​مركز دولي: الضربات الأميركية على الحوثيين تحول استراتيجي

تحذيرات من أزمة إنسانية حادة

مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
TT
20

​مركز دولي: الضربات الأميركية على الحوثيين تحول استراتيجي

مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)

وسط تحذيرات من أزمة إنسانية عميقة في اليمن، رأى مركز دولي مهتم بتتبع الصراعات العالمية أن الموجة الجديدة من الضربات الأميركية على الحوثيين تحول استراتيجي لجهة استهداف القادة واختيار أهداف ذات قيمة عالية وضرب مناطق جديدة.

وكانت القوات الأميركية شنت ضربات واسعة النطاق وقاتلة على أهداف للحوثيين في سبع محافظات يمنية هذا الأسبوع، في أول عمل عسكري ضد الجماعة منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه، وإعادة إدراج الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية.

الأهداف المعلنة للهجمات هي استعادة الردع وإضعاف قدرات الحوثيين على شن هجمات في البحر الأحمر، مع توجيه رسالة إلى النظام الإيراني، الذي يحمله ترمب مسؤولية إمداد الحوثيين بالأسلحة.

وقال لوكا نيفولا، كبير المحللين في «مركز بيانات مواقع الصراعات في العالم» والمختص بشؤون اليمن والخليج، إن هذه الموجة من الغارات الجوية، وتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية «يمثلان تحولاً في السياسة والاستراتيجية العسكرية الأميركية»، كما أكد ذلك مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، حيث اتبعت الغارات استراتيجية جماعية، مستهدفة قادة الحوثيين وأهدافاً ذات قيمة عالية.

مقاتلة تستعد للإقلاع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة تستعد للإقلاع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (الجيش الأميركي)

ووفق المركز، فإن ذلك التوجه تجلى في الغارات على المناطق الحضرية - مثل حي الجراف شمال صنعاء - مما أدى إلى عدد من الخسائر، حيث أفادت وزارة الصحة التابعة للحوثيين أن الغارات أسفرت عن مقتل 53 شخصاً وإصابة العشرات، متجاوزة بذلك إجمالي عدد القتلى المسجل في جميع الهجمات الأميركية والبريطانية السابقة مجتمعة، والبالغ 34 قتيلاً، منذ بداية أزمة البحر الأحمر.

وبحسب المركز وهو منظمة دولية مستقلة ومحايدة وغير ربحية تجمع بيانات عن الصراعات العنيفة والاحتجاجات في جميع دول العالم، فقد تم توسيع النطاق الجغرافي للضربات الأميركية الجديدة لتشمل مناطق ومحافظات لم تكن مستهدفة سابقاً، مثل الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين في محافظة مأرب.

نجاح محدود

يبين التقرير الدولي أن الجولات السابقة من الغارات الجوية الأميركية والبريطانية المشتركة التي بدأت في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، كانت تستهدف إضعاف قدرات الحوثيين من خلال ضربات مُخطط لها مسبقاً على الأصول العسكرية الثابتة والاستهداف الديناميكي لأنظمة الأسلحة المتحركة. وقد استمرت حتى عام 2025، وأكد أنها «لم تحقق سوى نجاح محدود».

ضربات أميركية على مواقع مختارة في العاصمة اليمنية صنعاء (إعلام محلي)
ضربات أميركية على مواقع مختارة في العاصمة اليمنية صنعاء (إعلام محلي)

وذكر تقرير المركز أنه وخلال الربع الأخير من عام 2024، تراجعت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر تدريجياً، مع تحول تركيز الجماعة نحو إسرائيل والسفن الحربية الأميركية، قبل أن تتوقف هجماتهم في نهاية المطاف في 19 يناير الماضي، تزامناً مع وقف إطلاق النار في غزة. وفي الوقت نفسه، توقفت الضربات الأميركية أيضاً.

ويذكر المركز أن دورة التصعيد الأخيرة بدأت بإعلان الحوثيين في 11 مارس (آذار) الحالي استئناف هجماتهم على إسرائيل بعد توقف إيصال المساعدات إلى غزة. ونبه إلى أنه وفي أعقاب الجولة الأخيرة من الغارات الجوية الأميركية، رد الحوثيون بهجمات في البحر الأحمر، استهدفت حاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان. ورجح أن يستمر هذا النمط من عمليات الانتقام المتبادلة في المستقبل القريب، «وأن يتفاقم مع انتهاء وقف إطلاق النار في غزة».

