قتل بالبطيء... أوامر حوثية بترويج شحنات لمبيدات محظورة

الإصابة بالأورام السرطانية تزايدت في معظم مناطق اليمن

المبيدات الحشرية انتشرت في اليمن خلال الأعوام الأخيرة بشكل واسع (أرشيفية - رويترز)
المبيدات الحشرية انتشرت في اليمن خلال الأعوام الأخيرة بشكل واسع (أرشيفية - رويترز)
TT

قتل بالبطيء... أوامر حوثية بترويج شحنات لمبيدات محظورة

المبيدات الحشرية انتشرت في اليمن خلال الأعوام الأخيرة بشكل واسع (أرشيفية - رويترز)
المبيدات الحشرية انتشرت في اليمن خلال الأعوام الأخيرة بشكل واسع (أرشيفية - رويترز)

بينما تغصّ المستشفيات اليمنية بآلاف المصابين بأورام سرطانية، إلى جانب من يغادرون للعلاج في الخارج؛ تكشّفت المزيد من وقائع الفساد المرتبطة بدخول مبيدات محظورة وترويجها في البلاد، مع توجيه الاتهامات إلى قيادات حوثية بالتواطؤ مع تجار المواد ذات السميّة العالية مشبوهة المصدر.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر جمركية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» وجود صراع بين قيادات حوثية كبيرة حول مبيدات حشرية محتجزة في ميناء الحديدة منذ سنوات؛ وذلك بغرض تسويقها في عدد من المحافظات، وبالأخص محافظة صعدة، حيث تبرر القيادات الراغبة بدخول تلك المبيدات باحتياج مزارعي المحافظة لها.

وثيقة تكشف أوامر من أعلى هرم القيادة الحوثية للإفراج عن مبيدات محظورة محتجزة لدى الجمارك (إكس)

وذكرت المصادر أن قيادات حوثية عليا، لم تسمّها، يرجح وجود ارتباط بينها والقيادات المسيطرة على القطاع الزراعي، سعت إلى نقل تلك المبيدات إلى مخازن بعيدة عن ميناء الحديدة والساحل عموماً، متحججة باحتمالية إصابتها في قصف جوي على الميناء؛ ما يهدد البيئة البحرية بالتلوث، إلى جانب ما قد يحدث حال وقوع الانفجارات المتوقعة.

ونوهت المصادر إلى أن تلك المبيدات احتُجزت منذ 5 أعوام في ميناء الحديدة، وصدر قرار قضائي بإلزام مستورديها بإعادتها إلى بلد المنشأ، وفقاً للقانون المعمول به منذ ما قبل الانقلاب الحوثي، إلا أنه لم يجرِ تنفيذ القرار واكتُفي باحتجازها في الميناء، في حين يحاول مستوردوها بين حين وآخر الإفراج عنها وإدخالها إلى الأسواق.

وأكدت المصادر وجود إجراءات مشددة وسرية تخص تلك الحاويات ومكان احتجازها؛ ما يضع احتمالات بأنه يجري أو قد جرى التصرف في كميات منها خلال الأعوام الماضية دون انكشاف ذلك.

وكشفت وثيقة صادرة عن قطاع الجمارك الخاضع للجماعة الحوثية عن إخراج مقطورة محملة بمبيدات سامة محظورة من مقرّ جمارك صنعاء، وبتوجيهات قيادات عليا في الجماعة، واتهم الناشطون الذين كشفوا عن الوثيقة مُصدري التوجيهات بمخالفة القانون الذي يعطي وزارة الزراعة فقط صلاحية منح تراخيص دخول شحنات المبيدات الزراعية أو منعها.

إطلاق السموم

وتضمنت الوثيقة التي تعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أوامر لضابط أمن الجمارك بالسماح بخروج مقطورة، تتبع شركة «سبأ العالمية» المملوكة للتاجر الموالي للجماعة الحوثية عبد العظيم دغسان، محملة بمبيد «بروميد الميثيل» المحظور في اليمن، وبصورة سرية دون علم المسؤولين عن الجمارك؛ وهو ما رفضه الضابط الذي طلب الحصول على إذن من مدير عام الجمارك.

وثيقة تكشف ترخيص استيراد مبيد «المانكوزيب» المحظور في اليمن لصالح شركة طمس اسمها مسرّبو الوثيقة (فيسبوك)

وبحسب الوثيقة؛ فإن قائد كتيبة الخدمات التابعة للجماعة الحوثية، نبيل ضيف الله توعّد ضابط أمن الجمارك بإخراج المقطورة بالقوة، دون الحاجة إلى أي إذن من أي شخصية أخرى؛ كون هذه الأوامر صادرة من أعلى سلطة، ممثلة برئيس مجلس الحكم، ومن مدير عام القيادة والسيطرة، وليس باستطاعة أحد أن يرفضها.

وتم إرسال القياديين عبد الله الباردة ونبيل لطف الله، وهما من قيادة قوات النجدة، لتنفيذ الأوامر، واللذين طلبا من مدير عام مكتب ورقابة الجمارك إخراج المقطورة من دون أي خلافات، وبحسب الأوامر العليا، طلبا منه التواصل مع قائد النجدة أبو بدر المراني، والذي بيّنت الوثيقة أنه طلب من مدير الجمارك سرعة إخراج القاطرة تنفيذا للتوجيهات العليا.

