ماذا يعني انسحاب موسكو رسمياً من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا؟

أُسدل الستار على آخر ضوابط التسلح ونشر القدرات الحربية في القارة

جنود روس بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)
جنود روس بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)
TT
20

ماذا يعني انسحاب موسكو رسمياً من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا؟

جنود روس بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)
جنود روس بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)

دقَّ إعلان روسيا، الثلاثاء، الانسحاب رسمياً من معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، المسمار الأخير في نعش الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي تنظِّم عمليات الرقابة على التسلح وتحركات القوات المسلحة في أرجاء القارة.وعلى الرغم من أن الخطوة كانت منتظَرة منذ وقت، فإن إعلانها أعاد التذكير بتداعيات المواجهة المتفاقمة بين روسيا والغرب، على الأمن الأوروبي والعالمي، خصوصاً مع انهيار كل قنوات الاتصال، وإطلاق أيدي الطرفين في حشد الأسلحة والمعدات الحربية على جانبي الحدود.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر حفل وضع إكليل من الزهور بمناسبة يوم المُدافع عن الوطن عند قبر الجندي المجهول بجوار جدار الكرملين وسط موسكو (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر حفل وضع إكليل من الزهور بمناسبة يوم المُدافع عن الوطن عند قبر الجندي المجهول بجوار جدار الكرملين وسط موسكو (أرشيفية - رويترز)

وأعلنت الخارجية الروسية أن موسكو «انسحبت رسمياً بدءاً من منتصف ليل الثلاثاء، من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا» التي أُبرمت عام 1990 إبان الحرب الباردة وجرى التوقيع عليها بعد عام من سقوط جدار برلين. ووُصفت المعاهدة بأنها غَدَت جزءاً «من التاريخ».

كانت المعاهدة قد وضعت قيوداً على قيام حلف شمال الأطلسي وروسيا (حلف وارسو في ذلك الوقت) بنشر معدات حربية أو تحريك الجيوش على طول المناطق الحدودية بين الطرفين. وهدفت إلى منع أيٍّ من طرفَي الحرب الباردة من حشد قوات تمكِّنه من شن هجوم سريع ضد الطرف الآخر في أوروبا. ومع تدهور العلاقات بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة في عام 2000 ومواجهته نشاط الحلف الغربي الذي واصل التمدد على مقربة من الحدود الروسية، بدأت موسكو بالتلويح بمراجعة موقفها حيال المعاهدة، ثم علّقت مشاركتها فيها عام 2007 قبل أن توقف مشاركتها الفعالة في تنفيذ بنودها عام 2015. وبعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، أقرّ البرلمان الروسي قانونا يقضي بالانسحاب نهائياً من المعاهدة، ووقَّع الرئيس الروسي في مايو (أيار) الماضي مرسوماً ببطلان المعاهدة.

احتفالات بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)
احتفالات بالساحة الحمراء في ذكرى دخول روسيا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية (أ.ف.ب)

وأوضحت وزارة الخارجية الروسية أن «معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا أُبرمت في نهاية الحرب الباردة عندما بدأ تشكيل هيكل جديد للأمن العالمي والأوروبي على أساس أن التعاون بين الأطراف فعال وممكن». وحمّلت واشنطن مسؤولية انهيار المعاهدة عبر الإشارة إلى أن الدفع الأميركي باتجاه توسيع حلف الناتو أسفر عن تقويض أسس الأمن في أوروبا، وأضافت أن قبول عضوية فنلندا في الناتو وطلب السويد الانضمام إلى الحلف يعنيان عملياً أن المعاهدة «ماتت».

كما قالت الوزارة إنه «حتى الحفاظ الرسمي على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا أصبح غير مقبول من وجهة نظر المصالح الأمنية الأساسية لروسيا»، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يصدقوا على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا المعدلة لعام 1999.

