إغلاق عدد من المطارات الروسية إثر هجوم بعشرات المسيّرات الأوكرانية

موسكو تهدد بالرد إذا واصلت كييف هجماتها خلال هدنة عيد النصر

طائرات حربية روسية تحلق فوق الساحة الحمراء خلال عرض عسكري بمناسبة «يوم النصر» في موسكو الاثنين (أ.ب)
طائرات حربية روسية تحلق فوق الساحة الحمراء خلال عرض عسكري بمناسبة «يوم النصر» في موسكو الاثنين (أ.ب)
TT

إغلاق عدد من المطارات الروسية إثر هجوم بعشرات المسيّرات الأوكرانية

طائرات حربية روسية تحلق فوق الساحة الحمراء خلال عرض عسكري بمناسبة «يوم النصر» في موسكو الاثنين (أ.ب)
طائرات حربية روسية تحلق فوق الساحة الحمراء خلال عرض عسكري بمناسبة «يوم النصر» في موسكو الاثنين (أ.ب)

هاجمت مئات المسيّرات الأوكرانية روسيا خلال ليلتين متتاليتين، مستهدفة موسكو بشكل خاص، ومتسببة بتعطيل حركة الملاحة في نحو عشرة مطارات، حسبما أفادت السلطات المحلية قبل ثلاثة أيام من إحياء ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية.

وقال مسؤولون روس إن أوكرانيا أطلقت، ليل الاثنين/الثلاثاء، أكثر من مائة طائرة مسيرة استهدف العاصمة موسكو، وأجبرت السلطات على إغلاق المطارات الرئيسية الثلاثة في المدينة. وقال رئيس البلدية سيرجي سوبيانين على تطبيق «تلغرام»، إن خمس طائرات أوكرانية مسيرة على الأقل تم تدميرها لدى اقترابها من موسكو. وذكرت وكالة النقل الجوي الاتحادية الروسية (روسافياتسيا) على تطبيق «تلغرام» إنها أوقفت الرحلات في مطارات فنوكوفو ودوموديدوفو وجوكوفسكي التي تخدم موسكو؛ لضمان سلامة الملاحة الجوية.

طائرات حربية روسية تحلق فوق الساحة الحمراء خلال عرض عسكري بمناسبة «يوم النصر» في موسكو الاثنين (أ.ب)

وأوضح رئيس البلدية أن الحطام سقط على شارع رئيسي جنوب موسكو، مضيفاً أنه لم ترد أنباء عن سقوط ضحايا. وبثّت وسائل إعلام روسية صوراً لنافذة سوبرماركت متصدّعة وواجهة مبنى سكني متفحّمة.

وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، إن 105 طائرات دون طيار أوكرانية استهدفت روسيا خلال الليل.

وأضافت وكالة النقل أن الهجوم الجوي تسبّب أيضاً بتعليق العمل مؤقتاً في مطارات روسية أخرى، بما في ذلك مطارات في العديد من المدن الكبرى الواقعة على نهر الفولغا، مثل نيجني نوفغورود، وسامارا، وساراتوف، وفولغوغراد. وفولغوغراد (أو ستالينغراد كما كان اسمها سابقاً) هي مسرح المعركة الأكثر دموية في التاريخ والمدينة التي شهدت هزيمة الجيش النازي السادس في عامي 1942 و1943، وتُعدّ معركتها نقطة تحوّل في الحرب العالمية الثانية. وأعلنت سلطات منطقة فورونيج (جنوب)، كما نقلت عنها «الصحافة الفرنسية»، أن الدفاعات الجوية اعترضت 18 طائرة مسيّرة أوكرانية، بينما أعلنت سلطات منطقة بينزا الجنوبية أيضاً أنّ الدفاعات الروسية اعترضت 10 طائرات مسيّرة أوكرانية.

جنود روس يتدربون في الساحة الحمراء على الاستعراض الذي سيقام لمناسبة «يوم النصر» (أ.ب)

ويأتي هذا الهجوم قبيل أيام من إقامة العاصمة الروسية، الجمعة، عرضاً عسكرياً ضخماً، سيحضره الرئيس فلاديمير بوتين ونحو عشرين زعيماً أجنبياً. وقال رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين إن الدفاعات المضادّة للطائرات اعترضت 19 طائرة مسيّرة في سماء العاصمة، مما يثير مخاوف من تكثيف هذه الهجمات في الأيام المقبلة. وأمر الرئيس الروسي بوقف إطلاق النار بين 8 و10 مايو (أيار)، بمناسبة هذه الاحتفالات المهمة دون أن يقبل في هذه المرحلة طلب كييف بوقف «غير مشروط» للأعمال الحربية، ولم تعلن أوكرانيا من جانبها حتى الآن عن موقف واضح بشأن نواياها العسكرية خلال الأيام الثلاثة.

