سيناريوهات توسيع الاشتباك الروسي - الغربي

تسليح «أعداء» واشنطن واستهداف ناقلات السلاح وطائرات التجسس و«النووي» آخر الخيارات

بوتين خلال لقائه مع مندوبي وكالات الأنباء الأجنبية (إ.ب.أ)
بوتين خلال لقائه مع مندوبي وكالات الأنباء الأجنبية (إ.ب.أ)
TT

سيناريوهات توسيع الاشتباك الروسي - الغربي

بوتين خلال لقائه مع مندوبي وكالات الأنباء الأجنبية (إ.ب.أ)
بوتين خلال لقائه مع مندوبي وكالات الأنباء الأجنبية (إ.ب.أ)

أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، جدلاً واسعاً بحديثه عن خطوات محددة قد تقوم بها بلاده رداً على التحرك الغربي بمنح كييف «الضوء الأخضر» لاستخدام أسلحة فتاكة لضرب مواقع في العمق الروسي.

جاء تلويح بوتين باحتمال تزويد «أعداء» واشنطن بتقنيات صاروخية وأسلحة تعزز قدراتهم في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة، ليشكل نقلة خطرة للغاية في آليات إدارة المواجهة بين روسيا والغرب، وليضع سيناريو الانزلاق نحو توسيع الاشتباك الروسي الغربي على سكة التنفيذ العملي، مع كل ما يمكن أن يحمل ذلك من تداعيات.

جانب من لقاء بوتين مع مندوبي وكالات الأنباء الأجنبية (أ.ب)

هذا التلويح هو الثاني لبوتين خلال أسبوعين، الذي حمل استعداداً مباشراً لتوسيع نطاق المعركة الدائرة على الأراضي الأوكرانية، بعدما كان الرئيس الروسي لوح إلى قدرات بلاده النووية التكتيكية، وأمر بإجراء تدريبات على استخدام طارئ للأسلحة التكتيكية في حال تعرضت البلاد لخطر داهم، أو تهديد على مستوى سيادتها وسلامة أراضيها.

بهذا المعنى فإن بوتين حدد قواعد الاشتباك الجديدة، إلى جانب تبني تدابير أخرى، مثل تعزيز منظومات الدفاع الجوي، وتكثيف نشر التقنيات الحربية في المناطق الحدودية. ما يطلق العنان لتكهنات حول السيناريوهات المحتملة لتطور الحرب واحتمالات اتساع نطاقها الجغرافي.

خلال لقاء مع بعض وسائل الإعلام الأجنبية، على هامش مشاركته في أعمال «منتدى بطرسبرغ الاقتصادي»، قال بوتين إن روسيا «يمكنها الرد بشكل متماثل على توريد الدول الغربية أسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا عبر نقل مثل هذه الصواريخ إلى دول أخرى لمهاجمة أهداف غربية».

وأوضح الرئيس الروسي فكرته بأنه «إذا كان هناك من يعتقد بأنه من الممكن توريد مثل هذه الأسلحة (بعيدة المدى) إلى منطقة قتال لضرب أراضينا وخلق مشاكل لنا، فلماذا لا يكون لدينا الحق في نقل أسلحتنا ومن الفئات نفسها لتلك المناطق من العالم، حيث سيتم تنفيذ الهجمات على أهداف حساسة لتلك البلدان التي تفعل ذلك ضد روسيا؟».

في السياق ذاته، أعاد بوتين التذكير بقدرة بلاده على استخدام أسلحة فتاكة، وحدد لذلك الشرط الذي تنص عليه العقيدة النووية الروسية بوضوح، وهو يقوم على احتمال «توجيه ضربات استباقية في حال تعرض أمن روسيا وسيادتها وسلامة أراضيها لتهديد مباشر».

طائرة مقاتلة خلال تدريبات «الناتو» (إ.ب.أ)

كان الرئيس قال في وقت سابق إن على البلدان الأوروبية الصغيرة نسبياً بمساحتها، وذات الكثافة السكانية العالية أن تفكر ملياً في مدى قدرة روسيا على الرد والتأثير إذا تعرضت لخطر. وكان هذا الإنذار الأقوى والأكثر وضوحاً لجهة التلويح بالقدرات النووية.

