اليمن: ممارسات فساد جديدة في قطاع الصحة الخاضع للحوثيين

عقود مخالفة للقانون واستيلاء على معدات المستشفيات العمومية

تعاني المستشفيات العمومية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الإهمال (إكس)
تعاني المستشفيات العمومية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الإهمال (إكس)
TT

اليمن: ممارسات فساد جديدة في قطاع الصحة الخاضع للحوثيين

تعاني المستشفيات العمومية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الإهمال (إكس)
تعاني المستشفيات العمومية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الإهمال (إكس)

في حين لم تصل الجماعة الحوثية في اليمن إلى صيغة متفق عليها داخلياً لتشكيل حكومتها الانقلابية الجديدة، يطالب عدد من قادتها بسرعة إقالة القيادي طه المتوكل وعدد من معاونيه من إدارة القطاع الصحي، بعد الكشف عن إجراءات وممارسات مشبوهة بالفساد والإثراء من المال العام.

وسرَّبت قيادات حوثية وثائق عن إقدام القيادي الحوثي المتوكل، والمعين وزيراً للصحة في حكومة الجماعة الانقلابية غير المعترف بها؛ على عقد صفقات شراء أجهزة طبية وأدوية بمخالفة القوانين والأعراف المتبعة في عمليات الشراء، بالتعاون مع عدد من معاونيه، وتسبب آخرين في وقف منح دولية لدعم القطاع الصحي المتهالك.

أجرى القيادي الحوثي طه المتوكل اتفاقيات لتوريد أجهزة طبية وأدوية بمخالفة إجراءات المناقصات المتبعة (إكس)

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وثائق مسرّبة عن لجوء القيادي طه المتوكل المعين وزيراً للصحة في حكومة الجماعة غير المعترف بها، وسمير السنافي المعين في منصب مدير برنامج الإمداد الدوائي التابع للوزارة بصياغة عقود شراء أدوية وأجهزة لجلسات الغسيل الكلوي بمبلغ 32 مليون دولار، ولمدة خمس سنوات مقبلة، بإجراءات مخالفة لقانون المناقصات.

وهاجمت قيادات حوثية المتوكل والسنافي بسبب توقيعهما العقود من دون عرضها على إدارة الشؤون القانونية للتحري حول صحة وسلامة الإجراءات والتوقيع عليها، متهمة إياهما بشراء الأدوية والأجهزة الطبية بأسعار أكبر من أسعارها المتعارف عليها في السوق أو التسعيرة التي تعمل بها الهيئة العليا للأدوية.

وذكرت، أنه تم حساب سعر جلسة الغسيل الكلوي الواحدة بمبلغ 29 دولاراً في العقود، بينما لا يتجاوز سعر الجلسة 22 دولاراً، إضافة إلى أن خطط المشتريات يفترض أن تكون سنوية، وليست لمدة خمسة أعوام.

ووصفت الصفقة بالمشبوهة، خصوصاً وأنها ترافقت مع إعفاء المتوكل للشركات التي تم توقيع عقود الشراء معها من ضريبة الأرباح، والتي تقدر بمبلغ 639.140 دولار، مشيرة إلى أنه جرى التحايل في توقيع هذه العقود، وخداع الهيئة العليا للرقابة على المناقصات بزعم أنه جرى استشارتها وأخذ موافقتها على الصفقة، بينما لم يجرِ الالتزام بتعليماتها.

كان طه المتوكل خطيباً في أحد الجوامع التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية قبل تعيينه وزيراً للصحة (إكس)

كما جرى الكشف عن صفقة أخرى لشراء أدوية لمدة خمسة أعوام بعقد بلغت قيمته 29 مليون دولار، ومن دون الإجراءات القانونية المتعارف عليها، أو عرضه على لجنة المشتريات، وشمل أيضاً إعفاءً من ضريبة الأرباح المقدرة، وفق زيادة الأسعار، بـ750.000 دولار.

احتجاز أجهزة طبية

لم تصل الجماعة الحوثية إلى صيغة لتشكيل حكومتها المزمعة بعد إقالة الحكومة الحالية المكلفة بتصريف الأعمال، وفقاً لإعلان زعيمها عبد الملك الحوثي عن إصلاحات جذرية منذ أربعة أشهر، بعد تعالي الأصوات المنددة بالفساد والمطالب الشعبية بتصحيح الأوضاع المعيشية وصرف رواتب الموظفين العموميين.

وفي ممارسات أخرى مشبوهة بالفساد، تؤكد مصادر صحية مطلعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أن إدارات مستشفيات عمومية عدة رفعت شكاواها ضد المتوكل وعدد من أعوانه إلى قيادات حوثية عليا؛ بسبب حرمان المستشفيات من أجهزة ومعدات طبية وأدوية مخصصة لها، واحتجازها في إجراءات يشتبه أن الغرض منها الاستيلاء عليها وتسليمها إلى مستشفيات ومراكز طبية تابعة للمتوكل وأعوانه.

