كيف قسّمت حرب غزة ديمقراطيي نيويورك؟

متظاهرون في جسر بروكلين ضمن مسيرة لدعم الفلسطينيين السبت (أ.ف.ب)
متظاهرون في جسر بروكلين ضمن مسيرة لدعم الفلسطينيين السبت (أ.ف.ب)
TT
20

كيف قسّمت حرب غزة ديمقراطيي نيويورك؟

متظاهرون في جسر بروكلين ضمن مسيرة لدعم الفلسطينيين السبت (أ.ف.ب)
متظاهرون في جسر بروكلين ضمن مسيرة لدعم الفلسطينيين السبت (أ.ف.ب)

​تواصل الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» فرض إيقاعها على الحركة السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، في ظل تغطية إعلامية مكثفة، وتجدد المظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. وسلّطت الحرب الجارية في الشرق الأوسط الضوء على الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي؛ خصوصاً في ولاية نيويورك، قبل أسابيع قليلة من الانطلاق الرسمي لموسم الانتخابات الرئاسية.

غضب في نيويورك

وبينما تستعد قيادات الحزب الديمقراطي الشهر المقبل للدخول بكامل قوتها في الحملات الانتخابية، ومع مؤشرات تؤكد أنها ستكون معركة قاسية، جاء الانقسام بين الجناح اليساري وقاعدة الوسط في الحزب حول الموقف من هذه الحرب، ليلقي بثقله على تحالفات لطالما لعبت دوراً أساسياً في تمكين مرشحي الحزب من الفوز في واحدة من أكبر المناطق الانتخابية في البلاد. وأدّت حرب غزة إلى زعزعة استقرار الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي في نيويورك، في ظلّ التوترات التي تشهدها شوارع المدينة، من خلال المسيرات والاحتجاجات اليومية المناهضة للدعم الأميركي لحكومة بنيامين نتنياهو، والمؤيدة لها.

متظاهرون في محطة قطارات «غراند سنترال» بنيويورك الجمعة (أ.ف.ب)

وقد تظاهر آلاف الأشخاص، السبت، في بروكلين، كبرى دوائر مدينة نيويورك، معبرين عن غضبهم حيال القصف الإسرائيلي لقطاع غزة. وتشهد نيويورك التي يقيم فيها 1.6 إلى مليوني يهودي ومئات آلاف المسلمين، منذ 3 أسابيع، تظاهرات وتجمعات داعمة للفلسطينيين وأخرى لإسرائيل. ويعرب ناشطون يهود أميركيون يساريون أيضاً عن معارضتهم للحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة. وأوقف مئات الأشخاص، مساء الجمعة، خلال اعتصام كبير لهم مؤيد للفلسطينيين، في محطة «غراند سنترال» في مانهاتن.

تهديد وحدة الائتلاف

في الماضي، كان الديمقراطيون في نيويورك قادرين على تشكيل ائتلاف يشمل مرشحي أقصى اليسار والتقدميين والليبراليين التقليديين، للفوز بمناصب على مستوى المدينة. لكن اليوم، وفي الولاية التي يقيم فيها 21 في المائة من إجمالي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، ظهرت انقسامات حادة بين المنتمين إلى يسار الحزب الديمقراطي حول الحرب. ومن شأن هذا الانقسام أن يضعف الدعم داخل الجناح اليساري للحزب، ويمكن أن يعزز موقف ديمقراطيي الوسط. ووصف أحد المسؤولين الديمقراطيين في المدينة ما جرى بأنه «زلزال فتح هوّة بين اليسار التقليدي وأقصى اليسار».

متظاهرون مؤيدون لإسرائيل يواجهون متظاهرين داعمين للفلسطينيين في نيويورك الخميس (رويترز)

فقد أثارت مشاهد الحرب في غزة انقسامات متزايدة في الدوائر الديمقراطية بنيويورك، وخصوصاً في الجناح التقدمي للحزب. فقد كان من يُحسبون على الجناح «الاشتراكي الديمقراطي في أميركا» منذ فترة طويلة، مدافعين عن الفلسطينيين وداعمين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات الأميركية وفرض العقوبات ضد إسرائيل، وتمسكوا بهذه المواقف بعد اندلاع الحرب. في المقابل، كان الائتلاف الذي يضم أعداداً كبيرة من التقدميين والليبراليين التقليديين، يعارضون إلى حد كبير حركة المقاطعة ويدعمون إسرائيل (وليس حكومتها)، وقد أعربوا عن شعورهم بالخيانة من الاشتراكيين، جراء موقفهم من هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

متظاهرون في جسر بروكلين ضمن مسيرة لدعم الفلسطينيين السبت (أ.ف.ب)

في السابق، لم تكن المواقف المتباينة من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تمنع هذه التيارات على يسار الحزب الديمقراطي من التركيز على «القضايا المشتركة»؛ لكن الوضع اختلف اليوم؛ حيث بدا أن التيار اليساري صار أكثر حذراً في التعامل مع هذا الصراع، وخصوصاً بعد التظاهرة التي دعا إليها «الاشتراكيون الديمقراطيون» دعماً للفلسطينيين، بعد يوم واحد من هجوم 7 أكتوبر، ما أجبر قيادات كثيرة من هذا التيار ومن الاشتراكيين أنفسهم، على التبرؤ منها.

