سقف الدين العام: استعراض سياسي أم تدهور اقتصادي؟

يهدد التخلف عن سداد الدين بتراجع النفوذ الأميركي حول العالم

جانب من لقاء بايدن ومكارثي حول سقف الدين الأميركي في 22 مايو (أ.ف.ب)
جانب من لقاء بايدن ومكارثي حول سقف الدين الأميركي في 22 مايو (أ.ف.ب)
TT

سقف الدين العام: استعراض سياسي أم تدهور اقتصادي؟

جانب من لقاء بايدن ومكارثي حول سقف الدين الأميركي في 22 مايو (أ.ف.ب)
جانب من لقاء بايدن ومكارثي حول سقف الدين الأميركي في 22 مايو (أ.ف.ب)

جدل يتكرر كل مرة تصل فيها الولايات المتحدة إلى حد التخلف عن السداد، لهذا يعتبره البعض مجرد جدل دوري يستعرض خلاله الطرفان الديمقراطي والجمهوري عضلاتهما السياسية، وفي نهايته ترمي أطراف «النزاع» أسلحتها وتعود إلى قواعدها ويتم التوصل إلى اتفاق يحفظ ماء الوجه.

 

لكن هل سيتكرر السيناريو هذه المرة؟ أم أن الانقسامات العميقة التي زرعت بذورها في القاعدة الحزبية ستقلب المعادلة وتُدخل الولايات المتحدة في زوبعة «أزمة ذات تداعيات كارثية»، بحسب وصف وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.

سجال سياسي أم أزمة فعلية؟

يهدد تخلف واشنطن عن سداد ديونها بإثارة رعب في الأسواق (أ.ف.ب)

استطلعت «الشرق الأوسط» آراء خبراء لتسليط الضوء على تفاصيل أزمة سقف الدين وتداعياتها. وخفّف جون فيري، المتحدث باسم رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق، من أهمية الجدل الحالي، متوقعا أن يتوصّل الكونغرس في نهاية المطاف إلى تسوية لرفع سقف الدين العام. ويقول فيري في حديث مع «الشرق الأوسط» إن ما يجري حالياً هو أن «الطرفين الديمقراطي والجمهوري يخوضان نقاشاً مبنياً على مواقف مرتكزة على مبادئ يؤمنان بها لكنهما في الوقت نفسه يصدران تصريحات علنية تهدف إلى التباهي السياسي».

 

لكن جايسون ستاينبوم، كبير الموظفين الديمقراطي السابق في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، يخالف فيري الرأي بشكل جذري. فاعتبر أن الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد قد تخرج عن السيطرة. وقال ستاينبوم لـ«الشرق الأوسط» إنه «بناء على مقياس يتراوح بين واحد وعشرة، فإن هذه الأزمة تصل إلى 11. محذراً من أن يتسبب تخلف أميركا عن السداد في تهالك الدولار، وتراجع مدخرات تقاعد الأميركيين، وتزعزع الثقة بالولايات المتحدة، إضافة إلى تضاؤل نفوذها في العالم».

 

ويذكّر ستاينبوم بأن الجمهوريين دائماً ما يرفعون سقف الدين العام عندما يكون الرئيس جمهورياً، لكنهم سرعان ما يطالبون بتخفيضات ضخمة في إعانات الأميركيين عندما يكون هناك رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض. «فقد رفعت الولايات المتحدة سقف دينها 78 مرة منذ عام 1960؛ 49 مرة منها في عهد الرؤساء الجمهوريين، و29 مرة في عهد الرؤساء الديمقراطيين».

حقائق

78

عدد المرات التي رفعت فيها الولايات المتحدة سقف دينها.

يضيف ستاينبوم، الذي عمل في الكونغرس لأكثر من 30 عاماً، أن الديمقراطيين مستعدون لرفع سقف الدين العام لتسديد فواتير الولايات المتحدة، وأن النقاش حول الإنفاق يجب أن يحصل في المكان والزمان المناسبين، «أي حين يناقش الكونغرس مشاريع الموازنة كل عام». واتّهم الجمهوريين باتخاذ «مصلحة البلاد المالية رهينة»، داعيا إياهم إلى العودة لخدمة البلاد.

من ناحيته، يعتبر فيري أن النقاش الدائر حالياً طبيعي ويرتكز على الآيديولوجيات المختلفة بين الحزبين، إذ لطالما أراد الجمهوريون تخفيض الإنفاق الفيدرالي وتخفيف ضوابطه. أما الديمقراطيون، وفق فيري، فيفضّلون تعزيز سيطرة الحكومة وفرض المزيد من الضرائب والضوابط.