اتسعت ممارسات تزوير الأدوية خلال الأعوام الأخيرة في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية (إكس)

وقالت المصادر: إن المتوكل وجّه باحتجاز جهازين، أحدهما للرنين المغناطيسي والآخر للقسطرة مخصصين لمستشفى الثورة العمومي الذي عملت أطقمه المتخصصة على إعداد المواصفات والوثائق الخاصة بالمناقصات لشرائهما، ودفعت المستشفى مكافآت لتلك الأطقم مقابل الجهد الذي بذلته.

وتحدثت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن استيلاء عناصر تابعة للمتوكل على أدوية الهيموفيليا (اضطراب نزيف وراثي يؤدي إلى عدم تجلط الدم بالشكل الصحيح)، والتي يفترض أنها تُمنح للمرضى مجاناً في صيدليات المستشفيات والمراكز الصحية العمومية.

وبيّنت المصادر، أن هذه الأدوية اختفت تماماً من صيدليات المستشفيات العمومية، وتباع في صيدليات خاصة، يشتبه بتبعيتها للقيادي المتوكل، بمبالغ تصل إلى 160 ألف ريال يمني للجرعة الواحدة (الدولار يساوي 530 ريالاً).

فرضت الجماعة الحوثية جبايات كبيرة على المشافي الخاصة (إكس)

شملت وقائع الفساد التي جرى الكشف عنها القيادي الحوثي نجيب الشامي المعين مديراً للتجهيزات الطبية والصيانة، والذي يُتهم بالتسبب في توقف الكثير من المنح الدولية للقطاع الصحي، ومن بينها منحة «اليونيسيف» لشراء حضانات أطفال وأجهزة تنفس بمليونَي دولار.

وكان الشامي أصرّ مع المنظمة الأممية المعنية بالطفولة والأمومة على أن يتم شراء الحضانات من شركة طبية تولى اختيارها والاتفاق معها بنفسه دون الرجوع لمختصي «اليونيسيف» أو أخذ موافقتهم، وأصرّ على أن يجري التوقيع مع تلك الشركة؛ ما أدى إلى إيقاف المنحة.

وتسبب الشامي، وفقاً للمصادر واتهامات قيادات الجماعة الحوثية، في إيقاف منحة أخرى ممولة من منظمة الصحة العالمية لتزويد عدد من المستشفيات بالتجهيزات الطبية؛ وذلك بتدخله المباشر في خطط التوزيع والإصرار على تحديد الأولويات بمفرده.

وإلى جانب ذلك، أقدم الشامي على سحب وصرف مستحقات خبراء في قطاع الصحة تولوا مهمة إعداد دليل مواصفات الأجهزة الطبية، بزعم توجيهها لإعداد نظام آلي للأجهزة الطبية؛ ما أدى إلى تعطيل إعداد الدليل والنظام الآلي معاً.

وتفيد مصادر وتسريبات عن محاولات للتستر على عصابة زوّرت كميات كبيرة من الأدوية في صنعاء، خصوصاً من صنفي الأميفناك والسولبادين، وهما من الأدوية المستوردة، بأصناف بديلة من مصانع محلية، بالتعاون مع مطابع تتولى طمس بيانات الأصناف المحلية وطباعة بيانات المزورة مكانها.

صورة متداولة لأحد حمامات مبنى وزارة الصحة التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية في صنعاء (إكس)

وتعمل سلطة الحوثيين على إنشاء صيدليات خاصة تحت مسمى «الصيدليات الوطنية» في المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء وباقي المحافظات، بما يهدد القطاعات التجارية والعاملة في الأدوية والمستلزمات الطبية، ولصالح سلطات الجماعة بمشاركة نافذيها من الهيئة العليا للأدوية.

وسبق لـ«الشرق الأوسط» أن كشفت منتصف العام الماضي عن توجه القيادي المتوكل إلى إنشاء عدد من المرافق الصحية والطبية داخل المستشفيات العمومية تتبعه شخصياً، من بينها سلسلة صيدليات داخل المستشفيات العمومية، تعمل بديلاً عن صيدليات المستشفيات التي يجري إغلاقها بمبررات متنوعة.

