وزير الأمن القومي الأميركي «على طريق العزل»

تسييس أزمة الحدود يهدد احتمالات التسوية بين الجمهوريين والديمقراطيين

وزير الأمن القومي أليخندرو مايوركاس (أ.ب)
وزير الأمن القومي أليخندرو مايوركاس (أ.ب)
TT

وزير الأمن القومي الأميركي «على طريق العزل»

وزير الأمن القومي أليخندرو مايوركاس (أ.ب)
وزير الأمن القومي أليخندرو مايوركاس (أ.ب)

تتفاعل قضية الهجرة بشكل متسارع في الولايات المتحدة. فالأزمة على الحدود الجنوبية، التي باتت تشكل قضية أساسية في الانتخابات الأميركية، ألقت بظلالها على العاصمة واشنطن، فعمّقت شرخ الانقسامات الحزبية، وزادت من حدة التجاذبات السياسية.

ولأول مرة منذ 150 عاماً، يسعى مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية لعزل وزير في الإدارة الأميركية، ليكون الضحية هذه المرة وزير الأمن القومي أليخاندرو مايوركاس، المسؤول عن تطبيق سياسات الإدارة الحدودية.

وفي هذا الإطار، بدأت لجنة الأمن القومي في مجلس النواب إجراءات العزل رسمياً، لتكون جلسة الاستماع التي عقدتها مسرحاً لتبادل الاتهامات الدرامية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في ملفٍ لطالما شكّل نقطة خلاف جذرية بينهما.

لجنة الأمن القومي في جلسة استماع لعزل مايوركاس في 10 يناير 2024 (رويترز)

مايوركاس: «مهندس الأزمة»

فإصرار الجمهوريين على تحميل مايوركاس مسؤولية الأزمة الحدودية، يتمحور بشكل أساسي حول «شخصنة» الأزمة، ووضع وجه على واجهتها، وهذا ما تحدث عنه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، مايك مكول، الذي وصف وزير الأمن القومي بـ«مهندس الأزمة»، قائلاً: «رجل واحد تسبب بهذه الفوضى، وبوفاة الأميركيين بسبب مخدر الفنتانيل، وبخطر دخول الإرهابيين إلى البلاد... لقد دمّر نسيج الأمة».

لكن مايوركاس رفض هذه الاتهامات، متهماً بدوره الجمهوريين بلعب «مسرحية سياسية» في موسم انتخابي، وكتب وزير الأمن القومي رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بعزله قائلاً: «بغض النظر عن التدابير التي تقوم بها، والتي لا أساس لها من الصحة... لن أتراجع عن تنفيذ مسؤولياتي... وأؤكد لك أن اتهاماتك الباطلة لن تزعزعني ولن تحول انتباهي عن تطبيق القانون».

لهجة ملؤها التحدي، وتعود بشكل أساسي إلى واقع سياسي لا مفر منه، وهو أن مساعي العزل رغم حظوظها الكبيرة في مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، فإنها ستصطدم بحائط مسدود في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية، ما يعني أن مايوركاس سيبقى في منصبه رغم تسليط الأضواء عليه في أزمة تزداد حدة يوماً بعد يوم..

مهاجرون يسعون لقطع الحدود مع المكسيك في 17 يناير 2024 (إ.ب.أ)

تسوية الأزمة... عالقة

ولعلّ خير دليل على تشعب الأزمة، وتأثير الموسم الانتخابي عليها، هو تراجع بعض الجمهوريين عن دعم التوصل إلى تسوية بين الحزبين حول ملف الهجرة، رغم دفعهم الأساسي للبدء بمفاوضات التسوية. والسبب: الرئيس السابق دونالد ترمب الذي دعا حزبه إلى التراجع عن مساعي التسوية، مشيراً إلى أن الأزمة لا تتطلب «حلاً تشريعياً».