هيمنة «الوسط»

ورغم القوة التي اكتسبها ائتلاف التيار اليساري في نيويورك في السنوات الماضية، فإنه لم يتمكن من كسر هيمنة المنتمين إلى وسط الحزب، المعروفين بالمعتدلين. وخسر ممثلوه الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي أمام المرشحين «المعتدلين»، كما جرى في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك، إريك أدامز، وقبله حاكم الولاية أندرو كومو. ومع انقسام التيار اليساري في الموقف من الحرب في غزة، يرجح أن يتوسع الصدع في صفوفه، بما يؤدي إلى استنزافه أمام تيار المعتدلين، وقد يؤدي حتى إلى خسارته كثير من المناصب الانتخابية الأكثر أهمية في البلاد أيضاً.

متظاهرون في محطة قطارات «غراند سنترال» بنيويورك الجمعة (أ.ف.ب)

وتعدّ نيويورك منبعاً للثقافة الأميركية اليهودية، ومسقط رأس اليسار الأميركي الحديث. وبينما لا يزال الديمقراطيون في المدينة داعمين عموماً لإسرائيل، غير أن هذا الدعم شهد تراجعاً على مدار العقد الماضي، وخصوصاً لدى الناشطين اليساريين الشباب، بما في ذلك اليهود الذين يبدي بعضهم تعاطفاً أكبر مع الفلسطينيين.

انقسامات حادّة

ومع تصاعد الانقسام في صفوف التيار اليساري على خلفية الحرب، بدأ كثير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين يمثلون مجتمعات يهودية كبيرة تميل إلى التصويت للمرشحين الليبراليين والتقدميين في مانهاتن وبروكلين، أمثال النائب النافذ جيري نادلر والنائب دان غولدمان، بتمييز أنفسهم عن أقصى اليسار، رغم إحجامهم عن تقديم الدعم الكامل للعمل العسكري الإسرائيلي. وكانوا من بين المئات من نواب الحزب الديمقراطي الذين وقعوا على رسالة تدعم موقف الرئيس جو بايدن بشأن الصراع، وقدموا دعماً قوياً لإسرائيل، مع الدعوة أيضاً إلى تقديم المساعدات الإنسانية في غزة، والحد من الخسائر في صفوف المدنيين، من دون الدعوة إلى «وقف لإطلاق النار».

أميركيون إسرائيليون وداعمون لإسرائيل يعرضون صور المختطفين في تايمز سكوير الخميس (أ.ب)

ورغم ذلك، يرى كثير من المنتمين للتيار اليساري أنه من غير الواضح كيف ستتطور الأمور، وما التأثيرات التي يتركها هذا الانقسام على الحملات الانتخابية، وحظوظ المرشحين. ونقلت مجلة «بوليتيكو» عن السيناتورة في ولاية نيويورك، جوليا سالازار، عضو تجمع «الاشتراكيين الديمقراطيين»، قولها إنه «من السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كان هذا سيكون له تأثير على بناء ائتلاف يساري ليبرالي لقضايا سياسية أخرى أو للحملات الانتخابية». وأضافت: «لكن بالنسبة لمهمة اليسار المباشرة المتمثلة في محاولة وقف العنف وحماية المدنيين والرهائن من خلال وقف إطلاق النار والدبلوماسية الفعالة، فإننا بحاجة إلى محاولة توسيع التحالف الذي يطالب بذلك».


مقالات ذات صلة

آلاف الفلسطينيين يحتشدون عند محور نتساريم للسماح لهم بالعودة إلى مناطقهم

المشرق العربي نازحون فلسطينيون غادروا جنوب قطاع غزة يصلون بأمتعتهم إلى أقرب نقطة ممكنة من محور نتساريم (أ.ف.ب)

آلاف الفلسطينيين يحتشدون عند محور نتساريم للسماح لهم بالعودة إلى مناطقهم

تجمعت مئات العائلات الفلسطينية عند حاجز نتساريم الإسرائيلي العسكري وسط قطاع غزة، في انتظار أن يسمح لهم الجيش بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها منذ 15 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

إعلام فلسطيني: قتيل وجرحى برصاص قوات إسرائيلية وسط قطاع غزة

أفادت قناة «الأقصى»، السبت، بمقتل فلسطيني وإصابة آخرين برصاص قوات إسرائيلية في شارع صلاح الدين وسط قطاع غزة، ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون ينتظرون في وسط غزة السماح لهم بالعودة إلى الشمال السبت (أ.ب)

غزة: النازحون متحمسون للعودة من الجنوب للشمال ويخشون عراقيل إسرائيلية

توافد النازحون الغزيون الموجودون في جنوب قطاع غزة إلى أقرب نقطة من جنوب محور نتساريم للتجهز للعودة إلى مناطق سكنهم شمالاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي رهينة إسرائيلية أفرجت عنها حركة «حماس» اليوم تلتقي عائلتها (رويترز) play-circle 00:36

