الصين تدعو إلى عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط

السعودية أكدت على وحدة وسلامة الأراضي العربية... والإمارات ومصر تحثان على تدفق المساعدات لغزة

صورة مجمعة للقادة المشاركين في «منتدى التعاون العربي - الصيني» (الرئاسة المصرية)
صورة مجمعة للقادة المشاركين في «منتدى التعاون العربي - الصيني» (الرئاسة المصرية)
TT

الصين تدعو إلى عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط

صورة مجمعة للقادة المشاركين في «منتدى التعاون العربي - الصيني» (الرئاسة المصرية)
صورة مجمعة للقادة المشاركين في «منتدى التعاون العربي - الصيني» (الرئاسة المصرية)

دعت الصين إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة»، مؤكدة استعدادها للعمل مع الجانب العربي لتشكيل «الأطر الخمسة للتعاون» لتعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية.

وشهدت العاصمة بكين، الخميس، أعمال الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» الذي يعد منصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية والصين، وتعميق التفاهم المتبادل والتعاون الاستراتيجي بين الجانبين.

وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ، الخميس، إن بلاده سوف تستضيف القمة الصينية - العربية الثانية عام 2026، واصفاً ذلك بأنه سيمثل «علامة فارقة» أخرى في مسيرة العلاقات الصينية - العربية.

وأضاف خلال كلمته في «الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي - الصيني» في بكين، الخميس، أن «العلاقات الصينية - العربية واصلت الارتقاء إلى آفاق جديدة منذ بداية القرن الجديد»، مشيراً إلى أن «القمة الصينية - العربية الأولى التي عقدت في الرياض 2022 شهدت اتفاقاً بالإجماع على بناء مستقبل مشترك».

وأضاف شي جينبينغ أن الصين ستعمل مع الجانب العربي على توطيد التعاون في المجالات الاقتصادية الرئيسية مثل النفط والغاز والتجارة والبنية التحتية، لافتاً إلى أنه سيتم أيضاً تكثيف التعاون في مجالات النمو الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والاستثمار والتمويل والطاقة الجديدة.

الأطر الخمسة

ولفت إلى أن الصين مستعدة للعمل مع الجانب العربي لتشكيل «الأطر الخمسة للتعاون» لتعزيز بناء مجتمع المستقبل المشترك للصين والدول العربية.

وخلال القمة الصينية - العربية الأولى التي عقدت في الرياض بالسعودية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022، طرح شي «الأعمال الثمانية المشتركة» للتعاون العملي. وتشتمل الأطر الخمسة على إطار أكثر ديناميكية للابتكار، وإطار موسع للتعاون في الاستثمار والمالية، وإطار متعدد الأوجه للتعاون في مجال الطاقة، وإطار أكثر توازناً للعلاقات الاقتصادية والتجارية المتبادلة المنفعة، وإطار أوسع للتبادلات الشعبية.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط. قال الرئيس الصيني إن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي «تصاعد بقوة وسبب معاناة هائلة للشعب الفلسطيني»، مؤكداً «ضرورة وقف الحرب في قطاع غزة». وأضاف أن «الحرب يجب ألا تستمر إلى أجل غير مسمى، والعدالة يجب ألا تغيب إلى الأبد، والالتزام بحل الدولتين يجب ألا يتأرجح حسب الأهواء». وأعرب شي أمام الوفود الحاضرة الخميس، عن دعمه لمؤتمر سلام «واسع النطاق» لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

واستضافت بكين الشهر الماضي كلاً من حركتي «حماس» و«فتح» لإجراء «محادثات معمّقة وصريحة بشأن دعم المصالحة بين الفلسطينيين.

وأكدت الدول العربية والصين، في بيان لها، الخميس، أن «منتدى التعاون العربي - الصيني» ساهم في تعزيز العلاقات العربية - الصينية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتنموية.

الرئيس الإماراتي

وأكد رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أهمية إيجاد أفق للسلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط استناداً إلى حل الدولتين. وقال خلال مشاركته في المنتدى، إن منطقة الشرق الأوسط تشهد توترات متصاعدة نتيجة لاستمرار الحرب في قطاع غزة وما تسببه من أوضاع إنسانية صعبة لسكانه، الأمر الذي يزيد من أهمية العمل العربي - الصيني المشترك، مشيراً إلى الجهود الدولية من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار في القطاع وتوفير الحماية لسكانه وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية إليه. وأضاف بن زايد أن الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، يأتي في وقت يحتاج فيه العالم إلى التكاتف والتضامن لمواجهة التحديات المشتركة.