وحذّر السيناتور الجمهوري جايمس لانكفورد، الذي يترأس المفاوضات عن الجانب الجمهوري، من هذه المقاربة، فقال: «من المثير للاهتمام أن الجمهوريين منذ 4 أشهر لم يوفروا التمويل لأوكرانيا أو إسرائيل بسبب مطالبتنا بتغيير في سياسة الحدود الجنوبية. في الواقع لقد رصصنا الصف الجمهوري وقلنا للإدارة إننا لن نعطيها الأموال من دون تغيير في القوانين. واليوم تغيّر الموقف فجأة ليقول البعض: لا نريد تغييراً في القوانين لأنها سنة انتخابية!».

ويتخوف البعض أن تؤدي دعوات ترمب إلى عرقلة جهود التوصل إلى تسوية، الأمر المرجح في مجلس النواب أكثر من مجلس الشيوخ؛ إذ رفض رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، حتى الساعة جهود التفاوض في الشيوخ، معتبراً أن بايدن لديه الصلاحيات التنفيذية لحل الأزمة، وملقياً باللوم على أداء الإدارة الأميركية في هذا الملف. ومن دون دعم جونسون المعني بطرح المشاريع في المجلس، ستتلاشى حظوظ أي تسوية يتم التوصل إليها في مجلس الشيوخ، ليقع الملف كاملاً على عاتق الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت تستمر فيه شعبيته بالتدهور، منذرةً بأيام انتخابية صعبة سيكون من الصعب على الرئيس الأميركي تخطيها من دون قرارات جذرية لحل الأزمة.


مقالات ذات صلة

هل نجحت المناظرة الرئاسية في إقناع الناخبين المترددين؟

الولايات المتحدة​ هاريس وترمب خلال المناظرة في 10 سبتمبر 2024 (أ.ب)

هل نجحت المناظرة الرئاسية في إقناع الناخبين المترددين؟

مواجهة نارية جمعت بين مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترمب؛ سعيا من خلالها لاستقطاب أصوات الناخبين المترددين... فهل نجحا في ذلك؟

رنا أبتر (واشنطن)
أميركا اللاتينية عناصر من الشرطة المكسيكية  (أرشيفية - رويترز)

سيارة تصدم قافلة مهاجرين في المكسيك وتقتل 3 أشخاص

صدمت سيارة قافلة مهاجرين كانت متّجهة نحو الولايات المتحدة على طريق سريع في جنوب المكسيك ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص بينهم فتاة، وفق ما أفادت به السلطات.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو)
أميركا اللاتينية أفراد من البحرية المكسيكية في بوكا ديل ريو بولاية فيراكروز بالمكسيك في 25 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

العثور على 19 جثة في شاحنة بولاية مكسيكية مضطربة

قال مكتب مدعٍ عام محلي بالمكسيك في بيان إن مسؤولي الأمن عثروا على 19 جثة لرجال في صندوق شاحنة بولاية تشياباس جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو)
الولايات المتحدة​ ضباط حرس الحدود خلال تسلم مهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك (رويترز)

إطلاق نار بين الشرطة المكسيكية وتجار مخدرات قرب الحدود الأميركية

قُتل شرطي و3 أشخاص آخرون يُشتبه بأنهم من تجار المخدرات أمس الأحد خلال مواجهة مسلّحة في المكسيك

«الشرق الأوسط» (سيوداد فيكتوريا (المكسيك))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن... 17 يونيو 2024 (رويترز)

برنامج بايدن الجديد لاستيعاب المهاجرين... تعرف على شروطه

أعلن البيت الأبيض صباح اليوم الثلاثاء أن جو بايدن سيتخذ تدابير لتسهيل تسوية الأوضاع التي قد تعود بالفائدة على آلاف المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يعود لمكان محاولة اغتياله: لن أستسلم أبداً

المرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال إلقاء خطاب انتخابي في بنسلفانيا (رويترز)
المرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال إلقاء خطاب انتخابي في بنسلفانيا (رويترز)
TT

ترمب يعود لمكان محاولة اغتياله: لن أستسلم أبداً

المرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال إلقاء خطاب انتخابي في بنسلفانيا (رويترز)
المرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال إلقاء خطاب انتخابي في بنسلفانيا (رويترز)

احتشد أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، السبت، لحضور تجمع انتخابي في الموقع نفسه الذي نجا فيه المرشح الجمهوري من رصاصة كادت أن تكون قاتلة في يوليو (تموز) الماضي، وهي لحظة صادمة في السباق إلى البيت الأبيض الذي لا يزال يخيم عليه تهديد العنف السياسي.

