«لولا أميركا ما كانت»... ما دور الولايات المتحدة في قناة السويس؟

TT

«لولا أميركا ما كانت»... ما دور الولايات المتحدة في قناة السويس؟

سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)

أثار حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «لولا أميركا لما كانت قناة السويس»، تساؤلات بشأن دور الولايات المتحدة في القناة، وما إذا كانت هناك علاقات تاريخيّة بينهما.

وكتب ترمب على منصته الاجتماعية «تروث سوشال»: «يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور بحرّية عبر قناتَي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة». وأضاف: «طلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو تولي هذه القضية».

وقناة السويس هي ممر مائي صناعي بمستوى البحر يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس ليصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وتعدّ أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، بحسب موقع «هيئة قناة السويس».

ويرجع تاريخ قناة السويس إلى 30 نوفمبر ( تشرين الثاني) عام 1854 بصدور «فرمان الامتياز الأول»، الذي منح الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس حقّ إنشاء شركة لشقّ قناة السويس، تلاه «فرمان الامتياز الثاني» في 5 يناير (كانون الثاني) عام 1856، الذي أكّد «حياد القناة».

وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 1858، تأسست «الشركة العالمية لقناة السويس البحرية» برأس مال قدره 200 مليون فرنك فرنسي (8 ملايين جنيه مصري آنذاك)، مقسم على 400 ألف سهم، قيمة كل منها 500 فرنك، وكان نصيب مصر 92136 سهماً، ونصيب إنجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم، «غير أن هذه الدول رفضت الاشتراك في الاكتتاب، فاضطرت مصر إلى استدانة 28 مليون فرنك لشراء نصيبها، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم 177642 سهماً، قيمتها 89 مليون فرنك تقريباً، أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة»، وفقاً لموقع هيئة قناة السويس.

بدأ العمل في حفر قناة السويس في 25 أبريل (نيسان) 1859، واستغرق 10 سنوات، بتكلفة تجاوزت ضعف المبلغ المقرر، وبلغت 433 مليون فرنك.

وافتتحت القناة في 17 نوفمبر عام 1869. وفي 15 فبراير (شباط) 1875، اشترى رئيس الوزراء البريطاني من الخديوي إسماعيل، حاكم مصر آنذاك، 176602 سهماً من شركة القناة، وتنازلت الحكومة المصرية في 17 أبريل 1880 للبنك العقاري الفرنسي عن حقّها في الحصول على 15 في المائة من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك، وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وإنجلترا، الأولى تمتلك 56 في المائة من الأسهم، والثانية 44 في المائة.

وعقب احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، بدأ الحديث عن تنظيم حرية الملاحة في قناة السويس، وأبرمت في هذا الصدد اتفاقية القسطنطينية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1888، بين كل من فرنسا والنمسا والمجر وإسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا.

وفى 26 يوليو (تموز) 1956، أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس «شركة مساهمة مصرية»، لتنتقل ملكيتها بالكامل إلى مصر.

وفي أكتوبر من نفس العام، شنّت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدواناً ثلاثياً على مصر، أدّى إلى توقف الملاحة في القناة، وعارضت العدوان دول عدة، بينها الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وضغط الرئيس الأميركي أيزنهاور من بريطانيا للتفاوض مع مصر، كما مارست واشنطن ضغوطاً داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أدّت إلى وقف العدوان على مصر، وانسحاب بريطانيا وفرنسا في 23 ديسمبر 1956.

وطوال تاريخها، شهدت قناة السويس عمليات توسعة وصيانة، أبرزها إنشاء قناة السويس الجديدة التي افتتحت في أغسطس (آب) 2015، وشارك في أعمال الحفر تحالف ضم شركات أميركية وإماراتية وهولندية وبلجيكية.

وربما لم يكن ترمب يعني بحديثه دور بلاده التاريخي في القناة بقدر ما يشير إلى دور واشنطن الحالي في حماية الملاحة بالبحر الأحمر عبر مواجهة جماعة الحوثي.

وبدأت الولايات المتحدة، منتصف الشهر الماضي، هجمات على جماعة «الحوثي» في اليمن، بدعوى «حماية الملاحة في البحر الأحمر»، التي تأثرت بسبب هجمات «الحوثي» على السفن رداً على استمرار الحرب في قطاع غزة.