كان حلف شمال الأطلسي قد ندَّد سابقاً بقرار موسكو الانسحاب من المعاهدة، معتبراً أنه يقوّض الأمن الأوروبي - الأطلسي. وأدان الحلف، الثلاثاء، القرار الروسي، وقال إنه يعتزم بناءً على ذلك تعليق العمل بالمعاهدة إذا لزم الأمر. وأضاف في بيان: «يدين الحلفاء قرار روسيا الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا وحربها العدوانية على أوكرانيا التي تتعارض مع أهداف المعاهدة. انسحاب روسيا هو أحدث حلقة في سلسلة من الإجراءات التي تقوض بشكل منهجي الأمن الأوروبي - الأطلسي». وتابع: «بالتالي تعتزم الدول الأعضاء في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا بناءً على ذلك تعليق العمل بالمعاهدة إذا لزم الأمر، حسب حقوقها بموجب القانون الدولي. هذا قرار يحظى بدعم كامل من جميع أعضاء الحلف». وقررت الحكومة الألمانية عدم الالتزام بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وذلك كردّ فعل على انسحاب روسيا منها.

وقال متحدث باسم الخارجية الألمانية، الثلاثاء، إن الاستمرار في تطبيق المعاهدة فقد الجزء الأكبر من فائدته على صعيد السياسة الأمنية والحد من التسلح بعد الانسحاب الروسي. وأضاف المتحدث أن قرار تعليق المعاهدة من جانب جمهورية ألمانيا الاتحادية اتُّخذ في إطار تنسيق وثيق مع الحلفاء في الحلف، منوهاً إلى أن هذا لا يعني انسحاباً صريحاً لألمانيا من المعاهدة، وقال إن تطبيق المعاهدة من جديد سيظل ممكناً في حال حدوث تغيير جذري في سلوك روسيا.

ويعد الانسحاب من هذه المعاهدة خطوة إضافية تستكمل سلسلة انسحابات مماثلة من المعاهدات التي ضمنت الأمن في القارة الأوروبية، وكان البرلمان الروسي قد أقر قبل أسابيع قليلة قانوناً يقضي بالانسحاب من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ووقَّع بوتين مرسوماً بهذا الشأن قبل أسبوع.

وبالطريقة نفسها، حمّلت موسكو المسؤولية عن انهيار تلك المعاهدة لواشنطن. وقال رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، إن روسيا ألغت التصديق على المعاهدة بسبب موقف الولايات المتحدة غير المسؤول من الأمن العالمي ومعاييرها المزدوجة. وصحيح أن موسكو أعلنت أن انسحابها من تلك المعاهدة لا يعني تلقائياً استئناف التجارب النووية، لكنها ربطت هذا الموقف بتصرفات واشنطن.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الأسبوع الماضي، إن موسكو لن تستأنف التجارب النووية إلا إذا قامت واشنطن بذلك. قبل ذلك، كانت روسيا قد علقت العمل بمعاهدة «نيو ستارت» مع الولايات المتحدة التي تعد الآلية الوحيدة بين البلدين التي تضمن الحفاظ على مستويات تسليحهما النووي والحد من تصعيد حرب نووية.

وأقر البرلمان الروسي بغرفتيه قانونَ تعليق عمل البلاد بالمعاهدة بعد مرور يوم واحد على إعلان الرئيس فلاديمير بوتين تعليق العمل بها. وكان بوتين قد برر قراره بأن «الغرب يسعى لهزيمتنا وتدمير مواقعنا النووية، لهذا توجب على روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة نيو ستارت».

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسيل (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسيل (أ.ف.ب)

وتخلق الانسحابات المتتالية من المعاهدات والآليات التي تنظم الرقابة على التسلح، وضعاً جديداً في أوروبا والعالم، لأنها تُلغي كل قنوات الاتصال والحوار وتطلق أيدي روسيا وحلف شمال الأطلسي للقيام بأنشطة عسكرية تشمل السلاح النووي والقدرات التقليدية من دون رقابة.

وعقب انطلاق الحرب بأوكرانيا في فبراير (شباط) 2002 أعلنت روسيا نشر قوات الردع النووي الاستراتيجية، ووضعها بحالة التأهب الخاصة للقتال لمنع أي دعم غربي للقوات الأوكرانية. وقال الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية وقتها إن «قوات الردع الاستراتيجي مصممة لردع العدوان على روسيا وحلفائها، بما في ذلك حالة نشوب حرب باستخدام الأسلحة النووية».

