الحوثيون يشكلون هياكل إدارية جديدة لتعزيز قبضتهم الانقلابية

إلغاء «الشؤون القانونية»... واستحداث مكتب بديل في مجلس الحكم

بعد عام من إعلان زعيم الحوثيين التغييرات الجذرية بدأت إجراءات لتغيير الهيكل الإداري للدولة اليمنية (غيتي)
بعد عام من إعلان زعيم الحوثيين التغييرات الجذرية بدأت إجراءات لتغيير الهيكل الإداري للدولة اليمنية (غيتي)
TT

الحوثيون يشكلون هياكل إدارية جديدة لتعزيز قبضتهم الانقلابية

بعد عام من إعلان زعيم الحوثيين التغييرات الجذرية بدأت إجراءات لتغيير الهيكل الإداري للدولة اليمنية (غيتي)
بعد عام من إعلان زعيم الحوثيين التغييرات الجذرية بدأت إجراءات لتغيير الهيكل الإداري للدولة اليمنية (غيتي)

تحت مسمى «التغييرات الجذرية»، تسعى الجماعة الحوثية لاستكمال السيطرة المطلقة على الجهاز الإداري للدولة اليمنية في مناطق سيطرتها، حيث تعمل حالياً على استحداث قوانين، وإجراء تعديلات تشريعية عميقة بالتزامن مع طرد مَن تبقّى من كوادر وموظفي مؤسسات الدولة، وإحلال عناصرها والموالين لها.

وألغت الجماعة الحوثية وزارة الشؤون القانونية من حكومتها الانقلابية الجديدة المعلنة خلال الشهر الماضي، برئاسة أحمد الرهوي، واستبدلت بها مكتباً قانونياً يتبع المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) بعد أن قلّصت عدد الوزارات من 32 وزارة إلى 19 وزارة.

من خلال مسمى «التغييرات الجذرية» يزيد الحوثيون من سيطرة ونفوذ أخطر أجنحتهم (أ.ف.ب)

وتعتزم الجماعة، وفق مصادر مطلعة، استحداث هيئات وإدارات جديدة، وتغيير هيكل معظم الوزارات والقطاعات في مناطق سيطرتها، مع إعداد قوائم بأتباعها وأنصارها الذين سيتم تعيينهم أو إحلالهم بدلاً عن الموظفين السابقين.

وبدأت الجماعة بالفعل إجراءات إحلال لشاغلي عدد من المناصب في بعض المؤسسات والقطاعات التي لا تعتزم الجماعة تغيير هيكلها الإداري، أو في الوزارات التي تم الحفاظ على مسماها وشكلها، دون تغيير أو دمج مع وزارات أخرى.

وأصدر القيادي مهدي المشاط رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي) قراراً بإنشاء ما تمت تسميته «المكتب القانوني للدولة»، الذي يتبع، بموجب القرار، رئاسة المجلس.

وعدّ مسؤولون، عملوا في وزارة الشؤون القانونية قبل الانقلاب الحوثي ومصادر برلمانية في صنعاء، هذه الخطوة إجراءً يهدف لمنح المجلس نفسه صلاحيات الحكومة التي يتم تحويلها إلى واجهة دون مهام حقيقية، وتجريدها من صلاحية إعداد التشريعات والقوانين.

تناقض المهام

بحسب المسؤولين في وزارة الشؤون القانونية والمصادر البرلمانية، الذين طلبوا من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناتهم حفاظاً على سلامتهم، فإن مهمة إعداد القوانين والتشريعات المختلفة، ستصبح من اختصاص مجلس الحكم الحوثي، الذي يسيطر عليه ويديره أحد أخطر الأجنحة الحوثية، ما ينذر بسلب البرلمان غير الشرعي الخاضع للجماعة في صنعاء صلاحياته المتعلقة بمناقشة وإصدار القوانين مستقبلاً.

ويأتي هذا القرار متناقضاً مع برنامج الحكومة الحوثية، الذي تم إقراره ونال ثقة البرلمان الذي تسيطر عليه الجماعة، والذي نصّ في أحد بنوده على تفعيل أدوارها القانونية، ودعمها لبرامج الرقابة والتوعية القانونية؛ للحد من الفساد وحماية المال العام، ودراسة التعارض بين القوانين أو بينها ولوائحها التنفيذية، وتفعيل العلاقة مع البرلمان.

