سخط يمني إزاء قيود الانقلابيين للتوظيف في المنظمات الدولية

الأنشطة الأممية مستمرة رغم التهديدات واختطاف العاملين

من زيارة المبعوث الأممي إلى مدينة تعز في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
من زيارة المبعوث الأممي إلى مدينة تعز في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

سخط يمني إزاء قيود الانقلابيين للتوظيف في المنظمات الدولية

من زيارة المبعوث الأممي إلى مدينة تعز في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
من زيارة المبعوث الأممي إلى مدينة تعز في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

أثار فرض الحوثيين قيوداً جديدة للتحكم في عمل المنظمات الدولية والأممية والمحلية، سخطاً في الأوساط الحكومية والإنسانية، وسط تصاعد المطالب بنقل مقار المنظمات إلى المناطق الخاضعة للشرعية بعد أن بات العمل الإنساني يُسخّر لأجندة الجماعة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

وفي حين جدد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن، الثلاثاء، التذكير بانتهاكات الجماعة الحوثية ضد الموظفين في الوكالات الأممية والمنظمات الدولية، لا تزال الأنشطة في هذه المنظمات مستمرة رغم القمع والاعتقالات والتهديدات.

الحوثيون يفرضون على المنظمات الأممية والدولية أخذ موافقتهم بشأن أي عملية توظيف (إكس)

وكانت الجماعة فرضت قيوداً جديدة على المنظمات الدولية والأممية العاملة في مناطق سيطرتها في الوقت نفسه الذي تواصل فيه احتجاز العشرات من موظفي هذه المنظمات منذ أكثر من شهر ونصف الشهر.

وكشفت وثيقة مسربة عن تعميم موجّه مما يُسمى «المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي» إلى المنظمات الدولية والأممية العاملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بالتشاور معه والحصول مسبقاً على موافقته بشأن أي عملية توظيف جديدة، سواء للكوادر المحلية أو الأجنبية، وإلزامها بسرعة موافاته بالهياكل الوظيفية لكل منظمة، مشمولاً بأسماء الموظفين كافة ومسمياتهم الوظيفية.

وأمهل التعميم الصادر الأربعاء الماضي ممثلي المنظمات الدولية والأممية أسبوعاً واحداً لموافاة المجلس بهياكلها الوظيفية، والتقيد بأخذ الموافقة المسبقة قبل استكمال أي إجراءات توظيف لديه بحسب احتياجاتها ومتطلبات مشاريعها وأنشطتها؛ وذلك وفقاً لاتفاق مسبق بين المجلس والمنظمات حول آلية تنظيم العمل الإغاثي بين الجانبين.

وكُشف عن هذا التعميم عقب يوم واحد من توجيه المسؤول الثاني في المجلس الحوثي اتهامات مباشرة لممثلي وموظفي المنظمات الإنسانية والإغاثية في مناطق سيطرتها بالانخراط في أنشطة سياسية وتخريبية تحت غطاء العمل الإنساني.

وجاءت الاتهامات على لسان القيادي إبراهيم الحملي، المُعيّن أميناً عاماً للمجلس، لممثلي ومسؤولي وموظفي المنظمات الأممية والدولية والمحلية في محافظات الحديدة، وحجة، والمحويت.

الجماعة الحوثية تتخذ من التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة مبرراً لزيادة تعقيد الوضع الإنساني في اليمن (رويترز)

ونقلت وسائل إعلام الجماعة عن الحملي تحذيراته لممثلي المنظمات الدولية والأممية من تنفيذ أعمال سياسية وتخريبية، عبر مشاريع وأجندة خارجية تحت مظلة العمل الإنساني، ملوحاً باستعداد الجماعة لاختطاف وسجن من وصفهم بـ«عملاء الولايات المتحدة وإسرائيل».

وأعلنت الجماعة الحوثية الأسبوع الماضي افتتاح وتدشين العمل في مشاريع للمياه والصرف صحي بأكثر من 8 ملايين دولار بتمويل من منظمات دولية وأممية.

وذكرت وسائل إعلام الجماعة أن القيادي عبد الرقيب الشرمان، المُعيّن وزيراً للمياه في حكومتها غير المعترف بها، افتتح ودشن أكثر من 25 مشروعاً للمياه والصرف الصحي في مناطق خاضعة لسيطرتها في محافظات إب وتعز وذمار، بكلفة إجمالية تقارب 8 ملايين ونصف المليون دولار، بتمويل من «يونيسيف»، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، ومنظمة الإغاثة الإسلامية.