إسرائيل تنتظر من «حماس» تحديثاً حول وضع 26 محتجزاً سيتم إطلاقهم

أفادت صحيفة أميركية، السبت، بأن إسرائيل تنتظر الحصول على تحديث من حركة «حماس» حول وضع 26 محتجزاً من المقرر إطلاق سراحهم في الأسابيع القادمة وفق اتفاق وقف النار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي مقاتل فلسطيني يرفع علامة النصر لدى دخول شاحنات تحمل مساعدات على طريق صلاح الدين شرق خان يونس 19 يناير 2025 (د.ب.أ)

وصول 70 أسيراً فلسطينياً إلى مصر عقب إفراج إسرائيل عنهم

ذكرت قناة «القاهرة الإخبارية»، اليوم السبت، أن معبر رفح مع قطاع غزة استقبل 70 أسيراً لإبعادهم خارج الأراضي الفلسطينية، وفق صفقة التبادل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الشيوخ الأميركي» يصادق بغالبية ضئيلة على تعيين هيغسيث وزيراً للدفاع

بيت هيغسيث خلال مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في جلسة لتأكيد تعيينه (ا.ف.ب)
بيت هيغسيث خلال مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في جلسة لتأكيد تعيينه (ا.ف.ب)
TT
20

«الشيوخ الأميركي» يصادق بغالبية ضئيلة على تعيين هيغسيث وزيراً للدفاع

بيت هيغسيث خلال مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في جلسة لتأكيد تعيينه (ا.ف.ب)
بيت هيغسيث خلال مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في جلسة لتأكيد تعيينه (ا.ف.ب)

صادق مجلس الشيوخ الأميركي، اليوم، بغالبية ضئيلة على تعيين بيت هيغسيث وزيراً للدفاع في إدارة الرئيس دونالد ترمب، رغم معارضة المعسكر الديموقراطي وثلاثة أعضاء جمهوريين في المجلس.

وكان اختيار هيغسيث، الميجور السابق في الجيش البالغ 44 عاماً، لتولي منصب وزير الدفاع، قد أثار احتجاجات، خصوصاً بسبب قلة خبرته في إدارة أقوى جيش في العالم فضلاً عن بعض التصريحات المثيرة للجدل الصادرة عنه مثل معارضته وجود نساء في الوحدات القتالية.

في الولايات المتحدة ينص الدستور على أن تعيينات الوزراء وكبار المسؤولين يجب أن تثبت خلال عملية تصويت في مجلس الشيوخ، بعد جلسة استماع أمام اللجنة المختصة بالمنصب المعني.

وعلى الرغم من الغالبية الجمهورية البالغة 53 مقعداً من أصل 100 في الغرفة العليا للكونغرس، توجَّب على نائب الرئيس الجديد جي دي فانس أن يتدخّل بنفسه - وهو أمر نادر الحدوث - لكي يكسر بتصويته الحاسم نسبة الأصوات المتعادلة التي بلغت 50 مقابل 50.

نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس يدلي بصوته الذي حسم تعيين بيت هيغسيث وزيراً للدفاع (ا.ب)

كذلك تم الكشف في نوفمبر (تشرين الثاني) عن توجيه اتهام له بارتكاب اعتداء جنسي في العام 2017 في كالفورنيا. ولم ترفع أي شكوى في تلك الفترة فيما ينفي العسكري السابق أن يكون أقام علاقة من دون رضا الطرف الآخر.

ويشتبه أيضاً في أن هيغسيث يسرف بانتظام في استهلاك الكحول.

بدأت الجلسات مع هيغسيث بمثوله أمام لجنة القوات المسلحة. وقال لأعضاء مجلس الشيوخ إن مهمته الرئيسية ستكون «إعادة ثقافة المحارب» إلى البنتاغون.

فور تسميته أكد هيغسيث أنه يريد إصلاح وزارة الدفاع جذرياً.

وأكد أمام اللجنة أن «دونالد ترمب يريد مثلي أن يركز البنتاغون تماماً على القتال والجدارة والمبادئ والجهوزية. هذا كل ما في الأمر. هذه وظيفتي» بعد أن قاطعه أشخاص من الحضور مرات عدة احتجاجاً على الحرب في غزة.

وسرعان ما تعرض لهجوم من نواب المعسكر الديموقراطي. وقال السناتور جاك ريد «سيد هيغسيث، لا أعتقد أنك مؤهل للنهوض بأعباء المنصب الضخمة».

وعدد الديموقراطي المعلومات «المثيرة للقلق» المتعلقة ببيت هيغسيث مثل «الازدراء بقوانين الحرب وسوء الإدارة المالية والتصريحات العنصرية والجنسية تجاه الرجال والنساء في الخدمة وإدمان الكحول والاعتداء الجنسي والتحرش الجنسي وغيرها من القضايا المقلقة».