ملك البحرين

وألقى ملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة كلمة قال فيها «إنه لمن حسن الطالع، أن ينعقد هذا المنتدى في أعقاب قمة البحرين، التي تميزت بما طرحته من قضايا ذات أولوية قصوى، وبما نتج عنها من قرارات مهمة ومبادرات طموحة لتلبية احتياجات شعوب المنطقة، لتوفير خدمات التعليم والرعاية الصحية للمتأثرين بتداعيات الحروب والنزاعات في المنطقة، إلى جانب طرح مبادرة نوعية تهتم بتعزيز التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، بما يحمله هذا القطاع من فرص استثمارية ومجالات عمل واعدة للشباب العربي». وأضاف: «انطلاقاً من مسؤولية رئاستنا للقمة العربية، في دورتها الحالية، سنسعى جاهدين من أجل تنسيق المواقف وحشد الدعم اللازم لهدف السلام الدائم، وندعو في هذا الخصوص، إلى سرعة انعقاد مؤتمر دولي للسلام، لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقيام دولته الوطنية»، مؤكداً استعداد البحرين لـ«استضافة هذا المؤتمر المهم، كما أنها لن تدخر أي جهد لوقف الحرب المدمرة على قطاع غزة، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، والدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة الذي كفلته القوانين الدولية والشرائع السماوية».

الرئيس المصري

في حين دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أطراف المجتمع الدولي الفاعلة للاضطلاع بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لـ«وقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة». وطالب بالعمل دون إبطاء على «الإنفاذ الفوري والمستدام للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة لوضع حد لحالة الحصار الإسرائيلي». وشدد السيسي خلال المنتدى على «ضرورة التصدي لكل محاولات التهجير القسـري للفلسـطـينيين من أراضــيهم»، معرباً عن التقدير العربي الكبير للسياسات الصينية تجاه القضية الفلسطينية، ودعم بكين المستمر للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة ولحق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولتهم المستقلة، مؤكداً أنه لا يوجد سبيل للوصول إلى السلام، والاستقرار الإقليمي والدولي، المنشودين؛ إلا من خلال المعالجة الشاملة لجذور القضية الفلسطينية، وذلك بالالتزام «الجاد والفوري بحل الدولتين والإقرار للفلسطينيين بحقهم المشروع في الحصول على دولتهم المستقلة».

الرئيس التونسي

كما أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أن المجتمع الإنساني بدأ في الانتفاضة ضد جرائم العدوان الإسرائيلي الغاشمة التي ترتكب كل ساعة في حق الفلسطينيين لسلب أرضه وحقه في الحياة. وجدد سعيد في كلمته أمام المنتدى التأكيد على موقف بلاده الثابت والراسخ بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، مشيراً إلى تشكل نظام عالمي جديد الآن أقرب إلى العدالة.

وقال سعيد إن «المجتمع الإنساني بدأ اليوم يتشكل بطريقة جديدة ويتجاوز النظام الدولي القديم»، مشيراً إلى أن «ما نراه من مظاهرات في أنحاء العالم كافة دليل على أن هناك شيئاً جديداً بدأ يظهر في تاريخ الإنسانية كلها».

أبو الغيط

وفي كلمته، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن الجامعة تؤكد التزامها بدفع العلاقات بين الدول العربية والصين إلى مستقبل أفضل. وقال أبو الغيط «نحتفل بمرور 20 عاماً على إنشاء منتدى التعاون العربي - الصيني الذي تم تأسيسه عام 2004 في القاهرة والذي مثل طفرة حقيقية في تاريخ العلاقات بين الجانبين؛ إذ ساهم في وضع هذه العلاقات في إطار مؤسسي شامل؛ حيث يمكن متابعة تطورها وإمكاناتها المستقبلية الواعدة، وصار المنتدى منذ إنشائه قصة نجاح في التعاون الدولي متعدد الأطراف، في ضوء ما تمخض عنه من آليات ومذكرات مختلفة للتعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية».

وزير الخارجية السعودي

في سياق ذلك، شدد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، على ضرورة الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وضمان الدخول الكافي والمستمر للمساعدات، وإيجاد مسارٍ موثوق ولا رجعة فيه لحل الدولتين.

وألقى وزير الخارجية السعودي، كلمة في المنتدى، نوه في بدايتها بمرور عقدين على إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني، الذي جسد منذ إنشائه إطاراً حضارياً للتعاون المشترك بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، القائم على أسس الاحترام المتبادل لسيادة الدول واستقلالها، قائلاً: «كما جسدت آليات تعاون المنتدى وبرامجه وأنشطته المختلفة خلال السنوات الماضية مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصِده لتحقيق عالم يسوده السلام والأمن والازدهار والتقدم».