تواطؤ وتخاذل

يثير التعاطي الأممي مع الممارسات الحوثية ضد المنظمات الدولية والوكالات الأممية وموظفيها الاستغراب والاستنكار الشديدين، حيث تبدو ردود فعل هذه المنظمات ضعيفة وخجولة، بحسب آراء الناشطين اليمنيين والمراقبين.

ويرى مطهر البذيجي، رئيس التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، أن المنظمات الدولية تتعاطى ببراغماتية وسلبية مع ممارسات الجماعة الحوثية، وتتغاضى عنها بدعوى استمرار عملها وتقديم خدماتها، ويحرص المسؤولون الأمميون والدوليون على البقاء في مناصبهم وتقديم تنازلات كبيرة للحوثيين للحفاظ على رواتبهم ومداخيلهم الكبيرة التي يحصلون عليها بحجج المخاطر وطوارئ الحرب.

المنظمات الأممية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تعمل بشروط وإملاءات الجماعة الحوثية (إ.ب.أ)

ويشير البذيجي في إفادته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الموظفين الذين تفرضهم الجماعة الحوثية، يعملون على إعادة صياغة البرامج والمشاريع التمويلية والإغاثية بما يتوافق مع نهج ومتطلبات أجندتها الطائفية، وتوجيهها لخدمة مشروعها وأغراضها ورفاهية قادتها وأتباعها على حساب ملايين المحتاجين من اليمنيين الذين أضرت بهم سياسات الإفقار الحوثية.

ونوّه إلى أن المنظمات الدولية أبدت القبول والرضا بتلك الإملاءات والانتهاكات، ولولا حملات المجتمع المدني والصحافيين ووسائل التواصل الاجتماعي، لما أمكن الكشف عنها وفضحها.

أما الكاتب اليمني باسم منصور، فيرى أن المنظمات الأممية والدولية لم يعد ثمة مبرر لوجودها في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلا الحضور الشكلي فقط، وما سوى ذلك فهي تمكّن الجماعة مزيداً من السيطرة والنفوذ والإثراء.

وبيّن منصور لـ«الشرق الأوسط» أن المنظمات الأممية رضخت دائماً لإملاءات الجماعة وشروطها التي يفترض أنها لا تعترف بسلطتها، لكنها اتخذت من معاناة السكان مبرراً لاستمرار أنشطتها في مناطق نفوذ الانقلابيين؛ لتحظى فقط بالسمعة السيئة وغضب اليمنيين.

مطالب حكومية

يأتي كل هذا بعد أيام من توجيه رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طالب فيها بضرورة العمل على بدء نقل الوظائف الإدارية والفنية الرئيسية لوكالات المنظمة الأممية إلى العاصمة المؤقتة عدن؛ لتخفيف ضغط الجماعة الحوثية عليها وحماية قواعد بياناتها ومراسلاتها وتأمين حياة وسلامة العاملين المحليين.

كما تضمنت الإجراءات التي طالب بها بن مبارك عدم تمكين الحوثيين من الوصول إلى هذه البيانات واستخدامها وتحريفها للإضرار بالموظفين والمستفيدين وتبرير اختطافهم، لافتاً إلى ما تعرّض له هشام الحكيمي، الموظف لدى منظمة إنقاذ الطفولة الدولية، الذي توفي في سجون أجهزة أمن الجماعة بعد اختطافه بفترة وجيزة.

من لقاء رئيس الحكومة اليمنية في عدن مع الممثل الجديد لبرنامج الغذاء العالمي (سبأ)

وانتقد رئيس الحكومة في رسالته تدابير مكاتب الأمم المتحدة في اليمن لحماية العاملين فيها وإنقاذ حياتهم، والتي لم تكن، حسب رأيه، بالمستوى المقبول ولا المتوقع، ولا يرقى لمستوى الخطر الذي يتهدد حياتهم وحريتهم، مستعرضاً الانتهاكات التي تمارسها الجماعة الحوثية ضد العمل الإنساني والعاملين في المنظمات الأممية.

وسبق أن كشفت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط»، عن أنها أبلغت الأمم المتحدة بضرورة اتخاذ مواقف قوية تضمن إطلاق سراح الموظفين المعتقلين وعدم تكرار مثل هذه الممارسات في المستقبل، إلا أنها فوجئت بالمواقف الأممية التي لم تتجاوز التصريحات فقط، بعد أن كان الجانب الأممي وعد بتأمين إطلاق سراح المعتقلين خلال ثلاثة أيام، لكن ذلك لم يتم، بل رد الحوثيون بتوسيع نطاق الاعتقالات.

