انتخابات روسيا شبه محسومة... ولاية جديدة لبوتين تعزز نهجه    

الأطول بقاءً على عرش الكرملين منذ الإمبراطورة يكاترينا الثانية

بوتين خلال أحد لقاءاته بالكرملين الاثنين (إ.ب.أ)
بوتين خلال أحد لقاءاته بالكرملين الاثنين (إ.ب.أ)
TT

انتخابات روسيا شبه محسومة... ولاية جديدة لبوتين تعزز نهجه    

بوتين خلال أحد لقاءاته بالكرملين الاثنين (إ.ب.أ)
بوتين خلال أحد لقاءاته بالكرملين الاثنين (إ.ب.أ)

يستعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لتدشين ولاية رئاسية جديدة بعد أيام، في انتخابات تبدو نتائجها محسومة سلفاً. وينتظر أن تثبته على مقعد الرئاسة في الكرملين حتى عام 2030 على الأقل، ليدخل بذلك في عداد الزعماء والقياصرة الروس الذين تربعوا على عرش الكرملين سنوات طويلة، شهدت خلالها البلاد تقلبات ومراحل هبوط وصعود، وواجهت أعقد التحديات الخارجية والداخلية. ومع تجاوزه هذا الاستحقاق يكون بوتين الذي تسلم زمام السلطة في روسيا في عام 1999 أطول الحكام عمراً على العرش منذ الإمبراطورة يكاترينا الثانية في القرن الثامن عشر.

دخلت استعدادات الاستحقاق الانتخابي مراحلها الأخيرة، إذ يتوجه الروس في الفترة بين 15 و17 مارس (آذار) للإدلاء بأصواتهم، وسط أجواء غابت عنها المنافسة، لكنها في الوقت نفسه، شهدت حملات إعلامية وسياسية قوية لإظهار دعم المجتمع للرئيس وقراراته المصيرية، وعلى رأسها الهجوم على أوكرانيا قبل عام ونيف.

ملصق لتشجيع المشاركة بالانتخابات في سان بطرسبرغ في 7 مارس الحالي (أ.ب)

واستبقت السلطات الروسية الاستحقاق بتأكيد عزمها على مواجهة أي محاولة للتدخل الخارجي في العملية الانتخابية، أو مساعي التأثير على الوضع في البلاد بعدها. ووجه الكرملين تحذيرات صارمة بهذا الشأن جرى إيصالها مباشرة عبر القنوات الدبلوماسية إلى الولايات المتحدة وغالبية البلدان الأوروبية.

ورغم أن أوساطاً روسية تتحدث عن احتمال وقوع احتجاجات خلال الاستحقاق أو بعده، خصوصاً على خلفية الدعوات التي وجهها زعيم المعارضة أليكسي نافالني، قبل الإعلان عن وفاته في السجن منذ أسبوعين، إلا أن السلطات الأمنية تبدو مستعدة لقمع أي محاولات لـ«زعزعة الأوضاع».

ويتزامن مع التدابير الأمنية المشددة التي ينتظر أن تفرض في العاصمة موسكو وكبريات المدن الروسية، عمل الكرملين على تأكيد التفاف الروس حول الرئيس وسياساته الداخلية والخارجية.

وأظهر استطلاع حديث للرأي نشره مركز دراسات الرأي العام المقرب من الكرملين أن غالبية مريحة من الروس لا يرون بديلاً لبوتين على سدة الرئاسة. وقال نحو 70 في المائة إنه الشخص الأجدر بمواصلة قيادة البلاد، خصوصاً في ظروف مواجهة «عدوان خارجي هجين استخدم فيه الغرب كل أنواع الأسلحة والعقوبات والحملات السياسية والإعلامية». كما أعرب نحو 64 في المائة ممن شملهم الاستطلاع عن دعمهم مواصلة «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، ورأوا أنها تحقق أهدافها تدريجياً. اللافت في هذا الرقم أنه يعكس ازدياد أعداد مؤيدي الحرب التي دخلت قبل أسابيع عامها الثالث، بالمقارنة مع نسب التأييد التي كانت قد سجلت عند اندلاعها. ويعزو خبراء ذلك إلى الحملات السياسية والإعلامية القوية التي ركزت على «مواجهة الخطر الخارجي».

روسيتان تسيران قرب ملصق عسكري بموسكو الاثنين (أ.ف.ب)

وتأتي الانتخابات في وقت ملائم لبوتين الذي بدأ مسيرته في أروقة جهاز الاستخبارات السوفياتي «كيه جي بي»، فالقوات الروسية حققت مؤخراً تقدماً ميدانياً في أوكرانيا هو الأول لها منذ أشهر، وأبرز معارضيه نافالني بات تحت التراب في جنوب موسكو بعد وفاته خلف قضبان سجنه في الدائرة القطبية. كما أن الاقتصاد الروسي بقي صامداً رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، من خلال استيراد منتجات أساسية عبر طرف ثالث، أو إعادة توجيه الإنتاج الروسي في مجال الطاقة نحو الأسواق الآسيوية.

