اليمين المتطرف في فرنسا: رحلة 50 عاماً من التهميش إلى تطبيع الصورة

رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا لدى وصوله إلى مقر الحزب في باريس الاثنين (رويترز)
رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا لدى وصوله إلى مقر الحزب في باريس الاثنين (رويترز)
TT

اليمين المتطرف في فرنسا: رحلة 50 عاماً من التهميش إلى تطبيع الصورة

رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا لدى وصوله إلى مقر الحزب في باريس الاثنين (رويترز)
رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا لدى وصوله إلى مقر الحزب في باريس الاثنين (رويترز)

بعد أكثر من 50 عاماً على تأسيسه، انتقل حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرّف؛ الذي اتخذ اسم «التجمّع الوطني» في عام 2018، من التهميش إلى تطبيع صورته في صناديق الاقتراع، ليصبح في عام 2024 الحزب الأول في فرنسا.

وبعد 20 يوماً على حلّ «الجمعية الوطنية (البرلمان)» في 9 يونيو (حزيران) الماضي، وصل «التجمّع الوطني» إلى أبواب السلطة بحصوله الأحد على نحو 34 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة.

البدايات

في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1972، أنشأت مجموعات قومية حزب «الجبهة الوطنية من أجل وحدة الفرنسيين». وبعد حصول الحزب على أقل من واحد في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 1974، اختار رئيسه جان ماري لوبن مكافحة الهجرة أولوية.

في عام 1983، حقّقت «الجبهة الوطنية» أول اختراق انتخابي بحصولها على 16.7 في المائة من الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في درو (غرب باريس).

وبعد 3 سنوات، أدّى الاقتراع النسبي إلى وصول 35 نائباً من «الجبهة الوطنية» إلى «الجمعية الوطنية» الفرنسية.

وخلال الانتخابات الرئاسية عام 1988، حاز لوبن 14.3 في المائة من الأصوات، غير أنّ العودة إلى تصويت الأغلبية لم تترك له سوى نائبة واحدة.

«مجرّد تفصيل»

في سبتمبر (أيلول) 1987، وصف لوبن غرف الغاز النازية بأنّها «مجرّد تفصيل من تاريخ الحرب العالمية الثانية». وبسبب هذا التصريح، أُدين في عام 1991. وهو كان يرى أنّ التعليقات الأخرى التي تصم المثليين والمهاجرين والغجر... وغيرهم، تخدم «الجبهة الوطنية».

من عام 1992 إلى عام 1998، تولّى الحزب إدارة عدد من المدن الواقعة في جنوب شرقي فرنسا؛ بما في ذلك تولون. وفي الانتخابات الرئاسية عام 1995، حصل لوبن على 15.15 في المائة من الأصوات. وفي 1 مايو (أيار)، لقي مغربي حتفه خلال مسيرة لـ«الجبهة الوطنية» حين دفعه عناصر من حليقي الرؤوس في نهر السين.

صورة إعلانية ممزقة لرئيس «التجمع الوطني» (اليمين) جوردان بارديلا بشارع في باريس الاثنين (إ.ب.أ)

زلزال عام 2002

في عام 2002، شهدت فرنسا زلزالاً مع تأهل لوبن للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته جاك شيراك، بحصوله على 16.86 في المائة من الأصوات. وأصبحت ابنته مارين نائبة لرئيس الحزب. وفي آخر انتخابات رئاسية خاضها في عام 2007، حصل جان ماري لوبن على 10.44 في المائة من الأصوات، وكان هذا أدنى مستوى له منذ عام 1988. كما تراجع حزب «الجبهة الوطنية» في الانتخابات الأوروبية عام 2009 بحصوله على 4.17 في المائة من الأصوات.

بعد تسلم مارين لوبن رئاسة الحزب في يناير (كانون الثاني) 2011 معتمدة استراتيجية «تطبيع» عبر تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية، حصلت على 17.9 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 2012.

وبعد فوزه في 11 مجلس بلدي في عام 2014، حقق حزب «الجبهة الوطنية» فوزاً تاريخياً في الانتخابات الأوروبية بحصوله على 25 في المائة من الأصوات، متقدّماً على الحزب اليميني الرئيسي والاشتراكيين.

زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن (رويترز)

الأمور ليست على ما يرام بين الأب والابنة

في عام 2015، كرّر لوبن تصريحاته بشأن غرف الغاز، ليُطرد من الحزب في سن 87 عاماً. وفي أبريل (نيسان) 2017، بعد اعترافها بأنّها خاضت مناظرة «فاشلة»، خسرت مارين لوبن الانتخابات الرئاسية أمام إيمانويل ماكرون مجدّداً. وفاز حزب «الجبهة الوطنية» بـ8 مقاعد في البرلمان.

وفي نهاية يونيو من العام ذاته، وُجّهت إلى مارين لوبن اتهامات في إطار تحقيق بشأن مساعدين برلمانيين لنواب أوروبيين من «الجبهة الوطنية». ومن المقرّر إجراء محاكمة في خريف عام 2024.

التحوّل إلى «التجمّع الوطني»

بعد إعادة انتخابها رئيسة للحزب في عام 2018، سعت مارين لوبن إلى «تحويل» «الجبهة الوطنية» إلى «حزب حكومة» وتحالفات، وغيّرت اسمه ليصبح «التجمّع الوطني». وفي عام 2019، حصل «التجمّع الوطني» على المركز الأول في الانتخابات الأوروبية مجدّداً بحصوله على 23.3 في المائة من أصوات الناخبين.

في سبتمبر 2021، سلّمت مارين لوبن مقاليد رئاسة الحزب إلى جوردان بارديلا لتتفرّغ للانتخابات الرئاسية.

89 نائباً

مثّلت الانتخابات الرئاسية في عام 2022 فشلاً جديداً للوبن في مواجهة ماكرون. ولكنّها قرّبت اليمين المتطرّف من السلطة بحصوله على 41.5 في المائة من الأصوات في ظلّ الجمهورية الخامسة. وفي الانتخابات التشريعية التي تلت ذلك، حصل حزب «التجمّع الوطني» على 89 نائباً، في ما شكّل رقماً قياسياً حتّى ذلك الحين.

أعمال عنف بساحة «لا ريبوليك» في باريس الاثنين احتجاجاً على فوز اليمين المتطرف بالانتخابات (رويترز)

نتيجة تاريخية وحلٌّ صادم

في 9 يونيو (حزيران) 2024، حقّقت قائمة جوردان بارديلا فوزاً كبيراً في الانتخابات الأوروبية بحصولها على 31.36 في المائة من الأصوات. وفي أعقاب هذه النتيجة، أعلن إيمانويل ماكرون حلّ «الجمعية الوطنية». وتعقيباً على خطوة ماكرون، قالت مارين لوبن: «نحن مستعدّون لممارسة السلطة إذا وثق بنا الفرنسيون في الانتخابات التشريعية المقبلة». كما حذّر بارديلا بأنّه لن يقبل بأن يصبح رئيساً للحكومة إلّا في حال حصوله على الأغلبية المطلقة في «الجمعية الوطنية» مساء 7 يوليو الحالي.


مقالات ذات صلة

بدء محاكمة مارين لوبن بتهمة اختلاس أموال أوروبية

أوروبا مارين لوبن (رويترز)

بدء محاكمة مارين لوبن بتهمة اختلاس أموال أوروبية

بدأت محاكمة زعيمة حزب اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن إلى جانب 24 عضوا في حزب التجمع الوطني، بتهمة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتمويل رواتب موظفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا نمساويون يرفعون لافتة تقول «ليخرج النازيون من البرلمان» بعد تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات بفيينا الأحد (إ.ب.أ)

صعود اليمين المتطرف في النمسا يدفع قضية الهجرة إلى صدارة المشهد

يشعر كثير من النمساويين بالقلق بشأن قدرة بلادهم على دمج المهاجرين، لا سيما المسلمين، وهو ما شكل أرضية لليمين المتطرف للفوز بالانتخابات

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا زعيم حزب الحرية هربرت كيكل بعد إدلائه بصوته في الانتخابات التشريعية (أ.ف.ب)