ويتزايد قلق العاملين المحليين في المنظمات الأممية والدولية أخيراً بعد الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرة الجماعة الحوثية؛ خوفاً من اتخاذ هذه الغارات سبباً جديداً للتنكيل بهم واتهامهم بالتواطؤ والتخابر لتنفيذها.


مقالات ذات صلة

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

العالم العربي حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

دخلت الحملة الأميركية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الحوثيين يومها العاشر غداة ضربات مركزة استهدفت صنعاء وصعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اليمن يواجه إحدى أشد أزمات المياه حدة في العالم (الأمم المتحدة)

تحذيرات أممية من استنفاد طبقات المياه الجوفية في عدن

أطلق «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» تحذيراً من استنفاد طبقات المياه الجوفية لمدينة عدن خلال هذا العام، واقترح تحلية مياه البحر لمواجهة الأزمة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية أميركية على صنعاء (رويترز) play-circle

إعلام حوثي: قتلى ومصابون في هجوم أميركي على صنعاء

أفاد إعلام حوثي بسقوط قتلى وجرحى في هجوم أميركي استهدف مبنى سكنياً في مديرية معين بصنعاء، الأحد، مع استمرار الهجمات الأميركية على مناطق سيطرة الحوثيين باليمن.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مقاتلة «إف 18» تُقلع لضرب الحوثيين من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (أ.ف.ب)

غارات أميركية ليلية ضربت الحوثيين في 3 محافظات يمنية

ضربت غارات أميركية ليلية أهدافاً حوثية في 3 محافظات، فيما تبنت الجماعة مهاجمة إسرائيل بصاروخ باليستي أعلنت الأخيرة اعتراضه على غرار 4 صواريخ منذ الثلاثاء.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي تراجع كبير شهدته المساعدات الغذائية في اليمن (أ.ف.ب)

تحذيرات من عواقب إنسانية جرَّاء التصعيد العسكري في اليمن

مع ارتفاع معدلات انتشار سوء التغذية الحاد في عدة مناطق يمنية بصورة تبعث على القلق، حذَّرت منظمات دولية من عواقب التصعيد العسكري الأخير على الوضع الإنساني.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

إسرائيل تعترف بقتل صحافي فلسطيني بزعم أنه «قناص» تابع لـ«حماس»

فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

إسرائيل تعترف بقتل صحافي فلسطيني بزعم أنه «قناص» تابع لـ«حماس»

فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون في موقع غارة إسرائيلية أسفرت عن مقتل الصحافي حسام شبات في شمال قطاع غزة (رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم (الثلاثاء)، مسؤوليته عن قتل صحافي فلسطيني متعاون مع قناة «الجزيرة» في قطاع غزة (الاثنين)، زاعماً أنه كان «قناصاً» تابعا لحركة «حماس».

وقال الجيش في بيان: «الجيش الإسرائيلي والشاباك قتلا أمس (الاثنين) حسام باسل عبد الكريم شبات، وهو إرهابي قنص من كتيبة بيت حانون التابعة لتنظيم (حماس)، وكان يعمل أيضاً صحافياً في قناة (الجزيرة)»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

كانت قناة «الجزيرة» القطرية قد أعلنت أن صحافياً فلسطينياً متعاوناً معها قُتل، الاثنين، في غارة جوية إسرائيلية بشمال قطاع غزة، في حين قُتل مراسل آخر يعمل مع تلفزيون لـ«حركة الجهاد الإسلامي» في غارة بجنوب القطاع.

جثمان الصحافي حسام شبات الذي قُتل في غارة إسرائيلية وفق المسعفين في شمال قطاع غزة (رويترز)

وقالت «الجزيرة»: «استشهاد المراسل الصحافي حسام شبات، المتعاون مع (الجزيرة مباشر)، بقصف سيارته في جباليا» بشمال القطاع.

وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان صحافي أورده المركز الفلسطيني للإعلام، بـ«ارتفاع عدد الشهداء الصحافيين إلى 208 صحافيين، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد الإعلان عن استشهاد الصحافي محمد منصور، مراسل قناة (فلسطين اليوم) الفضائية، والصحافي حسام شبات مراسل (الجزيرة مباشر)».

وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بإدانة «جرائم الاحتلال وردعه وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة، وتقديم مجرمي الاحتلال للعدالة»، وناشد الجهات المعنية «ممارسة الضغط بشكل جدي وفاعل لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ولحماية الصحافيين والإعلاميين في قطاع غزة، ووقف جريمة قتلهم واغتيالهم».