جرس إنذار

هذه التصورات لمسار المواجهة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي تزامنت مع دق منظمة «أطباء بلا حدود» ناقوس الخطر بشأن سوء التغذية في اليمن، حيث تتجاوز احتياجات السكان بكثير القدرة العلاجية الحالية، ورأت أن ذلك يُؤكّد على وجود أزمة إنسانية عميقة.

وبحسب تقرير للمنظمة، فإنه خلال الفترة من يناير 2022 وديسمبر (كانون الأول) 2024، عالجت المرافق التي تدعمها «أطباء بلا حدود» 35 ألفاً و442 طفلاً دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية في خمس محافظات، غالبيتها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين وهي عمران، وصعدة، وحجة، وتعز، والحديدة.

وبينت «أطباء بلا حدود» أن هذه الأرقام تعكس المعاناة المستمرة للأسر في توفير الغذاء والرعاية الصحية بعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، والتي تفاقمت بسبب تدهور اقتصاد البلاد. ونقلت عن حميدان محمد، رئيس عملياتها في الشرق الأوسط، قوله: «ليس هذا وقت الحلول الجزئية»، لأن الأطفال يصلون في حالة حرجة بشكل زائد، ولم يعد بإمكان الناس انتظار المساعدة التي لا تصل بالسرعة الكافية.

ملايين من الأطفال في اليمن يعانون سوء التغذية (إعلام محلي)
ملايين من الأطفال في اليمن يعانون سوء التغذية (إعلام محلي)

وحذّر المسؤول الدولي من أنه «إذا لم نتحرك الآن من خلال تعزيز برامج التغذية، وضمان توفير وسائل نقل بأسعار معقولة إلى المرافق الصحية، وتقريب الرعاية من المحتاجين، فإننا نُخاطر بموجة أكبر من سوء التغذية في الأشهر المقبلة».

وقال إنه وفي حين عززت «أطباء بلا حدود» قدرتها العلاجية، إلا أنها غير قادرة على تلبية جميع الاحتياجات. فكل موسم سنوي لسوء التغذية يثقل مرافقها بالأطفال المحتاجين للرعاية، ويعاني الكثير منهم أيضاً الحصبة والكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وبينت المنظمة أنه في سبتمبر (أيلول) الماضي، وخلال موسم الذروة السنوي لسوء التغذية، وصلت معدلات إشغال الأسرة في معظم المرافق الطبية التي تدعمها «أطباء بلا حدود» إلى مستويات مرتفعة للغاية. ففي مستشفى السلام بمحافظة عمران، ارتفع معدل إشغال الأسرة إلى 254 في المائة، وغالباً ما يُجبر موظفو الرعاية الصحية على تقديم الرعاية للمرضى في ممرات مزدحمة وأماكن مؤقتة.


مقالات ذات صلة

حملة ترمب على الحوثيين تنهي أسبوعها الخامس بأقسى الضربات

العالم العربي تدمير ميناء رأس عيسى في اليمن من قبل واشنطن يفقد الحوثيين عصبهم الاقتصادي (إ.ب.أ)

حملة ترمب على الحوثيين تنهي أسبوعها الخامس بأقسى الضربات

أنهى الجيش الأميركي الأسبوع الخامس من حملته ضد الحوثيين بتدمير ميناء رأس عيسى النفطي، شمال الحديدة على البحر الأحمر، مشدداً على أنه لا وقود إلى «الإرهابيين».

