أكد مصدر في البنك المركزي اليمني أن رئاسة البنك بصدد الإعداد لقرار أشد قسوة يمكن اتخاذه في أي لحظة ضد البنوك التجارية المخالفة تعليماته وقراراته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، إذا لم تبدأ هذه البنوك في اتخاذ خطوات الاستجابة والانصياع لقراراته السابقة.
وبحسب المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» طالباً عدم الإفصاح عن هويته، فإن البنك المركزي يعدّ لقرار سحب «السويفت» من البنوك المخالفة والرافضة قراراته، وإلغاء تراخيص عملها نهائياً؛ ما سيؤدي إلى وقف أنشطتها بالكامل خارج مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، ويحولها مكاتب صرافة داخلية صغيرة عاجزة عن تقديم أي خدمات بنكية للأفراد والشركات والمؤسسات.
وبيّن المصدر أن البنك المركزي لا يزال يراعي مصالح المودعين والمتعاملين كافة مع هذه البنوك، ويأمل أن تكون القرارات السابقة كافية لإظهار جديته في ضبط القطاع المصرفي والسيطرة على عملياته وإدارتها وفق القانون، إلى جانب مساعيه لاستمالة البنوك إلى صفه بدلاً من استخدام الجماعة الحوثية لها.
وكان البنك واصل إجراءاته لتشديد الخناق المصرفي على الجماعة الحوثية، وألغى بقرار صدر الجمعة، تراخيص ثلاث شركات صرافة، وأمر بإغلاق فروعها إلى أجل غير مسمى بعد مخالفتها تعليماته.
وذكر البنك المركزي في بيان أن محافظه أحمد غالب أصدر ثلاثة قرارات بإيقاف تراخيص شركتي «المري» و«المجربي» وفروعهما، ومنشأة «ثمر» للصرافة، وإغلاقها حتى إشعار آخر؛ لمخالفتها قرارات وتعليمات البنك، بعد التحقق من خلال تقارير ميدانية من ثبوت المخالفات المرفوعة من قطاع الرقابة على البنوك خلال الفترة من 24 وحتى 27 يونيو (حزيران).
وجاء هذا القرار بعد قرارين سابقين، بفرض شبكة موحدة للحوالات الداخلية، وحظر التعامل مع 12 كياناً للدفع الإلكتروني غير المرخص، ووقف العمل نهائياً في شبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أو شركات ومنشآت الصرافة العاملة في اليمن.
حظر الأموال المنهوبة
يعدّ قرار البنك المركزي الخاص بإلزام جميع البنوك وشركات ومنشآت الصرافة العاملة في اليمن وحظر التعامل مع 12 كياناً ومحفظة وخدمة دفع إلكتروني غير مرخصة، حدثاً مهماً واستثنائياً بحد ذاته؛ نظراً لانفلات سوق هذا القطاع عن السيطرة، وإمكانية استخدامه في ممارسات خطيرة.
«المركزي اليمني» برّر قراره بمزاولة هذه الكيانات خدماتها في الدفع والترويج وتنفيذ تحويلات مالية إلكترونية دون تراخيص رسمية منه، وفي مخالفة للقوانين والتعليمات النافذة، والضوابط والإجراءات المعتمدة لتقديم خدمات وأنشطة الدفع الإلكتروني.
ويرى الباحث الاقتصادي نجيب العدوفي أن المحافظ الإلكترونية في اليمن ما زالت تجربة حديثة وغير خاضعة للضوابط والإجراءات القانونية، كما أنها بعيدة تماماً عن الرقابة العليا من الجهة السيادية المعنية بتنظيم العمليات المالية والمصرفية، وهي البنك المركزي اليمني.
ويوضح العدوفي لـ«الشرق الأوسط»، أنه وفي حين أصبحت هذه المحافظ وسيلة عصرية عالمية تتجاوز الحدود وفق ضوابط وإجراءات رقابة تمنع استخدامها في أي أعمال إجرامية؛ ظلت في اليمن بعيدة عن رقابة البنك المركزي، وتعمل تحت إدارة وسيطرة الجماعة الحوثية، والتي يمكن لها استخدامها في جرائم مالية كغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويتابع: «إن الأموال التي تتدفق عبر هذه المحافظ الإلكترونية، هي أموال تعود في الغالب إلى خصوم الجماعة الحوثية من أحزاب ومؤسسات وقادة وناشطين سياسيين، سيطرت عليها الجماعة الحوثية، وتستخدمها في الهروب من الرقابة على أنشطتها المالية وممارساتها المشبوهة».
ويضمن قرار البنك المركزي وقف أنشطة هذه المحافظ حماية أموال المتعاملين ومعالجة التشوهات في القطاع المصرفي.
من جهته، ينوّه الباحث الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي إلى أنه كان ينبغي إيقاف المحافظ الإلكترونية منذ فترة طويلة؛ كونها تملك تراخيص مزاولة نشاط من الجماعة الحوثية في صنعاء، دون أن تملك أي ترخيص من البنك المركزي في عدن.
ويشير الفودعي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قرار إيقاف هذه المحافظ سيكون قابلاً للنفاذ فقط في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لكنها ستظل تعمل في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.
إخضاع الجماعة الحوثية
يأتي القرار الأخير للبنك المركزي اليمني بإيقاف ثلاث شركات ومؤسسات صرافة ضمن مساعيه لتنظيم الصرافة وتشديد الرقابة عليها، إلا أنه لم يوضح السبب الرئيسي للإيقاف؛ واكتفى بالإشارة إلى أنه جاء بناءً على نتائج التفتيش الميداني والرفع من قطاع الرقابة؛ ما يعني وجود مخالفات لتعليماته والقوانين المنظمة، طبقاً للفودعي.
ويضيف الفودعي أن توحيد الشبكات تحت شبكة واحدة يؤدي إلى زيادة الشفافية والرقابة على التحويلات المالية، ويسهل سيطرة البنك المركزي عليها؛ ما قد يساعد في تقليل الأنشطة المالية غير القانونية، ويقلل من عمليات غسل الأموال، ويحسن من كفاءة النظام المالي.
ويتوقع أن تمكن هذه القرارات من القضاء على عمليات المضاربة بالعملة التي كانت تتم عبر الشبكات؛ مما يساهم في استقرار سعر الصرف، وأن تجبر هذه المؤسسات المصرفية على استخدام شبكة موحدة، وتحسين الكفاءة والسرعة في عمليات التحويلات المالية.
وتعتمد إمكانية تطبيق هذه القرارات ونجاحها على البنية التحتية التقنية المتمثلة بتوافر وتطوير التكنولوجيا اللازمة لتشغيل الشبكة الموحدة بكفاءة، والتعاون والامتثال، ومدى استعداد البنوك وشركات الصرافة للتعاون مع البنك المركزي والامتثال للقرار، والتدريب والتوعية الفنيين للموظفين والعملاء؛ لضمان سهولة الانتقال للنظام الجديد.
ويرجح الباحث نجيب العدوفي أن الشبكة الموحدة للتحويلات ستمكن البنك المركزي من معرفة كمية النقد الأجنبي الموجود داخل اليمن والكتلة النقدية المحلية وحجم التعاملات المصرفية وضبطها، ومنع المضاربة بالعملة الأجنبية التي تلحق الضرر بالعملة المحلية، كما ستجبر الجماعة الحوثية على الرضوخ والقبول بخضوع تعاملاتها المالية لرقابة البنك المركزي والحكومة الشرعية.