائد في أفريقيا. وقد أشار الرئيس روتو في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الأحد الماضي، إلى المشكلات المناخية التي تواجه الدول الأفريقية من أمطار وفيضانات، إضافة إلى مشكلات الجفاف والتصحر.
ويحاول الرئيس روتو جذب الشركات الأجنبية إلى كينيا مروجاً لبلاده بوصفها مخزناً للكربون، مستفيداً من الصناعات البيئية الناشئة التي تعمل في مجال امتصاص الكربون من الغلاف الجوي، ثم دفنه عميقاً في التكوينات الصخرية.
غضب المشرعين الديمقراطيين
وقد أثار مشرعون من الحزب الديمقراطي انتقاداً لرفض رئيس مجلس النواب مايك جونسون، السماح للرئيس الكيني بإلقاء كلمة أمام الكونغرس خلال زيارته لواشنطن، وقد تجاهل رئيس مجلس النواب الطلب الذي قدمه أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب لدعوة روتو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس.
قال 14 عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب في رسالة لجونسون إنهم «يشعرون بخيبة أمل شديدة» بسبب القرار، وقالوا إن «شعب كينيا يستحق مزيداً من الاحترام». وكتب المشرعون، ومن بينهم غريغوري ميكس، كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: «إن الخصوم الأجانب مثل الصين وروسيا وإيران يعملون بلا كلل لتخريب تحالفات أميركا، خاصة في أفريقيا». وأضاف: «إن اختيارك عدم منح الرئيس الكيني، وهو شريك أفريقي رئيسي، الفرصة لمخاطبة الكونغرس يساعد في خلق فرصة للخصوم المستبدين لتحقيق تقدم في الرأي العام الأفريقي».
وقد ألقى أربعة من الزعماء الأجانب خطابات أمام جلسات مشتركة للكونغرس الحالي؛ حيث يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، وهم رئيسا وزراء الهند واليابان، ورئيسا إسرائيل وكوريا الجنوبية. وكتب المشرعون الديمقراطيون: «إن الفشل في تقديم الدعوة نفسها للرئيس روتو يخاطر بإرسال رسالة مفادها أن الشراكات الأفريقية أقل قيمة لدى الكونغرس».