علي ربيع (عدن)
العالم العربي النيران تتصاعد بجوار المركبات المتفحمة بعد ضربة أميركية على ميناء رأس عيسى النفطي في اليمن (رويترز)

إيران تندد بالضربات الأميركية على الحوثيين... و«حماس» تصفها بـ«العدوان الغاشم»

ندَّدت إيران، اليوم (الجمعة)، بالضربات الأميركية «الهمجية» على ميناء نفطي يمني، التي أسفرت عن مقتل 58 شخصاً على الأقل، بحسب الحوثيين المدعومين من طهران.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مقاتلة تُقلع من فوق متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي) play-circle

الجيش الأميركي: تدمير ميناء رأس عيسى الخاضع لسيطرة «الحوثيين»

قال الجيش الأميركي إنه اتخذ قراراً بحرمان جماعة «الحوثي» اليمنية من «الإيرادات غير القانونية» من تداول الوقود عبر ميناء رأس عيسى عبر استهداف الميناء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - فلوريدا)
العالم العربي سيارة جرفتها السيول في أحد أرياف محافظة إب (إكس)

​الأمطار تنذر بتكرار مآسي الأعوام الماضية في اليمن

مع بداية موسم الأمطار أنذرت الأضرار التي شهدتها محافظة إب اليمنيين بمخاطر جديدة نتيجة تطرفات التغيرات المناخية التي يعد اليمن من أشد البلدان تأثراً بها.

محمد ناصر (تعز)
الخليج فريق تقييم الحوادث في اليمن يستعرض عدداً من الادعاءات خلال مؤتمر صحافي بالرياض (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» يفنّد 4 ادعاءات ضد «التحالف» في اليمن

فنّد «الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن» 4 ادعاءات موجّهة ضد «تحالف دعم الشرعية»، لحالات في محافظات صنعاء وصعدة وأبين، مستعرضاً مرفقات إحداثية وصور.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
TT
20

استهداف أميركي للحوثيين في خطوط التماس مع الجيش اليمني

3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)
3- دخان تسببت به غارة أميركية في العاصمة صنعاء (رويترز)

يضاعف الطيران العسكري الأميركي غاراته على تحصينات الحوثيين وتجمعاتهم في خطوط التماس مع القوات الحكومية، بالتزامن مع تكثيف الجماعة لزراعة الألغام في مدينة الحديدة ووسط التجمعات السكانية ترقباً لعملية عسكرية برية تتوقع أن تخطط القوات الحكومية لتنفيذها بالتنسيق مع الجيش الأميركي.

وعلى مدى 3 أيام استهدفت المقاتلات الأميركية بسلسلة من الغارات تحصينات الجماعة الحوثية وتجمعاتها على خطوط التماس في مناطق البقعة والسقف والغويرق جنوب وغرب مديرية التحيتا جنوبي محافظة الحديدة الساحلية الغربية، وسُمِع دوي انفجارات ضخمة عقب الغارات، في الوقت الذي كانت ترسل فيه الجماعة تعزيزات إضافية إلى خطوط التماس، وفق مصادر حكومية.

واستهدفت الغارات مراكز قيادة وسيطرة ومخازن أسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ واجتماعات لقيادات الجماعة في مديرية العبدية جنوبي محافظة مأرب (شرق العاصمة صنعاء)، إلى جانب استهداف مواقع تمركزها وتحصيناتها.

1- صورة نشرها الجيش الأميركي لاستهداف موقع حوثي في مجزر بمحافظة مأرب (سنتكوم)
1- صورة نشرها الجيش الأميركي لاستهداف موقع حوثي في مجزر بمحافظة مأرب (سنتكوم)

في الأطراف الشمالية للمحافظة بالقرب من محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء)، ومخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات في مركز الجوف ومنطقة اليتمة.

‏وذكرت مصادر يمنية أن الجماعة الحوثية نشرت أسلحة وذخائر متطورة في مديرية مجزر شمالي غرب محافظة مأرب وامتداداتها القريبة، واستطاعت منذ بدء سريان الهدنة الأممية، قبل 3 أعوام، تطوير شبكة أنفاق وتحصينات وإنشاء مخابئ لتخزين ونشر صواريخ باليستية وذخائر دفاع جوي وطائرات مسيرة.

كما عملت الجماعة على تأمين تموضع منصات ثابتة ومُتنقلة لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، أسفل الجبال والمرتفعات وفي الوديان، ونشرت أنظمة توجيه وتقنية مراقبة ومحطات اتصالات ورادارات.