توضح المداخل التي استخدمها بوتين خلال الأسبوعين الأخيرين، التي كررها أكثر من مرة مسؤولون مقربون منه، سيناريوهات توسيع الاشتباك.

ووفقاً لخبراء عسكريين بارزين، فإن الأولوية الروسية ميدانياً، تتجه لتخفيف آثار الضربات المحتملة باستخدام الأسلحة الغربية في العمق الروسي. وهذا يتطلب مع زيادة فاعلية المظلات الجوية، تكثيف الضغط العسكري المباشر على خطوط التماس، وفي مناطق العمق الأوكراني، لضمان الانشغال الدائم بتطوير القدرات الدفاعية عن المناطق التي تتقدم فيها موسكو تدريجياً، مثل مناطق دونباس في الجنوب، وخاركيف شرقا، وزاباروجيا وخيرسون في وسط البلاد.

نصب صواريخ كروز في معرض أسلحة بالقرب من برلين (أ.ف.ب)

وهذا التكتيك يشتمل أيضاً على تكثيف الضغط العسكري على منشآت تزويد الطاقة والمياه، ومحطات ومستودعات الوقود، ومخازن السلاح الغربي على الأراضي الأوكرانية.

على صعيد أوسع من ميدان المعارك المباشرة، يتحدث الخبراء على تطوير عمليات روسيا الهجومية على ممرات عبور الأسلحة الغربية، (الممرات المائية والمعابر الحدودية البرية مع بولندا ورومانيا ومناطق أخرى). وكذلك البدء باستهداف المسيرات التجسسية التي تطلقها الولايات المتحدة وبلدان حلف الأطلسي على مقربة من الأجواء الروسية. وكان لافتاً أن موسكو زادت في اليومين الماضيين من إعلاناتها حول رصد طائرات تجسس غربية قرب أجواء روسيا.

أما الإجراء الثالث الذي يدخل ضمن مجالات توسيع نطاق الاشتباك، فهو يتعلق بالشروع في استهداف ناقلات السلاح الغربي، خصوصاً أثناء مرورها في ممرات مائية خطرة بالنسبة إلى روسيا مثل البحر الأسود، فضلاً عن تكثيف مراقبة تحركات سفن الأطلسي في بحر البلطيق.

وكان لافتاً، خلال الأسابيع الأخيرة ازدياد حدة لهجة المسؤولين الروس في الحديث عن احتمالات توجيه ضربات مباشرة إلى الناقلات الغربية (السفن والطائرات)، فضلاً عن أن «مناطق انطلاق هذه الناقلات أو الصواريخ التي تستخدم لضرب العمق الروسي ستكون بدورها أهدافاً مشروعة». والحديث هنا كما قال ديمتري ميدفيديف أحد أبرز «الصقور» في فريق بوتين يدور مباشرة عن استهداف مواقع في بلدان تنتقل منها الأسلحة إلى أوكرانيا، مثل بولندا ورومانيا، وربما جمهوريات حوض البلطيق.

صورة وزعتها كوريا الشمالية (حليفة موسكو) لعملية إطلاق صواريخ من منطقة غير محددة (أ.ف.ب)

ورغم أن الخبراء يضعون هذا السيناريو ضمن التحركات المؤجلة حالياً بهدف تقليص مخاطر الصدام المباشر والواسع مع الحلف الغربي في هذه المرحلة على الأقل، لكن التلويح المتكرر بذلك يؤكد أن هذه الخطوة موضوعة على طاولة قرار الرئيس إذا دعت الحاجة.