وكان الرئيس الروسي أصدر من جانب واحد أمراً بوقف قصير لإطلاق النار خلال عطلة عيد الفصح في أبريل (نيسان)، مما أدى إلى تراجع حدة المعارك دون احترامه بالكامل من قبل كلا الطرفين. ولطالما رفض بوتين وقفاً غير مشروط للأعمال العدائية لمدة 30 يوماً اقترحته كييف وواشنطن.

ورداً على سؤال بشأن ما ستفعله روسيا إذا لم توافق كييف على وقف إطلاق النار لثلاثة أيام، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: «بالطبع، مبادرة الرئيس بوتين بشأن وقف إطلاق النار المؤقت خلال العطلات الرسمية سارية، وأصدر القائد الأعلى للقوات المسلحة التعليمات ذات الصلة (للجيش)». وأضاف: «سيكون هناك وقف لإطلاق النار، ولكن في حال عدم وجود معاملة بالمثل من جانب النظام الأوكراني واستمرت محاولات ضرب مواقعنا أو منشآتنا، فسيتم الرد على النحو الملائم على الفور». وقال بيسكوف إن كييف لم تعط حتى الآن أي إشارة إلى استعدادها للموافقة على وقف إطلاق النار المقترح.

بناية سكنية في موسكو سقط عليها جزء من طائرة أوكرانية بعد تدميرها (أ.ب)

من جانب آخر، قال الجيش الأوكراني، الثلاثاء، إن قواته شاركت في عمليات قتالية في منطقة كورسك الروسية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، على الرغم من حديث موسكو عن دحر التوغل الأوكراني في المنطقة. وأضاف الجيش الأوكراني، في تحديث يومي نُشر على تطبيق «تلغرام»، أن قواته في قطاع كورسك صدت هجمات روسية وتعرضت لنيران مدفعية روسية وقنابل أُسقطت جواً.

وقال حاكم منطقة كورسك بغرب روسيا إن القوات الأوكرانية هاجمت محطة كهرباء فرعية في المنطقة، وذلك بعدما أفاد مدونون عسكريون روس بأن هناك توغلاً برياً أوكرانياً جديداً في كورسك تدعمه مركبات مدرعة ومسيرات.

وذكر ألكسندر خينشتين، حاكم كورسك، أن التيار الكهربائي لم يعد بعد إلى بلدة رايلسك، التي يبلغ عدد سكانها نحو 15 ألف نسمة وتبعد نحو 50 كيلومتراً من الحدود، بعد أن ضربت القوات الأوكرانية محطة فرعية هناك في وقت متأخر من الاثنين. وكتب خينشتين على «تلغرام»: «السكان الأعزاء، يواصل العدو، الذي هو في النزع الأخير، شن الضربات ضد أراضينا».

وقالت إدارة منطقة كورسك عبر «تلغرام»، في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، إن السلطات تقوم بإجلاء السكان من المناطق القريبة من الحدود مع تزايد وتيرة هجمات الطائرات الأوكرانية المسيرة على مدار اليوم الماضي.

يجلس الناس بجوار خيام في مركز إقامة مؤقت بكورسك بعد إجلائهم بسبب القتال بين القوات الروسية والأوكرانية (أ.ب)

وقال مدونون عسكريون روس، في وقت سابق، إن قوات أوكرانية هاجمت كورسك بالصواريخ واخترقت الحدود ثم عبرت حقول الألغام بمركبات. وذكر مدون حرب روسي يدعى «آر في فوينكور» على تطبيق «تلغرام»: «فجّر العدو جسوراً بالصواريخ خلال الليل وشن هجوماً بالمدرعات في الصباح». وأضاف: «بدأت مركبات إزالة الألغام شق طرق عبر حقول الألغام، وتبعتها مركبات مدرعة محملة بالجنود. هناك معركة عنيفة تدور على الحدود». وقالت مدونة رايبار العسكرية الروسية الشهيرة إن محاولة وحدات أوكرانية التقدم عبر الحدود بالقرب من بلدة تيوتكينو بمنطقة كورسك لم تنجح.