مقاتلة تُقلع من فوق متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وكشفت تسريبات لمحادثات بين مسؤولين أميركيين على تطبيق «سيغنال»، نشرتها مجلة «ذي أتلانتك»، الشهر الماضي، عن مخطط الهجوم على «الحوثي»، ومن بين المحادثات رسالة من مستشار الرئيس الأميركي ستيفن ميلر، قال فيها: «سرعان ما سنوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل. وعلينا إيجاد طريقة لتطبيق هذا الشرط. فماذا سيحدث مثلاً إذا لم تقدم أوروبا مقابلاً؟ إذا نجحت أميركا في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فستكون هناك حاجة إلى مكاسب اقتصادية إضافية في المقابل».

ويرى عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية في البرلمان) الدكتور عبد المنعم سعيد أن «الحضور الأميركي في البحر الأحمر وتنفيذ هجمات ضد (الحوثي) جعل ترمب يريد من مصر أن تلعب دوراً ما أو تدفع المقابل».

ويعتقد سعيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن حديث ترمب «رسالة موجهة إلى مصر رداً على رفضها مخطط تهجير الفلسطينيين، وكذلك عدم مشاركتها بأي دور في الهجمات الأميركية على (الحوثي) في اليمن».


مقالات ذات صلة

ما تأثير التصعيد الإسرائيلي - الإيراني على قناة السويس؟

شمال افريقيا بعض السفن المارة في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

ما تأثير التصعيد الإسرائيلي - الإيراني على قناة السويس؟

أثار التصعيد العسكري الإسرائيلي - الإيراني تساؤلات حول مدى تأثيره على حركة الملاحة في قناة السويس المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم حاويات تعبر قناة السويس في الإسماعيلية بمصر (رويترز - أرشيفية)

الاتحاد الأوروبي: الملاحة بالبحر الأحمر تزيد 60 % بعد تقليص الحوثيين نطاق أهدافهم

قال الأميرال فاسيليوس غريباريس قائد مهمة «أسبيدس» البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي إن حركة الملاحة في البحر الأحمر زادت 60 في المائة إلى 36-37 سفينة يومياً.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الاقتصاد سفينة حاويات تمر في قناة السويس (رويترز)

ارتفاع حركة الشحن بالبحر الأحمر 60 في المائة منذ أغسطس الماضي

قال قائد مهمة «أسبيدس» البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، إن حركة الملاحة في البحر الأحمر زادت 60 في المائة إلى 36 - 37 سفينة يومياً، منذ أغسطس الماضي.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الاقتصاد رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وخويي هايلونغ رئيس شركة «كومفلي هونغ كونغ» الصينية خلال توقيع عقد المشروع (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر توقع عقداً مع شركة صينية لإنشاء مجمع صناعي باستثمارات 20 مليون دولار

أعلنت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، توقيع عقد مشروع مع شركة صينية، لإنشاء مجمع صناعي متكامل بمنطقة القنطرة غرب الصناعية، لصناعة الحقائب وأمتعة السفر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة ملتقطة في 2 يونيو 2025 بالقاهرة تظهِر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (د.ب.أ)

السيسي يؤكد «حتمية» عودة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة، «حتمية» عودة الملاحة إلى طبيعتها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

دون ذكر أميركا... مصر قلقة من «التطورات الأخيرة» في إيران

لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
TT

دون ذكر أميركا... مصر قلقة من «التطورات الأخيرة» في إيران

لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)
لقاء بين وزير الخارجية المصري ونظيره الإيراني في إسطنبول السبت (الخارجية المصرية)

عبّرت مصر عن «قلقها البالغ» إزاء «التطورات الأخيرة» في إيران، ورغم إدانتها لما وصفته بـ«التصعيد المتسارع»، وتحذيرها من «عواقب خطيرة» على الأمن في المنطقة والعالم، عقب ضربات أميركية، الأحد، على منشآت نووية إيرانية، فإنه كان لافتاً أن القاهرة لم تذكر الولايات المتحدة بالاسم.

وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس بالضرورة ولا مطلوب تعريف ما هو معروف، فالبيان عبّر عن إدانة التصعيد، بعد القصف الأميركي، ومن ثم فالكل يعلم أن مصر تقصد ما قامت به واشنطن، وليس غيرها».

وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً، الأحد، قالت فيه إن مصر تعرب عن «قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في إيران، وتدين التصعيد المتسارع الذي ينذر بعواقب خطيرة على الأمن والسلم الإقليمي والدولي».

وحسب البيان، حذّرت مصر من «مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر»، مشددة على أن «الحلول السياسية والمفاوضات الدبلوماسية، وليس الحلّ العسكري، هي السبيل الوحيد نحو الخروج من الأزمة».

جاء ذلك بعدما نفّذت الولايات المتحدة، فجر الأحد، ضربة عسكرية خاطفة وناجحة بحسب الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد منشآت نووية ومواقع استراتيجية داخل إيران، في واحدة من أخطر مراحل التصعيد بين واشنطن وطهران منذ سنوات، بحسب المراقبين.

