المواجهة الاقتصادية بين الحكومة اليمنية والحوثيين... إلى أين؟

فتح للطرقات المغلقة وشراء للعملة القديمة وتلويح بالحرب

مسلحون حوثيون على طريق البيضاء - مأرب التي أعادت الجماعة افتتاحها أخيراً (إعلام حوثي)
مسلحون حوثيون على طريق البيضاء - مأرب التي أعادت الجماعة افتتاحها أخيراً (إعلام حوثي)
TT

المواجهة الاقتصادية بين الحكومة اليمنية والحوثيين... إلى أين؟

مسلحون حوثيون على طريق البيضاء - مأرب التي أعادت الجماعة افتتاحها أخيراً (إعلام حوثي)
مسلحون حوثيون على طريق البيضاء - مأرب التي أعادت الجماعة افتتاحها أخيراً (إعلام حوثي)

بعد أن وصفت الجماعة الحوثية قرارات البنك المركزي اليمني الرامية إلى محاصرتها اقتصادياً بالمخطط الأميركي الغربي، وهددت باستئناف الحرب، ردت على تلك القرارات بإجراءات مصرفية مضادة، بالتزامن مع مبادرتها فتح الطرق المغلقة منذ سنوات، وهي الخطوة التي يتوقع مراقبون أنها محاولة للالتفاف على الحصار الاقتصادي الحكومي.

وبينما كان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى إيقاع دول المنطقة فيما سمّاه «فخ خدمة إسرائيل»، والعدوان الاقتصادي على جماعته من خلال دفع الحكومة اليمنية إلى اتخاذ إجراءات ضدها، حظرت الجماعة التعامل مع 13 بنكاً مقرها في عدن، رداً على قرار البنك المركزي حظر 6 بنوك رفضت الامتثال لأوامره بنقل مقراتها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن

حزم من الأوراق النقدية اليمنية الجديدة والقديمة في أحد البنوك بعدن (غيتي)

كما أعلنت الجماعة عن آليه لاستبدال مبالغ العملة القديمة التي تستخدمها في مناطق سيطرتها بعد إلغاء البنك المركزي لها، بما قالت إنه يقابلها من قيم العملة التي أقر البنك العمل بها منذ 2017، التي رفضت الجماعة دخولها أو العمل بها، وفرضت عقوبات على من يتعامل لها وفارقاً سعرياً كبيراً بينها والعملة القديمة.

لكن مبادرة الجماعة الحوثية بفتح الطرقات تعد هي الخطوة الأكثر فاعلية لخلط الأوراق والخروج من مأزق الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها، بحسب حديث الباحث الاقتصادي محمد قحطان لـ«الشرق الأوسط»، الذي يرى أن السلع التموينية ستتدفق بيسر وسهولة وتكلفة أقل إلى جانب تيسير حركة الناس إلى المناطق المحررة، ما سيصاحبه تأمين مصادر دخل للجماعة.

ومن مؤشرات ذلك وفقاً للأكاديمي قحطان، أنه وفي أول يوم فتحت فيه طريق مأرب البيضاء، تدفق المغتربون القادمون من السعودية بأعداد كبيرة إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، كونها الأكثر كثافة سكانية والأوسع في الأنشطة الاقتصادية، ما يعني رفد أسواقها بعملات أجنبية، وتنشيط الحركة التجارية، ما سيؤدي إلى تعويض ما يمكن أن تفقده الجماعة من دخل بسبب قرارات البنك المركزي بعدن.

حشد حوثي لعدد من المقاتلين المجندين حديثاً حيث تلوح الجماعة بالتصعيد العسكري (إعلام حوثي)

وسيتيح ذلك للجماعة الاستفادة من تبادل العملة الورقية الجديدة في مناطق سيطرة الجماعة، ومقايضتها بالعملة القديمة عند التبادل، بمقابل 3.25 ريال يمني من العملة الجديدة لكل ريال من العملة القديمة، بحسب إعلان الجماعة، ما قد يسهم في إضعاف قرارات البنك المركزي، التي يتطلب نجاحها في إنهاء الانقسام المصرفي، توحيد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وإحداث قدر من التعافي لقيمتها الشرائية.