وفي أغسطس (آب) 2024، شنت أوكرانيا هجوماً مباغتاً على كورسك أملاً في تبديل الأوضاع بعدما ظلت لقوات الكرملين اليد العليا منذ الغزو الروسي الشامل في عام 2022.

كما كانت كييف تأمل في أن يؤدي وجودها في كورسك إلى سحب القوات الروسية بعيداً عن قطاعات أخرى من الجبهة في شرق أوكرانيا واكتساب ورقة للمساومة مع موسكو. لكن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي فاليري جيراسيموف أعلن، الشهر الماضي، طرد القوات الأوكرانية من كورسك، مما أنهى أكبر توغل في الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية، وأن روسيا تعمل على إنشاء منطقة عازلة في سومي الأوكرانية.

دبابة أوكرانية تمر بجانب سيارة محترقة بالقرب من الحدود الروسية - الأوكرانية في منطقة سومي بأوكرانيا (أ.ب)

ولم تقر كييف بأن قواتها اضطرت للانسحاب، بل قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن القوات الأوكرانية لا تزال تنفذ عمليات في كورسك ومنطقة بيلغورود الروسية المجاورة. وكتب بافيل زولوتاريوف، رئيس بلدة جلوشكوفو في كورسك، على «تلغرام» أنه تم إجلاء سكان عدة مناطق. وأضاف زولوتاريوف: «خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ازدادت هجمات طائرات العدو المسيرة... وهناك حالات قتل وإصابات، وتدمير منازل ومواقع بنية تحتية مدنية».

وأكد مدونون عسكريون آخرون الهجوم الأوكراني في كورسك، منهم مراسل التلفزيون الروسي ألكسندر سلادكوف. ولم يصدر المسؤولون الأوكرانيون أي تعليق بشأن إحراز تقدم لكن مكتب المدعي العام الأوكراني قال إن قصفاً روسياً بالمدفعية والقنابل الموجهة أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين في بلدات حدودية بمنطقة سومي. وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، في تحديث يومي اليوم الثلاثاء، إن القتال استمر بقطاع كورسك من خط المواجهة، وإن قوات كييف صدت 18 هجوماً «للعدو» هناك.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

أوروبا الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الأوروبيون متمسكون بلعب دور في الحرب الأوكرانية، ويرفضون التفرد الأميركي بمصيرها، وباريس تستضيف قمة «التحالف» لدعم أوكرانيا، الثلاثاء المقبل.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي يعلن عن اجتماع لدول «تحالف الراغبين» في 3 يناير بأوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إن بلاده تخطط لعقد اجتماع لمستشاري الأمن القومي لدول «تحالف الراغبين» في الثالث من يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

لافروف: نجاح مفاوضات التسوية الأوكرانية مستحيل دون إنهاء سياسة كييف «الإجرامية»

أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء، أن نجاح مفاوضات تسوية الأزمة الأوكرانية مستحيل من دون إنهاء ما وصفها بـ«السياسة الإجرامية» لكييف.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال الإنقاذ الأوكرانيون يعملون في موقع غارة روسية استهدفت بنية تحتية لميناء في منطقة أوديسا (إ.ب.أ)

كييف: مسيرات روسية تقصف سفينتين مدنيتين بميناء أوكراني

كشفت البحرية الأوكرانية اليوم الثلاثاء أن طائرات مسيرة ‌روسية ‌قصفت ‌سفينتين مدنيتين ⁠في ​أثناء ‌دخولهما أحد المواني الأوكرانية في البحر الأسود.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
TT

الشرطة الهولندية توقف سورياً للاشتباه بانتمائه لـ«داعش» والتخطيط لهجوم

جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)
جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‍أوروبا (رويترز)

كشف ممثلو ادعاء، اليوم الثلاثاء، أن الشرطة ​الهولندية ألقت القبض على رجل سوري عمره 29 عاماً يشتبه بانتمائه لتنظيم «داعش»، وأنه خطط لشن هجوم في ‌مكان ما في ‌أوروبا، وذلك ‌بناء ⁠على ​منشورات ‌له على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح ممثلو الادعاء أن جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي عثر على منشورات هدد فيها ⁠الرجل بتنفيذ هجوم في ‌مكان غير محدد في ‍أوروبا قرب ‍فترة عطلة عيد ‍الميلاد (الكريسماس).

