عندما انتبه هشام سعيد وهو مواطن يمني يقطن صنعاء إلى خطأ من أطباء مستشفى في العاصمة المختطفة عند تشخيص آلام طفلته، جرى الاعتداء عليه واحتجازه مع إصرار الأطباء على استئصال الزائدة الدودية لابنته.
تلقت ابنة سعيد حقنة مهدئة بعد إسعافها إلى المستشفى قبل أن يبلغه الأطباء بإصابتها بالتهاب الزائدة الدودية، وقرروا استئصالها بشكل عاجل، وبينما كانوا يستعدون لإجراء العملية أبلغته طفلته أن آلامها هدأت تماماً، فنبههم إلى أن آلام الزائدة لا تتوقف بالمهدئات.
سخر الأطباء من سعيد، وطلبوا منه عدم التدخل في عملهم، مصرين على إجراء العملية، وطلبوا من الأمن احتجازه حتى الانتهاء منها، لولا وصول عدد من أقاربه في نفس اللحظة.
ويتوقع سعيد أن الإصرار على إجراء العملية كان بغرض الحصول على أجورها التي دفع جزءاً منها، والتزم بسداد الباقي.
تعدّ الأخطاء الطبية في صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين أمراً شائعاً ومعتاداً، لدرجة أن المريض الذي يقع ضحية تلك الأخطاء أو أقاربه يفقد حق الشكوى والمطالبة بالتعويض وتحقيق العدالة، والسبب يعود بحسب متضررين إلى تواطؤ السلطات الطبية والأمنية والقضائية التابعة للجماعة مع المستشفيات.
يقرّ القانون اليمني اختصاص المجلس الطبي الأعلى في النظر والبتّ في جرائم الأخطاء الطبية، على أن يجري النظر في الشكوى خلال عشرة أيام من تاريخ تقديم الشكوى، إلا أن المجلس الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية يتأخر في النظر في الشكاوى أشهراً طويلة، وقد لا يبتّ فيها إذا لم يقم صاحب الشكوى بالمراجعة المستمرة.
وتفسر مصادر في القطاع الصحي الذي تسيطر عليه الجماعة هذا التواطؤ بأن غالبية المستشفيات أصبحت مملوكة كلياً أو جزئياً لقيادات في الجماعة الحوثية، حيث لجأ الكثير من القادة إلى استثمار أموال الفساد والنهب في المستشفيات الخاصة.
وتوضح المصادر أن الكثير من القادة توجهوا إلى الاستعانة بأطباء لا يملكون خبرات كافية لإنشاء وتأسيس المستشفيات الخاصة، أو أجبروا مالكي مستشفيات قائمة على القبول بانضمامهم كشركاء فيها مقابل بعض الأموال وتوفير الحماية الأمنية والقضائية والإعفاء من الرسوم القانونية أو جبايات الجماعة.
عدالة مفقودة
تحدث غالبية الأخطاء الطبية في مناطق ومدن بعيدة عن صنعاء، وهو ما يعدّ عائقاً أمام المرضى وذويهم في التقدم بالشكاوى ومتابعة الإجراء للحصول على الإنصاف بحسب المصادر التي أكدت أنه في حال كان قرار المجلس منصفاً للمريض الضحية؛ سيحتاج إلى أكثر من القرار ليحصل على العدالة.
وتتهم الأوساط الطبية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية السلطات الطبية بالتواطؤ مع المستشفيات وابتزازها من أجل الحصول على الإتاوات منها مقابل الصمت على ما يحدث فيها من أخطاء طبية، وعدم إنصاف المرضى أو ذويهم.
ويصف طبيب في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» قرارات المجلس الطبي بأنها ضعيفة وهشة، فلكي يجري تنفيذها، يحتاج المريض أو عائلته إلى نافذين يسندونه أو أموال يدفعها كرشاوى للجهات الأمنية لإلزام خصومه بتنفيذ القرارات، إلا أن المستشفيات تملك نفوذاً أكبر في العادة.
ووفقاً للطبيب الذي طلب التحفظ على بياناته؛ فإن المستشفيات غالباً ما تكون مملوكة لشخصيات نافذة، أو تربطها بها علاقات مصالح، إضافة إلى أن مالكيها يفضلون دفع مبالغ كبيرة كرشاوى للتهرب من تعويض المرضى؛ بدلاً عن تنفيذ القرارات.