العنصر الرابع والأكثر خطورة في السيناريوهات المحتملة، هو ما هدد به بوتين أخيراً؛ إذ يدور الحديث عن توسيع مساحة المواجهة بتأجيج الوضع في مناطق ساخنة وبؤر توتر متعددة توجد فيها قوات أميركية وغربية. ويضع الخبراء هذا السيناريو بوصفه بديلاً أكثر واقعية وإمكانية للتنفيذ من الانزلاق نحو مواجهة مباشرة مع الحلف الغربي. بهذا المعنى فإن روسيا لديها القدرات الفنية والتقنية اللازمة لتوسيع صادرات الأسلحة إلى مناطق عدة تواجه الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات فيها أوضاعاً معقدة، مثل سوريا والعراق وعدد من البلدان الأفريقية، ومناطق ساخنة أخرى.

وكان لافتاً على هذا الصعيد أن موسكو أعلنت أول من أمس عن انطلاق مناورات عسكرية روسية سورية هي الأوسع منذ التدخل العسكري المباشر في سوريا في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015. وحملت المناورات هدفاً مباشراً معلناً هو «مواجهة التهديدات على سيادة سوريا وسلامة أراضيها». بهذا الشكل لا يستبعد خبراء تأجيج معدلات ونوعية الهجمات على المواقع الأميركية في سوريا، وكذلك على مصالح حلفاء واشنطن في مناطق عدة.

بهذا المعنى تماماً قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما (النواب) أندريه كارتابولوف إن روسيا «بالطبع، لن تضرب دول الناتو التي تتخذ مثل هذه القرارات في الوقت الحالي، لكن على هذه الدول أن تتذكر أن كل شيء يمكن أن يتغير إذا شعرت روسيا بالخطر».

جنود من الجيش الروسي يقودون دبابة في أحد شوارع دونيتسك (رويترز)

بالمعنى نفسه قال الجنرال السابق في القوات الخاصة، أناتولي ماتفيتشوك: «لا يمكننا، الآن، ببساطة توجيه مدافعنا وصواريخنا والبدء في إطلاق النار على أهداف عسكرية، على سبيل المثال، في أراضي بولندا أو رومانيا أو ألمانيا. ولكن يمكننا في الواقع تنفيذ إجراءات بالوكالة».

وأوضح: «لدينا كثير من الحلفاء حول العالم يكرهون الولايات المتحدة والغرب، ويشنون هجمات عليهما. بالدرجة الأولى، في العراق وسوريا، حيث توجد قواعد ومرافق عسكرية أميركية. ويمكننا تزويد الحوثيين، على سبيل المثال، بأنظمة صواريخ ساحلية، مثل (بال) أو (باستيون)، يمكنها ضرب السفن التابعة للبحرية البريطانية والأميركية، وغيرها من القوات البحرية التابعة لحلف شمال الأطلسي».

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة لأحد مستودعات تجميع الصواريخ بروسيا في 13 سبتمبر 2023 (أ.ب)

أيضاً رأى بعض الخبراء العسكريين أن الخطوة الأولى سوف تتجه نحو إسقاط طائرات الاستطلاع الأميركية المسيّرة التي تحلق فوق البحر الأسود، على اعتبار أنها تتحول إلى «أهداف مشروعة». وكشفت أوساط عسكرية روسية أن موسكو وجهت تحذيراً مباشراً بهذا المعنى على مستوى القنوات الدبلوماسية العسكرية، وأنها أبلغت واشنطن ولندن بأن «القوات الروسية سوف تستخدم الأسلحة لتدمير طائرات التجسس إذا لم تتوقف هذه الطلعات الجوية».

في المقابل يرى خبراء أن موسكو لن تتجه في المرحلة الراهنة إلى استهداف الأقمار الاصطناعية الغربية «لأن ذلك يعني إعلان حرب»، لكن ستعمل على تعزيز أنظمة التشويش عليها بشكل واسع وممنهج.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في الذكرى الـ75 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (إ.ب.أ)

تحمل كل العناصر السابقة تصوراً للحرب غير المباشرة أو المباشرة أحياناً بين روسيا والغرب، وهي تشكل بديلاً «مقبولاً» عن اندلاع صراع عسكري مباشر ومفتوح. لكن هذا لا يعني أن روسيا قد تتردد في استخدام أخطر ما في جعبتها في حال دعتها الحاجة لذلك، ويقول خبراء إن السلاح النووي التكتيكي وضع على أهبة الاستعداد، لكن كبس الزر النووي سيكون آخر الخيارات في حال شعر بوتين بخطر داهم وجدي، وبعدم فاعلية التدابير الأخرى.