ولم يكشف ممثلو الادعاء عن تفاصيل حول الهجوم المخطط له ​أو حول الاشتباه بانتماء الرجل لتنظيم «داعش».

وأُلقي ⁠القبض على الرجل في 18 ديسمبر (كانون الأول) في منزله في فليسينغن بجنوب غرب هولندا، وقضت محكمة اليوم الثلاثاء بتمديد احتجازه لمدة 30 يوماً على الأقل مع استمرار ‌التحقيق.


زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا، في إطار الضمانات الأمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ‌زيلينسكي لوسائل إعلام في محادثة عبر تطبيق «واتساب»، أن أوكرانيا ملتزمة بمواصلة ​المحادثات بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأنه مستعدّ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شكل.


باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

عجَّل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد اجتماع الأحد في مارالاغو (فلوريدا) الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة من القادة الأوروبيين إلى الإعلان عن اجتماع قريب لـ«تحالف الراغبين» الذي يضم 35 دولة أكثريتها الساحقة أوروبية.

وكتب ماكرون على منصة «إكس» ما حرفيّته: «نحرز تقدماً فيما يخص الضمانات الأمنية (التي تطلبها أوكرانيا) والتي سيكون لها دور مركزي في التوصل إلى سلام عادل ودائم (بين روسيا وأوكرانيا). وسوف نجتمع كمجموعة (تحالف الراغبين) في باريس بداية يناير (كانون الثاني) لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الفعلية لكل طرف».

وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن قمة «تحالف الراغبين» ستعقد الثلاثاء القادم (6 يناير) في باريس وسيسبقها اجتماع لمستشاري الأمن القومي التحالف المذكور في كييف يوم 3 يناير.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا 15 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خلفيات الاستعجال الفرنسي

يأتي الاستعجال الفرنسي عقب ما اعتُبر تقدماً ملموساً تَحقَّق خلال اجتماع ترمب - زيلينسكي، وما جاء على لسان الرئيسين بخصوص الضمانات الأمنية. فالرئيس الأوكراني أعلن، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترمب، أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يخص الضمانات الأمنية «القوية» التي يلتزم بها الجانب الأميركي.

وأضاف زيلينسكي، في حوار مع مجموعة صحافية على تطبيق «واتساب»، أن واشنطن عرضت ضمانات أمنية صالحة لـ15 عاماً، وأنه طلب من الرئيس الأميركي أن تمتد إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً لردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين. وأضاف زيلينسكي أن ترمب وعده بالرد على طلبه. والأهم أن الرئيس الأوكراني جزم بأنه «من دون ضمانات أمنية، لن تنتهي هذه الحرب بصورة واقعية». بيد أنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل الضمانات الأميركية، مكتفياً بالقول إنها تشمل آليات لتنفيذ؛ أي اتفاق سلام، وأنها تضم «شركاء»، في إشارة الى «تحالف الراغبين». وقال في المناسبة عينها إن وجود قوات داعمة لكييف على الأراضي الأوكرانية «جزء مهم» من هذه الضمانات. أما ترمب فقد أشار في المؤتمر الصحافي المذكور إلى أنه يتوقع من الدول الأوروبية أن «تضطلع بجزء كبير» من هذه الضمانات «بدعم أميركي».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالثياب العسكرية كما ظهر في صورة مأخوذة من مقطع فيديو السبت الماضي (أ.ب)

المعضلة أن ترمب نفسه لم يكشف النقاب عمّا ستلتزم به بلاده، الأمر الذي يثير، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، صعوبتين متلازمتين: الأولى، أن الدول الجاهزة للمشاركة في «قوة الطمأنة» التي ستنبثق عن «تحالف الراغبين» تربط مساهمتها بوجود «تعهد أميركي» بالتدخل، في حال عاودت روسيا استهداف أوكرانيا مجدداً. وبكلام آخر، لا يريد الأوروبيون أن يكونوا وحدهم في مواجهة القوات الروسية، انطلاقاً من مبدأ أن القوات الأميركية وحدها قادرة على «ردع» الجانب الروسي. لذا، فإنهم يطالبون بـ«شبكة أمان» (Backstop) تتضمن تعهداً أميركياً بحماية «قوة الطمأنة» عند الحاجة. والصعوبة الثانية أن روسيا ترفض نشر أي قوات على الأراضي الأوكرانية تكون تابعة لدول أعضاء في الحلف الأطلسي.