دعم البنك المركزي

وبادر الحوثيون خلال الأسبوعين الأخيرين إلى فتح عدد من الطرق التي أُغلقت خلال السنوات الماضية بفعل الحرب وتوسع الجماعة، التي بدأت بفتح طريق البيضاء - مأرب، (جنوب شرقي صنعاء)، قبل أن تفتح طريق الحوبان في محافظة تعز (جنوب غرب)، بعد 9 سنوات من الحصار، في حين يتوقع فتح عدد آخر من الطرق في مختلف مناطق التماس.

ويستبعد الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي أن تذهب الجماعة الحوثية إلى التصعيد العسكري للرد على قرارات البنك المركزي والإجراءات الحكومية لمحاصرتها اقتصادياً، لكونها أصبحت في موقف ضعيف سياسياً وتفاوضياً، وتفتقر القدرة على تحريك ميليشياتها على الأرض، خصوصاً مع تغير الموقف الدولي منها بعد هجماتها في البحر الأحمر.

دخان في صنعاء إثر غارة غربية رداً على هجمات الحوثيين البحرية (رويترز)

وأكد الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أن البنك المركزي اليمني لا يزال يملك القدرة على اتخاذ كثير من الإجراءات والقرارات التي ستزيد من حصار الجماعة الحوثية، وبالذات مع استجابة كثير من الجهات الإقليمية والدولية لقراراته، وإيقاف التعامل مع الجماعة الحوثية والمؤسسات المالية والمصرفية في مناطق سيطرتها، وبدء نقل الحوالات المالية إلى مناطق سيطرة الحكومة.

ودعا الباحث اليمني إلى ضبط العمليات المصرفية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وتنظيمها واتخاذ إجراءات حازمة لمنع التلاعب بأسعار العملات الأجنبية، متوقعاً أن تظهر آثار قرارات البنك المركزي والإجراءات الحكومية خلال فترة ليست بالقصيرة، ومطالباً بتضافر الجهود لدعم البنك المركزي وتمكين قراراته من النفاذ.

سلاح الأوراق النقدية

وتستخدم الجماعة الحوثية النقاط الجمركية التي استحدثتها على مداخل ومنافذ مناطق سيطرتها، بوصفها مراكز لاستبدال وتغيير العملة في مسعى للحصول على أوراق العملة التي تم إلغاؤها وسحبها من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرتها قبل انقضاء المهلة التي أقرها البنك لإنهاء العمل بها.

ويرى الباحث الاقتصادي اليمني عبد القادر المقطري، أن الجماعة الحوثية لن تترك الأمور تفلت من يدها بسهولة، ولن تسمح بسلبها أحد مصادر قوتها ونفوذها، حتى وإن اضطرت لتقديم بعض التنازلات، نافياً أن يكون تغير الموقف الدولي تجاهها قد بلغ مرحلة اللاعودة.

ونوه المقطري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجماعة الحوثية تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات وإجراءات سريعة تمكنها من أخذ زمام المبادرة أو الرد على القرارات والإجراءات التي يتخذها خصومها، الذين يعانون من البطء بسبب التحفظات والمواقف التي يضعونها في الاعتبار قبل اتخاذ المواقف والإجراءات، إلى جانب التفاهمات مع أطراف مختلفة.

متسوقون في صنعاء حيث يخشى السكان بمناطق سيطرة الحوثيين من خسارة أوراقهم النقدية قيمتها (أ.ب)

بدوره يتوقع الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي أن سحب أوراق العملة القديمة التي تم إلغاؤها يفقد الجماعة الحوثية أهم أسلحتها المالية، لكونها ستخسر بفقدان تلك الأوراق القدرة على تحديد أسعار مختلف العملات، واستقطاع مبالغ كبيرة من الحوالات الواردة إلى مناطق سيطرتها من خلال الأسعار التي تفرضها، وهو ما سيعني استماتتها للحفاظ على تلك الأوراق من مصادرة البنك المركزي لها.

ويوضح العوبلي لـ«الشرق الأوسط» أن تأخر القرارات الحكومية يضعف إمكانية تنفيذها ويقلل من جدواها، لكن الأوان لم يفت بعد، وبالصبر وعلى مدى طويل، وبتعاون ودعم مختلف الجهات والقوى والأطراف المحلية والإقليمية والدولية، يمكن لتلك القرارات أن تشكل فارقاً في مواجهة الجماعة الحوثية اقتصادياً.


