لم تكن جولة ممثلي البعثات الدبلوماسية إلى جنوب لبنان حيث مواقع انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، حدثاً بروتوكولياً عابراً؛ بل بدت أقرب إلى معاينة سياسية وأمنية مباشرة، تحمل في طياتها رسائل متعددة الاتجاهات، في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، يتقاطع فيه مسار التهدئة مع التحضير لمؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني.
وتزامنت الجولة مع لقاءات سياسية ودبلوماسية في قصر بعبدا، حيث تابع رئيس الجمهورية جوزيف عون الثلاثاء، التحضيرات للاجتماع المقرر عقده في باريس للبحث في حاجات الجيش، واطّلع من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، على نتائج الجولة التي نظمت الاثنين، والانطباعات التي تكوّنت لدى الدبلوماسيين.
رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اطلع من قائد الجيش العماد رودولف هيكل على نتائج الجولة التي قام بها رؤساء البعثات الديبلوماسية في اماكن انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني حيث عاينوا الاجراءات والتدابير التي اتخذها الجيش تنفيذاً للخطة الموضوعة لبسط سلطة الدولة وازالة المظاهر... pic.twitter.com/kbYvzDWhnm
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) December 16, 2025
وفي مقاربة سياسية تعكس نظرة المؤسسة التشريعية إلى دلالات الجولة وأبعادها، وضع رئيس «لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين» في البرلمان اللبناني، النائب فادي علامة، الزيارة في إطارها السياسي والدبلوماسي الأوسع، رابطاً بين البعد الميداني والرسائل الدولية التي حملتها.
رسالة دعم للجيش
وقال علامة لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «الجولة الميدانية التي قام بها مبعوثون وسفراء من بعثات دبلوماسية أجنبية إلى جنوب لبنان، لا سيما إلى منطقة جنوب الليطاني، تكتسب دلالات سياسية وأمنية بالغة الأهمية، وتندرج في سياق دعم المسار الدبلوماسي وخفض منسوب التصعيد، بالتوازي مع دعم واضح لدور الجيش اللبناني».
وأوضح علامة أنّ «أهمية هذه الزيارات تكمن في أنها تتيح للأصدقاء الدوليين الاطلاع مباشرة على ما يجري على الأرض، بعيداً من التقارير أو الانطباعات غير الدقيقة»، لافتاً إلى أنّ «الوفود استمعت إلى شروحات ميدانية من الجيش اللبناني، وزارت مواقع محددة، ما أسهم في تكوين صورة أوضح عن طبيعة المهام التي يقوم بها الجيش، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ومع آلية الإشراف على وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم)».
وأشار إلى أنّ «الأجواء التي رافقت الجولة كانت إيجابية، وتعكس جدية ومصداقية المؤسسة العسكرية في تنفيذ الإجراءات المطلوبة لتطبيق القرار 1701، وكذلك الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية»، مضيفاً أنّ «هذا الأداء يعزّز موقع لبنان ويقوّي دوره، ويؤكد قدرة الجيش اللبناني على تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة».

ولفت علامة إلى أنّ «لجنة الشؤون الخارجية النيابية» دأبت بدورها، «على القيام بزيارات ميدانية إلى مقر قيادة (اليونيفيل) في الناقورة، حيث اطّلع على التقارير المقدّمة حول التنسيق القائم مع الجيش اللبناني»، معتبراً أنّ «التكامل بين العمل الميداني للجيش والتقارير الدولية، يقدّم صورة دقيقة عمّا يجري في الجنوب».
سحب الذرائع
ورأى أنّ هذه الجولة «توجّه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها: تعالوا وشاهدوا على الأرض ما يقوم به الجيش اللبناني»، مؤكداً أنّ ذلك «يسحب أي ذرائع يمكن استخدامها للتشكيك في الأداء اللبناني، ويكرّس أولوية الحل الدبلوماسي».
وعن انعكاس هذه الزيارة على مؤتمر دعم الجيش اللبناني المرتقب، شدّد علامة على أنّ «الدعم الدولي للجيش يبقى عنصراً أساسياً، لأن حجم المهام الملقاة على عاتقه كبير جداً، سواء في الجنوب أو على الحدود الشرقية أو في مختلف المناطق اللبنانية»، مؤكداً أنّ «من دون دعم فعلي، لا يمكن للمؤسسة العسكرية أن تواكب كل هذه المسؤوليات».