وفي مقاطعة باتلر في غرب بنسلفانيا، ظهر ترمب إلى جانب جاي دي فانس، مرشحه لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، إضافة إلى أقارب ضحايا الهجوم الذي تعرّض له في 13 يوليو، ورجال إنقاذ والملياردير إيلون ماسك.

وقال ترمب أمام الحشد: «قبل اثني عشر أسبوعاً، هنا، حاول قاتل إسكاتي وإسكات حركتنا. كان هذا الوحش الشرير (...) على وشك تحقيق ذلك لكن يد العناية الإلهية منعته». وأضاف: «لن أستسلم أبداً، لن أنكسر أبداً».

إيلون ماسك يتحدث من خلف زجاج واقٍ من الرصاص خلال فعالية انتخابية لترمب في بنسلفانيا (أ.ف.ب)

عقب ذلك، وقف المرشح الجمهوري دقيقة صمت، في الوقت المحدد الذي دوى فيه إطلاق النار في 13 يوليو، قبل استئناف خطابه. كما ندد بمن أسماهم «أعداء الداخل»، معتبراً أنهم «أخطر بكثير من أعداء الخارج»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتابع الرئيس السابق أمام أنصاره قائلاً: «على مدى السنوات الثماني الماضية، قام أولئك الذين يريدون إيقافنا بالتشهير بي، وحاولوا إقصائي من منصبي، ولاحقوني قضائياً، وحاولوا سرقة بطاقات اقتراع مني، ومن يدري، ربما حاولوا قتلي. لكني لم أتوقف أبدا عن النضال من أجلكم ولن أتوقف أبدا».

من جهته، وصف الملياردير إيلون ماسك الانتخابات الأميركية بأنها «معركة يجب ألا نخسرها»، خشيةً من أنه إذا ما تمت خسارتها فستكون «آخر انتخابات، هذا هو توقعي». وأصرّ ماسك على أن «الرئيس ترمب يجب أن يفوز، من أجل الحفاظ على الدستور والديمقراطية».

المرشح الجمهوري دونالد ترمب يصعد إلى المنصة لإلقاء خطاب انتخابي في بنسلفانيا (أ.ف.ب)

وكان ترمب قد صرّح مراراً بأنّه يريد العودة إلى موقع إطلاق النار الذي قُتل فيه رجل وأُصيب اثنان من الحاضرين، قبل أن يقوم عناصر من جهاز الخدمة السرية بقتل القنّاص.

وقال المرشح الجمهوري في تجمّع حاشد أُقيم في ميلووكي قبل أيام «أصبحت باتلر مكاناً مشهوراً للغاية، إنّها أشبه بنصب تذكاري الآن». من جهتها، أكدت حملة ترمب أنّه «تلقّى رصاصة من أجل الديمقراطية» في باتلر، في إشارة إلى تعرضه لإصابة طفيفة في أذنه. وأكدت أنّه سيتحدث هذه المرة من خلف زجاج واقٍ من الرصاص.

في زيارته الأخيرة لباتلر، لم تكد تمضي ست دقائق على بدء الرئيس السابق خطابه، حتى سُمع صوت إطلاق ثماني طلقات نارية بينما كان يدير رأسه لينظر إلى مخطّط إحصاء للهجرة.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وقد لطخت الدماء أذنه اليمنى بعد إطلاق نار في تجمعه الانتخابي (أ.ف.ب)

يومها، تراجع ترمب قليلاً وأمسك بأذنه ثمّ انحنى مختبئاً خلف منصّته، بينما هرعت عناصر الخدمة السرية لحمايته إلى المسرح المقام في الهواء الطلق دون أي عوائق، لحمايته من الرصاص.

وأثناء إخراجه من المكان محاطاً بالحراس الشخصيين، رفع ترمب قبضته وهتف قائلاً للحشد: «قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا»، بينما كانت الدماء تسيل على وجهه، ممّا منح حملته صورة رمزية.

