اليمن: توجهات حكومية ودولية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي

نصف الأطفال يعانون من سوء التغذية المزمن

أطفال يمنيون في مخيم للنازحين في مدينة حيس التابعة لمحافظة الحديدة يحصلون على مساعدات غذائية (غيتي)
أطفال يمنيون في مخيم للنازحين في مدينة حيس التابعة لمحافظة الحديدة يحصلون على مساعدات غذائية (غيتي)
TT

اليمن: توجهات حكومية ودولية لمواجهة انعدام الأمن الغذائي

أطفال يمنيون في مخيم للنازحين في مدينة حيس التابعة لمحافظة الحديدة يحصلون على مساعدات غذائية (غيتي)
أطفال يمنيون في مخيم للنازحين في مدينة حيس التابعة لمحافظة الحديدة يحصلون على مساعدات غذائية (غيتي)

تسعى منظمة الصحة العالمية إلى مواجهة انعدام الأمن الغذائي وقصور نظم المعلومات الصحية والتغذية في اليمن، بالتزامن مع إعلان الحكومة رسمياً أن نصف أطفال البلاد يعانون من سوء التغذية المزمن، وبيانات أممية تفيد بأن ربع مليون طفل وامرأة حرموا من علاج سوء التغذية الحاد بسبب نقص التمويل.

وفي حفل نظمه المجلس الوطني للسكان في اليمن بمناسبة اليوم العالمي للسكان، أكد أحمد عوض بن مبارك، رئيس الوزراء اليمني، أن الرؤية الحكومية تتركز على المورد البشري كأهم الموارد التي يجب استثمارها وتحسينها من خلال تقديم خدمات وبرامج مخصصة، رغم التحديات الكبيرة والضغوط المالية والاقتصادية التي تواجهها.

175 مديرية في اليمن يعاني أطفالها من التقزم (الأمم المتحدة)

ونقل الإعلام الرسمي عن بن مبارك تأكيده أن 50 في المائة من الأطفال في بلاده يعانون من سوء تغذية مزمن، و21 في المائة منهم يعانون من التقزم نتيجة لذلك، منبهاً إلى أن خطورة هذه الأرقام تستوجب التعاطي الجاد معها، والوقوف بمسؤولية كبيرة أمامها، وإعطاءها الأولوية في كل الخطط والبرامج والإنفاق.

ولفت إلى الصعوبات التي تواجهها حكومته وما تتعرض له من ضغوط مالية واقتصادية عند تعاطيها مع هذه التحديات جراء الحرب المستمرة من قبل الجماعة الحوثية، مشدداً على ضرورة وضع سياسات واستراتيجيات وطنية للموازنة بين الزيادة في النمو السكاني والتنمية، وما يتطلبه ذلك من إدارة جادة للتحديات الاقتصادية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية واستيعاب احتياجات النمو السكاني.

ويأتي هذا بالتزامن مع إحصائية أممية حديثة كشفت عن أن ما يقارب ربع مليون طفل وامرأة حامل ومرضعة في اليمن، حرموا في يونيو (حزيران) الماضي من علاج سوء التغذية الحاد بسبب نقص التمويل.

نقص تمويل

يذكر برنامج الغذاء العالمي في تقرير حديث أن ما مجموعه 239.8 ألف طفل وامرأة حامل ومرضعة، حرموا من الحصول على علاج سوء التغذية الحاد المعتدل في شهر يونيو 2024؛ بسبب النقص الحاد في التمويل، لافتاً إلى أن برنامج الوقاية من سوء التغذية الحاد التابع له لا يزال معلقاً بالكامل.

وأرجع التقرير هذا التوقف إلى نقص التمويل، الذي يترك 2.4 مليون طفل وامرأة مرضعة وحامل معرضين لخطر مضاعفات سوء التغذية، فيما لا تزال عملياته في اليمن تفتقر بشدة إلى التمويل، بعد حصوله على نسبة 11 في المائة فقط من إجمالي متطلبات التمويل البالغة 1.25 مليار دولار للستة الأشهر الأخيرة من هذا العام.

قابلة وممرضة في تدريب على الإبلاغ عن البيانات وضمان الجودة الذي يدعمه البنك الدولي بالتعاون مع السلطات الصحية (الأمم المتحدة)

وبين البرنامج أنه تلقى الشهر الماضي مساهمات بقيمة 188 مليون دولار من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والجهات المانحة الخاصة، بإجمالي731 مليون دولار حتى نهاية يونيو الماضي.

وأنفق الجزء الأكبر من هذا التمويل على الغذاء والتحويلات النقدية على المعونة الغذائية العامة في مناطق الحكومة، والسلع الغذائية التي سيتم توزيعها خلال الأشهر المقبلة، وأنشطة الصمود وسبل العيش الجارية حالياً، بالإضافة إلى السلع الأساسية للعام الدراسي المقبل.