التخلف عن السداد

مكارثي متحدّثاً مع الصحافيين في الكونغرس في 23 مايو (أ.ف.ب)

رغم هذه الاختلافات، بدا كل من فيري وستاينبوم واثقين من توصل الطرفين الديمقراطي والجمهوري إلى اتفاق يحول دون تخلّف الولايات المتحدة عن السداد. وفيما أقرّ ستاينبوم بصعوبة جمع الأصوات اللازمة في مجلسي الكونغرس لإقرار الاتفاق، فإنه عبّر عن تفاؤل حذر. وتابع محذّرا: «في أسوأ الاحتمالات، إن لم يتم التوصل إلى اتفاق، أعتقد أن (الرئيس جو) بايدن سيلجأ إلى التعديل 14 (من الدستور)، ويعلن أن سقف الدين العام غير دستوري».

ويُعدّ هذا التعديل سيفا ذا حدين، لما يحمله من تداعيات قضائية. ولا شكّ أن هذه الخطوة قد تدفع محاكم إلى تحدي إدارة بايدن حول الصلاحيات التي تتمتّع بها لاستعمال هذا التعديل في رفع سقف الدين العام.

ويتخوف البعض من أن يؤدي الجدل الحاد إلى خسارة الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني، كما جرى في عام 2011. ويقول هانغ تران، كبير الباحثين في مركز «جيو إيكونوميكس» التابع لـ«مجلس الأطلسي»: «حتى إذا منحت وزارة الخزانة الأميركية الأولوية لسداد خدمات الدين تفادياً للتخلف عن السداد، فلن يكون ذلك التصرف متسقاً ومتوافقاً مع التصنيف الائتماني السيادي AAA (وهو التصنيف الأعلى)». وأضاف في مقال كتبه لـ«الشرق الأوسط»: «فقد خفّضت وكالة (إس آند بي غلوبال)، وهي من وكالات التصنيف الائتماني الكبرى، التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية إلى AA خلال أزمة سقف الدين السابقة التي حدثت عام 2011».

لكن فيري رفض هذه المقارنة، معتبراً أن الأزمة الحالية أقل حدة من أزمة عام 2011، وأن الأمر لن يصل إلى حد التخلف عن السداد.

قاعدة «غيبهارت»

زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل عقب جولة مفاوضات في 18 مايو (إ.ب.أ)

وفي خضمّ هذا الجدل، طرح ستاينبوم نقطة يتداولها الديمقراطيون، تتعلق بإلغاء سقف الدين العام. وقال: «كل بلد لديه ديون، ويجب أن نسدد ديوننا. لقد حان وقت إلغاء سقف الدين كيلا نضطر للدخول في هذه المناكفة السياسية المجنونة في كل مرة».

ويذكر الديمقراطيين في هذه المقاربة بما يسمى «قاعدة غيبهارت»، التي أصدرها مجلس النواب في سبتمبر (أيلول) من عام 1979، والتي سمحت له برفع سقف الدين تلقائياً عند تمرير الميزانية، دون الحاجة إلى تصويت منفصل على سقف الدين، إلا عندما يصوت مجلس النواب على التنازل عن هذه القاعدة أو إلغائها.

ويتحدث تران في هذا الإطار عن تحول الجدل حول رفع سقف الدين العام في الأعوام الماضية إلى «سلاح سياسي»، قائلاً: «لقد تم رفع سقف الدين كثيراً، 78 مرة تحديداً، دون حدوث أي جلبة حتى وقت قريب. ومع تفاقم الاستقطاب السياسي، وبداية أزمة الموازنة وسقف الدين عام 1995 خلال فترة إدارة الرئيس بيل كلينتون للبلاد، بات يتم استخدام رفع سقف الدين كأداة سياسية لفرض التغييرات، والحد من الإنفاق الحكومي».

خسارة المنافسة مع الصين

قد يؤدي التخلف عن السداد إلى تراجع النفوذ الاقصادي الأميركي أمام الصين (رويترز)

على الرغم من المفاوضات المستمرة على مدار الساعة، ومحاولة تخفيف البعض من وطأة الأزمة، فإن زملاءه السابقين في المجلس يخالفونه الرأي. ويقول أحدهم، وهو ريتشارد فونتين مدير الموظفين الجمهوريين السابق في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن «تخلف أميركا عن السداد سيؤذي مصداقيتها ويشجع على الابتعاد عن الأصول الأميركية، ويهدد دور الدولار كالعملة الاحتياطية الأبرز في العالم». وتابع فونتين في مقال رأي، نشرته صحيفة «ذي هيل»: «إذا كان الزعماء الأميركيون جديين في حديثهم عن المنافسة طويلة الأمد مع الصين، فلا يمكنهم أبداً التفكير حتى في التخلف عن السداد».