اليمين المتطرف يحقق فوزاً انتخابياً تاريخياً في النمسا

بعد 5 سنوات من هزيمته، عاد اليمين المتطرف بقوة في الانتخابات التشريعية بالنمسا الأحد.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا عناصر من الشركة الألمانية (رويترز)

اتهام رجل بصنع قنبلة في مدينة هاله الألمانية

أفاد ممثلو الادعاء في مدينة هاله الألمانية، اليوم الجمعة، بتوجيه اتهام لرجل بالتخطيط لشن هجوم يميني متطرف بقنبلة بدائية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم متظاهرون ضد حزب «البديل من أجل ألمانيا» في مدينة إيرفورت بولاية ثورينغيا الألمانية (رويترز)

صعود اليمين المتطرّف في العالم الغربي... مرحلة عابرة أم واقع «مقيم»؟

الخطر الأكبر في عالم السياسة الغربية هو أن هو أن الشباب لا يجذبهم الاعتدال، بل يُنصتون بتركيز إلى المتحدثين بصوت عالٍ و يزعمون امتلاك الحقيقة والحلول السحر.

أنطوان الحاج

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
TT

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

حضّت أوكرانيا الخميس أقدم محكمة تحكيم في العالم على إصدار أمر لروسيا بتفكيك الجسر الذي بنته لربط القرم بالبر الرئيسي الروسي.

ويتواجه البلدان أمام محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي التي تأسست عام 1989. وعلى مدى أسبوعين، سعى محامو البلدين للمطالبة بحق كل طرف في الوصول إلى المياه المحيطة بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.

وقالت مديرة القانون الدولي لدى وزارة الخارجية الأوكرانية أوكسانا زولوتاريوفا إنه «على المحكمة إصدار أمر لروسيا بتفكيك وإزالة ما يطلق عليه جسر كيرتش».

وأضافت أن «تفكيك الجسر هو الطريقة الوحيدة لتتمكن مراكب جميع البلدان التي استخدمت مضيق (كيرتش) في الماضي، وتلك التي يتوقع أن تستخدم المضيق مستقبلاً، من المرور مجدداً».

ويستند جزء من قضية أوكرانيا إلى أن روسيا بنت الجسر على ارتفاع منخفض إلى حد يمنع السفن الدولية من المرور في المضيق الاستراتيجي، وهو ما يعرقل التجارة.

وقالت زولوتاريوفا: «روسيا هي التي بنت هذا الجسر ويتعيّن عليها الآن إزالته للسماح بالمرور عبر مضيق كيرتش بما يتوافق مع القانون الدولي».

وشنّت كييف العديد من الهجمات ومحاولات الهجوم على جسر كيرتش منذ أطلقت موسكو عمليتها العسكرية في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وتعود القضية المرفوعة أمام محكمة التحكيم الدائمة إلى سبتمبر (أيلول) 2016 عندما رفعت كييف الدعوى أمام المحكمة لـ«إثبات حقوقها على اعتبارها الدولة الساحلية».

وتعمل المحكمة على حل النزاعات بين البلدان والجهات الخاصة بشأن العقود والاتفاقيات الخاصة ومختلف المعاهدات، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وفي مرافعات روسيا لدى بدء الجلسات في 23 سبتمبر، اعتبر ممثل روسيا غينادي كوزمين أن قضية كييف «لا أساس لها».

وقال إنه بعد ضم القرم، باتت البحار المتنازع عليها مياهاً داخلية، وبالتالي خارج نطاق قوانين الملاحة الدولية.

وأشار إلى أن روسيا بنت جسر كيرتش للتخفيف مما وصفه بـ«حصار» أوكرانيا للقرم، ونفى أنه يعرقل الملاحة.

وشدد على أن «جميع المزاعم الأوكرانية لا أساس لها وخارج نطاق اختصاصكم القضائي، وينبغي رفضها كاملة».

وستقدّم روسيا مرافعتها الختامية السبت، علماً أن صدور قرار المحكمة يستغرق عادة شهوراً، إن لم يكن سنوات.