وتمكن البرنامج خلال الشهر الماضي من مساعدة 431.5 ألف طفل وامرأة وفتاة حامل ومرضعة وطفل في إطار برنامجه لعلاج سوء التغذية الحاد المعتدل، من بين 671.3 ألف مستهدف.

بدورها، تعمل منظمة «كير» على تقديم خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، بما في ذلك نقل المياه بالشاحنات ومستلزمات النظافة إلى 1.2 مليون شخص، وتدعم التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تحسين وصولها إلى الوسائل المالية والمعدات والمشورة الفنية والتدريب حتى تتمكن من إنشاء أعمال تجارية صغيرة.

من خلال التمكين الاقتصادي للمرأة تسعى منظمات دولية عديدة إلى الحد من تدهور الأمن الغذائي في البلاد (منظمة كير)

وأوردت المنظمة في بيان حديث أنها تقوم بتوزيع المواد الغذائية والنقدية والقسائم على 1.4 مليون شخص، لتمكينهم من شراء الإمدادات الأساسية لأسرهم، إلى جانب نشاطها في مجال الصحة الإنجابية، وتدريب القابلات، وإعادة تأهيل أجنحة الولادة، وتوفير مستلزمات الولادة المنزلية.

نجاحات أممية

تتوجه منظمة الصحة العالمية لتعزيز تكامل نظم المعلومات الصحية والتغذية في اليمن، لإعداد تقارير أكثر قوة حول مؤشرات الصحة والتغذية ذات الصلة على مستوى المنطقة، بالتعاون مع المنشآت الصحية ومكاتب الصحة في المناطق والمحافظات، ووزارة الصحة العامة والسكان، وبدعم من البنك الدولي، وشراكة اليونيسيف.

وتقول «الصحة العالمية» على موقعها على شبكة الإنترنت إن مراكز التغذية العلاجية التابعة لها تشهد زيادات مضاعفة في حالات سوء التغذية الحاد الوخيم المصحوب بمضاعفات طبية، الذي ارتفع من 32 ألف مصاب خلال 2020، إلى 62 ألفاً خلال العام الماضي.

يمنيات ينتظرن مع أطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية في مركز طبي في محافظة الحديدة (أ.ف.ب)

وتواصل المنظمة تقديم الدعم التشغيلي الكامل لـ62 مركزاً من مراكز التغذية العلاجية عبر برنامج رأس المال البشري الطارئ، حيث تقوم هذه المراكز بإدارة أكثر من 75 في المائة من الحالات التي تستقبلها، والتي تمثل 68 في المائة من جميع الحالات في اليمن.

ووصل معدل نجاح العلاج في هذه المراكز إلى 95 في المائة وفق تقديرات المنظمة، في حين تضمن المنظمة دعمها باللوازم الطبية، وتغطية تكاليف النقل والوجبات لمقدمي الرعاية، كما تقدم الدعم لـ340 موقع مراقبة في جميع أنحاء اليمن لقياس نسبة انتشار نقص التغذية بين الأطفال.

وفي العام الماضي، جرى فحص أكثر من مليون طفل يمني في هذه المواقع. ومن بينهم 25 ممن يعانون من نقص التغذية، وتمت إحالتهم لتلقي العلاج المنقذ للحياة، كما تم الكشف عن التقزم بين 44 في المائة من الأطفال الذين تم فحصهم.

ولا يزال التقزم يمثل مشكلة مثيرة للقلق وينتشر على نطاق واسع في أكثر من 175 مديرية من مديريات اليمن البالغ عددها 333 مديرية، وفقاً لتحليل بيانات مراقبة التغذية.

وتعمل المنظمة على دعم ودمج أنشطة مراقبة التغذية في منصات تقديم الخدمات الصحية الروتينية للأمهات والمواليد والأطفال، الذي يتماشى مع التحول النموذجي من الدعم الإنساني إلى المزيد من العمل الموجه نحو التنمية.


مقالات ذات صلة

«التشاور والمصالحة» تدعو قادة الانتقالي لخفض التصعيد والانخراط السياسي

خاص جانب من مراسم توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر 2019 (الشرق الأوسط)

«التشاور والمصالحة» تدعو قادة الانتقالي لخفض التصعيد والانخراط السياسي

دعا مسؤول يمني قادة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى المبادرة باتخاذ إجراءات سياسية وعسكرية تفضي إلى التخلي عن التصعيد المرفوض وطنياً، وإقليمياً، ودولياً.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج أطلق «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» سلسلة من المشاريع والمبادرات التنموية التي تغطي قطاعات حيوية (الشرق الأوسط)

السعودية شريان الحياة للتنمية في اليمن

في إطار جهود السعودية لدعم التنمية المستدامة في اليمن، أطلق «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» سلسلة من المشاريع والمبادرات التنموية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط) play-circle

خاص محافظ حضرموت لـ«الشرق الأوسط»: الإمارات بدأت الانسحاب والباب ما زال مفتوحاً لـ«الانتقالي»

