قصد عوض ثابت (60 عاماً) مركزاً صغيراً لصيانة الكمبيوتر في منطقته الشعبية العمرانية بمحافظة الجيزة؛ لمساعدته في حجز موعد للتأمين الصحي عبر الإنترنت، لانقطاع أي صلة له بالتكنولوجيا، حتى الهاتف الذي يحمله لا يدعم دخول الإنترنت، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «كلما احتجت تقديم شكوى أو شيء له صلة بالكمبيوتر آتي إلى هنا».
يعتبر الستيني واحداً ضمن كثيرين يعانون من الأمية التكنولوجية، ما يجعلهم أحد المعوقات التي تصطدم بالتوجه المصري الطموح لرقمنة الخدمات الحكومية عبر منصة «مصر الرقمية» التي افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي بعض مشروعاتها قبل نحو 3 سنوات.
ومؤخراً، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن توجه حكومي للإسراع في قصر إتاحة بعض الخدمات على الإنترنت، قائلاً خلال مؤتمر صحافي في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي: «منصة (مصر الرقمية) تشمل أكثر من 200 خدمة... هناك وعي من المواطن أن تلك الخدمات موجودة على الإنترنت، ووجهت الوزراء تحديداً وزير الاتصالات، على اختيار بعض الخدمات التي سيكون لها تاريخ معين، لا يكون تقديمها متاحاً إلا من خلال المنصة».

وتتنوع الخدمات التي تتيحها منصة «مصر الرقمية» بين استخراج وثائق رسمية مثل شهادة ميلاد، أو بطاقة رقم قومي، وتقديم طلبات خدمية تتصل بنظام الدعم «التموين»، أو «المرور»، وغيرهما. لكن «بعض الخدمات لا يزال المواطن يحرص على الحصول عليها بشكل مباشر من خلال التوجه إلى الجهة المعنية»، حسب المتحدث باسم الحكومة محمد الحمصاني.
ويرى الحمصاني، خلال تصريحات تلفزيونية الثلاثاء، أن «هناك حاجة لتشجيع المواطنين على الإقبال على خدمات منصة (مصر الرقمية)، سواء عبر توعيتهم بالخدمات التي تقدمها لأن هناك مواطنين ما زالوا ليسوا على دراية كاملة بها، أو من خلال البدء التدريجي بالاكتفاء ببعض الخدمات عبر منصة (مصر الرقمية) في إطار دعم التحول الرقمي».
ويثمن الخبير في التكنولوجيا وأمن المعلومات، محمود فرج، التوجه الرسمي لمواكبة التطور عبر الرقمنة، لكنه حذر في الوقت نفسه من التسرع في ذلك قبل التأكد من «جاهزية البنية التحتية المعلوماتية»، أو دون الوضع في الاعتبار فئات تعجز عن التعامل مع الإنترنت.
الأمية التكنولوجية
لا توجد إحصائية رسمية بعدد من يعانون من «الأمية التكنولوجية» في مصر، بينما بلغت نسبة الأمية بالقراءة والكتابة نحو 16 في المائة ممن تتزايد أعمارهم عن 10 سنوات في العام 2024، وفق ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ومع هذه النسب من الأمية، بات تقديم «الخدمات الإلكترونية» عبر مكاتب خاصة بمقابل من الأمور الشائعة في كثير من المكتبات، ومراكز الحاسب الآلي، سواء في المدن، أو القرى. يقوم العاملون باستقبال الجماهير لمساعدتهم في التسجيل بخدمة ما بمقابل مادي، ما يعرض بعضهم للوقوع في أيدي «محتالين»، أو «تتعرض بيناتهم للسرقة»، وفق الخبير في التكنولوجيا وأمن المعلومات محمود فرج.
وطالب فرج بتوفير بدائل آمنة لهذه الفئات بمراكز تابعة للحكومة تقدم هذه الخدمات، قائلاً: «بعض الفئات من كبار السن لا يستطيعون إتمام عملية على ماكينات الصرافة بمفردهم، حتى نتوقع منهم ما هو أكثر».

الثلاثيني شريف علي، صاحب مركز كمبيوتر يقدم خدمات رقمية، وهو نفسه الذي يقصده الستيني عوض ثابت، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيرين غير عوض يلجأون إليه، سواء للتقديم على مشاريع تطرحها الدولة مثل الإسكان الاجتماعي، أو للتقديم لأبنائهم في المدارس، أو لخدمات أبسط مثل الحصول على موعد في التأمين الصحي».
وأشار إلى أن زبائنه ليسوا فقط من الأميين، إذ يقصده بعض المتعلمين، لكنهم لا يجيدون استخدام الإنترنت، أو يجدون صعوبة في التعامل مع المواقع الرسمية، في ظل أزمة «سقوط السيستم» عند التقديم، ما يجعله يعيد المحاولة مرات عديدة.
البنية التحتية
وتعد أزمة «سقوط السيستم» جزءاً من أزمة «البنية التحتية المعلوماتية»، وفق فرج، قائلاً: «رغم التطور اللافت في هذه البنية، ومحاولات الحكومة المستمرة لتحسينها، لا تزال غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة التي قد يستخدمونها في نفس الوقت ما يعرضها للسقوط».
وشهدت الخدمات المصرية حالة من «الشلل» المؤقت لساعات عقب حريق سنترال رمسيس في يوليو (تموز) الماضي، حيث تعطلت الخدمات البنكية، وشبكات الاتصالات، والإنترنت، والمطارات.
وشدد الخبير في التكنولوجيا على أن «تعميم رقمنة الخدمات الحكومية لا بد أن يسبقه التأكد من قدرة البنية التحتية على استيعاب من سيستخدمون هذه الخدمات».

التكلفة
تحدٍ آخر في توجه الدولة لـ«الرقمنة» يتمثل في «التكلفة»، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة بعض الخدمات الإلكترونية مقارنة بالتقليدية، بخلاف تكلفة إضافية في «الوسطاء» ممن يلجأ إليهم الأميون. وتتراوح أسعار الخدمات التي تقدمها المكتبات بين 10 جنيهات (الدولار نحو 47 جنيهاً) حتى 150 جنيهاً.
يلاحظ صاحب مركز الكمبيوتر عبء هذه الخدمات على بعض من يقصدونه من البسطاء، فيقرر مساعدتهم من دون الحصول على مقابل.
وبوجه عام انتقد الخبير في التكنولوجيا الأعباء الإضافية للخدمات الإلكترونية، رغم أن التحول لـ«الرقمنة» من المفترض أن يقلل تكلفة الخدمة لا أن يزيدها.
وأوضح: «المؤسسات الحكومية التي تعتمد على الطرق التقليدية كانت تتحمل الكثير من النفقات في الطباعة، والحبر، والورق، ومع الرقمنة تقل تكلفة كل ذلك، فمن المنطقي أن تكون قيمة الخدمة الإلكترونية أقل، لكن ما يحدث أنها تكون أكبر في كثير من الأحيان، كما تحتاج إلى وجود وسيلة دفع إلكتروني، وهي ميزة لا تكون عند كل المواطنين».