يبقى أن المعضلة السياسية - القانونية التي تؤجج احتمالات تدهور الوضع نحو استخدام السيناريوهات المعدة، تكمن في الخلاف الروسي الغربي على تحديد المساحة الجغرافية للاشتباك «المنضبط». حتى الآن كانت الأراضي الأوكرانية هي ساحة المعركة الرئيسية، بمعدلات تدخل مباشر متفاوتة من جانب الغرب. لكن سماح نحو عشرة بلدان غربية على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بتوجيه ضربات بأسلحتها إلى العمق الروسي يفتح على سجال حول حدود المعركة المعترف بها من جانب الطرفين.

الرئيس الأوكراني في قمة سنغافورة (أ.ب)

لأن موسكو ترى في ضربات على القرم ودونباس هجوماً مباشراً في «العمق الروسي» يضع الرئيس الروسي في دائرة الحرج الداخلي إذا لم يتخذ قرارات فورية برد حازم عليه. وهو قد قال الأربعاء إن «دماء الروسي في دونباس ليست مياهاً». في المقابل فإن قرارات الغرب بدعم توجيه ضربات أوكرانية إلى منشآت عسكرية روسية أقيمت على «أراض محتلة» تستند بدورها إلى موقف لا يمكن التراجع عنه حالياً، وإلا فإن كل مبررات مساعدة أوكرانيا في الحرب الجارية سيتم تقويضها. هذا الخلاف في تحديد مساحة المعركة المتفاقمة لا يوجد حل سياسي له حالياً، وبالتالي فهو يؤجج احتمالات الانزلاق إلى سيناريوهات المواجهة المتسعة.


مقالات ذات صلة

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

أوروبا لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

أكّد حلف شمال الأطلسي الخميس أنّ الصاروخ البالستي الفرط صوتي الجديد الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا "لن يغيّر مسار الحرب".

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

ذكر الرئيس الأوكراني، الخميس، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا بنوع جديد من الصواريخ الباليستية يمثّل «تصعيدا واضحا وخطيرا» في الحرب، ودعا إلى إدانة عالمية قوية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (رويترز)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصواريخ «عابرة للقارات للمرة الأولى»

اتّهمت أوكرانيا، الخميس، روسيا بإطلاق صاروخ عابر للقارات على أراضيها على الرغم من عدم وجود رأس نووية.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سوتشي بروسيا 18 مايو 2018 (رويترز)

ماذا قالت ميركل في مذكراتها عن بوتين وترمب وأوكرانيا؟

بعد ثلاثة أعوام على تقاعدها عادت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى الأضواء بكتاب مذكرات عن حياتها تحدثت فيه عن أوكرانيا وعلاقتها ببوتين وترمب

راغدة بهنام (برلين)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصواريخ «عابرة للقارات للمرة الأولى»

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
TT

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصواريخ «عابرة للقارات للمرة الأولى»

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)

قال مسؤول أميركي إن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً متوسط المدى، وليس صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، خلال هجوم على مدينة دنيبرو الأوكرانية، الخميس، وهو ما يختلف عن رواية كييف الرسمية.

وأضاف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه، أن التقييم استند إلى تحليل مبدئي.

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

ودوت صافرات الإنذار خشية وقوع هجمات جوية وصاروخية في جميع أنحاء أوكرانيا، في الساعات الأولى من صباح الخميس. وذكرت «وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية» أنه تم إطلاق صاروخ فرط صوتي روسي، من طراز «كينجال»، استهدف منطقة دنيبروبيتروفسك. وقالت الوكالة الأوكرانية إنه تم إطلاق الصاروخ من طائرة مقاتلة من طراز «ميغ-31».

