مراقبون: الطريق طويل أمام العمل العربي المشترك

الصدر دعا سوريا إلى «ديمقراطية بلا تشدد أو طائفية»

شارع مطار بغداد الدولي (وكالة الأنباء العراقية)
شارع مطار بغداد الدولي (وكالة الأنباء العراقية)
TT

مراقبون: الطريق طويل أمام العمل العربي المشترك

شارع مطار بغداد الدولي (وكالة الأنباء العراقية)
شارع مطار بغداد الدولي (وكالة الأنباء العراقية)

خلافاً للكثافة السياسية والإعلامية التي شهدها القصر الحكومي خلال انطلاق أعمال «قمة بغداد» العربية، ساد العاصمة هدوء غير معتاد، في مدينة غالباً ما تشهد زحامات خانقة في معظم أيام الأسبوع. ويُعزى هذا الهدوء جزئياً إلى العطلة الرسمية التي أعلنتها الحكومة بالتزامن مع انعقاد القمة، وهي الرابعة التي تستضيفها بغداد منذ عام 1987. ورغم تدابير أمنية مكثفة اتخذتها القوات الأمنية، فإنها لم تلجأ إلى فرض حظر تجوال أو قطع شامل للطرق المؤدية إلى مقر أعمال القمة، وهو ما كان يُتبع في مناسبات مماثلة خلال سنوات العنف الماضية. ويُعزى هذا التغيير إلى التحسن الأمني النسبي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، ما منح الأجهزة الأمنية مرونة أكبر في التعامل مع الفعاليات الكبرى.

سوريا «ديمقراطية»

ورغم الحماسة الرسمية لانعقاد القمة ودفاع الحكومة العراقية عن فكرة «عودة العراق إلى مركز القرار العربي وترسيخ نهج التوازن في السياسة الخارجية»، لم تلقَ القمة الزخم الشعبي ذاته، رغم وجود قطاعات لا بأس بها من المواطنين رحّبت بانعقادها في بغداد. ولم تسجل القمة ردود فعل بارزة من القوى والأحزاب السياسية، إذ لم تصدر بيانات مؤيدة أو معارضة لمقرراتها، باستثناء زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي وجه رسالة إلى القادة العرب المجتمعين في بغداد دعاهم فيها إلى أن «يكونوا صفاً واحداً» من أجل «نصرة إخوانكم في غزة ولبنان واليمن»، كما دعا إلى «وقفة عربية تجاه سوريا ديمقراطية لا تشدد فيها ولا طائفية».

مستوى التمثيل

لكن الانتقادات بشأن «ضعف مستوى التمثيل» لم تغب عن المشهد. ففي حين يرى مقربون من الحكومة أن ذلك يعود إلى «تحريض داخلي من شخصيات معارضة انعكس على مستوى الحضور»، يرى آخرون أن الأمر يرتبط بـ«ضعف فاعلية وتأثير النظام العراقي على المستويين الإقليمي والعربي»، إلا أن مراقبين أكدوا أن «تذبذب مستوى التمثيل كان السمة الغالبة في جميع القمم العربية».

ويتفق رئيس «مركز التفكير السياسي»، إحسان الشمري، على أن التمثيل الزعاماتي في القمة كان محدوداً، ويعتبر أن انعقادها جاء في إطار «السياق البروتوكولي والتزامات العراق حيال الجامعة العربية». ورغم أن العراق طرح خلال القمة مبادرة من 18 بنداً، فإن الشمري يرى أن ذلك «غير كافٍ، نظراً لغياب التفاصيل الواضحة حول طبيعة تلك البنود، كما أن القمة ناقشت التطورات الإقليمية دون أن تطرح خريطة طريق واضحة أو كافية، ما يجعلها قمة غير مثالية بالمعايير السياسية».

ويعتقد الشمري أن «العمل العربي المشترك ما زال أمامه طريق طويل، يبدأ أولاً بإصلاح الجامعة العربية، ومعالجة الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء».

لكن رئيس «المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية»، الدبلوماسي السابق الدكتور فيصل غازي، يرى أن «انعقاد القمة العربية في بغداد يشكل محطة مهمة في العلاقات العربية، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه الشرق الأوسط، خصوصاً بعد حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتغيرات الجيوسياسية التي ضربت المنطقة».

وقال غازي لـ«الشرق الأوسط» إن «الدبلوماسية العراقية اتسمت خلال هذه الأزمة بالمرونة العالية، وتمكنت من النأي بالعراق عن أجواء الحرب، وكانت دعواتها تركّز باستمرار على السلام وضمان حقوق الشعب الفلسطيني».


