النيجر: عقبات تَحول دون التدخل العسكري الأفريقي

صعوبة الحصول على تغطية دولية... ومخاطر مواجهة واسعة مع جبهة الانقلابيين

لافتة تقول «وداعاً فرنسا» خلال مظاهرة في نيامي الخميس (رويترز)
لافتة تقول «وداعاً فرنسا» خلال مظاهرة في نيامي الخميس (رويترز)
TT

النيجر: عقبات تَحول دون التدخل العسكري الأفريقي

لافتة تقول «وداعاً فرنسا» خلال مظاهرة في نيامي الخميس (رويترز)
لافتة تقول «وداعاً فرنسا» خلال مظاهرة في نيامي الخميس (رويترز)

الأحد المقبل، تنتهي مهلة الإنذار الذي وجهه قادة المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) في اجتماعهم يوم 30 يوليو (تموز) في أبوجا، عاصمة نيجيريا، لقادة الانقلاب في النيجر، للتراجع عن خلع الرئيس محمد بازوم والعودة إلى «الانتظام الدستوري»، أي إلى عودة الأخير لممارسة سلطاته الدستورية.

أما في حال امتناع الانقلابيين الذين فرضت عليهم «المجموعة» عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية صارمة، فيتعين على قادة النيجر الجدد أن يواجهوا تدخلاً عسكرياً من أجل إعادة الأمور إلى نصابها في نيامي.

وفي العاصمة النيجيرية، تتواصل اجتماعات رؤساء أركان جيوش 11 دولة منتمية إلى «المجموعة» من أجل التباحث وتنسيق المواقف وترتيب الخطط.

ويبدو، أكثر من أي وقت مضى، أن نيجيريا التي تترأس هذه «المجموعة» في الوقت الحاضر، تلعب الدور الرائد ويدفع رئيسها بولا تينوبو، الذي وصل إلى السلطة نهاية مايو (أيار) الماضي، باتجاه المواقف الأكثر تشددا إزاء الانقلابيين ولا يستبعد التدخل العسكري وإن عدَّه الأفارقة «الخيار الأخير».

بالنظر لاقتراب المهلة الزمنية للإنذار الجماعي من نهايتها، فإن الاتصالات السياسية والدبلوماسية، على المستويين الأفريقي والدولي، تذهب في كل اتجاه.

لجنة رؤساء أركان دول «إيكواس» خلال اجتماعها في أبوجا الأربعاء (أ.ف.ب)

وبالتوازي مع الاجتماعات العسكرية التحضيرية، عمدت «إيكواس» إلى إرسال الرئيس النيجيري الأسبق عبد السلام أبو بكر، على رأس وفد رفيع المستوى إلى نيامي، في مهمة حاسمة هدفها نقل مطالبها إلى قادة النيجر الجدد واستطلاع إمكانية الخروج من الأزمة سلمياً، والطريق الوحيدة، بنظرها، لذلك هي عودة العسكر إلى ثكناتهم وتقديم عروض لهم تتناول على الأرجح مستقبل قادتهم والضمانات التي يطالبون بها.

وحتى اليوم، ما زالت الولايات المتحدة ترى أن هناك «نافذة» لإيجاد حل سياسي. وجاء في بيان صادر عن ماتيو ميلر، الناطق باسم الخارجية الأميركية، أن واشنطن «عازمة على إيجاد تسوية سياسية تتيح للنيجر أن تبقى شريكاً موثوقاً من أجل أمن وتطور المنطقة».

وأشارت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، أكثر من مرة، إلى أن الوضع القائم حالياً في النيجر «ليس نهائياً» بمعنى إمكانية العودة إلى الوضع السابق.