محمد علي الحوثي يدير عدداً من الكيانات الموازية لمؤسسات الدولة ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية (إ.ب.أ)

ومن مهام الوزارة، التي أقرّ برنامج الحكومة الحوثية التركيز عليها، معالجة حالات الإحالة للتقاعد لمَن بلغ أحد الأجلين (بلوغ 65 عاماً أو الخدمة لمدة 35 عاماً) من الموظفين، ودراسة جوانبها كافة بما يتلاءم مع ظروف الحرب، وهو ما فسّرته المصادر بنوايا استخدام التقاعد لإقصاء كوادر الجهاز الإداري للدولة وإحلال أتباع الجماعة.

وتتوقّع المصادر أن يتم استخدام التقاعد بالتعسف والاحتيال لإبعاد كوادر وموظفي الدولة وأصحاب الخبرات ممَّن لم يعلنوا ولاءهم للجماعة، أو مَن لا يمثلون فائدة لها، حتى وإن اضطروا لموالاتها حفاظاً على مصادر دخلهم.

كما يتناقض قرار إنشاء المكتب القانوني، الذي يتبع مجلس الحكم الحوثي، مع إعلان الحكومة الانقلابية عزمها اتخاذ كثير من الإجراءات التي تشمل إصدار القوانين واللوائح للوزارات والمؤسسات.

إجراءات رجعية

تصف المصادر القانونية والبرلمانية هذه الإجراءات الحوثية بـ«الرجعية»، نظراً لكونها تمثل «اعتداءً» على مبدأ الفصل بين السلطات، وتجرّد الحكومة من مهامها، وتختصر مهام وزارة كاملة في مكتب تابع لمجلس الحكم، على عكس المتعارف عليه في بناء الدولة، حيث تتطور المكاتب والأقسام إلى إدارات، ثم إلى قطاعات، وهيئات، ومؤسسات، ووزارات.

وتوقّعت أن تكون هذه الإجراءات ضمن مخطط يهدف إلى إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات تماماً، وتحويل البرلمان الخاضع للجماعة والحكومة غير المعترف بها إلى مؤسسات شكلية دون مهام حقيقية، وتعزيز السلطة في قبضة قيادة الجماعة.

مقر وزارة الشؤون القانونية التي ألغاها الحوثيون من حكومتهم المعلنة أخيراً (فيسبوك)

وتوضح المصادر، أنه وعلى الرغم من السيطرة الحوثية التامة على مؤسسات الدولة في مناطق سيطرتها بما فيها البرلمان، وتجيير أنشطتها ومهامها لصالح مشروع الجماعة؛ فإنها لا تكتفي بذلك، وتسعى إلى تغيير شكل ومضمون الدولة ومؤسساتها؛ لإسقاطها من الذهنية الجمعية لليمنيين.

وتمثل هذه الإجراءات، طبقاً للمصادر، سعياً حثيثاً لإلغاء النظام الجمهوري، واستعادة نظام الحكم الإمامي السابق للثورة اليمنية التي نشأت بموجبها الجمهورية، غير أن الجماعة الحوثية ستحتفظ بمسمى وشكل الدولة الحاليَّين، لكنها في موازاة ذلك تجرف مضمونها تماماً.

كما تتوقّع المصادر إحداث تغييرات أخرى في شكل وتركيبة الأجهزة القضائية، وإصدار مجموعة من القوانين التي تعزز من سيطرة الجماعة على المجتمع، والرقابة على أفراده وتنظيماته السياسية والاجتماعية، والحركتين التجارية والاقتصادية.

ورجّحت أن يكون سبب تأخير تشكيل الحكومة والبدء بهذه الإجراءات لنحو عام منذ إعلان إقالة الحكومة الانقلابية السابقة، والبدء بما سُميت «التغييرات الجذرية»، هو التحضير والإعداد لها، ودراسة تبعاتها، واحتواء ما قد ينجم عنها بسبب الصراعات بين الأجنحة.