وظهرت هذه الصيدليات في مستشفيات الكويت والجمهوري والثورة، ومن المتوقع ظهورها في عدد آخر من المستشفيات في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وتحمل مسمى «الصيدلية الوطنية المركزية».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالسعي للسيطرة على القطاع التجاري

العالم العربي حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالسعي للسيطرة على القطاع التجاري

اتهم وزير يمني الجماعة الحوثية بالسعي للسيطرة الكاملة على القطاع التجاري، وذلك تعليقاً على رفع الجماعة رسوم الجمارك على الملابس المستوردة بنسبة 100 %.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي جدل واسع حول أولويات احتياجات المجتمع والنساء باليمن في ظل آثار الحرب والفقر والنزوح (إ.ب.أ)

جدل يمني حول أولويات وفاعلية الأنشطة الموجهة للنساء

يدور جدل واسع في اليمن حول الأنشطة الموجهة نحو النساء في اليمن من حيث فاعليتها وأولويتها في ظل الصراع المستمر والقمع الحوثي وعدم مراعاة خصوصية المجتمع

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي صورة حديثة لاستمرار الحرائق على متن ناقلة النفط «سونيون» في البحر الأحمر (المهمة الأوروبية «أسبيدس»)

«أسبيدس» الأوروبية متأهبة لحماية إنقاذ ناقلة النفط «سونيون»

أكدت المهمة الأوروبية «أسبيدس» أن قواتها متأهبة لحماية عملية إنقاذ ناقلة النفط اليونانية «سونيون» المشتعلة بسبب هجمات الحوثيين، داعية للتكاتف لتجنب كارثة بيئية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من مسيرة طلابية نظّمها الحوثيون تجوب أحد شوارع حجة (إعلام حوثي)

طلاب المدارس تحت طائلة التطييف والاستقطاب الحوثي

أرغمت الجماعة الحوثية طلبة المدارس في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها على تنظيم مسيرات تجوب الشوارع، وتهتف بشعارات الجماعة ذات المنحى الطائفي.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي السيول في اليمن جرفت الطرق والمزارع وأثرت على نحو نصف مليون شخص (أ.ف.ب)

أضرار جسيمة في القطاع الزراعي جراء السيول في اليمن

أحصت الأمم المتحدة تضرر نحو 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، و279 ألف رأس من الماشية في اليمن جراء الأمطار الغزيرة والسيول الناجمة عنها الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (تعز)

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالسعي للسيطرة على القطاع التجاري

حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)
حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالسعي للسيطرة على القطاع التجاري

حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)
حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

اتهم معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، الجماعة الحوثية، بالسعي للسيطرة الكاملة على القطاع التجاري والقضاء على البيوت التجارية المعروفة، وذلك تعليقاً على رفع الجماعة رسوم الجمارك على الملابس المستوردة بنسبة 100 في المائة.

وكانت الجماعة الحوثية قد فرضت الزيادة الجديدة في رسوم الجمارك على الملابس والأقمشة المستوردة، تحت مزاعم دعم المنتج المحلي، على الرغم من عدم وجود مصانع محلية، وهو ما أدى إلى إضراب التجار وإغلاق أكبر سوق في صنعاء لبيع الملابس المستوردة بالجملة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن إقدام ميليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران على رفع الضرائب والجمارك 100 في المائة، على تجار الملابس الجاهزة والأقمشة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، والذي أدى لإضراب شامل في الأسواق، يندرج ضمن مسلسل الابتزاز والتضييق المستمر على رجال المال والأعمال، وممارساتها التدميرية للقطاع الخاص، واستهدافها الممنهج للاقتصاد الوطني منذ الانقلاب».

ووصف الوزير اليمني الخطوة الحوثية بأنها تؤكد مضي الجماعة في تنفيذ مخططها لتجريف القطاع الخاص، والقضاء على البيوت التجارية المعروفة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، لصالح شركات ومستثمرين تابعين لها، بهدف السيطرة الكلية على القطاع التجاري، والتحكم في الاقتصاد الوطني، دون اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة.

تضييق مستمر

أشار الإرياني إلى تعرض القطاع الخاص منذ الانقلاب الحوثي لعمليات ابتزاز وتضييق مستمر، عبر إغلاق ومصادرة مئات الشركات والمصانع والمنشآت التجارية، وفرض جبايات ورسوم وغرامات تعسفية وغير قانونية، واحتجاز البضائع في المنافذ والتصرف فيها وبيعها، وفرض قوائم سعرية، الأمر الذي أدى لإفلاس عدد من الشركات والتجار، ونزوح رأس المال الوطني خارج اليمن، وفقدان عشرات الآلاف لوظائفهم.

وطالب وزير الإعلام اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بعدم الوقوف موقف المتفرج إزاء استهداف الحوثيين الممنهج للبيوت التجارية ورؤوس الأموال التي صمدت واستمرت في نشاطها التجاري، رغم الظروف الصعبة.

وقال إن ذلك يهدد بانهيار الأوضاع الاقتصادية ومفاقمة المعاناة الإنسانية، داعياً إلى الشروع الفوري في تصنيف الجماعة الحوثية «منظمة إرهابية عالمية»، وملاحقة ومحاسبة قياداتها، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.