متظاهر يرفع لافتة تقول: «لتحيا الولايات المتحدة الأفريقية: النيجر ومالي وبوركينا فاسو» في نيامي الخميس (إ.ب.أ)

بيد أن هناك مؤشرات تدفع باتجاه اللجوء إلى القوة العسكرية ومنها تصريحات عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والأمنية، الذي قال في افتتاح اجتماعات قادة الأركان، أول من أمس، أنه إذا كان الخيار العسكري هو «الملاذ الأخير، إلا أنه يتعين علينا أن نتحضر لهذا الاحتمال».

والأهم من ذلك، قيام الولايات المتحدة بترحيل الدبلوماسيين غير الرئيسيين في سفارتها في نيامي، وهو ما فعلته بريطانيا أيضاً. يضاف إلى ذلك أن فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودول أوروبية أخرى عمدت إلى إجلاء غالبية رعاياها من النيجر بسبب الأوضاع الأمنية ولكن أيضاً بسبب التخوف من الاحتكام إلى قوة السلاح.

وفي هذا السياق، تندرج الزيارة التي قام بها الجنرال مودي، رئيس الأركان النيجري السابق والرجل الثاني في الانقلاب، إلى باماكو وبوركينا فاسو من أجل تشكيل جبهة «انقلابية» تنضم إليها غينيا، بمواجهة جبهة «المجموعة». لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتناول مدى قدرة «المجموعة» على حسم الأزمة عسكرياً وإعادة «الانتظام الدستوري» بقوة السلاح إلى النيجر.

في الاجتماع الذي عقده قادة «المجموعة» في أبوجا، بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تقرر إنشاء قوة إقليمية مشتركة لهدفين محددين: الأول، محاربة التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تضرب في أكثر من دولة عضو فيها، والآخر هو الحيلولة دون قيام أنظمة جديدة عن طريق الانقلابات العسكرية. وجاء ذلك بعد ثلاثة انقلابات جرت ما بين عامي 2020 و2022 وأطاحت بالحكومات المنتخبة في غينيا ومالي وبوركينا فاسو.

رفع لافتة ضد المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) خلال مظاهرة في نيامي الخميس (أ.ف.ب)

وقال عمر توراي، مفوض المجموعة وقتها، إن دول المجموعة «عازمة على إنشاء قوة إقليمية تتدخل عند الحاجة، لتوفير الأمن ومواجهة الإرهاب أو لإعادة الانتظام الدستوري في الدول الأعضاء». لكن منذ نهاية العام الماضي حتى اليوم، لم ترَ هذه القوة الموعودة النور.

من هنا، فإن اجتماعات أبوجا العسكرية تهدف كذلك إلى النظر في كيفية تشكيل هذه القوة الموعودة وهوية الدول القادرة على المساهمة بها.

وفي أي حال، فإن نيجيريا التي لها حدود مشتركة مع النيجر بطول 1600 كيلومتر، ولكونها الدولة الكبرى والأغنى والأكثر تسلحاً في غرب أفريقيا، ستشكل العمود الفقري لأي عمل عسكري. وما يدفع بهذا الاتجاه أن رئيسها الجديد أكد أكثر من مرة ضرورة الانتهاء من عصر الانقلابات، ولأن فشل المجموعة في النيجر سيحوّلها إلى كيان فارغ عديم الفائدة فيما تتواصل الحركات الانقلابية في غرب أفريقيا حيث إن أربعة من أعضائها الـ15 تحكمهم مجالس عسكرية وعضوياتهم معلقة.

أُنشئت «المجموعة» في عام 1975 في لاغوس (نيجيريا). وبعد 15 عاماً على إطلاقها (1990)، تدخلت عسكرياً للمرة الأولى في الحرب الأهلية المشتعلة في ليبيريا عن طريق إرسال «قوة سلام» هدفها الوقوف بين الطرفين المتنازعين. وحسب المحامي عمر بيرتيه، المتخصص في القانون الدستوري، وصاحب كتاب «المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا بمواجهة التغيرات غير الدستورية»، فإن التدخل المذكور «افتقر للغطاء الشرعي» لأنه لم يتم بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن. ومن جهة ثانية، لم يكن فاعلاً، لأن الحرب الأهلية أوقعت 150 ألف ضحية. وبعد ذلك بثماني سنوات، تدخلت قوة تابعة لـ«المجموعة» في غينيا بيساو في ظروف غامضة، حيث تراجع الانقلابيون قبل أن يصوّت مجلس الأمن على قانون يُجيز تدخل «المجموعة» في غينيا بيساو.

