سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

ملايين اليمنيين معتمدون على المساعدات الإنسانية

البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
TT

سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)

تزداد مخاوف السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء يوماً بعد آخر من التدهور المستمر والحاد للأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنية جراء مواصلة جماعة الحوثيين تصعيدها العسكري في الجبهات وشن هجماتها المتكررة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، إضافة إلى استمرار التصعيد المتبادل بين الجماعة وإسرائيل.

ويخشى السكان من أن يؤدي التصعيد المستمر بين الغرب وإسرائيل من جهة، والجماعة الحوثية المدعومة من إيران من جهة أخرى إلى مزيد من المعاناة، خصوصاً وأن الملايين من اليمنيين يعيشون منذ سنوات عدة حالة من البؤس جراء ما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية من تدهور حاد جراء الانقلاب والحرب واستمرار سياسات الفساد الحوثية وأعمال النهب والتجويع.

ومنذ بدء الضربات الأميركية والبريطانية وما لحقها من ضربات إسرائيلية وتهديدات تل أبيب للحوثيين بردٍ أوسع، يعيش اليمنيون في صنعاء حالة من الترقب والقلق والخوف؛ خشية حدوث دمار مُشابه لما حدث في لبنان وقطاع غزة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وأكد سكان في المدينة الخاضعة للحوثيين لـ«الشرق الأوسط» رفضهم القاطع السلوك الحوثي الذي يستدعي الضربات العسكرية لاستهداف ما تبقى من المنشآت الحيوية لليمن دون اكتراث لمعاناتهم، حيث يعانون صعوبة العيش، وغلاء الأسعار، وفساد الجماعة، وانقطاع الرواتب، وتدهور الحالة الأمنية والاقتصادية وتفشي البطالة.

ويرافق هذه المعاناة التي يعيشها سكان صنعاء حالة من الاستياء والغضب جراء التجاهل الحوثي المتعمد للأوضاع الإنسانية المتدهورة وانشغال الجماعة بمواصلة التصعيد العسكري على كل الاتجاهات وتحشيد السكان من مختلف الأعمار للتجنيد والتعبئة العسكرية.

وفي حين وصف السكان في صنعاء الضربات الإسرائيلية والغربية على مدينتهم ومدن أخرى بأنها «اعتداءات سافرة وانتهاك صارخ للسيادة وتدمير لما تبقى من مقدرات البلاد»، يؤكدون في الوقت نفسه أن المدنيين البسطاء هم من يدفع الثمن الأكبر للتصعيدات العسكرية الحالية، وكذا الحرب التي سبق وأن أشعلتها الجماعة الحوثية منذ انقلابها التوافق الانتقالي في اليمن.

استغلال مستمر

يتحدث حمدي، وهو اسم مستعار لموظف حكومي بصنعاء، عن حالة من السخط والغضب الشعبي الواسع نتيجة السلوك الحوثي المتجه نحو مزيد من التصعيد والحرب، وتدمير ما تبقى من مقومات الاقتصاد اليمني.

ويقول: «بينما كنا ننتظر بفارغ الصبر مع دخول العام الميلادي الجديد سماع أخبار تُبشّـر بالخير وبالتوصل لحل سياسي يُنهي المعاناة، فاجأتنا الجماعة الحوثية بمزيد من التصعيد الذي استدعى الضربات العسكرية واستغلال ذلك لمواصلة استهداف السكان ونهب أموالهم وتجنيدهم قسرياً».

بائع متجول يعرض ملابس شتوية مستعملة للبيع في صنعاء (إ.ب.أ)

ويتساءل حمدي قائلاً: «كيف نستطيع إقناع الجماعة الحوثية التي تسعى لتعقيد مسار السلام وإطالة أمد الحرب بأننا كـيمنيين مللنا من الصراع ومن أجواء الرعب والموت والدمار والمعاناة على مدى السنوات الماضية».