وسبق لموسكو أن جعلت من هذا الأمر «خطاً أحمر». ومن الواضح أن الأوروبيين يراهنون على دور أميركي في «تليين» الموقف الروسي. وإذا واظبت موسكو على رفضها، فإن أي نشر لـ«قوة الطمأنة» سيكون مستبعداً، على الرغم من أن الخطط الأوروبية لا تتحدث إطلاقاً عن نشرها على خط المواجهة بل في المواقع الخلفية ما بين كييف وحدود أوكرانيا الغربية. وأكثر من مرة، أكد قادة أوروبيون وعلى رأسهم ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن «قوة الطمأنة» لن تكون قوة قتالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحِّباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريد الأحد الماضي (أ.ف.ب)

من الوعود إلى الالتزامات

حتى اليوم، كانت دول «تحالف الراغبين» تقدم وعوداً بالمشاركة في توفير الضمانات الأمنية، التي تراها باريس في ثلاثة مستويات: الأول، توفير الدعم الضروري للجيش الأوكراني مالياً وتسليحياً بحيث يشكل «الضمانة الأولى»؛ والثاني، المشاركة الفعلية بوحدات عسكرية لرفد «قوة الطمأنة». وحتى اليوم، ثمة عدة دول أعلنت بوضوح استعدادها للمشاركة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإستونيا والنروج وليتوانيا وتركيا، فيما دول أخرى «مستعدة» ولكنها لم تكشف عن طبيعة مساهماتها، ومنها بلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا ولاتفيا... في المقابل، ثمة دول رفضت أي مشاركة بوحدات عسكرية، وعلى رأسها بولندا وإيطاليا... أما المستوى الثالث فهو بالطبع يخص الجانب الأميركي. وأفادت مصادر رئاسية بأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد مشاركة بلاده في الضمانات الأمنية ولكنه بقي غامضاً إزاء طبيعتها، علماً أن أوكرانيا تطالب بما يشبه «البند الخامس» من معاهدة «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) التي تجعل من أي اعتداء خارجي لبلد عضو في الحلف اعتداءً على كل أعضائه.

في هذا السياق فإن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيوفِّر لها ضمانة أوروبية شبيهة بالفقرة الخامسة، وهو ما أكدته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بقولها إن انضمام أوكرانيا يشكّل ضمانة أمنية أساسية «في حد ذاته» شبيهة بالمادة 5 من الحلف الأطلسي. بيد أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة دفاعية - عسكرية كالحلف الأطلسي. ورغم أن الأوربيين يدفعون باتجاه تسريع انضمام كييف إلى ناديهم، فإن موعده ليس واضحاً بسبب القواعد المفترض توفرها في الدولة المرشحة. وبعد الفضائح الأخيرة التي عرفتها كييف، فمن غير المرجح أن يتم انضمامها إلى الاتحاد سريعاً.

أمن القارة الأوروبية

قياساً إلى ما سبق، تبرز أهمية الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو إليه ماكرون الأسبوع المقبل، والذي ترجح باريس أن يكون بمشاركة زيلينسكي وعديد من القادة الأوروبيين. والسبب في ذلك أهميته الاستثنائية في ظل تسارع الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية والانخراط الأميركي القوي، التي من شأنها جعل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أقرب من أي وقت مضى.

لذا، ثمة حاجة ملحة لـ«تحالف الراغبين» إلى تسريع العمل وتحديد ما يلتزم كل طرف بتقديمه جدياً على المستويات المالية والتسليحية واللوجيستية والعسكرية، علماً أن هيئة أركان جماعية يديرها ضابط فرنسي تجتمع في ضاحية قريبة من باريس وتعمل على رسم خطط الانتشار ودراسة السيناريوهات المحتملة لـ«قوة الطمأنة» التي لا يُعرف بعد تكوينها وعديدها وتسليحها.

وينظر الأوروبيون إلى مساهماتهم من زاويتين: الأولى، تأكيد وحدة الموقف الأوروبي بالوقف الحازم إلى جانب أوكرانيا (مع بعض الاستثناءات: المجر وسلوفاكيا)، والأخرى، اعتبار مشاركتهم المدخل المتاح حتى لا يتفرد «الحليف الأميركي» بالملف الأوكراني، وليكون لهم دور في شأن يرتبط به أمن القارة الأوروبية، فضلاً عن المشاركة في الدفع باتجاه اتفاق سلام يُنهي حرباً على قارتهم انطلقت قبل أربع سنوات.