تشهد الساحة الحزبية في مصر حراكاً لافتاً قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المرتقبة نهاية العام الحالي، مدفوعة بتعديلات حكومية لقوانين حيوية أثارت جدلاً في الشارع، وعبَّرت عنه الأحزاب السياسية، في مقدمتها «الإيجار القديم» و«العمل».
ولم تعلن «الهيئة الوطنية» المُنظِّمة للانتخابات في مصر، حتى الآن أي تفاصيل عن العملية الانتخابية، ما أثار قلقاً لدى أحزاب المعارضة التي تأمل تغيير القانون المُنظِّم لها، لكن ذلك لم يُغيِّب مشهد الانتخابات، في استعداد الأحزاب لها سواء بتنظيم البيت الداخلي، أو باحتكاك أكبر مع الشارع.
وشهدت الخريطة السياسية تغييراً بارزاً منذ أشهر، مع ظهور حزب «الجبهة الوطنية»، الذي صاحبت الإعلانَ عنه ضجةٌ سياسيةٌ وإعلاميةٌ قويةٌ، وسط توقعات بمزاحمته حزب «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية البرلمانية)، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، الذي يرى أن «الانتخابات المقبلة إذا جرت بالقانون الانتخابي الحالي نفسه، فسيتقاسمها حزبا (مستقبل وطن) و(الجبهة الوطنية)، ما يعني استمرار سيطرة القوى الموالية للحكومة على البرلمان».
وأضاف السيد لـ«الشرق الأوسط» أن «أحزاب المعارضة تحاول لعب أدوار أكبر، لكن لا تزال الأجواء السياسية غير مهيأة، سوى من بعض الفعاليات التي تنظمها هذه الأحزاب، بعضها شهد تفاعلاً فاق حتى توقعات أصحابها»، مستشهداً بمؤتمر «لا لطرد المستأجرين»، الذي نظمه حزب «الكرامة» بمشاركة بعض النواب المحسوبين على المعارضة، في 6 مايو (أيار) الحالي، وشهد إقبالاً واسعاً من المتضررين من مشروع قانون الحكومة للإيجار القديم.
وقبل أسابيع قدَّمت الحكومة المصرية مشروعاً لتعديل قانون الإيجار القديم، الذي يُنظِّم العلاقة بين المالك والمستأجر لنحو مليون و800 وحدة يتقاضى أصحابها مبالغ ضئيلة للغاية لا تتعدى بضعة جنيهات أحياناً من المستأجرين. وأثار المشروع غضباً، إذ نصَّ على إخلاء هذه الشقق في غضون 5 سنوات، ورفع القيمة الإيجارية بحد أدنى 1000 جنيه في المدن و500 في القرى.
وانتهى مؤتمر حزب «الكرامة»، الذي شارك في تنظيمه أيضاً حزبا «التحالف الشعبي» و«العيش والحرية» (تحت التأسيس)، ببيان يرفض فيه المشاركون المشروع الحكومي.
ولم تغرد أحزاب المعارضة منفردة في ملف الإيجار القديم، حتى إن الأحزاب المؤيدة للحكومة، مثل «مستقبل وطن» و«الجبهة الوطنية» اشتبكت مع المشروع، ونظَّم الأول مؤتمرات عدة في مناطق مختلفة للاستماع إلى آراء الملاك والمستأجرين في المشروع.
أما حزب «الجبهة الوطنية» الوليد، فقد طالب مجلس النواب «البرلمان» في بيان، بتأجيل النقاش حول تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر إلى مجلس النواب المقبل، والاكتفاء حالياً برفع القيمة الإيجارية، كما نصَّ حكم المحكمة الدستورية.
وقضت المحكمة الدستورية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ببطلان مادتين في قانون الإيجار القديم، فيما ضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، عادّةً أن ثبات القيمة الإيجارية «عدوان على قيمة العدل، وإهدار لحقِّ الملكية».
وقبل ملف الإيجار القديم، أثار قانون العمل، الذي أقرَّه مجلس النواب في 15 أبريل (نيسان) الماضي، كثيراً من الجدل، ومعه الفعاليات الحزبية المستمرة حتى بعد صدوره.
ونظَّمت أمانة الشباب داخل «الحركة المدنية الديمقراطية»، المُشكَّلة من أحزاب معارضة، في 4 مايو الحالي، ندوةً بعنوان «ماذا بعد إقرار قانون العمل؟»، قالت فيها عضوة أمانة الشباب في الحركة إيمان عيداروس، إن «التصديق على القانون ليس نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة جديدة تركز على تفعيله وتعديل ثغراته»، مشيرة إلى عملهم على «حصر أبرز إشكاليات القانون الحالي، مثل قضية عاملات المتولي وغيرها؛ لطرحها للنقاش العام، وتمهيد الطريق لتعديلات تشريعية خلال الفترة المقبلة».
واستمراراً في النشاط الملحوظ للحركة المدنية عقب تأسيس أمانة الشباب، الشهر الماضي، أعلنت تنظيم وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين في منتصف الشهر الحالي، في ذكرى النكبة الفلسطينية.
ويبرز على الساحة السياسية المصرية أيضاً الحزب «المصري الاجتماعي الديمقراطي»، بتحركات داخل مجلس النواب، فهو من الأحزاب القليلة المحسوبة على المعارضة، والممثلة فيه. وعادة ما تقدم الهيئة البرلمانية للحزب طلبات إحاطة وأسئلة للوزراء، فضلاً عن مناقشاتها التي تحمل وجهات نظر المعارضة إلى المجلس.
استعداد للانتخابات
من جانب آخر، يعكف حزبا «مستقبل وطن» و«الجبهة الوطنية» على ترتيب البيت الداخلي استعداداً للانتخابات.
وبدا لافتاً الهيكل التنظيمي المُفصل لحزب «الجبهة الوطنية»، حيث أسس أمانات للمجالات والحقول كافة، منها أمانة لـ«ذوي الاحتياجات الخاصة» وأخرى لـ«المشروعات الصغيرة» وثالثة لـ«الطاقة والثروة المعدنية»، فضلاً عن أمانات المحافظات، وكل أمانة تتشكل من عشرات الأعضاء والمستشارين.
وقال أمين العضوية في «الجبهة الوطنية»، اللواء أحمد سعد، في بيان للحزب 8 مايو، إن الحزب «يستهدف الأغلبية الصامتة التي ابتعدت عن المشارَكة السياسية، من خلال استعادة الثقة، وبناء المصداقية، وتحقيق تمثيل حقيقي يعبِّر عن الشارع المصري».
ولم يغب الاستعداد للانتخابات عن أحزاب المعارضة، حيث فتح «حزب المحافظين»، أحد أحزاب الحركة المدنية، باب استقبال طلبات راغبي الترشح في الانتخابات خلال الفترة من 10 إلى 27 مايو، بالتزامن مع تكثيف الفعاليات السياسية والثقافية داخل الحزب.
وقال المتحدث باسم الحزب، محمد تركي لـ«الشرق الأوسط» إن «فعاليات الحزب جزء من تحركنا المستمر للتماس والتفاعل مع كل القضايا والأحداث الآنية».