العلاقة بين القاهرة وواشنطن شهدت توتراً بسبب الخلاف بشأن حرب غزة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

ويرى الخبير المصري بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، أن «مصر لها علاقة تحالف استراتيجي قوية مع الولايات المتحدة، ومن الأساس حصلت توترات في تلك العلاقة خلال الفترة الماضية تتعلق بتباين موقفي البلدين بشأن الوضع في غزة ومسألة تهجير الفلسطينيين، ومن ثم مصر لم ترغب في إشارة بشكل واضح للولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة هي من قامت بالضربة على إيران، ما استدعى إصدار ذلك البيان».

وأضاف الشوبكي لـ«الشرق الأوسط»؛ مع ذلك فـ«الإشارة العامة والتعبير عن القلق البالغ من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر يظلان توجهات عامة لمصر، فهي عبّرت عن قلقها من الضربة، لكن لم تذكر الولايات المتحدة بالاسم حتى لا تحدث مواجهة مفتوحة ومزيد من التوتر في العلاقات مع البلدين».

وكانت الرئاسة المصرية أصدرت بياناً، مساء السبت، أعلنت فيه عن اتصال السيسي بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكان لافتاً في البيان أن السيسي أكّد رفض مصر للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، على عكس البيان الذي صدر عقب الضربة الأميركية، ولم يذكر الولايات المتحدة.

وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، كثّفت مصر من اتصالاتها الدبلوماسية لاحتواء الأزمة. وأعلنت الرئاسة المصرية، في بيان، الأحد، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجرى اتصالاً هاتفياً بالسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان، أكّد خلاله أهمية العمل على وقف التصعيد الجاري بين إسرائيل وإيران، محذراً من التبعات الجسيمة لتوسع دائرة الصراع في المنطقة، ومؤكداً ضرورة العودة لمائدة التفاوض حقناً للدماء.

وأشاد السيسي بالدور الذي تقوم به سلطنة عُمان للوساطة بين إيران والولايات المتحدة، مؤكداً ضرورة استعادة مسار المفاوضات وتعزيزه لتجنيب المنطقة ويلات الحرب، ومن جانبه ثمّن سلطان عُمان الجهود المصرية لوقف العنف بالمنطقة، مؤكداً حرص بلاده على العمل المشترك في هذا الإطار، وفق البيان المصري.

كما أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالين هاتفيين، مع الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، وعبد اللطيف بن راشد الزياني وزير خارجية البحرين، للتشاور والتنسيق بشأن التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.

ووفق بيان للخارجية المصرية، الأحد، جرى التأكيد على أهمية وقف التصعيد العسكري، ووقف إطلاق النار، وتغليب الحلول السياسية والدبلوماسية كسبيل وحيد للخروج من الأزمة الراهنة والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وضرورة العمل على تجنب انزلاق المنطقة إلى مزيد من الفوضى والتوتر، كما تم التأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

ويقول عضو الحزب الجمهوري الأميركي، توم حرب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرئيس المصري حريص على علاقته بالرئيس الأميركي ترمب». وأوضح أنه «في وجهة نظر واشنطن أن البيان المصري كان الأولى به أنه يوجه الإدانة لإيران، لأنها هي التي تهدد وهدّدت الأمن في المنطقة لعقود، ومصر نفسها تضررت من جماعة الحوثي في اليمن المدعومة من إيران، التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، ما أدّى إلى تضرر كبير لقناة السويس».

من جانبه، يرى الخبير في الشؤون الأميركية والدولية المقيم في نيويورك، محمد السطوحي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «البيان المصري واضح أنه يعبّر بدبلوماسية عن انزعاج ورفض للخطوة الأميركية، لكن الارتباط بأميركا ارتباط زمني فقط، لأنه جاء بعد الهجمات الأميركية مباشرة، بينما جاء تعبير (الإدانة) للتصعيد ومخاطره، دون إشارة واضحة للطرف المسؤول عن هذا التصعيد».

وأضاف: «في مثل هذه المواقف تحاول فيها البيانات الرسمية السير على خط رفيع، يؤكد على الموقف المبدئي دون استخدام لغة تستفز الطرف الأقوى في المعادلة، وبما يهدد المصالح المشتركة. وقد لاحظت أن المواقف السلبية من إيران انعكست في كثير من بيانات الدول التي اكتفت بالقلق والدعوة إلى وقف التصعيد، دون أي تضامن مع طهران، مع تفادى إثارة الغضب الأميركي الإسرائيلي».