مقالات ذات صلة

سائقو الشاحنات في اليمن يشكون تهالك الطرق ويهددون بالإضراب

العالم العربي شاحنة نقل ثقيل تعرضت للانقلاب في خط الحديدة - إب (الشرق الأوسط)

سائقو الشاحنات في اليمن يشكون تهالك الطرق ويهددون بالإضراب

هدد العشرات من العاملين اليمنيين في قطاع النقل الثقيل في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثيين بتنفيذ إضراب شامل احتجاجاً على التدهور الحاد في الطرق وغياب الصيانة

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي نازحة يمنية مع أطفالها في رحلة كفاح مريرة من أجل العيش (الأمم المتحدة)

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

يحكي النازحون اليمنيون إلى الساحل الغربي هرباً من جحيم الحرب التي فجَّرها الحوثيون قصصاً مؤلمة، وسط تصاعد احتياجاتهم الإنسانية المختلفة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي ناقلة النفط «بلو لاجون 1» تعرضت لهجوم حوثي في البحر الأحمر (رويترز)

هجمات حوثية تصيب سفينتين في البحر الأحمر دون خسائر بشرية

تعرضت ناقلة نفط وسفينة تجارية في جنوب البحر الأحمر لهجمات يعتقد مسؤولية الحوثيين عنها دون تسجيل خسائر بشرية، فيما انتقد وزير يمني التساهل الدولي مع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي فاقمت السيول والأمطار معاناة آلاف الأسر اليمنية (أ.ف.ب)

تقرير أممي: عائلات يمنية بأكملها تواجه الجوع يومياً

كشفت بيانات حديثة وزعتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أسراً بأكملها باليمن تواجه الجوع يومياً، وأن ملايين النازحين داخلياً يواجهون ظروفاً متدهورة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي انقلابيون حوثيون يشرفون على تشويه مدينة صعدة القديمة (إعلام حوثي)

انقلابيو اليمن يشوِّهون معالم وأسوار مدينة صعدة القديمة

أقدمت الجماعة الحوثية في اليمن على تشويه معالم وأسوار مدينة صعدة التاريخية (شمال) عبر طلائها باللون الأخضر وشعارات الجماعة ذات النزعة الطائفية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
TT

قصص مؤلمة للنازحين إلى الساحل الغربي في اليمن

أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)
أحد النازحين يشعر بامتنان لأنه تمكن من الفرار من مناطق الصراع في الساحل الغربي لليمن (الأمم المتحدة)

في نقطة الاستجابة المجتمعية على الساحل الغربي لليمن، تنقل «لطيفة» قصصاً مؤلمة عن معاناة النازحين الذين فروا من القتال في محافظة الحديدة إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، كما تكشف جانباً من مآسي الحرب التي فجَّرها الحوثيون.

بدأت هذه الشابة (لطيفة) العمل مترجمة؛ لكنها منذ سنوات تكرِّس جهدها لخدمة المجموعات الضعيفة في صفوف النازحين، فهي تستمع بتعاطف إلى «سحر» البالغة من العمر 60 عاماً، وهي إحدى النازحات اللائي عشن تجربة مروعة.

معاناة النازحين في الساحل الغربي لليمن جرفت «لطيفة» من الترجمة إلى رعايتهم (الأمم المتحدة)

كانت «سحر» على مدى الأشهر الثمانية الماضية، تنتظر أخباراً عن ابنها الذي اختفى في البحر مع 7 صيادين آخرين بعد الإبحار في طقس خطير؛ لكن زوجته فارقت الحياة، وأصبحت منذ بضعة أشهر الراعي الوحيد لأبنائه الأربعة.

تعتقد «لطيفة» أن الشعور بالمسؤولية والتعاطف مع الذين تساعدهم تجذَّر في نفسها منذ التحاقها بالعمل في المجال الإنساني؛ حيث بدأت مترجمة، ثم كرَّست كل جهدها وبشكل متزايد للمجموعات الضعيفة التي واجهتها أثناء الزيارات الميدانية.

وتقول إنها في البداية رأت الأمر فرصة مهنية، ولكن عندما شاهدت التأثير الذي أحدثه عملها على حياة الآخرين: «قررت الاستمرار في العمل بهذا المجال»، ولأنها مسؤولة عن أسرة أيضاً وتعمل في هذا الجانب منذ 18 سنة، فإنها تشعر بالامتنان لوالدتها وأختها اللتين ساعدتاها في رعاية أطفالها الأربعة على مر السنين، مما سمح لها بالموازنة بين حياتها المهنية والأمومة.

وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد أن زوجها لعب دوراً حاسماً في مساعدتها؛ إذ كان يتولى متابعة الأبناء في مدرستهم بشكل منتظم، ورعايتهم عندما يمرضون. وتقول إنه «كان أكبر داعم لي، ومصدر قوتي وتفانيّ في عملي».

مساعدة النازحين

في عملها، تربط «لطيفة» النازحين حديثاً بالخدمات التي تقدمها المنظمات الإغاثية، بما في ذلك الرعاية الصحية وإدارة وتنسيق المخيمات، والشركاء الآخرين.

وتوزع مع زملائها المبالغ النقدية على الحالات المعرضة للخطر، وتنظم جلسات التوعية والإحالات للحصول على الدعم النفسي والاجتماعي.

وتساعد «لطيفة» بانتظام أشخاصاً مثل «علي» الذي وصل مؤخراً من ضواحي مديرية حيس، هرباً من الصراع المتصاعد. وعلى الرغم من ترحيب أقاربه به، فإن منزلهم كان مكتظاً بخمس عائلات، بمن في ذلك 12 طفلاً، ومولود جديد. ولهذا بينما الرجل ينتظر حلاً أفضل، أقام «علي» مأوى مؤقتاً خارج المنزل، للبقاء بالقرب من عائلته.

الأطفال في المخيمات عنوان للمأساة التي يعيشها النازحون في اليمن (الأمم المتحدة)

ويشعر الرجل بالامتنان؛ لأن جرح الرصاصة التي أصيب بها في إصبعه أثناء الهروب لم يكن أكثر شدة. وفي داخل المنزل الذي لا يمتلك سقفاً، تنشغل ابنة أخته «شيماء» برعاية مولودها الجديد؛ إذ أطلقت على المسكن اسم المنزل على مدى السنوات الثلاث الماضية؛ لكن هطول الأمطار الغزيرة مؤخراً أدى إلى تدفق المياه مباشرة إلى الغرفة، ومنذ ذلك الحين، تلقت نقوداً من المنظمة الدولية للهجرة لتحسين المنزل.

تقديم الدعم

لا تتوقف «لطيفة» في مكان؛ لكنها تحرص على زيارة منتظمة للأشخاص الذين يتلقون الدعم، مثل «كاتبة» البالغة من العمر 30 عاماً، والتي توفي زوجها قبل عامين، وكانت حاملاً في شهرها الثامن بابنتها، وقد أصيبت بالصدمة؛ حيث قُتل زوجها -وهو سائق دراجة نارية- في انفجار لغم من مخلفات الحوثيين، بالقرب من خطوط المواجهة.

وحذَّرت «كاتبة» زوجها من المخاطر؛ لكن إصابة ابنتهما بالربو تتطلب أدوية مستمرة، لذلك كان عليه أن يعمل لإعالة الأسرة. ومع بدء تعافيها من الصدمة تصاعد الصراع من حولها مرة أخرى. وخوفاً على سلامة أطفالها لم يكن عليها أن تفكر كثيراً؛ خصوصاً أن منزلها تعرض في إحدى الليالي للهجوم، فهربت مع أطفالها تاركة كل شيء وراءها.

نازحة يمنية مع أطفالها في رحلة كفاح مريرة من أجل العيش (الأمم المتحدة)

لجأت «كاتبة» مع أطفالها الستة إلى شقيقها في ميناء المخا، ولكنها شعرت بالذنب لأنها اعتمدت عليه؛ لأنه كان يعول أسرته أيضاً. ولعدة أشهر، كانت تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم. وتقول: «لم أكن أرغب قط في أن أكون في موقف أضطر فيه إلى التسول للحصول على الطعام».

وبعد أن سمعَتْ عن الدعم الذي تقدمه المنظمات للأشخاص الضعفاء، تواصلَتْ مع «لطيفة» التي ساعدتها في الحصول على مواد غير غذائية لمطبخها؛ حيث كانت تستخدم أواني الطهي المستعارة. وتتذكر: «لم يكن لدي حتى سكين، كنت أعتمد على أي مواد يقرضني الناس إياها».

وتذكُر أنها بفضل الدعم المالي الذي حصلت عليه من منظمة الهجرة الدولية، فتحت متجراً صغيراً على قطعة من الأرض تعود ملكيتها لأخيها. ومع مزيد من المال، تأمل «كاتبة» أن تتمكن من توسيع المتجر؛ لكنها في الوقت الحالي راضية عما تمكنت من إنجازه.