يشكو عماد محمود (اسم مستعار)، وهو موظف على مشارف الستين، ويعمل في هيئة الضرائب المصرية، من نقص الموظفين في إدارته، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نحو 10 أعوام والموظف الذي يتقاعد لا يُعيّن غيره، كل ما يحدث انتداب من إدارات أخرى، على فترات طويلة، ما يحمّلنا أعباء إضافية».
وتتبنَّى الحكومة منذ 2014 خطة لإصلاح الجهاز الإداري، تقوم على ترشيقه من «الموظفين الزائدين على الحاجة» و«توظيف التكنولوجيا»، ما أدَّى إلى تراجع التعيينات، وارتفاع متوسط أعمار الموظفين.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو (أيار) من عام 2018، إن الجهاز الإداري به 6 أو 7 ملايين موظف، في حين الحاجة الفعلية لمليون فقط، لكن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قدَّر أعدادهم حتى عام 2017 بنحو 5 ملايين موظف. وفي عام 2022، قال رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، إن الدولة لا تحتاج سوى 30 في المائة من الهيكل الإداري الموجود حالياً.
ويخرج نحو 16 ألف موظف على المعاش كل شهر، وفق تقدير مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء عام 2017، الذي يُشير كذلك إلى أن نحو مليون شخص يتقاعدون كل 5 سنوات، وعدد الموظفين المتقاعدين يتراوح بين 170 و200 ألف سنوياً.
نقص الموظفين
ويشكو الموظف الخمسيني في إدارة حي العمرانية (جنوب العاصمة) أحمد إبراهيم، من عبء «زيادة حمل العمل» بسبب نقص الموظفين، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «بعض المناصب العليا تشهد فراغاً، ويجري التعيين فيها بعقود مؤقتة».
وينتقد وزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، خطة الإصلاح الإداري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن حديث الحكومة عن التطوير «يفتقد الرؤية»، مستشهداً بقطاع التعليم الذي يبلغ «عدد العاملين فيه من مدرسين وفنيين وموظفين قرابة المليونين، ومع ذلك يوجد عجز شديد في المدرسين».
ويبلغ عجز المدرسين 665 ألف معلم، وفق تصريحات لوزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. وقدّرت وزيرة التخطيط السابقة الدكتورة هالة السعيد عدد العاملين في القطاع بنحو 1.8 مليون موظف من بين 5.4 مليون موظف في الدولة.
وأضاف أبو عيطة: «كل القطاعات تشكو قلة العمالة، مَن يخرج على المعاش تُحمَّل أعماله على آخرين، لدرجة أن هناك قطاعات يقوم الموظف الواحد بدور 10 موظفين».
ولا ترى النائبة في لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب (البرلمان) مرفت الكسان، أزمة في تناقص عدد الموظفين، قائلة لـ«الشرق الأوسط»، هناك آليات للتعامل مع ذلك، ترفع كل وزارة ما تحتاج إليه من وظائف إلى مجلس الوزراء، ويُعين الأنسب بعقود مؤقتة ضمن خطة الحكومة للتقشف.
وتُعد مرفت الكسان أن إصلاح الجهاز الإداري ضرورة للتخلُّص من «البيروقراطية المعوقة للتنمية والإصلاح»، لكنها أكدت أن الخطة تحتاج إلى وقت، خصوصاً أن «الحكومة لم تكن لتتخلص من الموظفين لتخفيف عبئهم المادي، وجرى الاعتماد بدلاً من ذلك على آلية خروجهم على المعاش بشكل طبيعي».
ويبلغ الإنفاق الحكومي على الأجور وفق الموازنة العامة للدولة (2024 – 2025) 575 مليار جنيه (الدولار يساوي 50.55 جنيه).
وتشهد مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات، دفعت الحكومة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي للاقتراض في عام 2016، ثم في 2023. وبلغت نسبة التضخم في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة.
