شدَّدت الحكومة الجزائرية من لهجتها تجاه بعض المشاركين في برامج كرة القدم على القنوات الخاصة، موجهة لهم تهمة «التشجيع على الحقد والانقسام»، وهددتهم بتفعيل عقوبات يتضمنها «قانون الوقاية من الكراهية والتمييز»، الصادر في 2020 خلال مرحلة من الاستقطاب السياسي الحاد، والتجاذبات بين السلطة ونشطاء الحراك المطالبين بتغيير النظام.
ونشرت وزارة الاتصال، الخميس، «مذكرة» إلى وسائل الإعلام تخص «خطاب الإعلام الرياضي»، يدعو فيها الوزير محمد مزيان إلى «الابتعاد نهائياً عن استخدام الصفحات (حسابات بالإعلام الاجتماعي)، والمنصات الإلكترونية لترويج الخطاب التحريضي، الذي يغذي التعصب والكراهية». مشدداً على «منع البرامج السطحية الرديئة، وتلك التي تُشجع على الإثارة والانفعال لجذب المشاهد والعمل». مناشداً منشطي برامج كرة القدم التلفزيونية والمشاركين فيها على «تعزيز خطاب التعايش، والارتقاء بالمحتوى، بما يليق بجمهور راقٍ، يفرز مناخاً تسوده المودة».
كما حذَّرت الوثيقة من «التشهير بسمعة اللاعبين والمدربين والحكام ومسيري النوادي»، وطالبت بـ«باحترام الحياة الشخصية للأفراد، وفقاً لما تنص عليه قوانين الجمهورية وقانون الإعلام، فضلاً عن منع استغلال هذه الفضاءات لتمرير رسائل غير موضوعية، تصريحاً أو تلميحاً، مع الالتزام بالطابع الوطني الموحد للرياضة». ولفتت إلى «توظيف الموسيقى التصويرية والعناوين النارية والمونتاج لإثارة الانفعال، والتحريض العاطفي للجمهور»، مناشدة «اعتماد لغة إعلامية هادئة مسؤولة وواقعية».
ومما تضمنته وثيقة عضو الحكومة المكلف الإعلام «إلزام الضيوف والمشاركين في البرامج الرياضية بالتقيُّد التام بميثاق أخلاقيات المهنة، وتجنُّب التصرفات المستفزة والعدوانية»، محملاً «الجهة المستضيفة كامل المسؤولية عن أي انحراف أو تجاوز يحدث على منبرها الإعلامي». ومنبهاً إلى «توخي الحذر في نقل المعلومات الرياضية، والتحقق من صحتها ومصدرها قبل نشرها، وذلك لتفادي انتشار الشائعات أو الأخبار المغلوطة، التي تؤثر سلباً على الجمهور الرياضي، وتُثير الجدل والقلق والفتنة في أوساط الرأي العام».
استحضار التوترات مع جيران الجزائر
وشدد الوزير على «الحد من الترويج للسلبيات والتصرفات السيئة في المجال الرياضي، مثل العنف والشغب، والتركيز بدلاً من ذلك على الجوانب الإيجابية التي تسهم في تعزيز صورة الرياضة الوطنية، مثل التلاحم والفرجة والمنافسة الشريفة، بما يُحسّن من صورة البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي».
وتحدثت «المذكرة» الوزارية عن مسعى للحكومة يخص «تطوير المشهد الإعلامي الرياضي في الجزائر، وتقويته وتعزيزه، بما يخدم الجمهور الرياضي والمواطن الجزائري على حد سواء»، بهدف «تجنب أي انزلاق أو احتقان يُهدد استقرار وتماسك وتجانس الإعلام الرياضي في بلادنا، وفي هذا التوقيت تحديداً».
وتحيل الإشارة إلى «هذا الوقت تحديداً» إلى ما يرد في الخطاب الرسمي بشأن «وجود مؤامرة خارجية لضرب الاستقرار في البلاد»، قياساً إلى التوترات التي تُميز حالياً علاقات الجزائر مع بعض الدول المجاورة، خصوصاً المغرب ومالي.
وجاءت تحذيرات وزير الاتصال في سياق عقوبات أصدرتها «سلطة ضبط سمعي البصري»، التي أوقفت برنامجاً رياضياً تبثه قناة «النهار» لمدة 3 أسابيع، بسبب «عبارات عنصرية ومس بكرامة الإنسان» بحق لاعب من منطقة جنوب الصحراء. ووبَّخت بشدة برنامجاً آخر في قناة «الهداف»، أعابت عليه «تجاوزات مهنية تحيد عن التحليل الرياضي». مشيرة إلى اللاعب الدولي السابق علي بن شيخ، الذي يثير جدلاً كبيراً في تدخلاته في «الهداف»، من خلال اتهاماته للحكام ومسيري النوادي بـ«الرشوة».
وفي 22 من الشهر الحالي، أعلن الاتحاد الجزائري لكرة القدم منع تنقل المشجعين إلى الملاعب فيما بقي من جولات دوري المحترفين، على خلفية مقتل مشجع من نادي العاصمة (مولودية الجزائر) في «حرب شوارع» نشبت عقب مواجهة مع اتحاد بسكرة من جنوب البلاد. وسبقت هذه الحادثة أعمال عنف خطيرة في العديد من ملاعب دوري الدرجتين الأولى والثانية. ولمَّح مسؤولو اتحاد كرة القدم في عدة مناسبات إلى أن البرامج التلفزيونية الرياضية تتحمل مسؤولية هذه الأحداث، على أساس أنها «تعرض خطاباً يشحن انفعالات المشجعين».
قانون التصدي لـ«الكراهية»
وأبدت السلطات حرصاً على تفعيل مواد «قانون الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما»، الصادر في 2020، الذي ينص على عقوبة السجن 7 سنوات مع التنفيذ ضد أي شخص يصدر كلاماً، شفوياً أو مكتوباً، يتضمن عنصرية وتعبيراً عن الكراهية.
وجاء القانون بناءً على طلب من رئيس البلاد، عبد المجيد تبون، الذي طلب من رئيس الوزراء مطلع العام نفسه إعداد نص «يجرّم كل مظاهر العنصرية والجهوية وخطاب الكراهية في البلاد». مؤكداً أن ما يدعو إلى إصداره «تنامي خطاب الكراهية والتحريض على الفتنة، خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي، كما يأتي لسد الباب في وجه أولئك الذين يستغلّون حرية وسلمية الحراك، برفع شعارات تهدد الانسجام الوطني»، في إشارة إلى حملة حادة شنها نشطاء معارضون ضد مصوتين في الانتخابات التي جرت نهاية 2019، والتي أوصلت تبون إلى الحكم.
كما ربط مراقبون المطالبة بهذا القانون بمتابعة كاتب سيناريو يُدعى رابح ظريف أمام القضاء، يومها، بعد فصله من منصبه الحكومي مديراً للثقافة بولاية المسيلة (جنوب شرق)، على أثر منشور «فيسبوكي» له يصف فيه أيقونة ثورة الاستقلال، عبان رمضان، بـ«الخائن والعميل». وجرى ذلك في إطار خلاف آيديولوجي شديد بينه وبين المخرج السينمائي المعروف بشير درايس.