منذ فترة، أوضح ترمب أن «أول ما قلته كان (كم عدد القتلى؟) لأنه، كما تعرفون، كان هناك حشد ضخم. على مدى الرؤية».

لكن في الواقع، كانت كلماته الأولى التي سُمعت عبر ميكروفون المسرح، «دعني آخذ حذائي»، وهو ما أكدته الشاهدة إيرين أوتنريث التي كانت تجلس في الصف الأول خلال التجمع.

وفي الوقت نفسه، توجهت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس منافسة ترمب إلى ولاية كارولينا الشمالية، السبت، للقاء رجال إنقاذ وسكان متضررين جراء الإعصار هيلين الذي تسبب في موجة دمار في أكثر من عشر ولايات أميركية ومقتل أكثر من 200 شخص.

وتحول الإعصار مادة للسجال السياسي، إذ انتقد ترمب استجابة المؤسسات الفيدرالية للكارثة، وزعم دون أي دليل، أن إدارة هاريس - بايدن اختلست أموال الإغاثة وأعطتها للمهاجرين.

صدمة عالمية

أثارت محاولة الاغتيال صدمة كبيرة على الساحة السياسية. وانضم الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى عدد من قادة دول العالم الذين تواصلوا مع ترمب ليتمنّوا له السلامة.

ساهمت حادثة إطلاق النار في خفض حدّة الحملة الانتخابية، لكن لفترة وجيزة، قبل أن تعود التوترات إلى حالها.

المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال زيارة مركز لتجميع التبرعات لضحايا إعصار هيلينا في كارولينا الشمالية (أ.ف.ب)

ورغم إصابته الطفيفة في الأذن اليمنى برصاصة أطلقها توماس كروكس من بندقية من نوع «إيه آر 15»، خرج ترمب سالماً من هذا الهجوم.

غير أنّ جهاز الخدمة السرية المسؤول عن حماية الرؤساء والمرشحين للانتخابات وكبار الشخصيات الأجنبية، تعرّض لانتقادات لاذعة لفشله في تأمين المبنى الذي أطلقت منه الأعيرة النارية، والواقع على بعد مئات الأقدام من المسرح حيث كان ترمب يلقي خطابه.

وكانت محاولة اغتيال قطب الأعمال هذه، الأولى من بين سلسلة من الأحداث التي هزّت البيت الأبيض وتُوّجت بانسحاب بايدن المفاجئ من السباق الانتخابي عن الحزب الديمقراطي لصالح نائبته هاريس.

في 15 سبتمبر (أيلول)، قُبض على رجل بعد رؤيته في ملعب ترمب للغولف في فلوريدا يحمل بندقية وكاميرا، فيما وصفه مكتب التحقيقات الفيدرالية بأنّه محاولة اغتيال ثانية.

تعقيباً على ذلك، بات مؤيدو الرئيس الجمهوري السابق يتحدثون عن مؤامرات، واعتبروا أنّ خطاب الديمقراطيين عن أنّ ترمب يشكّل تهديداً للديمقراطية الأميركية كان في الواقع تحريضاً عليه، وهي مقاربة لطالما روّج لها ترمب.

في ظل هذه الأجواء، لم يتردّد بائعو التذكارات في التجمّعات الانتخابية في صنع قمصان ومقتنيات تخلّد نجاته التي أظهروها كأنها معجزة.

وأدى إطلاق النار في باتلر إلى مقتل أحد المشاركين في التجمّع الانتخابي وهو كوري كومبيراتور الذي كان مسؤولاً في مجال الإطفاء، وقالت السلطات إنه قُتل أثناء محاولته حماية أفراد عائلته. كذلك، أصيب اثنان من الحاضرين بجروح.

وقال ترمب في ميلووكي تحضيراً لعودته إلى باتلر: «سنكون هناك السبت. سيكون حدثاً كبيراً حقاً، سيكون أمراً مميزاً، سنحتفل بحياة كوري... وأريد أن أحتفل بالشخصين اللذين أصيبا».