مقالات ذات صلة

صواريخ الحوثيين تزداد خطراً على إسرائيل بعد إصابة 23 شخصاً

العالم العربي أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز) play-circle 00:37

صواريخ الحوثيين تزداد خطراً على إسرائيل بعد إصابة 23 شخصاً

باتت صواريخ الحوثيين المدعومين من إيران أكثر خطورة على إسرائيل، بعد إصابة نحو 23 شخصاً في تل أبيب، السبت، جراء انفجار صاروخ تبنت إطلاقه الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من تجمع مسلَّحات حوثيات أثناء حملة تبرع للجبهات أطلقتها الجماعة في صنعاء (إكس)

«زينبيات» الحوثيين يُرغِمن يمنيات على فعاليات تعبوية وأنشطة لصالح «المجهود الحربي»

أرغمت الجماعة الحوثية أخيراً مئات النساء والفتيات اليمنيات في 4 محافظات، على حضور فعاليات تعبوية ذات صبغة طائفية، والتبرع بالأموال لدعم الجبهات.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي موجة الصقيع تسببت العام الماضي في وفاة عدد من سكان المخيمات في اليمن (إعلام حكومي)

البرد يهدد حياة 67 ألف أسرة يمنية في مخيمات النزوح

أطلقت الوحدة الحكومية المعنية بمخيمات النازحين في اليمن نداءً عاجلاً لإنقاذ حياة آلاف الأسر التي تعيش في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب جراء البرد القارس.

محمد ناصر (تعز)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي صورة وزعها الحوثيون تظهر لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

الحوثيون يتبنون هجمات ضد إسرائيل بالاشتراك مع فصائل عراقية

غداة شن تل أبيب ضربات استهدفت منشآت حيوية خاضعة للحوثيين في صنعاء والحديدة، تبنت الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد إسرائيل بالطائرات المسيّرة.

علي ربيع (عدن)

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
TT

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

قال الجيش الأميركي إنه نفذ غارات جوية دقيقة على مستودع لتخزين الصواريخ ومنشأة للقيادة والسيطرة تديرهما جماعة الحوثي المدعومة من إيران في العاصمة اليمنية صنعاء، بُعيد تبني الحوثيين إطلاق صاروخ على وسط إسرائيل أسفر عن سقوط جرحى.

وقالت القيادة الوسطى الأميركية «سنتكوم»، في بيان، إن القوات الأميركية أسقطت أيضاً خلال العملية طائرات مسيّرة عدة للحوثيين فوق البحر الأحمر إضافة إلى صاروخ مضاد للسفن.

وذكرت القيادة المركزية للجيش الأميركي في بيان أن الضربات تهدف إلى «تعطيل وإضعاف عمليات الحوثيين، ومنها الهجمات على السفن الحربية الأميركية والسفن التجارية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن».

وهزت انفجارات عنيفة العاصمة اليمنية صنعاء، مساء السبت، إثر غارات جوية لمقاتلات التحالف الأمريكي البريطاني. وقال سكان محليون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إن الغارات استهدفت مواقع عسكرية في جبلي عطان ونقم جنوب وشرق العاصمة صنعاء».

وأكد السكان، تصاعد أعمدة الدخان وألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، دون أن يتضح حجم الخسائر.

ولم يتطرق الحوثيون إلى تفاصيل القصف حتى الآن.

وبدأت الغارات الأمريكية البريطانية في اليمن في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، رداً على هجمات الحوثيين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، التي يقولون إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل نصرة لغزة، قبل أن توسع نطاق عملياتها مستهدفة سفناً أمريكية وبريطانية. ومنذ الخميس الماضي صعّد الحوثيون هجماتهم على إسرائيل، ما استدعى الأخيرة إلى شن هجوم جوي على مواني الحديدة، غرب البلاد، ومحطات الطاقة في صنعاء، مخلفاً أضراراً مادية في ميناء الحديدة وتسعة قتلى من العمال وإصابة ثلاثة آخرين.