وأصدرت الدفاعات الجوية الأوكرانية، بعد فترة وجيزة، إنذاراً عبر تطبيق «تلغرام» بشأن احتمال إطلاق عدة صواريخ كروز من طراز «كيه إتش101»، وقالت إن هذه الصواريخ، المجهزة بتقنية التخفي، تم إطلاقها، على الأرجح، من قاذفات استراتيجية من طراز «تو-95» قرب مدينة إنجلز في منطقة ساراتوف بجنوب روسيا.

وكانت أوكرانيا قد اتّهمت، الخميس، روسيا بإطلاق صاروخ عابر للقارات على أراضيها، رغم عدم وجود رأس نووية، مما يعد تصعيداً غير مسبوق للنزاع والتوترات بين روسيا والغرب.

وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن التقييم جارٍ، لكن الصاروخ تتوفر فيه كل «خصائص» الصاروخ الباليستي العابر للقارات. عادّاً أن روسيا «جارة مجنونة» تستخدم أوكرانيا «ساحة تجارب» عسكرية.

وأضاف زيلينسكي في مقطع مصور عبر «تلغرام»: «كل خصائص الصاروخ الباليستي العابر للقارات متوافرة فيه من سرعة وارتفاع، ونجري راهناً تحليلاً»، موضحاً أن هذا الهجوم غير المسبوق «يظهر أن (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) خائف».

وقال المسؤول الأميركي، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن موسكو «تسعى إلى ترهيب أوكرانيا والدول التي تدعمها عبر استخدام هذا السلاح، أو إلى لفت الانتباه، لكن ذلك لا يبدل المعطيات في هذا النزاع».

ويتعلق هذا السلاح بترسانة الردع النووي. ولم تنفِ استخدامه روسيا التي تطلق منذ أيام خطاباً عدائياً على نحو متزايد، ملوحة بالأسلحة النووية؛ بسبب استخدام أوكرانيا للصواريخ الأميركية لاستهداف الأراضي الروسية.

في وقت سابق من الأسبوع، استخدمت أوكرانيا صواريخ «ATACMS» الأميركية التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، لأول مرة ضد منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية، بعد حصولها على تفويض من واشنطن. وزودت دول غربية عدة، أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى لكنها لم تسمح باستخدامها على الأراضي الروسية؛ خوفاً من رد فعل موسكو التي عزّزت تحذيراتها النووية في الأيام الأخيرة.

انفجار صاروخ في السماء خلال هجوم روسي على كييف (رويترز)

في عقيدتها الجديدة حول استخدام الأسلحة النووية التي أصبحت رسمية، الثلاثاء، يمكن لروسيا الآن استخدامها في حال وقوع هجوم «ضخم» من قِبَل دولة غير نووية ولكن مدعومة بقوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة.

ورغم أن مدى الصاروخ الباليستي العابر للقارات يبدو مُبالغاً فيه لاستخدامه ضد أوكرانيا، فإنه تم تصميم مثل هذه الصواريخ لحمل رؤوس حربية نووية، وسيبعث استخدام صاروخ منها برسالة مروعة حول قدرات روسيا النووية، وإشارة قوية لاحتمال التصعيد.

وهذه الصواريخ التي لم يسبق استخدامها قط، وتختبرها روسيا بشكل منتظم على أراضيها، مصممة لحمل رؤوس حربية تقليدية ونووية على حد سواء، ويمكنها ضرب أهداف تبعد آلاف الكيلومترات.

وأكد مصدر في الجيش الأوكراني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها موسكو هذا السلاح منذ عام 2022، مضيفاً أنه «من الواضح» أن الصاروخ لم يكن يحمل شحنة نووية.

وفي رده على طلب التعليق على اتهام أوكرانيا، قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال إيجاز صحافي، الخميس، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»: «ليس لديّ ما أقوله حول ذلك»، كما تلقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، خلال مؤتمر صحافي بث مباشرة على التلفزيون، أمراً بعدم التعليق على هذه القضية.