ويُشيد خبير التنمية والاستثمار الدكتور محمد أبو سريع، بجهود الحكومة «الجادة» في تحسين الجهاز الإداري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن بعض الموظفين يقاومونها لأنها ستقضي على الفساد، ومن ثم ستعوق مصالح مَن يحصلون على إكراميات أو رشى».
وأقرت وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، وجود فساد في المحليات، قائلة في تصريحات تلفزيونية في 22 فبراير (شباط) الحالي، بأن «المراكز التكنولوجية قللت من تعامل الموظف مع الجمهور، وهذا بدوره يقلل الفساد».
التعيينات الجديدة
مقابل كثرة الخارجين على المعاش، بات نادراً إيجاد فرصة للالتحاق بالعمل الحكومي. ويرى خبير التنمية المحلية، حمدي عرفة، أن ذلك يعوق خطة الإصلاح.
ويُحال الموظف إلى المعاش عند بلوغه سن الـ60، وفق قانون «الخدمة المدنية» الذي فتح باباً لخروج الموظف على المعاش مبكراً لدى بلوغه الخمسين عاماً. وعلَّق عرفة لـ«الشرق الأوسط» مع ذلك بالقول إن «التخلص من شيخوخة الإدارة لا يستقيم دون ضخ دماء جديدة».
ودعا رجل الأعمال، أحمد عز، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحكومة إلى فتح التعيينات للاستفادة من خريجي «الجامعات الأجنبية»، لكن عرفة يرى أن الوظائف الحكومية غير جاذبة لهم، في ظل تدني الرواتب، ونقص التقديمات.
وتقول الحكومة إنها تمكَّنت مؤخراً من تحسين مستويات «النزاهة» و«الشفافية» في عملية التعيين، وفق رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة صالح الشيخ، موضحاً في حوار تلفزيوني مارس (آذار) 2024، أن اختيار الموظفين الجُدد يتم بشكل آلي بناءً على نتائج امتحانات إلكترونية لقياس قدراتهم. وتهدف الحكومة بذلك إلى أن يصبح الجهاز الإداري «كفؤاً، ويعلي من رضا المواطن».
التكنولوجيا والميكنة
شق آخر في عملية التحديث يقوم على تغيير الصورة النمطية عن المصالح الحكومية، من مبانٍ قديمة ومكاتب متهالكة، وحواسيب تجاوزها الزمن.
وانتقلت معظم الوزارات إلى «الحي الحكومي» بالعاصمة الإدارية الجديدة الذي بلغت تكلفة إنشائه 55 مليار جنيه، وفق رئيس شركة «العاصمة» السابق زكي عابدين. وقدّر مدبولي عدد الموظفين المنقولين حتى يناير (كانون الثاني) الماضي بـ50 ألف موظف.
وتعدّ النائبة مرفت الكسان، أن الحي الحكومي نواة التطوير الرئيسية للجهاز الإداري. وسبق أن صرحت وزيرة التخطيط السابقة هالة السعيد، عام 2019، بأن «الحكومة مش بتعزِّل (تنتقل)، والانتقال للعاصمة بفكر مختلف وعناصر أكثر كفاءة».
وإلى جانب العاصمة، يثني الدكتور أبو سريع، على ميكنة الخدمات في مصر، قائلًا: «إن ما ينقصها إطلاقها (أون لاين)». لكن المحامي سامح سمير، يواجه مشكلات «بيروقراطية» في ذلك أيضاً، قائلًا لـ«الشرق الأوسط» إن ميكنة الخدمات «لم تختصر خطوات بل زادتها».
وأوضح سمير: «بدلاً من الذهاب للموظف المختص وإنهاء أوراق إشهار شركة ما، أقوم بإدخال كل البيانات إلكترونياً على موقع يتعرض لسقوط السيستم، وبعد ذلك أذهب للموظف لتقديم نسخة من الأوراق المرفوعة إلكترونياً». وفيما يتعلق بالعاصمة الإدارية، يقول إنه يتجنّب قبول أي عمل سيضطره إلى الذهاب إليها، نظراً لبُعد المسافة (نحو 60 كيلومتراً عن وسط القاهرة).