الكرملين يرفض خطة زيلينسكي للسلام وقواته تتقدم في دونيتسك

موسكو مستعدة لحوار مع واشنطن حول تقليص الأسلحة الاستراتيجية

بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)
بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)
TT

الكرملين يرفض خطة زيلينسكي للسلام وقواته تتقدم في دونيتسك

بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)
بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)

رد الكرملين بحزم، الأربعاء، على دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفرض ما وصفه بـ«خطة لإجبار موسكو على السلام»، ولوّح بـ«عواقب حتمية» لتحركات كييف في هذا الشأن. وتزامن التهديد الروسي مع تصاعد الوضع ميدانياً في محيط دونيتسك وخاركيف. وتحدثت موسكو عن تقدم مهم في جنوب أوكرانيا، وعن صد هجمات أوكرانية قوية على مواقع في شرق البلاد.

وبالتوازي مع انشغال موسكو بمواجهة تحركات زيلينسكي الذي يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأجرى سلسلة لقاءات مع زعماء غربيين لتعزيز الضغوط على موسكو، أطلق الكرملين إشارة، الأربعاء، موجهة إلى واشنطن، على خلفية تصريحات صدرت عن الإدارة الأميركية حول استعداد الولايات المتحدة لتحريك المفاوضات مع موسكو حول ملفات الأمن الاستراتيجي، ومسائل تقليص الأسلحة الهجومية.

وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف إن هناك «حاجة إلى اتفاق في مجال الأمن الاستراتيجي، ويجب أن تبدأ المفاوضات في أسرع وقت ممكن»، مشيراً إلى أن موسكو تنتظر خطوة على هذا الصعيد من جانب الولايات المتحدة.

وقال الناطق إن بلاده «لم تتلق بعد الرد الذي تحتاجه حول ملف إحياء المفاوضات بشأن إبرام معاهدة جديدة للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية».

الرئيس الروسي ترأس اجتماعاً الأربعاء لمجلس الأمن خصص لمناقشة ملف «الردع النووي» (رويترز)

جاء الرد الروسي تعقيباً على تصريحات جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، الذي أعلن، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف المفاوضات مع روسيا بشأن معاهدة «ستارت» جديدة، وتنتظر قراراً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الشأن.

وفي إشارة إلى استعداد موسكو لبحث هذا الملف قال بيسكوف إن بلاده لا تعارض استئناف المحادثات. وزاد: «كل هذا (ملفات الأمن الاستراتيجي) يجب مناقشته معاً في إطار واحد، هذا هو موقف الاتحاد الروسي، ولم نتلق بعد رداً على ذلك من الأميركيين، ولكن بالطبع هناك حاجة إلى إطار قانوني، وهناك حاجة إلى اتفاق». وقال بيسكوف رداً على سؤال من الصحافيين: «يجب أن تبدأ المفاوضات في أسرع وقت ممكن».

وكان الرئيس الروسي أعلن في رسالته أمام المشرعين الروس العام الماضي، تعليق مشاركة بلاده في معاهدة «ستارت» التي تعد الركن الأساسي في اتفاقيات تقليص السلاح بين موسكو وواشنطن، وشدّد على أن بلاده لن تنسحب من المعاهدة، لكنه وضع شروطاً للعودة إلى الحوار في هذا الملف، مشيراً إلى أنه قبل العودة إلى المناقشة، «من الضروري أن نفهم مواقف دول مثل فرنسا وبريطانيا العظمى، وكيفية أخذ ترساناتها الاستراتيجية في الاعتبار، أي القدرة الهجومية الإجمالية لحلف شمال الأطلسي».

الرئيس الأوكراني يشارك في جلسة لمجلس الأمن الدولي خلال انعقاد الدورة 79 للجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وقامت موسكو لاحقاً بإرسال مذكرة رسمية بشأن تعليق مشاركتها في المعاهدة إلى الجانب الأميركي، ونصت الرسالة على إمكانية العودة إلى طاولة الحوار بعد أخذ مطالب روسيا بعين الاعتبار.

وفي إجراء مضاد بموجب معاهدة «ستارت» المجمدة، أعلنت واشنطن صيف العام الماضي وقف نقل المعلومات إلى الاتحاد الروسي حول وضع ومواقع انتشار أسلحتها الاستراتيجية التي تشملها المعاهدة، وألغت التأشيرات الصادرة للمتخصصين الروس لإجراء عمليات التفتيش. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة وقف تزويد الاتحاد الروسي بمعلومات القياس عن بعد التي تؤثر على إطلاق الصواريخ الباليستية الأميركية والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات.

وكانت موسكو صعدت، في وقت سابق، من شروطها للعودة إلى المعاهدة، وأعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف أن عودة الاتحاد الروسي إلى تنفيذ معاهدة «ستارت» الجديدة، لن تكون ممكنة «إلا إذا تخلت الولايات المتحدة عن مسارها العدائي تجاه موسكو»، لكن تصريحات بيسكوف الجديدة تُشكل أول مؤشر إلى استعداد موسكو لاستئناف الحوار من دون وضع شروط جديدة.