وعلى الرغم من أن بوتين بات معزولاً في الغرب منذ بدء الحرب فإن الكرملين يرى في الانتخابات مناسبة ستعكس توحد الروس خلف رئيسهم.

ورأى الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قبل أسابيع أن «بوتين هو، بطبيعة الحال، السياسي والفاعل الأول في الدولة»، مضيفاً: «برأيي، وربما لا يحق لي أن أقول ذلك (...) اليوم لا منافس له في روسيا، ولن يكون له» منافس.

ويأمل الكرملين في تسجيل تأييد لبوتين في الاستحقاق الحالي، يكون أكبر من دورات الانتخابات الأربع السابقة.

في 2018، أظهرت النتائج الرسمية فوز بوتين بحصوله على 77.5 في المائة من الأصوات.

وقال الباحث في «تشاتام هاوس» نيكولاي بيتروف لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذه الانتخابات بالغة الأهمية للكرملين... ثمة حاجة إليها لإظهار أن الروس يدعمون بوتين بغالبية صريحة».

لذلك تتوقع أوساط روسية أن تصل نسب التأييد خلال الانتخابات الحالية إلى ما يقارب 80 في المائة.

وهذه السنة، سيواجه بوتين 3 منافسين جرت المصادقة على ترشحهم، هم: القومي ليونيد سلوتسكي، والشيوعي نيكولاي خاريتونوف، ورجل الأعمال فلاديسلاف دافانكوف، وسبق للثلاثة أن أيدوا الهجوم على أوكرانيا.

ولم تجرِ المصادقة على ترشيح السياسي المناهض لبوتين، بوريس ناديجين، بعدما دعم عشرات الآلاف من الروس ترشحه غير المتوقع الذي رفعت خلاله شعارات مؤيدة للسلام.

بوتين يشارك في يوم البحرية الروسي في سان بطرسبرغ (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويبدي بوتين ثقة مطلقة في نجاحه في الاستحقاق الرئاسي، وقد خصص رسالته السنوية إلى البرلمان التي تلاها قبل أسبوعين للحديث عن خططه للفترة الرئاسية المقبلة والأهداف التي يضعها قيد الإنجاز خلال السنوات الست المقبلة.

ويقول خبراء إن فترة حكم بوتين الطويلة حتى الآن تميزت بسمتين رئيسيتين: أولاهما التصلب المستمر مع السيطرة على طبقة الأثرياء الأوليغارش وحرب الشيشان الثانية وخنق الحريات العامة وتقييد الإعلام والمعارضة. والثانية هي السعي إلى اكتساب سلطة جيوسياسية، من خلال الحرب في جورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014) والتدخل العسكري في سوريا (2015)، وأخيراً غزو أوكرانيا (2022).

وبينما يستعد بوتين لخوض الانتخابات، يبدو أن طريقه لتحقيق أهدافه سالكة رغم تعاظم الصعوبات.

وبعدما بدا أن الحملة العسكرية في أوكرانيا فشلت في تحقيق انتصار سريع وحاسم، نجح الرئيس الروسي في تحويلها إلى حرب استنزاف شاملة لقدرات أوكرانيا والغرب، وما زال يبدو مصراً على تحقيق النصر، ومراهناً على ميل الكفة لصالحه، وإنهاك القوى الغربية الداعمة لكييف بالسلاح.

وسيطرت قوات موسكو في الأسابيع الماضية على بلدة أفدييفكا، وواصلت التقدم في مواجهة قوات كييف التي تعاني من نقص العدد والذخيرة.

وفي أواخر الشهر الماضي، شدد بوتين على أن «القوات المسلحة لن تتراجع، ولن تفشل، ولن تخون»، مؤكداً أن هذه مسألة «حياة أو موت» بالنسبة لموسكو.


مقالات ذات صلة

مخاوف كبرى لدى الناخبين المسلمين في فرنسا من صعود اليمين المتطرف

أوروبا موظف في إحدى المطابع يتحقق من ملصقات ومنشورات الحملة المطبوعة للانتخابات البرلمانية الفرنسية المقبلة (أ.ف.ب)

مخاوف كبرى لدى الناخبين المسلمين في فرنسا من صعود اليمين المتطرف

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، يساور الناخبين المسلمين قلقٌ من احتمال فوز اليمين المتطرف الذي يخشون أن يكونوا أولى ضحاياه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية بوتين مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو الثلاثاء الماضي (الخارجية التركية)

موسكو تدفع بقوة لاستئناف محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق

كشفت مصادر تركية عن إمكانية اتخاذ خطوات جديدة لاستئناف محادثات تطبيع العلاقات المجمدة بين أنقرة ودمشق في إطار مسار آستانة بعدما أصابها الجمود منذ يونيو 2023.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا من العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

الجزائر: مؤشرات على قرب إعلان تبون ترشحه لدورة رئاسية ثانية

بدعوتها تبون علناً لتجديد ولايته على رأس الدولة تُبقي «جبهة التحرير الوطني» - حسب المراقبين - قليلاً من الشكوك بشأن احتمال ترشحه لولاية ثانية

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
آسيا شعار الشرطة في منغوليا (وسائل إعلام محلية)

ضرب مرشح للانتخابات حتى الموت في منغوليا

أعلنت السلطات المنغولية، يوم الأحد، أن مرشحاً للمعارضة تعرض للضرب حتى الموت قبل الانتخابات البرلمانية المقررة هذا الشهر.