ويأتي هذا التطور في الوقت الذي اتخذت فيه الحرب بُعداً دولياً بشكل أكبر مع وصول قوات من كوريا الشمالية لدعم روسيا في ساحة المعركة، وهو تطور قال مسؤولون أميركيون إنه دفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تغيير سياسته والسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أميركية بعيدة المدى على روسيا.

ورداً على ذلك، هدد الكرملين بتصعيد الأوضاع بشكل أكبر، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الخميس، أن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت صاروخين بريطانيَي الصنع من طراز «ستورم شادو»، و6 صواريخ «هيمارس»، و67 طائرة «درون»، وجاء هذا الإعلان ضمن الموجز اليومي للوزارة بشأن «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. ولم يرد في الإعلان متى أو أين وقعت عملية الإسقاط، أو ما الذي كانت تستهدفه الصواريخ.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين (رويترز)

وقالت القوات الجوية الأوكرانية في بيان، إن الهجوم الصاروخي الروسي استهدف مؤسسات وبنية تحتية حيوية في مدينة دنيبرو. ولم يحدد البيان الموقع الذي استهدفه الصاروخ الباليستي العابر للقارات على وجه الدقة، وما إذا كان قد تسبب في أي أضرار. لكن حاكم المنطقة قال إن الهجوم الصاروخي تسبب في أضرار لمنشأة صناعية، واندلاع حرائق في دنيبرو، وإصابة شخصين.

وقال البيان، كما نقلت عنه «رويترز»: «تحديداً، تم إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من منطقة أستراخان في روسيا الاتحادية». وتبعد أستراخان أكثر من 700 كيلومتر عن مدينة دنيبرو الأوكرانية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (رويترز)

وأشارت قناة «ريبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام» إلى أن هذا المصنع الذي كان يدعى في السابق «أيوجماش»، هو الذي تم استهدافه «على الأرجح» بالصاروخ العابر للقارات من طراز (RS-26 Rubezh)، وعدّت القناة أن الاستهداف «رسالة» إلى أوكرانيا.

وقال فابيان هوفمان، الخبير من جامعة أوسلو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن مثل هذه الضربة تمثل قيمة «سياسية» أكثر منها عسكرية بالنسبة لموسكو.

يمثل هذا الاستخدام، إذا تأكد، تصعيداً جديداً، في حين قالت روسيا إنها تجهز رداً «مناسباً» على استخدام أوكرانيا للصواريخ الغربية على الأراضي الروسية، وهو ما وصفته موسكو بالخط الأحمر. وعدّ المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، أن إطلاق هذا الصاروخ «يشكل تصعيداً جديداً» من قِبَل روسيا.

لكن الكرملين أكد، الخميس، أن روسيا ستبذل «أقصى الجهود» لتجنب صراع نووي، معرباً عن أمله في أن تتخذ «دول أخرى هذا الموقف المسؤول».

وبينما يواصل الجيش الروسي التقدم نحو شرق أوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع، الخميس، سيطرتها على بلدة صغيرة قرب كوراخوفي في شرق أوكرانيا.

وباتت القوات الروسية الآن قريبة من تطويق هذه المدينة الصناعية التي هجرها قسم كبير من سكانها بسبب الخطر، ويقترب الجنود الروس أيضاً من بوكروفسك، وهي مدينة استراتيجية أخرى في منطقة دونيتسك بالنسبة إلى لوجيستيات الجيش الأوكراني. وهذا التقدم مقلق لكييف التي تخشى أن تدفع إلى طاولة المفاوضات في موقف ضعف.

من جانب آخر أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية؛ بهدف الحد من «وصولها إلى النظام المالي الدولي»، وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. وتطال هذه العقوبات التي تستهدف خصوصاً الذراع المالية لشركة الغاز العملاقة «غازبروم»، نحو 40 مكتب تسجيل مالي و15 مديراً لمؤسسات مالية روسية.