في إطار آخر، هاجم بيسكوف بشدة تحركات زيلينسكي في نيويورك، ووصف تصريحات الرئيس الأوكراني على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة حول ضرورة «إجبار روسيا على السلام» بأنها «خطأ فادح»، مشيراً إلى أن «هذا الوهم ستكون له حتماً عواقب على كييف».

وكان زيلينسكي خلال خطاب ألقاه في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، انتقد أولئك «في العالم» الذين «يريدون التحدث» مع الرئيس الروسي حول سبل حل الصراع. ودعا لاستخدام «صيغة السلام» التي طرحتها بلاده للتسوية. وهي تشتمل على دفع موسكو للانسحاب من الأراضي الأوكرانية، ووقف الحرب والجلوس إلى طاولة مفاوضات لوضع ترتيبات لتسوية نهائية.

وأكد زيلينسكي أن الأفكار التي ناقشها مع عدد من زعماء العالم، والتي حملت تسمية «خطة النصر» في أوكرانيا باتت «جاهزة تماماً»، مشيراً إلى أنها تتضمن «حزمة قوية لإجبار روسيا على إنهاء الحرب دبلوماسياً». فيما رد بيسكوف بتأكيد أن بلاده لن تتعامل مع أي خطط تطرحها كييف، مشيراً إلى أن «موسكو تدرك جوهر نظام كييف، وسوف تواصل عملياتها الحربية حتى تحقق جميع أهدافها».

على صعيد آخر، أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي ترأس اجتماعاً، الأربعاء، لمجلس الأمن خصص لمناقشة ملف «الردع النووي». ويأتي الاجتماع الذي حضره الأعضاء الدائمون في المجلس، وأحيطت مجرياته بكتمان شديد في ظل ازدياد التنبيه إلى مخاطر انزلاق الوضع حول أوكرانيا نحو توسيع رقعة الصراع جغرافياً، واستخدام أسلحة غير تقليدية.

وقال بيسكوف للصحافيين: «لدينا اليوم (الأربعاء) حدث مهم آخر يتمثل في اجتماع مجلس الأمن بشأن الردع النووي، وسيكون هناك خطاب للرئيس، ولأسباب واضحة يتم تصنيف مجريات اللقاء على أنه (سري للغاية)».

ولاحظت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية أن «اجتماع الأعضاء الدائمين في المجلس بشأن الردع النووي يشكل آلية لاتخاذ قرارات مهمة تم تكريسها منذ عام 1998، وقراراته، بعد موافقة رئيس الاتحاد الروسي عليها، ملزمة لجميع السلطات التنفيذية الاتحادية».

في موضوع آخر، قلل بيسكوف من احتمالات إطلاق مسار جديد للمفاوضات مع أوكرانيا بشأن إحياء «صفقة الحبوب» المجمدة منذ خريف عام 2022.

زيلينسكي يزور مصنعاً للذخيرة في الولايات المتحدة (أ.ب)

وجاء حديثه تعليقاً على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال محادثات مع زيلينسكي في نيويورك. وقال إردوغان إن أنقرة «تبذل جهوداً لإحياء اتفاق الحبوب، ووقف إطلاق النار في أوكرانيا». وأوضح بيسكوف أنه «في الوقت الحالي، لا يوجد حوار حول هذا الأمر، ونحن ننطلق بالدرجة الأولى من محاولات جرت لاستئناف تطبيق الصفقة، لكن في كل الأحوال، هذا موضوع معقد للغاية (...) هناك عدد كبير من العوامل».

على الصعيد الميداني، قال الكرملين، الأربعاء، إن ما يحدث على ساحة المعركة في شرق أوكرانيا إيجابي بالنسبة للقوات الروسية في الوقت الذي أعلنت فيه موسكو أنها سيطرت على قريتين إضافيتين هناك، وبدا أن قواتها تقترب من موقع أوكراني حصين.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها نجحت في إحراز تقدم ملموس في محيط دونيتسك، وأفادت في بيان بأنها سيطرت على موقعين جديدين في المنطقة. ووفقاً للمعطيات فقد سقطت بلدتا أوستروي وغريغوروفكا في دونيتسك في أيدي القوات الروسية بعد هجوم قوي هدف إلى تحسين الانتشار الميداني للجيش الروسي في المنطقة. في الوقت ذاته، نقلت وسائل إعلام حكومية روسية أن القوات الروسية نجحت في شن هجوم واسع على بلدة أوغليدار (فوليدار بالأوكرانية)، وبدأت محاولة واسعة لاقتحام البلدة التي شكلت حاجزاً منيعاً أمام القوات الروسية منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022.

ولدى سؤاله عن تقارير أفادت بأن القوات الروسية طوّقت بلدة أوغليدار المحصنة التي تعزز الدفاعات الأوكرانية في منطقة دونيتسك جنوب البلاد منذ 2022، قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف: «ديناميكيات المعركة إيجابية».