وزير الدفاع السويدي بال جونسون في أستوكهولم يتكلم حول انضمام بلاده للناتو (أ.ب)
وزير الدفاع السويدي بال جونسون في أستوكهولم يتكلم حول انضمام بلاده للناتو (أ.ب)

وتضم القوات الاستراتيجية الروسية الصواريخ الاستراتيجية والطائرات والقاذفات بعيدة المدى المجهَّزة بصواريخ عابرة للقارات وأسلحة دقيقة موجهة بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

كذلك تضمّ قاذفات الطيران بعيدة المدى والغواصات والسفن، الممكن استخدامها في إطلاق أسلحة تقليدية أو صواريخ حاملة لرؤوس نووية. وفي 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، عاد الرئيس الروسي لتأكيد أن استعمال أسلحة نووية تكتيكية أمر مطروح على طاولة خططه العسكرية. لكنه ربط ذلك بتعرض بلاده لخطر وجودي. وفي وقت لاحق أعلنت موسكو نقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا لتغدو في أقرب نقطة من الحدود مع بلدان أوروبية تدخل في عداد حلف الأطلسي. وأسفرت تلك التطورات عن ارتفاع المخاوف من انزلاق الوضع في أوروبا إلى مواجهة قد تستخدم فيها أسلحة نووية أو مكونات ذات قدرات تدميرية هائلة. وتأتي الخطوة الأخيرة بالانسحاب من معاهدة القوات التقليدية لتضيف خطراً جديداً يتمثل في إطلاق أيدي موسكو لتوسيع عمليات حشد القوات والأسلحة التقليدية على طول الحدود الغربية، وهو أمر بدأته موسكو منذ وقت لكنه قد يتخذ حالياً طابعاً علنياً مباشراً بسبب انتهاء القيود التي فرضتها المعاهدة. وكان وزير الدفاع سيرغي شويغو، قد أعلن في وقت سابق أن بلاده شكّلت فرقاً عسكرية جديدة في المناطق الغربية من البلاد يُنتظر وفقاً للتطور الأخير أن تحظى بتوسيع وأن يتم مدها بقدرات حربية كبيرة.


مقالات ذات صلة

العالم مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) يتحدث للصحافيين في البيت الأبيض عقب محادثاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«الناتو»: أميركا والأوروبيون متفقون بشأن تهديد روسيا طويل الأمد

قال مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين متفقون على أن روسيا تشكل تهديداً طويل الأمد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (د.ب.أ)

الناتو: 22 دولة عضواً حققت الحد الأدنى للإنفاق الدفاعي في عام 2024

أعلن حلف شمال الأطلسي، الخميس، أن 22 من أصل 32 دولة عضواً حققت العام الماضي الحد الأدنى المستهدف للإنفاق الدفاعي البالغ 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف (رويترز)

الكرملين: روسيا منفتحة على إيجاد تسوية للأزمة الأوكرانية

قال الكرملين، اليوم الاثنين، إن الرئيس فلاديمير بوتين وروسيا لا يزالان منفتحين على إيجاد تسوية للأزمة الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
العالم السفير الأميركي لدى حلف «الناتو» ماثيو وايتاكر (رويترز)

سفير أميركا لدى «الناتو»: قد نضطر لإعادة النظر في التزاماتنا

قال السفير الأميركي لدى «الناتو»، السبت، إن على دول الحلف زيادة إنفاقها الدفاعي، محذراً من أن بلاده قد تضطر لإعادة النظر في التزاماتها.


أوروبا تنظم دفاعاتها «لئلا يتجاوزها التاريخ»... بحلول 2030

مقاتلتان إسبانيتان تشاركان في تدريبات لـ«الناتو» في جنوب إسبانيا الاثنين (أ.ب)
مقاتلتان إسبانيتان تشاركان في تدريبات لـ«الناتو» في جنوب إسبانيا الاثنين (أ.ب)
TT
20

أوروبا تنظم دفاعاتها «لئلا يتجاوزها التاريخ»... بحلول 2030

مقاتلتان إسبانيتان تشاركان في تدريبات لـ«الناتو» في جنوب إسبانيا الاثنين (أ.ب)
مقاتلتان إسبانيتان تشاركان في تدريبات لـ«الناتو» في جنوب إسبانيا الاثنين (أ.ب)