2- لقطة من مقطع فيديو نشره ترمب لتجمع حوثي قبل استهدافه في محافظة الحديدة (إكس)
2- لقطة من مقطع فيديو نشره ترمب لتجمع حوثي قبل استهدافه في محافظة الحديدة (إكس)

أوردت منصة «ديفانس لاين» المعنية بالشؤون الأمنية والعسكرية في اليمن، عن مصادر، أن الحوثيين نقلوا خلال الفترة الماضية قطعاً حربية وأسلحة ثقيلة، تضم دبابات ومدفعية، ومعدات أشغال عسكرية إلى خطوط التماس، ضمن استعداداتهم لجولات جديدة من الحرب، والسعي للسيطرة على مدينة مأرب، مركز ثقل الحكومة الشرعية وتمركز القوات، والوصول إلى مناطق إنتاج الغاز والنفط شرق المدينة.

وبحسب هذه المصادر، استخدمت الجماعة مديرية مجزر ومناطق قريبة منها لإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة بعيدة المدى باتجاه البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، واستفادت من المساحات الصحراوية والوديان في تنفيذ مثل هذه العمليات، وتحصنت في المغارات والكهوف وعبثت بالمواقع الأثرية الواسعة في منطقة براقش، أثناء تخزين الأسلحة والذخائر فيها.

ألغام ورقابة

يأتي هذا التحول في طبيعة الأهداف التي اختارها الجيش الأميركي متزامناً مع تأكيد مصادر حكومية أن الجماعة الحوثية شرعت في زراعة الألغام في مدينة الحديدة وفي محيط موانئها، مبررة ذلك بوجود خطة حكومية لمهاجمة المدينة وانتزاعها من سيطرتهم باستغلال الضربات الأميركية.

4- أسلحة متطورة تستخدم في ضرب مخابئ الحوثيين (سنتكوم)
4- أسلحة متطورة تستخدم في ضرب مخابئ الحوثيين (سنتكوم)

وبينت المصادر أن إعادة زراعة الألغام وسط التجمعات السكانية وبالقرب من المنشآت الاقتصادية المدنية يجري تحت علم بعثة المراقبة الأممية في المحافظة، وبعد جهود كبيرة بذلت طوال السنوات الماضية لانتزاع الألغام التي تمت زراعتها في السابق.

وعلى الرغم من مرور 3 أعوام على الهدنة وانحسار العمليات القتالية الكبرى؛ فإنها أخفقت في وضع حدّ للخسائر البشرية بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التي زرعها الحوثيون بكثافة وعشوائية في أغلب المناطق التي وصلوا إليها أو سيطروا عليها، بما في ذلك المنازل والمزارع؛ خصوصاً في محافظة الحديدة التي وصلت القوات الحكومية إلى قرب مينائها الرئيسي في عام 2018.

وطبقاً لمركز التعامل مع الألغام في اليمن، يحتل هذا البلد المرتبة الثالثة عالمياً من حيث أعداد ضحايا الألغام، التي بلغت 9500 ضحية من المدنيين منذ مارس (آذار) 2015م، جُلهم من النساء والأطفال، بينما يعاني أغلب الناجين من الألغام من إعاقات مختلفة، خاصة بتر الأطراف، ويحتاجون إلى رعاية شاملة ومستدامة.

5- أحد ضحايا الألغام الحوثية في محافظة الحديدة (إعلام محلي)
5- أحد ضحايا الألغام الحوثية في محافظة الحديدة (إعلام محلي)

وأصدرت الجماعة الحوثية تعميماً يحظر على المحال التجارية في العاصمة صنعاء، ربط كاميرات المراقبة بالأجهزة المتصلة بالإنترنت، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب، ووجهت أقسام الشرطة بتحذير أصحاب المحال من خرق هذا القرار، وتوعدت بمعاقبة مَن يخالف ذلك.

ويأتي هذا الإجراء بعد منع السكان من الحديث عبر الهاتف أو الرسائل النصية أو عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي عن المواقع التي استهدفتها الضربات الأميركية، أو أعداد الضحايا، زاعمة أن ذلك يوفر للجانب الأميركي معلومات تساعده على ملاحقة المطلوبين ومعرفة أقاربهم وتتبع تحركاتهم.