ومنذ أشهر أفرجت محكمة تابعة للجماعة الحوثية عن أحد السكان بعد أن دفع رشوة، بصفة غرامة، بعد اتهامه بالتشهير بأحد المستشفيات التي توفيت فيها زوجته بعد أشهر من مكوثها في العناية المركزة نتيجة خطأ طبي أثناء إجراء عملية ولادة قيصرية.
ورغم صدور قرار من المجلس الطبي التابع للجماعة الحوثية يؤكد خطأ المستشفى وطاقمه الطبي، فإن العقاب اقتصر على إغلاقه لعدة أيام فقط، قبل أن يعاود نشاطه، ويقدم ملاكه شكوى بالرجل الذي ترك عمله في إحدى دول الجوار، وعاد لمتابعة حالة زوجته الصحية، قبل وفاتها متأثرة بالخطأ الطبي، ويضطر إلى جانب ذلك لخسارة مدخراته.
ورغم أنه دفع ما يقرب من ألفي دولار (مليون ريال يمني، حيث الدولار في مناطق سيطرة الجماعة يساوي 538 ريالا)؛ إلا أن المستشفى لا يزال يطالبه بالتعويض، ويتلقى التهديدات باستمرار.
عملية بلا مبرر
تُتهم السلطات الطبية للجماعة بممارسات فساد أدت وتؤدي إلى وقوع الأخطاء الطبية في المستشفيات التي تحصل على تراخيص مزاولة المهنة عن طريق الفساد أو دفع الرشاوى، إلى جانب إنشاء مستشفيات تابعة للجماعة وقياداتها.
وبحسب مراقبين لوضع القطاع الصحي في مناطق سيطرة الجماعة؛ فإن الفساد الذي انتهجته وممارساتها للسيطرة على القطاع وتحويله إلى مصدر إيرادات كانا سبباً في زيادة الأخطاء الطبية، وتحول المنشآت الصحية إلى نقاط تحصيل دون تقديم خدمات حقيقية للسكان.
وإلى جانب ذلك؛ فإن مخرجات العملية التعليمية والأكاديمية غير مؤهلة للعمل في القطاع الطبي بسبب الفساد الذي يبدأ عند السماح بالغش في امتحانات الثانوية العامة والتحاق غير المستحقين بكليات الطب التي تعاني بدورها من ضعف العملية التعليمية ونقص الخبرات والكوادر.
ويعبر أحد السكان، وينتمي إلى محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) عن غضبه واستيائه من مماطلة المجلس الطبي في صنعاء، التابع للجماعة الحوثية، في البت حول وفاة طفلته في أحد المشافي الخاصة في مقر إقامته في إب نتيجة خطأ طبي منذ ثلاثة أشهر، رغم وضوح كافة المعلومات والوثائق حول الواقعة.
وطالب والد الطفلة في يوليو (تموز) الماضي في شكوى قدمها ضد مستشفى خاص في مدينة القاعدة في محافظة إب، بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة طفلته أثناء إجراء عملية جراحية لها في الدماغ، متهماً المستشفى بالإهمال من خلال السماح لطبيب من دون خبرات بإجراء العملية رغم حساسيتها وخطورتها، في حين لم يكن المستوصف مؤهلاً لمثل هذه العمليات.
وجاء في الشكوى أن الطبيب أقر إجراء عملية جراحية في الدماغ للطفلة البالغة من العمر 3 أعوام، بعد تعرضها لحادث سقوط، ورغم أنها كانت بعد الحادثة في كامل وعيها، وجرى إسعافها للتأكد من عدم تعرضها لأي إصابات أو نزيف داخلي، فإن طبيباً في المستوصف ادعى خطورة وضعها الصحي ليقرر إجراء عملية جراحية عاجلة لها أدت إلى وفاتها.
ومنذ ما يقرب من العامين تسببت جرعة ملوثة ومنتهية الصلاحية من علاج السرطان بوفاة أكثر من 10 أطفال في مستشفى تديره الجماعة الحوثية في صنعاء، وسعت الجماعة إلى إسكات ذوي الضحايا وإجبارهم على القبول بتعويضات مالية زهيدة.