أوروبا خائفة، ومصادر خوفها عديدة، أولها روسيا التي تواصل حربها على أوكرانيا، وتتأهب لفرض اتفاقية سلام ستمكنها، بفضل التغيرات الجذرية التي لحقت بالسياسة الأميركية منذ عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، من «هضم» شبه جزيرة القرم؛ وثانيها إشاحة الشريك الأميركي نظره عن القارة القديمة، وتراجع اهتمامه بـ«حلف شمال الأطلسي» (ناتو) لتوجيه الاهتمام نحو الصين، ما يعني أن حقبة الـ75 عاماً التي عاشتها أوروبا في ظل الحماية الأميركية ربما انتهت.

ويشهد الحلف حالياً عملية تحول جذرية بسبب ضغوط واشنطن على حلفائها الأوروبيين لدفعهم نحو تحمل المزيد من الأعباء الدفاعية في إطار الدفاع التقليدي، فيما تدور اتصالات بعيدة عن الأضواء للنظر في احتمال أن تحل المظلة النووية الفرنسية مكان المظلة النووية الأميركية. وقد فتح المستشار الألماني الجديد، فردريتش ميرتس، الباب أمام مشاورات من هذا النوع، وكذلك فعل الرئيس البولندي، أندريه دودا، علماً بأن وارسو كانت، حتى أمد قريب، أكثر الدول تمسكاً بالحماية الأميركية.

الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير والأمين العام لـ«الناتو» مارك روته يحتفلان بمرور 70 عاماً على انضمام ألمانيا للحلف الأطلسي في بروكسل الاثنين (د.ب.أ)
الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير والأمين العام لـ«الناتو» مارك روته يحتفلان بمرور 70 عاماً على انضمام ألمانيا للحلف الأطلسي في بروكسل الاثنين (د.ب.أ)

أمن القارة الأوروبية

بالنظر إلى ما سبق، ولأن ما يحصل يقلق الأوروبيين، ليس فقط مصير أوكرانيا، بل مستقبل أمنهم الخاص، وأمن القارة الأوروبية، فقد قرروا السير بخطة تسلح طموحة ليس على مستوى الاتحاد الأوروبي كمجموعة، ولكن أيضاً على مستوى أعضائه الـ27. ووعى الاتحاد الأوروبي أن أولى أولوياته يجب أن تكون زيادة قدراته الدفاعية، وتعزيز منظوماته العسكرية. والطريق إلى ذلك يمر عبر زيادة إنفاقه العسكري. ولذا، عقد قادة الاتحاد ثلاثة اجتماعات على مستوى القمة من أجل النظر في صورة الدفاع الأوروبي بحلول العام 2030. فيما عمدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى بلورة مخطط توجيهي تحت عنوان: «أن نكون جاهزين (دفاعياً) في العام 2030» يرصد التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها أوروبا، والوسائل التي تمكنها من مواجهتها، فضلاً عن النصوص التشريعية المفترض إقرارها لهذا الغرض.

ثمة سؤال يُطرح: لماذا اختارت المفوضية الأوروبية العام 2030 هدفاً لإنجاز مشاريعها الدفاعية؟ الجواب جاء على لسان كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، والتي قالت إن «غالبية وكالات الاستخبارات الأوروبية تعتقد أن روسيا قد تقدم على اختبار قدرات الاتحاد الأوروبي الدفاعية بعد فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات». وفي الوثيقة التي قدمتها فون دير لاين، جاء أن «النظام العالمي يتعرض لتغيرات لا مثيل لها منذ العام»، مشيرة إلى التهديد الروسي، وأيضاً الصيني، وأطراف أخرى إقليمية. وفي كلمة لها في كوبنهاغن، في 18 مارس (آذار) قالت فون دير لاين: «لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن يتجاوزنا التاريخ... بحلول عام 2030، يجب أن يكون لأوروبا وضع دفاعي أوروبي قوي. والاستعداد لعام 2030 يعني إعادة التسلح، وتطوير القدرات الضرورية لردع موثوق به. ولكي نكون مستعدين لهذا الاستحقاق، علينا أن نبدأ العمل الآن. وهنا يأتي دور الاتحاد الأوروبي».

الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير والأمين العام لـ«الناتو» مارك روته يحتفلان بمرور 70 عاماً على انضمام ألمانيا للحلف الأطلسي في بروكسل الاثنين (د.ب.أ)
الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير والأمين العام لـ«الناتو» مارك روته يحتفلان بمرور 70 عاماً على انضمام ألمانيا للحلف الأطلسي في بروكسل الاثنين (د.ب.أ)

إعادة تنظيم الدفاع الأوروبي

يعي الجميع أن التسلح شأن سيادي لكل دولة في الاتحاد. من هنا، فإن المفوضية ترى أن دورها يكمن في المساعدة على توفير التمويل، وفي تليين القوانين الأوروبية الخاصة بعجز الميزانيات. وأهم ما جاءت به المسؤولة الأوروبية أمران؛ الأول: اقتراح خطة لرصد 800 مليار يورو (إضافية) للدفاع الأوروبي حتى العام 2030، بحيث تعمد المفوضية إلى اقتراض 150 مليار يورو، خطوة أولى، تكون في تصرف الدول الأعضاء لتغرف منها على إنفاقها الدفاعي. ويريد أعضاء آخرون اقتراضاً أكبر، نظراً للصعوبات المالية التي تعاني منها دول أوروبية كثيرة، بما فيها ألمانيا وفرنسا اللتان تتمتعان بأكبر اقتصادين داخل الاتحاد. وتعمل حكومات كثيرة على عصر الإنفاق في مجالات عديدة، وتخصيص الوفر منها للدفاع. وحددت المفوضية شروط الاستخدام الخاصة بسبعة قطاعات عسكرية رئيسة أبرزها: أنظمة الدفاع الجوي، الصواريخ، المسيرات، الحرب السيبرانية... ويدفع الاتحاد أعضاءه للقيام بمشتريات جماعية تشمل على الأقل عضوين، وألا تقل نسبة المكونات الأوروبية في أنظمة السلاح المشتراة عن 65 في المائة. والأمر الثاني: وضع القانون الذي يفرض احتواء عجز الميزانيات الأوروبية عند حدود 3 في المائة جانباً بحيث لا يحتسب تخطي هذه النسبة، إذا كان الإنفاق على الشؤون الدفاعية، شرط ألا يتجاوز 1.5 من الناتج الداخلي الخام، وذلك لأربع سنوات، بدءاً من يونيو (حزيران) المقبل.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائهما في روما على هامش دفن البابا فرنسيس يوم الأحد (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائهما في روما على هامش دفن البابا فرنسيس يوم الأحد (إ.ب.أ)

إضافة إلى ما سبق، تريد المفوضية العمل على إعادة تنظيم الصناعات الدفاعية الأوروبية المشتتة، وأحياناً المتنافسة فيما بينها، من أجل مزيد من الدمج، والتنسيق، والبرامج المشتركة. والجديد الذي جاءت به المفوضية أنه يتيح التعاون مع دول وشركات لا تعود للاتحاد، مثل النرويج، ودول البلقان، وكندا، وحتى تركيا... وثمة تفاصيل أخرى فنية لا تضيف شيئاً على التوجه الرئيس، ولكنها تندرج كلها في سياق هدف واحد هو تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية، وصولاً إلى ما يدعو إليه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون منذ سنوات، أي «الاستقلالية الاستراتيجية» و«السيادة الدفاعية». ويبدو هذا الهدف بعيداً، إذ إن 60 في المائة من التجهيزات العسكرية الأوروبية، حتى اليوم، مصدرها الولايات المتحدة.

يقول أندريوس كوبيليوس، مفوض الدفاع في الاتحاد: «نحن في الاتحاد نعد 450 مليون مواطن أوروبي، ولا يجب أن نكون معولين في دفاعنا على 340 مليون أميركي بوجه 140 مليون روسي عجزوا عن التغلب على 38 مليون أوكراني».

إنها أرقام صحيحة، لكن يتعين وضعها في سياقها، فميزانية الدفاع الأميركية بلغت العام الماضي 797 مليار دولار، أي ما يساوي تقريباً ثلاثة أضعاف ميزانيات الاتحاد الأوروبي مجتمعة.