يواجه اليمنيون صيفاً قاسياً وعاصفاً بالظواهر المناخية المتطرفة، حيث كشفت تقارير أممية عن تضرر عشرات آلاف النازحين من الأمطار الغزيرة والفيضانات الشديدة، بالتوازي مع ارتفاع مفرط لدرجات الحرارة في تسع محافظات يمنية.
وتوقعت نشرة الإنذار المبكر للأرصاد الجوية الزراعية التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) ارتفاعاً مفرطاً في درجات الحرارة في تسع محافظات يمنية؛ بينها سبع ساحلية، خلال الأيام القليلة المقبلة، لتتجاوز 42 درجة مئوية أواخر الشهر الحالي، متسببة بآثار خطيرة على الأنشطة اليومية للسكان، خصوصاً في الزراعة.
والمحافظات التي توقعت «فاو» أن تضربها موجة الحرارة، هي: المهرة، وحضرموت، وعدن، ولحج، وتعز، والحديدة، وشبوة، ومأرب، والجوف، حيث ستكون في أقصى وأعلى مستوى خطر لها في محافظة عدن والمناطق الداخلية من محافظتي حضرموت والمهرة، والأجزاء الساحلية من لحج وتعز، بينما ستكون بقية المحافظات التسع تحت مستوى التحذير من درجات الحرارة المرتفعة.
وستتضرر الأنشطة الزراعية في لحج والجزء الأوسط من محافظة حضرموت، ومن المرجح أن تتأثر الموارد الزراعية الحساسة للتغيرات في درجات الحرارة على طول ساحل البحر الأحمر.
كما توقعت النشرة أن يزيد مستوى هطول الأمطار منذ أواخر هذا الشهر وحتى الأشهر القليلة المقبلة، بزيادة تدريجية في جميع أنحاء البلاد، مع بلوغ المستويات ذروتها عند نحو 100 إلى 150 ملم في محافظة إب، وأيضاً هطول أعلى كميات من الأمطار في مناطق المرتفعات الوسطى.
ونبهت «الفاو» إلى أن ذروة شدة هطول الأمطار المتوقعة قد تؤدي إلى سيول وفيضانات مفاجئة في مستجمعات المياه الأكثر عرضة للخطر في زبيد وتُبن، داعية المزارعين وعائلاتهم إلى تحسين استراتيجياتهم لتحقيق أقصى استفادة من الظروف المتوقعة لتعزيز بداية الموسم الزراعي مع مراعاة المخاطر المرتبطة بها.
الأكثر تضرراً
كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير حديث له، عن تضرر ما يقارب 53 ألف نازح في اليمن من الأمطار الغزيرة والفيضانات الشديدة الناجمة عنها في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
وذكر مكتب الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن أكثر من 7 آلاف و555 أسرة نازحة تتألف من أكثر من 52 ألفاً و800 شخص تأثرت بالأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة الناجمة عنها في اليمن، خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) الماضيين.
وأفاد التقرير بأن شركاء آلية الاستجابة السريعةRRM)) بادروا إلى دعم المتضررين من الأمطار والفيضانات، ووصلوا إلى أكثر من 6 آلاف و500 عائلة من الأسر المتضررة، بحزمة من المساعدات الحيوية المنقذة للحياة.
وعدّ مكتب «أوتشا» الفيضانات أحد التهديدات الرئيسية للنازحين داخلياً في اليمن خلال العام الحالي، مجدداً التحذير من أن موسم الأمطار الثاني في البلاد، والمتوقع أن يبدأ في يوليو (تموز) المقبل، سيؤثر على كثير من المناطق المعرضة للفيضانات، في وقت تمثل فيه الموارد المالية تحدياً رئيسياً أمام الشركاء لتنفيذ التدخلات المطلوبة للتخفيف من آثار الفيضانات والاستجابة لها بشكل فعّال.
وطالب المكتب الأممي بالإسراع إلى حشد الموارد المالية المطلوبة من أجل مواجهة هذه المخاطر، منوهاً إلى أنه وفي حال لم يتم تعبئة الموارد، لن تتمكن آلية الاستجابة السريعة من تقديم استجابة على مستوى اليمن.
وشدّد على أن التمويل الإضافي أمر بالغ الأهمية للسماح بالتخفيف من آثار الفيضانات والاستجابة لها بشكل أكثر فاعلية.
ويواصل اليمن تأثره بالتغيُّرات المناخية، في وقت يواجه فيه كثيراً من الأزمات المعيشية والاقتصادية الناجمة عن الانقلاب والحرب، ما يهدد بتفاقم المشكلات الحالية، وزيادة كبيرة في موجات الفيضانات والجفاف، وارتفاع مستويات سطح البحر.
حرمان من التمويل
أوضح تقرير لمنظمة يمنية أواخر العام الماضي أن تغيّر المناخ له بالفعل تأثيرٌ سلبي على عدد من المناطق داخل البلاد، مع آثار تتضمن قلة توافر المياه وانخفاض جودتها، وانخفاض غلة المحاصيل وحصيلة صيد الأسماك، وزيادة الأمراض المنقولة عن طريق النواقل وانعدام الأمن الغذائي والبطالة.
وأبدى «المركز اليمني للسياسات» الذي أعد التقرير مخاوفه من أن تتفاقم هذه الآثار بمرور الوقت، حيث تصبح تأثيرات تغيُّر المناخ أكثر وضوحاً، وتتضاعف بفعل مجموعة من العوامل الأخرى، مثل الفقر، والصراع، وتفكك هياكل الإدارة البيئية.
ويبيّن الخبير الزراعي اليمني محمد سيف ثابت لـ«الشرق الأوسط» أن اليمن شبه ممنوع من الحصول على برامج تمويل لمواجهة آثار التغير المناخي على الزراعة، وذلك بسبب الحرب التي تجاوزت مدتها العقد، حيث تحتاج مثل هذه التمويلات إلى استقرار سياسي ومؤسسات قادرة على إنجاح البرامج.
ولمح إلى أن الحكومة اليمنية ووزارة الزراعة والبيئة بحاجة إلى بذل جهود كافية لإقناع المانحين الدوليين بتوجيه الدعم الكافي والممنهج لتجاوز آثار التغيرات المناخية، خصوصاً في المناطق المحررة وبالذات تلك البعيدة عن مواقع المواجهات والتي تشهد استقراراً أمنياً.
من جهته، أكد مصدر في وزارة الزراعة لـ«الشرق الأوسط» وجود عدد محدود من البرامج التي تعمل ضمن الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي بتمويل من الأمم المتحدة والبنك الدولي، غير أن غالبيتها مؤطرة في حماية وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية.
وانتقد المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، توجه غالبية التمويلات إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، حيث توجد غالبية مقرات المنظمات الأممية والدولية، في حين أن المناطق المحررة هي الأوسع مساحة، والأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، ومن ذلك الفيضانات والجفاف والتصحر.