أما المهمة الناجحة فعلاً التي أنجزتها قوة عسكرية مشتركة تابعة لـ«المجموعة» فقد حصلت في عام 2016 في غامبيا وبتغطية من مجلس الأمن. ولعب الجيش السنغالي، كما في حالة غينيا بيساو، الدور الأول.

ثمة عقبة أولى تجعل التدخل العسكري صعب الحصول، وهي حصول الأفارقة على تفويض من مجلس الأمن الدولي باعتبار أن روسيا ستقف حكماً ضد صدوره نظراً لاستفادتها من التطورات الجارية في النيجر.

رجال أمن بمواجهة متظاهرين مؤيدين للانقلابيين خارج السفارة الفرنسية في نيامي 30 يوليو الماضي (رويترز)

فبسبب الانقلاب في مالي، دخلت مجموعة «فاغنر» إلى البلاد لتحل محل القوة الفرنسية وتحمي النظام الانقلابي.

أما بوركينا فاسو التي شارك رئيسها في القمة الروسية - الأفريقية في مدينة سان بطرسبرغ أواخر الشهر الماضي، فإنها سائرة على الدرب نفسها.

ولذا، فإن أي تدخل عسكري من غير غطاء دولي سيكون مشكوكاً في شرعيته وسيُضعف بالنتيجة «المجموعة» سياسياً، وستُتهم الدول المشاركة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، لا بل، كما يقول المحامي عمر بيرتيه، بممارسة «سياسة إمبريالية».

وللتغلب على هذه العقبة القانونية الكأداء، ثمة مَخرج وحيد هو أن يتم التدخل بطلب مباشر من الرئيس محمد بازوم الذي ما زال، في نظر الأسرة الدولية، الرئيس الشرعي للنيجر. لكنّ مشكلة بازوم أنه وقع بيد الانقلابيين الذين لن يتيحوا له بأي شكل أن يقدم للأفارقة طلباً بهذا المعنى.

وفي أي حال، يتساءل كثيرون عن الدوافع التي جعلت «المجموعة» تكتفي بالعقوبات الاقتصادية والحجْر السياسي على الانقلابيين في غينيا ومالي وبوركينا فاسو، فيما تهدد بالتدخل العسكري في النيجر. وبالتوازي، فإن سؤالاً آخر يُطرح حول مهلة الأسبوع القصيرة جداً التي أُعطيت للانقلابيين بحيث لم يُترك للعقوبات المشددة الوقت الكافي لتؤتي أُكلها، خصوصاً أن النيجر بلد فقير ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، التي جمّدت كلها (أفريقياً وأوروبياً ومن البنك الدولي)، وقد بدأت الصعوبات اليومية مع قرار نيجيريا وقف إمداد جارتها النيجر بالطاقة الكهربائية.

يبقى أن تدخلاً عسكرياً سيعني الحرب ويعني سقوط الضحايا وإلهاء الجيوش المتدخلة عن مهمة محاربة التنظيمات الجهادية والإرهابية وعلى رأسها «داعش» الناشط في بلدان الساحل نزولاً إلى دول خليج غينيا. ولا بد من الإشارة إلى أن الانقلابيين يحظون في النيجر بدعم شعبي واضح، وبالتالي فإن التدخل العسكري يعني مواجهة مع السكان أو على الأقل نزوع الجيش النيجري للاحتماء بالمدنيين. أما إذا نجح الانقلابيون في تشكيل جبهة محاربة (مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا)، الأمر الذي يسعون راهناً إليه، فهذا سيُفضي إلى حرب حقيقية في منطقة هي الأفقر في العالم.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