وأشار فيصل بن فرحان، إلى أن استضافة المملكة للقمة الأولى العربية الصينية في 2022 والزيارة الناجحة للرئيس شي جينبينغ إلى الرياض، جسدتا نقطة تحول تاريخية في مسيرة التعاون المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونقلها إلى مستويات التعاون الاستراتيجي بما يحقق تطلعات القيادة والمصالح المشتركة للشعوب، مثمناً مواقف الصين الداعمة باستمرار لوقف الحرب في غزة بما يحقق تنفيذ حل الدولتين، مشدداً في هذا الصدد على ضرورة إيجاد مسار موثوق ولا رجعة فيه لحل الدولتين، بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقه الأصيل في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وقال إن «تعزيز علاقات التعاون المشترك وتنميتها يتطلبان من الجميع استمرار الحوار والتشاور في حل القضايا بالمنطقة عبر طُرق سياسية وسلمية، وضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الدول العربية ورفض التدخلات الأجنبية فيها، واستمرار الجهود في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة حفاظاً على الأمن والاستقرار والحفاظ على المكتسبات الوطنية».

وزير الخارجية السوري

أيضاً أكد وزير الخارجية والمغتربين السوري، فيصل المقداد، أن «نجاح منتدى التعاون الصيني - العربي سيكون أمثولة لبقية دول العالم، لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وتحقيق فرص عمل لكل مواطن في المنظومة المشتركة القائمة على أسس اقتصادية سليمة». وأضاف أن الكيان الإسرائيلي يمارس في منطقتنا سياسة إرهاب الدولة ضد الشعب العربي في فلسطين والجولان السوري المحتل، وهو يلقى دعماً مالياً ومعنوياً من بعض الدول بحجج واهية أصبحت معروفة للمجتمع الدولي.

وجدد المقداد تأكيد سوريا على حق الصين التاريخي في وحدة أراضيها، وفي عودة تايوان إلى السيادة الصينية مهما طال الزمن، مشدداً على أن سوريا لا تعترف إلا بصين واحدة، وتدعم جهودها في مواجهة محاولات التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، سواء في تايوان أو هونغ كونغ أو شين غيانغ.

وزير الخارجية اليمني

كما قال وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، شائع الزنداني، إن المنتدى العربي - الصيني يعد إطاراً مهماً لتعزيز الحوار والتعاون المشترك بين الصين والدول العربية، وتطوير التعاون في مختلف المجالات، التي شهدت قفزة استراتيجية خلال العقدين الماضيين ووصلت إلى ما يزيد على 15 آلية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والتنموية، إضافة إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية من أجل السلام والتنمية. وثمن مساعي المملكة العربية السعودية وحرصها على إنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن وصولاً إلى وضع خريطة طريق بجهود مشتركة مع الأشقاء في سلطنة عمان، متطرقاً إلى تصعيد ميليشيات الحوثي الإرهابية في البحر الأحمر، والبحر العربي وهجماتها على السفن المدنية، وما يشكله من تهديد على الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية.

وتطرق الزنداني إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ ثمانية أشهر من إبادة جماعية وتجويع متعمد، مؤكداً أن الأولوية القصوى الآن تتطلب الوقف الفوري وغير المشروط للحرب الإسرائيلية الظالمة، وفتح ممرات الإغاثة الإنسانية لقطاع غرة، مجدداً التأكيد على أهمية مواصلة الجهود من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وزير الخارجية الصومالي

في حين أشار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، أحمد معلم فقي أحمد، إلى دعم الصومال الثابت لمبدأ الصين الواحدة، مشدداً على ضرورة احترام سيادة الصين واستقلالها السياسي، معرباً عن قلقه العميق إزاء تدهور الوضع في فلسطين، وأدان العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، مجدداً التأكيد على أهمية الدعم العربي والدولي للتصدي لهذه الانتهاكات، مؤكداً دعم الصومال لمبادرة السلام العربية وجميع الجهود الرامية إلى تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.


مقالات ذات صلة

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

المشرق العربي فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة) في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة (وكالة الأنباء الفلسطينية- وفا)

الرئاسة الفلسطينية: الإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية المجازر اليومية بحق شعبنا

أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن «الضوء الأخضر الذي حصل عليه بنيامين نتنياهو من الإدارة الأميركية جعله يستمر في عدوانه».

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تنسحب من مخيم قلنديا للاجئين قرب رام الله في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

بينهم أطفال... القوات الإسرائيلية تعتقل 40 فلسطينياً من الضفة

شنت القوات الإسرائيلية، الجمعة والسبت، حملة اعتقالات واسعة طالت 40 فلسطينياً على الأقل من الضفة الغربية، بينهم أطفال، وأسرى سابقون.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على رفح في غزة (د.ب.أ)

مقتل 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على شمال رفح

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، اليوم (السبت)، في قصف إسرائيلي استهدف شمال مدينة رفح في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ 
ترمب ونتنياهو قبل بدء اجتماعهما أمس (د.ب.أ)

نتنياهو يستكمل «مظلته» الأميركية بلقاء ترمب

بلقائه الرئيس الأميركي السابق، وربما اللاحق، دونالد ترمب، أكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، مظلته الأميركية، التي شملت وقفة في الكونغرس

هبة القدسي (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.