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن دينيس بوشيلين، حاكم منطقة دونيتسك الذي عينته روسيا، قوله إن المعارك دائرة داخل أوغليدار. وعدد سكان تلك البلدة قبل الحرب كان نحو 14 ألف نسمة.

ولم يؤكد الجانب الأوكراني هذه المعطيات، لكن وسائل إعلام قالت إن البلدة تعرّضت لقصف مدفعي وجوي مكثف قبل انطلاق الهجوم.

ولم يشر الجيش الأوكراني، الثلاثاء، إلى المكاسب التي حققتها روسيا حول البلدة، لكنه اعترف بأن قتالاً يدور في المنطقة. وقال مدونون روس يكتبون عن الحرب ووسائل إعلام روسية رسمية إن قوات موسكو بدأت بالفعل اقتحام البلدة. كما أكد بوشيلين أن القوات الروسية سيطرت على بلدة أوكراينسك التي تبعد نحو 50 كيلومتراً شمال أوغليدار.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية في بيان منفصل بأن قواتها نجحت في صد عدة هجمات قوية شنتها القوات الأوكرانية على محور خاركيف. وقالت إن «المجموعة الغربية من القوات تصدت لثلاث هجمات مضادة شنتها القوات الأوكرانية في مناطق مختلفة من منطقة خاركيف، وبلغت خسائر العدو على هذا المحور ما يصل إلى 390 عسكرياً».


مقالات ذات صلة

الجيش الأوكراني: روسيا شنت هجوماً بطائرات مسيرة على كييف

أوروبا جندي أوكراني ينظر إلى مدفع «هاوتزر آرتشر» سويدي الصنع يستخدمه أعضاء أوكرانيون من اللواء 45 للمدفعية وهو يطلق النار باتجاه مواقع روسية في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)

الجيش الأوكراني: روسيا شنت هجوماً بطائرات مسيرة على كييف

قال الجيش الأوكراني اليوم (الأحد) إن وحدات الدفاع الجوي دمرت أكثر من 10 طائرات مسيرة روسية كانت تستهدف العاصمة كييف في هجوم بطائرات مسيرة الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة أرشيفية لترمب وستولتنبرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

تصعيد الوضع في أوكرانيا... هل يتحول إلى مواجهة مفتوحة أم للتأثير على ترمب؟

القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستدخل الحرب ضد أوكرانيا "قريبا" وكييف كرانيا تطالب بأنظمة دفاع جوي حديثة للتصدي لصواريخ روسيا

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الجيش الأوكراني: روسيا شنت هجوماً بطائرات مسيرة على كييف

جندي أوكراني ينظر إلى مدفع «هاوتزر آرتشر» سويدي الصنع يستخدمه أعضاء أوكرانيون من اللواء 45 للمدفعية وهو يطلق النار باتجاه مواقع روسية في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)
جندي أوكراني ينظر إلى مدفع «هاوتزر آرتشر» سويدي الصنع يستخدمه أعضاء أوكرانيون من اللواء 45 للمدفعية وهو يطلق النار باتجاه مواقع روسية في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)
TT

الجيش الأوكراني: روسيا شنت هجوماً بطائرات مسيرة على كييف

جندي أوكراني ينظر إلى مدفع «هاوتزر آرتشر» سويدي الصنع يستخدمه أعضاء أوكرانيون من اللواء 45 للمدفعية وهو يطلق النار باتجاه مواقع روسية في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)
جندي أوكراني ينظر إلى مدفع «هاوتزر آرتشر» سويدي الصنع يستخدمه أعضاء أوكرانيون من اللواء 45 للمدفعية وهو يطلق النار باتجاه مواقع روسية في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)

قال الجيش الأوكراني اليوم (الأحد)، إن وحدات الدفاع الجوي دمرت أكثر من 10 طائرات مسيرة روسية كانت تستهدف العاصمة كييف في هجوم بطائرات مسيرة الليلة الماضية.

وذكرت الإدارة العسكرية لكييف عبر تطبيق «تلغرام»، أنه لم ترد تقارير بعد عن وقوع أضرار أو إصابات نتيجة للهجوم. وأضافت أن المعلومات المتعلقة بالنطاق الكامل للهجوم ستصدر في وقت لاحق من اليوم.

وقال سيرهي بوبكو رئيس الإدارة العسكرية لكييف: «كانت الطائرات المسيرة تحلق في اتجاهات مختلفة نحو كييف... استمرت حالة التأهب للغارات الجوية في المدينة لأكثر من 3 ساعات».

وسمع شهود من «رويترز» انفجارات ناجمة فيما يبدو عن قيام وحدات دفاع جوي بمهام.

ولم تصدر روسيا تعليقاً بعد بشأن الهجوم.

وفي سياق متصل، قالت وزارة الدفاع الروسية في منشور على تطبيق «تلغرام» اليوم، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 34 طائرة مسيرة أوكرانية، منها 27 فوق منطقة كورسك الحدودية. ولم تُشِر الوزارة في منشورها إلى بيان سابق أصدره حاكم كورسك، ذكر فيه أن وحدات الدفاع الجوي دمرت «صاروخين أوكرانيين» أثناء الليل فوق المنطقة.