ويؤكد أن الأغلبية العظمى من اليمنيين في صنعاء وغيرها من المدن يطمحون دائماً إلى السلام وصرف المرتبات وعودة الخدمات الأساسية كافة إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب والحرب وإنهاء كل أشكال التعسف بحقهم.

تبعات الحرب

مع توالي الضربات الإسرائيلية والغربية على صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين، يشير عبد الله، وهو مالك محل تجاري في صنعاء، إلى أنه لم يعد بمقدوره وكثير من السكان تحمل تبعات أي حرب مقبله لأنهم باتوا عاجزين تماماً عن تأمين العيش لأطفالهم بسبب الأوضاع البائسة التي خلفها الانقلاب والحرب المستمرة.

ويؤكد أن الضربات الأخيرة على مبنى وزارة الدفاع ومجمع العرضي في صنعاء قد ألحقت بمتجره الخاص ببيع الأواني المنزلية أضراراً بالغة؛ لكون أغلبيتها مصنوعة من الزجاج والفخار وتعرَّضت للكسر بفعل ذلك.

شخص يتسوق الملابس الشتوية المستعملة في إحدى أسواق مدينة صنعاء القديمة (إ.ب.أ)

ويأمل مالك المتجر أن ينجح المجتمع الدولي في ممارسة الضغط على قادة الجماعة الحوثية لإرغامهم على وقف كل أشكال التصعيد التي قد تجر اليمن واليمنيين إلى مزيد من الفوضى والمعاناة الإنسانية.

وتأتي مخاوف سكان صنعاء في وقت تحذّر فيه المنظمات الإغاثية الدولية من تأثيرات إنسانية كبيرة على اليمن جراء استمرار التصعيد العسكري.

وفي أحدث بيان له، حذّر برنامج الغذاء العالمي من أن وضع الأمن الغذائي في اليمن بات مثيراً للقلق على نحو خطير، كاشفاً عن معاناة وصعوبات كبيرة يواجهها نحو 61 في المائة من الأسر اليمنية التي شملها آخر استطلاع أثناء الوصول إلى الغذاء الكافي.

وذكر أن التحديات الاقتصادية ونقص التمويل وتعليق المساعدات الغذائية في معظم المناطق تحت سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى ندرة الأنشطة المدرّة للدخل، كانت العوامل الرئيسية وراء هذا الوضع المقلق.


مقالات ذات صلة

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

العالم العربي مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال لتمويل احتفالاتها بما تسميه «جمعة رجب».

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

بعد مصادرة أرباح الودائع أطلقت الجماعة الحوثية وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين في البنوك على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال 17 عاماً

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي عنصر حوثي يحمل مجسماً لصاروخ وهمي في صنعاء خلال تجمع لأتباع الجماعة (أ.ف.ب)

الحوثيون يتبنون أولى هجمات السنة الجديدة باتجاه إسرائيل

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران أولى هجماتها في السنة الميلادية الجديدة باتجاه إسرائيل، الجمعة استمرارا لتصعيدها الذي تزعم أنه يأتي لمناصرة الفلسطينيين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اعتراض قارب يقل 130 مهاجراً في سواحل محافظة لحج اليمنية (إعلام حكومي)

مئات المهاجرين الأفارقة يتدفقون إلى اليمن رغم تشديد الأمن

بدأ العام الجديد أيامه بتدفق المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي الذين وصلوا إلى سواحل اليمن على متن قوارب متهالكة استقلوها من سواحل جيبوتي والصومال.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي طائرة أميركية مسيّرة من طراز «إم كيو-9» (أ.ب)

الحوثيون يتبنّون إسقاط مسيّرة أميركية غداة ضربات في صنعاء

غداة ضربات نفذها الجيش الأميركي استهدفت مرافق عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء، تبنّت الجماعة الموالية لإيران، الأربعاء، إسقاط طائرة أميركية من دون طيار.

علي ربيع (عدن)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».