«الشرق الأوسط» (أولان باتور)
أوروبا نجم المنتخب الفرنسي لكرة القدم وقائده كيليان مبابي خلال مؤتمر صحافي في دوسلدورف (يويفا - أ.ف.ب)

مبابي عن الانتخابات الفرنسية: أنا «ضد التطرف والأفكار المسببة للانقسام»

نجم المنتخب الفرنسي لكرة القدم كيليان مبابي كان واضحاً في موقفه حيال الانتخابات التشريعية المقبلة المفصلية قائلاً إنه «ضد التطرف والأفكار المسببة للانقسام».

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف )

المعارضة اليونانية تطالب بالتحقيق في مزاعم إلقاء مهاجرين في البحر

مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
TT

المعارضة اليونانية تطالب بالتحقيق في مزاعم إلقاء مهاجرين في البحر

مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)

طالب حزب المعارضة الرئيسي في اليونان بفتح تحقيق شامل بعد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يزعم أن خفر السواحل اليوناني كان مسؤولاً عن وفاة عشرات المهاجرين خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لشهود عيان.

وأشار التقرير إلى أن 9 مهاجرين جرى إلقاؤهم عمداً في البحر.

وقالت مسؤولة سياسة الهجرة في حزب «سيريزا»: «نطالب بتحقيق شامل وإجابات ومساءلة... والسبب هو أننا نهتم بكل حياة إنسانية، ولا يمكننا التعود على فقدان الأرواح البشرية».

وأكد المتحدث باسم الحزب اليساري، غورجوس بسيغوجيوس، أن حزبه كان يدعو للمساءلة عن تصرفات خفر السواحل منذ سنوات، مستشهداً بتقارير متعددة من مؤسسات ومنظمات دولية.

واتهم الحكومة بوصف حزبه بأنه ضد اليونان وعملاء إردوغان ومحرضون لطرح هذه الأسئلة.

من جانبه، أكد متحدث باسم الحكومة، بافلو ماريناكيس، أن مزاعم «بي بي سي» لم تثبت بعد، لكنه شدد على أن كل شكوى ستُفحص، وستُستخلص النتائج.

وقال ماريناكيس للصحافيين: «خفر السواحل ينقذ العشرات من الأرواح البشرية كل يوم، وأن استهدافهم خطأ».

وأظهرت «بي بي سي» لقطات سبق نشرها في صحيفة «نيويورك تايمز» لـ12 شخصاً يجري تحميلهم في قارب خفر السواحل اليوناني، ثم يُتركون في قارب مطاطي. وعندما عرضت هذه اللقطات على ضابط سابق في خفر السواحل، وصفها بأنها غير قانونية بشكل واضح وجريمة دولية.

واتُهمت الحكومة اليونانية منذ فترة طويلة بإعادة المهاجرين قسراً ودفعهم مرة أخرى نحو تركيا، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

لكن هذه هي المرة الأولى التي تحسب فيها «بي بي سي» عدد الحوادث التي يُزعم أن الوفيات وقعت نتيجة لأعمال خفر السواحل اليوناني. ووفقاً لتحليل «الإذاعة البريطانية»، فالحوادث الـ15 التي جرى التحقيق فيها بين مايو (أيار) 2020 و2023، أسفرت عن وفاة 43 شخصاً. وكانت المصادر الأولية لهذه التقارير هي وسائل الإعلام المحلية، والمنظمات غير الحكومية، وخفر السواحل التركي.

في يونيو (حزيران) 2023، انقلب قارب صيد محمّل بشكل زائد أمام دورية لخفر السواحل اليوناني، ما أدى إلى وفاة أكثر من 600 شخص. وقد أثارت هذه الحادثة تساؤلات حول مسؤولية خفر السواحل.

ووصف مراقبو حقوق الإنسان نتائج «بي بي سي» بأنها إضافة مروعة بشكل خاص إلى الادعاءات المتنامية والمصدقة ضد السلطات اليونانية. ودعت المنظمة إلى تحقيق كامل لتقديم العدالة للضحايا، وكسر دائرة العنف، والإفلات من العقاب على حدود اليونان.

كما قال حزب المعارضة الديمقراطية الاجتماعية «باسوك» إن تقرير «الإذاعة البريطانية» يثير اهتماماً وقلقاً معقولين بشأن الأعمال غير القانونية المحتملة لخفر السواحل.

وأكد النائب، أثاناسيوس جلافيناس: «ننتظر ردود السلطات... وأن الاحترام للحياة البشرية والقيم غير قابل للتفاوض».

وأضاف المجلس اليوناني للاجئين أن عمليات الإعادة القسرية هي سياسة بحكم الواقع لليونان، وانضم إلى الدعوات للحكومة والاتحاد الأوروبي لبدء تحقيق.