أوروبا بريطانيا تفرض 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين لديهم صلات بمجموعة فاغنر (رويترز)

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

قالت الحكومة البريطانية، اليوم (الخميس)، إنها فرضت 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين على صلة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وفق «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

الجزائر تطالب بعقوبات ضد مالي بعد هجوم شنته فوق أراضيها

طالبت الجزائر بإنزال عقوبات دولية على الحكومة المالية، بعد الهجوم الذي شنّه الجيش المالي على مواقع للطوارق المعارضين في بلدة تقع على الحدود مع الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا عناصر من القوات التركية تتولى تدريب قوات ليبية (وزارة الدفاع التركية)

​تقارير أممية تكشف عن تورط تركيا في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا

كشفت تقارير للأمم المتحدة عن تورط شركة «سادات للاستشارات الدفاعية الدولية» التركية في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتجنيد آلاف المرتزقة السوريين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

قتلى وجرحى في هجوم للجيش المالي على مواقع للطوارق قرب بلدة جزائرية

القصف يدلّ على تصاعد التوتر منذ أن قرّر الحاكم العسكري في باماكو إلغاء «اتفاق السلام»، مطالباً الجزائر بـ«التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لمالي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
خاص معمّر القذافي (رويترز)

خاص «تركة القذافي»... ليبيا منقسمة وعملية سياسية ميتة

تغيَّرت ليبيا كثيراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. فشل الليبيون في إقامة نظام جديد أفضل منه. ولكن من هم المتنافسون على تركة القذافي؟

كميل الطويل (لندن)

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)
أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)
TT

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)
أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)

أفاد تقرير، صدر الجمعة، بأن أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل، وهو رقم يزداد مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم آثار الحرب والتغير المناخي.

والتقرير الذي أعده مسؤولون نيجيريون ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية إنسانية كبرى، يعرض الوضع الغذائي مرتين في العام في 26 ولاية تعاني من أزمات في شمال ووسط نيجيريا.

بحسب أحدث الأرقام فإن 25.1 مليون نيجيري يعانون من «انعدام أمن غذائي حاد»، حتى في ذروة موسم الحصاد لهذا العام، بعد فيضانات وارتفاع الأسعار، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 33.1 مليون شخص السنة المقبلة، إذ يؤدي انهيار العملة الوطنية «نايرا» إلى ارتفاع أسعار الواردات الغذائية، كما أن انتهاء دعم الوقود يجعل إيصالها وتوزيعها باهظ الكلفة.

وجاء في بيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي أن «نحو 5.4 مليون طفل ونحو 800 ألف امرأة حامل أو مرضع معرضون لخطر سوء التغذية الحاد أو الانحطاط في ست من الولايات الأكثر تضرراً».

وأضاف: «من بين هؤلاء، يمكن أن يعاني 1.8 مليون طفل من سوء التغذية الحاد الشديد ويحتاجون إلى علاج غذائي منقذ للحياة».

ويشهد شمال شرقي نيجيريا تمرداً منذ عام 2009، وتنشط عصابات قطاع الطرق والخطف في جميع أنحاء شمال البلاد. وفي موازاة ذلك، جعل تغير المناخ وإزالة الغابات المنطقة أكثر جفافاً.

كما أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرحل.

هذه التحديات الطويلة المدى موجودة منذ فترة طويلة، لكن وضع الاقتصاد النيجيري أدى دوراً في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ويشير التقرير إلى استمرار انخفاض قيمة العملة النيجيرية مقابل الدولار، وقرار الرئيس بولا تينوبو العام الماضي إلغاء دعم الوقود الذي كان سارياً منذ عقود.

وبعد مرور عام، في يونيو (حزيران) 2024، وصل معدل تضخم أسعار المواد الغذائية على أساس سنوي إلى 40.9 في المائة.