منافسة بين تركيا وإيران والمغرب لتعزيز مواقعها في منطقة الساحل بأفريقيا

بعد انسحاب الفرنسيين وحضور الروس «حلفاء»... وسعي طهران وراء اليورانيوم النيجري

ضباط الأمن النيجري أمام صفوف المتظاهرين المتجمعين أمام القاعدة الفرنسية بنيامي في 2 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
ضباط الأمن النيجري أمام صفوف المتظاهرين المتجمعين أمام القاعدة الفرنسية بنيامي في 2 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

منافسة بين تركيا وإيران والمغرب لتعزيز مواقعها في منطقة الساحل بأفريقيا

ضباط الأمن النيجري أمام صفوف المتظاهرين المتجمعين أمام القاعدة الفرنسية بنيامي في 2 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
ضباط الأمن النيجري أمام صفوف المتظاهرين المتجمعين أمام القاعدة الفرنسية بنيامي في 2 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

مع انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقية، يضاعف المغرب وتركيا وإيران مبادراتهم حيال الأنظمة العسكرية الحاكمة في المنطقة التي تسعى إلى تنويع شركائها.

ومن الطائرات المقاتلة إلى المروحيات الحربية، يعرض مدير «وكالة صناعة الفضاء والطيران» التركية أمام كاميرات تلفزيون بوركينا فاسو، كاتالوغا مغريا، على الأنظمة العسكرية التي تكافح الجماعات الإرهابية... على ما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية» في تقرير لها الاثنين.

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

ويذكّره وزير خارجية بوركينا فاسو، كاراموكو جان ماري تراوري، بأحد شعارات الأنظمة الساحلية التي تعاني جيوشها من نقص مزمن في المعدات: «بالنسبة لنا، الأمر يتعلق بتطوير القدرات الذاتية من أجل تقليل تبعيتنا».

وهو يعني الاعتماد على القوات الأجنبية، خصوصاً من فرنسا ودول غربية أخرى، المنتشرة منذ أكثر من 10 سنوات بالمنطقة، لكنها تمتنع عن تسليم معدات هجومية لجيوش متهمة بارتكاب انتهاكات ضد السكان المدنيين.

وبينما كانت القوات الفرنسية تحزم أمتعتها، أصبحت الطائرات المسيّرة التي سلمتها تركيا، القطع الأساسية من أسلحة جيشي مالي وبوركينا فاسو اللذين يخوضان نزاعاً غير متكافئ.

جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

وأسفرت ضرباتهما عن خسائر بشرية جانبية كبيرة، حسب تقرير للمنظمة غير الحكومية «هيومن رايتس ووتش» في يناير (كانون الثاني)، وهو ما نفته السلطات.

وفي بداية 2024، تلقت مالي دفعة جديدة من مسيّرات «بايكار» التركية التي تلقى رواجاً بسبب أدائها. وقد مُنح الرئيس التنفيذي للشركة المصنعة لها، خلوق بيرقدار، وساماً بواغادوغو في أبريل (نيسان)، بناء على تعليمات رجل بوركينا القوي، الكابتن إبراهيم تراوري.

ويؤكد فيديريكو دونيلي، الخبير السياسي ومؤلف كتاب عن النفوذ التركي في أفريقيا، أن «قطاع الدفاع هو القوة الدافعة للسياسة الخارجية التركية بالبلدان الأفريقية».

وأوضح أنه بينما تفرض موسكو نفسها حليفاً رئيسياً للأنظمة العسكرية بمنطقة الساحل، تتبع أنقرة سياسة «انتهازية وتحاول التموضع بديلاً للأوروبيين وروسيا معاً».

المسيّرة التركية «بيرقدار TB2» (أرشيفية - وكالة أنباء تركيا)

وتشير المجموعة الفكرية الإيطالية «إيسبي»، إلى أن وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو، كان «أول شخصية دولية رفيعة المستوى تلتقي المجلس العسكري في مالي بعد انقلاب أغسطس (آب) 2020».