مقالات ذات صلة

إردوغان يناقش مع ترمب العقوبات الدفاعية على تركيا خلال قمة الناتو

شؤون إقليمية الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب إردوغان خلال لقائهما في البيت الأبيض في الولاية الأولى (الرئاسة التركية)

إردوغان يناقش مع ترمب العقوبات الدفاعية على تركيا خلال قمة الناتو

يلتقي الرئيس رجب طيب إردوغان الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمرة الأولى منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة خلال قمة الناتو المقررة في لاهاي يومي 24 و25 يونيو.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مصنع في ولاية بنسلفانيا 30 مايو 2025 (أ.ب)

البيت الأبيض: ترمب سيحضر قمة الناتو في هولندا نهاية يونيو

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، الثلاثاء، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيحضر قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) المقررة يومي 24 و25 يونيو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

عون يشكر العراق على مبادرته بمساعدة لبنان

تقدم الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بالشكر إلى الحكومة العراقية على مبادرة تقديم مبلغ 20 مليون دولار للبنان خلال اتصاله برئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي «قمة بغداد»: إنقاذ غزة... واستقرار سوريا

«قمة بغداد»: إنقاذ غزة... واستقرار سوريا

شدد «إعلان بغداد» الذي صدر عن القمة العربية الـ34، أمس، على دعم الاستقرار في سوريا وإنقاذ غزة من «حرب إبادة مستمرة».

فتحية الدخاخني (بغداد) فاضل النشمي (بغداد) حمزة مصطفى (بغداد)
شمال افريقيا القادة المشاركون في «قمة بغداد» (الرئاسة المصرية)

«إعلان بغداد»: فلسطين «قضية مركزية»... ولا رجعة عن حل الدولتين

جدّد «إعلان بغداد» تأكيد الثوابت بشأن القضية الفلسطينية بصفتها «قضية العرب المركزية»، مشدداً على «الالتزام بمبادئ حسن الجوار، وحل الخلافات سلمياً».

فتحية الدخاخني (بغداد)

4 قضايا تتصدر «المشاورات الوطنية» في الصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

4 قضايا تتصدر «المشاورات الوطنية» في الصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وكالة الأنباء الصومالية)

يُعقد منتدى التشاور الوطني في الصومال، بدعوة من رئيس البلاد حسن شيخ محمود، في ظل وضع أمني غير مستقر وتواصُل تسجيل الناخبين أسماءهم استعداداً لانتخابات مصيرية العام المقبل، تُعقد بنظام الاقتراع المباشر لأول مرة منذ عقود.

ذلك المنتدى الذي احتضنته العاصمة الصومالية مقديشو، الاثنين، يبحث 4 قضايا رئيسية هي: «الوحدة، والأمن، والدستور، وعملية الانتخابات»، ويرى خبير في الشأن الأفريقي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن غياب المعارضة، وعلى رأسها رئيسا بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، يشكل تحديات كبيرة أمام القضايا لأنها لن تكون بنتائج محل توافُق ستحتاج إلى تدخل إقليمي ودولي؛ لإيجاد تقارب بين الفرقاء لا سيما قبل الانتخابات المقبلة.

والمنتدى التشاوري الذي أعلنت مقديشو رسمياً انعقاده «بمشاركة أطياف المجتمع المدني المختلفة من داخل البلاد وخارجها»، أُجِّل يوماً بعدما كان مقرراً منتصف يونيو (حزيران).

ولم توضح وكالة الأنباء الصومالية الرسمية سبب تأخير الانعقاد، إلا أنها قالت: «تُجري اللجنة المعنية الاستعدادات اللازمة لانعقاد المنتدى»، لافتةً إلى أنه «يناقش القضايا ذات الأولوية الوطنية، و(استكمال) الدستور و(الاستعداد) لعملية الانتخابات، والوحدة (ترسيخ النظام الفيدرالي) والأمن (في مواجهة حركة الشباب الإرهابية)».

الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع منظمات المجتمع المدني تمهيداً لمنتدى التشاور الوطني (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن الرئيس الصومالي، مطلع يونيو (حزيران) الجاري، أن انطلاق منتدى «المشاورات الوطنية» لقادة المجتمع السياسي والمدني في مقديشو يهدف إلى مناقشة تلك الملفات ذات الأولوية، قائلاً: «نسعى لبناء توافق واسع النطاق حول الأولويات الرئيسية لبناء الدولة، بما في ذلك الأمن الوطني، ومكافحة الإرهاب، والعمليات الانتخابية، واستكمال الدستور، والوحدة الوطنية، والمصالحة». وكان الهدف من إعلان تدشين تلك المنطقة في 29 مارس (آذار) الماضي -حسب إعلان حسن شيخ محمود وقتها- ضمان أن تكون آراء وجهود القادة جزءاً من الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب، وتعزيز بناء نظام ديمقراطي وفيدرالي في البلاد عبر الانتخابات المباشرة.

وتلك الملفات الأربعة هي محل نقاشات مستمرة منذ سنوات، وفي مقدمتها قضية استكمال الدستور المؤقت في 2012، قبل أن يوافق برلمان الصومال أواخر مارس (آذار) 2024، على تعديلات دستورية تشمل تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واعتماد نظام الاقتراع العام المباشر، وتمديد الفترة الرئاسية من 4 إلى 5 سنوات، ورفضت ذلك القرارَ ولايتا بونتلاند وغوبالاند.

وبينما يشتد الجدل داخل البلاد بشأن الانتخابات المباشرة المرتقب عقدها في البلاد عام 2026 بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000 التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس التي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، يعد انفصال إقليم أرض الصومال والخلافات المتصاعدة مع رئيسَي بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، أبرز تحديات الوحدة وترسيخ النظام الفيدرالي، بخلاف القضية الرابعة المتعلقة بـ«حركة الشباب» التي تصاعدت هجماتها في الأشهر الأخيرة، وأبرزها في 18 مارس (آذار)، حين أعلنت مسؤوليتها عن تفجير قنبلة كادت تصيب موكب الرئيس. وفي مطلع أبريل (نيسان)، أطلقت عدة قذائف قرب مطار العاصمة.

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن تلك القضايا تمثل أولوية وطنية كبيرة ومهمة، وتأتي في ظرف تاريخي للبلاد، مستدركاً: «لكن لن تنجح نقاشات ذلك المنتدى في تلك القضايا من طرف واحد وهو الحكومة مع موالين لها، في ظل غياب المعارضة، مما يجعل الأمور أشبه بمسرحية سياسية لا أكثر ولا أقل».

والمعارضة الغائبة، حسب مصدر مطلع تحدث إلى «الشرق الأوسط»، الأحد، لديها اعتراضات واضحة بشأن ملفين رئيسيين هما: الانتخابات والدستور، وسبق أن صرح وزير العدل في بونتلاند محمد عبد الوهاب، بأن الولاية «لن تُجري أي محادثات مع الحكومة الفيدرالية إلا بعد تنفيذ عدة شروط؛ منها عودة الحكومة إلى الدستور المتفق عليه في أغسطس (آب) 2012، وإجراء انتخابات وطنية متفق عليها وشاملة».

كما اشترط منتدى «إنقاذ الصومال»، المعارض، في بيان سابق لحضور المشاورات الوطنية أن «تشمل جميع الأطراف، بمن فيهم قادة الولايات والسياسيون المعارضون، مع التركيز على القضاء على الجماعات الإرهابية، وحل الخلافات السياسية (الانتخابات) والدستورية».

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيس حسن شيخ محمود في 13 مايو (أيار) الماضي «حزب العدالة والتضامن» وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، برفقة قيادة الحكومة الفيدرالية، وقادة الولايات الإقليمية، باستثناء رئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي، اللذين غابا عن اجتماع المجلس الاستشاري للبلاد قبل تأسيس الحزب بأيام.

ولاقى الحزب الجديد رفضاً من ولايتَي بونتلاند وغوبالاند وقتها في مواقف رسمية منفصلة، تلاها إصدار 15 شخصية سياسية بارزة في الصومال بياناً دعوا خلاله إلى عقد مشاورات عاجلة لإنقاذ البلاد.

وبرأي الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن غياب المعارضة يؤثر في مستقبل تلك المحادثات «بوصفهم جزءاً مهماً لمستقبل البلد خصوصاً في القضايا ذات الأولوية الوطنية؛ كالأمن وعمليات الانتخابات، ومن دونهم من الصعب التقدم إلى الأمام»، معتقداً أنه سيكون هناك تدخل دولي لحسم الأمر وتقريب وجهات النظر وإنهاء تلك الخلافات؛ للتركيز أكثر على مواجهة إرهاب «حركة الشباب».