إلا أن مدير الجمارك واصل رفضه، لكون المقطورة تحمل مبيد «بروميد الميثيل» شديد السمية والمحظور، مطالباً بموافقة وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب، غير أن المراني هدده بالقدوم بنفسه لإخراجها، ليرسل قوة مسلحة على متن ثلاث سيارات لإجباره على تسليم المقطورة، بحضور مدير مكتب الأمن والمخابرات في الجمارك محمد محمد عبد الله عزيز.

ووفقاً لناشطين موالين للجماعة، تولوا مهام نشر قضايا الفساد التي تتهم بها قيادات وأجنحة حوثية، فإن اليمن استقبل خلال العام الماضي 15 مليون لتر من المبيدات المرخصة، بينما لا يزيد احتياجها السنوي على 3 ملايين لتر.

توجيهات حوثية من مجلس الحكم الانقلابي بالسماح بتسجيل مبيدات حشرية تابعة لتاجر موالٍ للجماعة (إكس)

وتناقل الناشطون الحوثيون مقاطع من خطابات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يوجّه فيها بمنع دخول المبيدات الحشرية المحرمة دولياً لما لها من أضرار خطيرة، واتهموا القيادات التي تعمل على تسهيل دخول المبيدات بمخالفة توجيهاته.

إلا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من توجيهات زعيم الجماعة، وعدوا قيادته للجماعة سبباً في كل ما يقاسيه اليمنيون من مآسٍ خلال الأعوام الماضية.

سرطانات بالجملة

وتداول الناشطون اليمنيون أرقاماً متفاوتة حول أعداد المصابين بالأورام السرطانية في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، متهمين تجار المبيدات والقادة الفاسدين بالتسبب في مفاقمة هذه الأمراض، وزيادة أعداد المصابين بها، في حين أيّدهم الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين ذكروا أن مناطقهم وقراهم لم تعرف هذا الكم من الإصابات بالسرطانات إلا في زمن سيطرة الجماعة.

وأعلن طبيب مؤيد للجماعة عن تلقيه تهديدات بسبب ما ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي حول المبيدات وتأثيراتها الصحية الخطيرة، واتهامه بالعمل ضمن «الطابور الخامس».

صورة نشرها أحد القيادات الحوثية في القطاع الزراعي حول استخدام المبيدات الحشرية بشكل مفرط (فيسبوك)

ونشر الطبيب وثائق تكشف عن صدور تراخيص بإدخال كميات تزيد على 27 ألف كيلوغرام من مبيد «المانكوزيب» المشمول بقرارات الحظر من طرف القطاع الزراعي، وهي المادة التي تأتي في الترتيب الـ59 ضمن قائمة الحظر الصادرة عن القطاع الزراعي.

وتحدث الطبيب عن تزايد حالات الإصابات بالأورام السرطانية، خصوصاً تلك التي تصيب الجهاز الهضمي، ومعاينته بنفسه عشرات الحالات القادمة من مناطق ريفية نائية، حيث لا توجد خدمات طبية كافية، أو وسائل وأجهزة كشف متقدمة، ويجري تشخيص آلام المصابين بتلك الأورام بأنها تسمم غذائي أو بكتيري، أو التهابات وقرح معدية.

وبسبب التأخر في الكشف عن هذه الأورام، ومع استمرار تناول المواد الغذائية، إلى جانب تعاطي نبتة «القات»، فإن الأورام تستفحل بشدة إلى درجة يصعب علاجها، وتؤدي في النهاية، وفي الغالب إلى وفاة المصابين بها، كما يذكر الطبيب.

ويستغرب الناشطون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من استمرار دخول مبيدات حشرية مصنّفة بأنها إسرائيلية المصدر، في حين ترفع الجماعة الحوثية شعار مقاطعة البضائع الإسرائيلية منذ صعودها، وحظرت خلال الأشهر الأخيرة دخول المواد والسلع الغذائية القادمة من أوروبا والولايات المتحدة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

العالم العربي مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال لتمويل احتفالاتها بما تسميه «جمعة رجب».

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

بعد مصادرة أرباح الودائع أطلقت الجماعة الحوثية وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين في البنوك على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال 17 عاماً

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي عنصر حوثي يحمل مجسماً لصاروخ وهمي في صنعاء خلال تجمع لأتباع الجماعة (أ.ف.ب)

الحوثيون يتبنون أولى هجمات السنة الجديدة باتجاه إسرائيل

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران أولى هجماتها في السنة الميلادية الجديدة باتجاه إسرائيل، الجمعة استمرارا لتصعيدها الذي تزعم أنه يأتي لمناصرة الفلسطينيين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اعتراض قارب يقل 130 مهاجراً في سواحل محافظة لحج اليمنية (إعلام حكومي)

مئات المهاجرين الأفارقة يتدفقون إلى اليمن رغم تشديد الأمن

بدأ العام الجديد أيامه بتدفق المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي الذين وصلوا إلى سواحل اليمن على متن قوارب متهالكة استقلوها من سواحل جيبوتي والصومال.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

تزداد مخاوف السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء يوماً بعد آخر من التدهور للأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنية جراء التصعيد الحوثي مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».