وباء الكوليرا يزيد من معاناة السودانيين في بلد تمزقه الحرب

رجل يطهر أحد الأروقة في منطقة ود الحليو بالسودان (أ.ف.ب)
رجل يطهر أحد الأروقة في منطقة ود الحليو بالسودان (أ.ف.ب)
TT

وباء الكوليرا يزيد من معاناة السودانيين في بلد تمزقه الحرب

رجل يطهر أحد الأروقة في منطقة ود الحليو بالسودان (أ.ف.ب)
رجل يطهر أحد الأروقة في منطقة ود الحليو بالسودان (أ.ف.ب)

على سرير صغير بمستشفى في ولاية كسلا في شرق السودان، ترقد عائشة محمد تتلقى المحاليل الطبية اللازمة بسبب إصابتها بأعراض مرض الكوليرا الذي أُعلن تفشيه في البلاد في الفترة الأخيرة.

في السودان حتى قبل اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، كانت تسجل إصابات بمرض الكوليرا الناجم عن تلوث المياه أو الطعام، خصوصاً خلال فترة الأمطار الموسمية.

إلا أن استمرار الحرب منذ أكثر من 16 شهراً أدى إلى تدمر البنى التحتية والمرافق الطبية وإلى نقص المياه النظيفة، معرضاً السودانيين البالغ عددهم 48 مليوناً لاحتمال الإصابة بهذا المرض الذي قد يؤدي إلى الوفاة في حال عدم تلقي العلاج المناسب.

عامل نظافة يرش مطهراً كجزء من حملة لوزارة الصحة السودانية لمكافحة انتشار المرض في ولاية كسلا بشرق السودان (أ.ف.ب)

وتقول عائشة التي تتلقى الرعاية الطبية في ود الحليو في ولاية كسلا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» بصوت واهن، «جئت إلى هنا بالأمس أعاني من إسهال حاد».

وكان وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم أعلن السبت تفشي وباء الكوليرا فيما تهطل منذ أسابيع أمطار غزيرة على السودان أدت إلى نزوح آلاف الأشخاص وظهور عدد من الأمراض مع زيادة حالات الإسهال خصوصاً بين الأطفال.

وأشار إبراهيم إلى أن ولايتي كسلا والقضارف في شرق السودان هما الأكثر تضرراً من الوباء. وأفادت الوزارة في وقت لاحق بتسجيل 556 إصابة أدت إلى 27 حالة وفاة خصوصاً في كسلا. وأرجع إبراهيم تفشي الكوليرا في البلاد إلى «تردي البيئة وتلوث مياه الشرب».

والجمعة قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغاريت هاريس في تصريحات للصحافيين إنه تم الإبلاغ عن 11327 حالة إصابة بالكوليرا في السودان من بينها 316 حالة وفاة. وهذه الحالات سجلتها وزارة الصحة السودانية على مدى عام تقريباً منذ بدء الحرب في أبريل 2023.

رجل يقوم بتطهير مركز عزل ريفي حيث يتم علاج المرضى من الكوليرا في ود الحليو بولاية كسلا في شرق السودان (أ.ف.ب)

والكوليرا هي عدوى إسهالية حادة تنتج من تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا. ويتسبب المرض بالإسهال والجفاف الشديد الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات في حال عدم تلقي العلاج.

منذ أبريل 2023 تدور في السودان حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو. واتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القصف العشوائي لمناطق مأهولة بالسكان خلال النزاع الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى وأدى إلى تشريد أكثر من 10 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.

كذلك اتهم الطرفان بنهب وعرقلة توزيع المساعدات الإنسانية، فضلاً عن تدمير النظام الصحي الهش أصلاً.

وقد توقفت الغالبية العظمى من العمليات الإنسانية في حين تغرق البلاد في «واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة»، وفقاً للأمم المتحدة.

مياه ملوثة

وتقع ود الحليو بين ولايتي كسلا والقضارف عند الحدود مع إريتريا وإثيوبيا ويقدر عدد سكانها بنحو 350 ألف نسمة ويعمل معظمهم في الزراعة.

ويؤكد مسؤول الصحة فيها آدم علي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن حالات الإصابة بالكوليرا بدأت تصل إلى المستشفى منذ الرابع والعشرين من يوليو (تموز)، «وقد وصل عددها حتى الآن إلى 150 حالة». وأوضح علي أن «69 في المائة من سكان المحلية يشربون مباشرة من النهر وهي مياه ملوثة»، في إشارة إلى نهر ستيت الذي يمر بود الحليو وينبع من إثيوبيا.

عامل نظافة يرش مطهراً كجزء من حملة لوزارة الصحة السودانية لمكافحة انتشار المرض في ولاية كسلا بشرق السودان (أ.ف.ب)

أمام مستشفى كسلا، يجلس السوداني حسن الجنيد البالغ 49 عاماً مرافقاً لشقيقته التي تم حجرها بعد إصابتها بالكوليرا. ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أصيبت شقيقتي بالكوليرا وأنا مرافقها الوحيد ولا أستطيع الدخول معها، فأظل هنا في انتظارها». ويخشى الجنيد «من أن يصيبني المرض، عندها لن نجد من يجلب لنا الأدوية».


مقالات ذات صلة

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

شمال افريقيا جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

للمرة الثالثة تستضيف مدينة جنيف السويسرية ما عرفت باجتماعات «المائدة المستديرة» بين القوى السياسية السودانية، تهدف لتقريب وجهات النظر بين أطراف الحرب لوقفها.

أحمد يونس (كمبالا )
شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية بالقاهرة)

المدارس السودانية في مصر بانتظار انفراجة بعد 3 شهور من إغلاقها

تأمل الجالية السودانية في مصر انفراجة في أزمة المدارس السودانية العاملة في البلاد، والمغلقة منذ نحو 3 أشهر لحين استيفائها الشروط المطلوبة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.