وتضيف أن أنقرة «تبنت موقفاً تصالحياً مع المجلس العسكري في النيجر، وهي دولة أساسية في المنطقة بالنسبة لتركيا، لأنها تقع على الحدود الجنوبية لليبيا، حيث تمتلك أنقرة مصالح كثيرة».

وتدرس أنقرة أيضاً، مشروع ممر عبر الصحراء، يربط دول خليج غينيا بالجزائر، المعقل الآخر للاستثمارات التركية في شمال أفريقيا، على حد قول فيديريكو دونيلي.

وأطلق المغرب أساساً مشروعاً منافساً، وأكد في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنه مستعد لوضع «البنية التحتية للطرق والموانئ والسكك الحديد» بتصرف مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد الدول غير الساحلية. وقد أعلنت البلدان الثلاثة الأولى انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في نهاية يناير (كانون الثاني).

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

وقال مصدر حكومي في النيجر، إن «تركيا تتمتع بقدرات عسكرية». وأضاف: «مع المغرب لدينا علاقات ممتازة منذ الاستقلال، والأمر أكثر ارتباطاً بالتنمية الاقتصادية».

وقد يواجه المغرب وتركيا اللذان يتمتعان بنفوذ منذ فترة طويلة بالمنطقة، منافسة جديدة من إيران التي زادت مبادراتها منذ 2020... والانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وفي أكتوبر (تشرين الأول)، وقعت طهران عدداً من اتفاقات التعاون مع بوركينا فاسو، لا سيما في مجالات الطاقة وتخطيط المدن والتعليم العالي والبناء.

وأعلنت طهران، وهي أيضاً منتجة للطائرات المقاتلة المسيّرة في نهاية يناير الماضي، إنشاء جامعتين في مالي، إلى جانب توقيع عدد من اتفاقات التعاون.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال استقباله وزير الخارجية المعيّن من قبل المجلس العسكري في النيجر بكاري ياو سانغاري (أرشيفية - الرئاسة الإيرانية)

وقال الخبير الاقتصادي في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» تياري كوفي، إن سياسة إيران الأفريقية تتسم بـ«لغة ثورية ومنطق نابع من العالم الثالث ومناهض للإمبريالية»، مع «حجج دبلوماسية واضحة» للدول التي تنفصل عن القوة الاستعمارية الفرنسية السابقة.

لكنه أضاف أن «الإيرانيين يوقعون عشرات الاتفاقيات ولا ينجح أي منها، ولا يملكون التمويل اللازم لدعم الاتفاقات، ولا للتنافس الجدي مع تركيا أو السعودية».

هل تستطيع إيران التي زادت إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمائة حسب «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، أن تتطلع في نهاية المطاف إلى احتياطات اليورانيوم النيجرية التي تستغلها حتى الآن شركة «أورانو» الفرنسية؟ يقول مصدر في حكومة النيجر: «إنها مواردنا، ويمكننا بيعها لمن نريد».


مقالات ذات صلة

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

الخليج م. وليد الخريجي وفروخ شريفزاده يترأسان الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين السعودية وطاجيكستان في الرياض (واس)

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

بحثت جولة المباحثات الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والطاجيكستانية، الأربعاء، تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج اللواء باقري مرحباً بالفريق الرويلي في العاصمة طهران (وزارة الدفاع السعودية)

السعودية وإيران تبحثان فرص تطوير العلاقات العسكرية

بحث الفريق الأول الركن فياض الرويلي رئيس هيئة الأركان العامة السعودي مع نظيره الإيراني اللواء محمد باقري، فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (طهران)
أوروبا الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيس قاسم جومارت توكاييف على مدخل قصر الإليزيه بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الثاني إلى فرنسا (أ.ف.ب)

فرنسا وكازاخستان توطدان «شراكتهما الاستراتيجية»

فرنسا وكازاخستان توطدان «شراكتهما الاستراتيجية» بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس قاسم توكاييف وحصيلتها توقيع عشرات العقود.

ميشال أبونجم (باريس)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.