ويوافق تران هذه المقاربة، فيقول: «إذا تخلفت أميركا عن سداد التزاماتها من الديون، حتى ولو كان ذلك بشكل مؤقت، فسيمثل ذلك صدمة كبرى تؤدي إلى أزمات على نطاق واسع في الأسواق المالية العالمية، وسيترتب على ذلك آثار اقتصادية حادة وخطيرة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة الأميركية، بل في أنحاء العالم أيضاً، خاصة في كثير من الأسواق الناشئة والدول النامية».


مقالات ذات صلة

هوستيد يستعد لخلافة فانس في مجلس الشيوخ الأميركي

الولايات المتحدة​ جون هوستيد (أ.ب)

هوستيد يستعد لخلافة فانس في مجلس الشيوخ الأميركي

توقع مصدران مطلعان أن يختار حاكم ولاية أوهايو، الجمهوري مايك ديواين، نائبه جون هوستيد، الجمعة، لخلافة نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس في مجلس الشيوخ الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وروبين في حدث انتخابي في كارولاينا الشمالية 4 نوفمبر 2024 (رويترز)

روبيو... صقر جمهوري لمنصب وزير الخارجية

حرص ماركو روبيو، الذي اختاره دونالد ترمب لوزارة الخارجية في إدارته الجديدة، أمام مجلس الشيوخ، الأربعاء، على مهاجمة الصين.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ التجهيزات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول (إ.ب.أ)

«الشيوخ» يتأهب للمصادقة على فريق ترمب

يسعى الجمهوريون للمصادقة على تعيينات ترمب الوزارية واستكمال فريقه، الذي تنتظره مهمات شاقة ومتشعبة في الإدارة الجديدة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب في مؤتمر صحافي في مارالاغو في 7 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب إلى الكونغرس للدفع بأجندته

عمد ترمب إلى زيارة المشرعين الجمهوريين في معقلهم في مجلس الشيوخ لإجراء لقاء مغلق يهدف إلى رسم استراتيجية منسقة لتسهيل إقرار أجندته الطموحة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جلسة الكونغرس الأميركي للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)

الكونغرس الأميركي يُصادق على فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية

صادق الكونغرس الأميركي، اليوم الاثنين، على فوز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هوستيد يستعد لخلافة فانس في مجلس الشيوخ الأميركي

جون هوستيد (أ.ب)
جون هوستيد (أ.ب)
TT

هوستيد يستعد لخلافة فانس في مجلس الشيوخ الأميركي

جون هوستيد (أ.ب)
جون هوستيد (أ.ب)

توقع مصدران مطلعان أن يختار حاكم ولاية أوهايو، الجمهوري مايك ديواين، نائبه جون هوستيد، الجمعة، لخلافة نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس في مجلس الشيوخ الأميركي.

ومن المحتمل أن يؤدي اختيار هوستيد، الذي كان في وضع يسمح له بالترشح لمنصب حاكم الولاية في عام 2026، إلى تجنب الانتخابات التمهيدية المثيرة للانقسام والمكلفة للحزب الجمهوري لشغل مقعد فانس، العام المقبل.

وسينهي قرار ديواين المتوقع شهوراً من المناورات بين كبار الجمهوريين في ولاية أوهايو لتولي منصب فانس، الذي شغله لمدة تقل عن عامين. وقدم السيناتور السابق استقالته، اليوم الجمعة، وفق ما ذكرته وكالة «أسوشييتد برس».

وسيعمل هوستيد (57 عاماً)، وهو رئيس سابق لمجلس النواب في ولاية أوهايو ووزير خارجية أوهايو لفترتين، حتى 15 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وستجرى انتخابات خاصة للعامين الأخيرين من ولاية فانس البالغة ست سنوات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026.

يشار إلى أن انتخاب فانس نائباً للرئيس في نوفمبر الماضي، فتح أحد مقاعد مجلس الشيوخ الأميركي في ولاية أوهايو للمرة الثالثة خلال سنوات عديدة، مما أدى إلى استفادة ديواين من قائمة طويلة من الأشخاص الذين سعوا للحصول على المقعد وخسروا في عامي 2022 و2024.