أكد محافظ حضرموت أن الباب ما زال مفتوحاً أمام قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، للانسحاب من المحافظات الشرقية، درءاً لأي اقتتال بين الإخوة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي وماركو روبيو وزير خارجية الولايات المتحدة (وام)

عبد الله بن زايد وماركو روبيو يناقشان تطورات اليمن وأوضاع غزة

بحث الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، مع ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

الخليج لقطة من مقطع فيديو لمراقبة الشحنة العسكرية قبل أن يضربها التحالف قرب ميناء المكلا أمس (رويترز)

«التحالف» يفند ادعاءات «بيان الإمارات»... خروقات ومخالفات مرتبطة بسفينتي المكلا

أكد تحالف دعم الشرعية في اليمن أن السفينتين اللتين دخلتا ميناء المكلا خالفتا الإجراءات المعمول بها في مثل هذه الحالات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

محافظ حضرموت لـ«الشرق الأوسط»: الإمارات بدأت الانسحاب والباب ما زال مفتوحاً لـ«الانتقالي»

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
TT

محافظ حضرموت لـ«الشرق الأوسط»: الإمارات بدأت الانسحاب والباب ما زال مفتوحاً لـ«الانتقالي»

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)
سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)

دعا محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، جميع أبناء المحافظة المنخرطين مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات الدعم الأمني، إلى العودة صوب منازلهم، أو الالتحاق بإخوتهم في «درع الوطن»، متعهداً باستيعابهم واستقبالهم وترتيب أوضاعهم.

وكشف الخنبشي -في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»- أن القوات التابعة للإمارات بدأت فعلياً الانسحاب من جميع المواقع التي كانت تتمركز فيها، سواء في حضرموت أو شبوة.

سالم الخنبشي محافظ حضرموت اليمنية (الشرق الأوسط)

وأوضح أن صفارات الإنذار دوَّت، مساء الثلاثاء، بمطار الريان، تمهيداً لسحب القوات الإماراتية الموجودة هناك، لافتاً إلى أن قوات أخرى انسحبت أيضاً من بلحاف في شبوة.

وأوضح المحافظ أن للإمارات وجوداً محدوداً في منطقتي الربوة والضبة بحضرموت بأعداد قليلة، ويقتصر على خبراء وقادة يتولون الإشراف على قوات الدعم الأمني التابعة للمجلس الانتقالي.

وأفادت مصادر متطابقة بأن القوات الإماراتية في محافظة شبوة، وتحديداً في معسكر مُرَّة، بدأت يوم الثلاثاء فعلياً تفكيك أجهزة الاتصالات، في إطار استعدادها لمغادرة البلاد، بناءً على طلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي.

وشدَّد محافظ حضرموت على أن الحلَّ الوحيد لإنهاء الأزمة الحالية يتمثَّل في انسحاب جميع قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتي حضرموت والمهرة، بشكلٍ سلمي. وقال إن «الباب ما زال مفتوحاً، ونتمنى أن يستغل الإخوة في (الانتقالي) هذه الفرصة، لتجنيب أنفسهم وحضرموت وكل البلاد أي اقتتال أو مواجهة عسكرية، وأن يعودوا من حيث أتوا، بعدها يمكن الدخول في حوار سياسي حول أي تشكيل مستقبلي، ولكن من دون فرض أمر واقع بالقوة».

ولفت الخنبشي إلى جهوزية قوات «درع الوطن» التي يشرف عليها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، واستعدادها للانتشار في حضرموت والمهرة، وفقاً لإعلان حالة الطوارئ الذي أصدره الرئيس العليمي.

وأضاف أن هناك أيضاً قوات من أبناء حضرموت تُقدَّر بنحو 3 آلاف عنصر، كانوا يخدمون في المنطقة العسكرية الأولى، وهم جاهزون لمساندة إخوانهم في «درع الوطن».

وأوضح محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، أن مستوى التنسيق مع السعودية في أعلى مستوياته. وأضاف أن المملكة «تنظر إلى حضرموت والمهرة بوصفهما عمقها الأمني الاستراتيجي؛ إذ تجمعنا حدود تتجاوز 700 كيلومتر، ومن هنا فإن أمن واستقرار حضرموت والمهرة يُعدَّان جزءاً من الأمن الاستراتيجي للمملكة»؛ مشيراً إلى أنهما «يمثلان أيضاً عمقاً بشرياً وتاريخياً وإنسانياً، وتجمعنا أواصر القربى والأخوة»، مؤكداً الحرص على «ألا تتحول حضرموت والمهرة إلى بؤرة خطر تهدد أمن المملكة».

ووفقاً للخنبشي، فإن القرارات التي أصدرها الرئيس رشاد العليمي ومجلس الدفاع الوطني جاءت في توقيتٍ مناسب، بهدف تفويت الفرصة على كل من سعى إلى استغلال الوضع، على حدِّ تعبيره.


مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.