التغيرات المناخية واستنزاف الموارد يضاعفان معاناة اليمنيين

ملايين الأشخاص نزحوا بحثاً عن الأمان

التغيرات المناخية في اليمن سبب مباشر للنزاع على الموارد المتضائلة كالمياه (الأمم المتحدة)
التغيرات المناخية في اليمن سبب مباشر للنزاع على الموارد المتضائلة كالمياه (الأمم المتحدة)
TT

التغيرات المناخية واستنزاف الموارد يضاعفان معاناة اليمنيين

التغيرات المناخية في اليمن سبب مباشر للنزاع على الموارد المتضائلة كالمياه (الأمم المتحدة)
التغيرات المناخية في اليمن سبب مباشر للنزاع على الموارد المتضائلة كالمياه (الأمم المتحدة)

رغم دخول الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في اليمن عامها الثالث فإن ذلك لم ينعكس إيجاباً على الوضع الأمني والاقتصادي لملايين من النازحين أو العائدين إلى مناطقهم الذين لا يزالون يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على الأمان داخلياً وخارجياً، بسبب استنزاف الموارد في مناطق اللجوء والتغيرات المناخية.

وأظهرت أحدث بيانات المنظمات الإنسانية أن أكثر من نصف النازحين خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو (أيار) الماضي تركوا مناطقهم الأصلية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين أو على خطوط التماس، وانتقلوا إلى مناطق سيطرة الحكومة بحثاً عن الأمن، وخوفاً من التهديدات، حيث يشدد الحوثيون من قبضتهم على السكان، ويقمعون بشدة أي تحركات للمطالبة بصرف الرواتب أو عند انتقاد الفساد والحديث عن الثراء الفاحش الذي ظهر على قادة الجماعة.

النازحون اليمنيون يواجهون الاكتظاظ والظروف المعيشية المضنية (الأمم المتحدة)

وتسبب الصراع الذي يدخل عامه العاشر منذ أن اجتاح الحوثيون صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014 في أزمة إنسانية حادة صُنفت على أنها الأسوأ في العالم، ونجم عن ذلك سقوط مئات الآلاف ضحايا من المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية، كما دفع بملايين اليمنيين إلى النزوح بحثاً عن الأمان إما إلى داخل البلاد وإما خارجها، وهذا أدى إلى استنزاف الموارد، وفاقم الوضع الإنساني المتردي أساساً.

كما لعبت التغيرات المناخية دوراً سلبياً في حياة السكان؛ إذ تسببت بحدوث اختلالات في نمط هطول الأمطار التي أصبحت أكثر غزارة في الفترة الأخيرة؛ ما أدى إلى حدوث فيضانات تسببت بإلحاق أضرار جسيمة بالمنازل والمآوي والطرق وغيرها من البنى التحتية.

إضافة إلى ذلك، تسببت هذه الفيضانات في تعطل الخدمات الأساسية المنقذة للحياة، وهذه العوامل مجتمعة رأت فيها المنظمات الإنسانية سبباً مباشراً لأمراض سوء التغذية، والأمراض المنقولة بالمياه، وقالت إنها سبب مباشر أيضاً للنزاعات القائمة على الموارد المتضائلة كالمياه والطاقة.

ومع تأكيد بيانات المنظمات الإنسانية أن هناك نحو 6.7 مليون يمني من بينهم النازحون داخلياً، أو العائدون إلى مناطقهم الأصلية والمجتمعات المستضيفة بحاجة إلى المساعدة في مجال المأوى خلال هذا العام.

اشتداد الأزمة

أوضحت البيانات الإنسانية أن النازحين يواجهون الآن كثيراً من التحديات، بما في ذلك الاكتظاظ والظروف المعيشية المضنية؛ ما يزيد من تعرُّضهم للأمراض والمخاطر، حيث تشكِّل المآوي المؤقتة التقليدية، السائدة في مواقع النزوح، مخاطر بيئية بسبب سرعة تهالكها، وهو ما يستلزم استبدالها بشكل متكرر، وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار النفايات البلاستيكية.

ملايين اليمنيين فروا من مناطق سيطرة الحوثيين بحثاً عن الأمان في مناطق سيطرة الحكومة (إعلام محلي)

في ظل تراجع دعم المانحين وانخفاض نسبة تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي في اليمن إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية النزاع توقعت مصادر اقتصادية اشتداد الأزمة الإنسانية خلال الأشهر المقبلة نتيجة نقص التمويلات وتصاعد المواجهة الاقتصادية بين الحكومة اليمنية والحوثيين على خلفية منع الأخير تصدير النفط والذهاب نحو إصدار عملة محلية وإنزالها للتداول، بينما رفض البنك المركزي اليمني في عدن هذه الخطوة.

وحذرت مصادر عاملة في قطاع الصرافة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» من أن الصراع الاقتصادي سينعكس سلباً على الحوالات المالية التي يعتمد عليها قطاع عريض من السكان لمواجهة احتياجاتهم المعيشية، حيث ارتفعت نسبة الإعالة لدى المغتربين اليمنيين خلال سنوات الحرب من أسرة واحدة في الشهر إلى نحو 3 أسر.

وذكرت المصادر أن كثيراً من الدول بدأت بفرض قيود إضافية على الحوالات المالية المرسلة إلى اليمن نتيجة ذلك الصراع وبالذات مناطق سيطرة الحوثيين عقب وقف البنك المركزي التعامل مع البنوك التجارية في مناطق سيطرة الجماعة الانقلابية بعد أن رفضت الاستجابة لتوجيهاته بنقل مراكزها الإدارية إلى مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد.

ازدياد النزوح

هذه التطورات تأتي متزامنة مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية ارتفاع حالات النزوح الداخلي في اليمن خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو الماضي، إلى مستويات قياسية حيث سجلت أعلى معدل أسبوعي منذ نحو 7 أشهر.

نازحون يمنيون في محافظة حجة يتلقون مساعدات غذائية أممية (أ.ف.ب)

ورغم التهدئة وتوقف القتال في معظم الجبهات فإن المنظمة رصدت نزوح 57 أسرة تتألف من 342 شخصاً مرة واحدة على الأقل، وقالت إن هذا الرقم هو الأعلى منذ الأسبوع الأخير في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الذي شهد نزوح 4392 أسرة نتيجة الإعصار المداري «تيج» الذي ضرب محافظات حضرموت والمهرة وسقطرى.

ووفق التقرير، فإن 51 في المائة من الأسر أفادت بأن أسباب النزوح هي المخاوف والتهديدات الأمنية الناجمة عن الصراع، بينما كانت العوامل الاقتصادية وراء مغادرة 27 أسرة مناطقها الأصلية، ونسبة 29 في المائة من النزوح كانت نتيجة المخاطر الطبيعية.

وذكرت «الهجرة الدولية» أن ما نسبته 67 في المائة من الأسر النازحة استقرت في مأرب وهي المحافظة التي تؤوي أكثر من 60 في المائة من النازحين داخلياً، ومعظمهم قدم من محافظتي تعز والحديدة، بينما استقبلت محافظة شبوة 8 أسر قادمة من محافظة البيضاء، كما جرى رصد 50 أسرة إضافية نازحة لم يشملها تقرير الأسبوع قبل الماضي في محافظات تعز ومأرب والحديدة، ليبلغ إجمالي النازحين المسجلين منذ بداية العام الحالي وحتى بداية يونيو (حزيران) 1465 أسرة مكونة من 8790 شخصاً.


مقالات ذات صلة

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.