بحضور قائد الجيش العماد رودولف هيكل، نظمت قيادة الجيش جولة ميدانية لعدد من السفراء والقائمين بأعمال السفارات والملحقين العسكريين للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة الجيش في قطاع جنوب الليطاني وفق قرار السلطة السياسية، ومهماته على كامل الأراضي اللبنانية.في قيادة قطاع جنوب... pic.twitter.com/g5mNEjHemK
— الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) December 15, 2025
ويتوسع النقاش من توصيف دلالات الجولة إلى تفكيك شروطها السياسية وسقفها الزمني، وما إذا كانت تشكّل عامل ردع، أو مجرد أداة لإدارة الوقت، حيث يضع مدير «معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف»، الدكتور سامي نادر، الجولة في إطار أوسع من الحراك الدولي المتصل بلبنان، معتبراً أنّها تندرج ضمن مسار «دعم الجيش اللبناني والحرص على تنفيذ الأمور وفق المهل الموضوعة، بما يتيح تنفيذ ما هو مطلوب وفق الإيقاع المحدد».
معيار الدعم وحدود التصعيد
وأشار نادر إلى «أنّ الرسائل الدولية كانت واضحة لجهة منح لبنان مهلة حتى نهاية السنة، لنشر الجيش في الجنوب وحصر السلاح جنوب الليطاني، غير أنّ هذه المهلة باتت اليوم موضع مراجعة»، لافتاً إلى أنّ «الأميركيين أنفسهم باتوا يعتبرون، في الفترة الأخيرة، أنّ هذا الأمر لم يتحقق بالكامل».
وأوضح أن «هذا التقييم الأميركي انعكس في أصوات معترضة داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى تصريحات صدرت عن الجيش ورئاسة الجمهورية، وهو ما فتح الباب أمام إدخال وساطات إقليمية ودولية متعددة، في محاولة لتخفيف التصعيد العسكري والضغط على إسرائيل، وفي الوقت نفسه توجيه رسالة إلى الحكومة اللبنانية بأنها متأخرة في تنفيذ الجزء الأول من التزاماتها».
توزيع أدوار
وشرح نادر أنّ «المعادلة المطروحة تقوم على خفض التصعيد مقابل إعطاء ضمانات بأن التنفيذ حاصل، وأن أي تأخير هو تأخير محدود لا يستدعي بطبيعته أي عمل عسكري»، معتبراً أنّ هذا المسار «يمنع تصعيداً كبيراً، لكنه لا يعني أن إسرائيل ستتوقف كلياً عن الضربات».
ورأى أنّ ما يجري يشبه «توزيع أدوار»، حيث لا قرار بشن حرب واسعة، في مقابل مسار سياسي - دبلوماسي يتقدّم عنوانه مؤتمر دعم الجيش، بمشاركة سعودية وفرنسية وأميركية. وربط نادر مباشرة بين الجولة الدبلوماسية وجولة قائد الجيش العماد رودولف هيكل الخارجية، معتبراً أنّها تمهيدية للمؤتمر، لأن «الفكرة الأساسية هي الدعم، لكن هذا الدعم بات مرتبطاً بتنفيذ ما هو مطلوب».

وأشار إلى أنّ العلاقة بين التنفيذ والدعم أصبحت واضحة، لافتاً إلى أن «الإعلان عن حصرية السلاح ترافق مع وصول دفعات مساعدات متتالية». واعتبر أنّ «إنجاز المرحلة الأولى جنوب الليطاني يفتح الباب أمام انعقاد مؤتمر الدعم وإطلاق مساعدات إضافية، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية».
غير أنّ هذه المرحلة الثانية، بحسب نادر، «لا تزال غير محسومة، في ظل تباين المقاربات بين من يتحدث عن الاحتواء، ومن يدعو إلى إزالة السلاح بشكل كامل، في مقابل رأي يقول إن السلاح الذي كان يشكّل تهديداً لإسرائيل لم يعد موجوداً في الجنوب». وخلص إلى أنّ «النقاش حول مفهوم حصرية السلاح ما زال مفتوحاً بين التسليم الكامل وضبط الاستخدام».






