انهيار شبكات الصرف الصحي معضلة تهدد سكان صنعاء

13 مليون امرأة وطفل يحتاجون الرعاية الطبية

شارع في صنعاء تغمره مياه المجاري بسبب انسداد شبكة التصريف (الشرق الأوسط)
شارع في صنعاء تغمره مياه المجاري بسبب انسداد شبكة التصريف (الشرق الأوسط)
TT

انهيار شبكات الصرف الصحي معضلة تهدد سكان صنعاء

شارع في صنعاء تغمره مياه المجاري بسبب انسداد شبكة التصريف (الشرق الأوسط)
شارع في صنعاء تغمره مياه المجاري بسبب انسداد شبكة التصريف (الشرق الأوسط)

فشل صبري مرات عدة في إقناع المسؤولين بالعاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لحل مشكلة طفح مجاري الصرف الصحي بالقرب من محله التجاري واختلاطها بسيول الأمطار، حيث بات أغلب شوارع المدينة أشبه بالمستنقعات، في أيام العيد.

ويؤكد صبري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن أغلب مناطق وأحياء صنعاء يعيش وضعاً مأساوياً يهدد بكارثة بيئية جراء استمرار طفح المجاري في معظم الشوارع والحارات، مع تهديدها بإغلاق بعض المنازل والمتاجر والشوارع نتيجة توسعها يوماً بعد آخر.

صورة تظهر تردي شبكة الصرف الصحي في صنعاء (الشرق الأوسط)

ويشكو صبري، وهو مالك محل لبيع الدواجن بصنعاء، من استمرار طفح المجاري بالقرب من متجره في حي السنينة دون وجود أي تحرك من قبل ما تسمى «مؤسسة المياه والصرف الصحي» الخاضعة للحوثيين، وعدم تدخلها للقيام بواجباتها بإزالة التراكمات والأتربة وفتح الانسدادات الحاصلة في شبكات المجاري وسحب مياه الأمطار الراكدة فيها.

ويطالب صبري، ومعه آلاف السكان في المدينة، الجهات المسؤولة الخاضعة للحوثيين بعدم الإهمال واللامبالاة، وبتحمل مسؤولياتهم في الإسراع إلى عمل صيانة عاجلة للشبكات المتهالكة وسحب المياه الراكدة من أمام المحال التجارية والمنازل.

ويشير إلى الوضع المزري وما رافقه من إهمال وتقاعس حوثي متعمد، أدى إلى تكبيده وآخرين خسائر مادية نظراً إلى صعوبة الوصول إلى المحل بسبب طفح المجاري وتدفق المياه العادمة منها وانبعاث روائح كريهة.

وبالتوازي مع وضع معيشي متدهور يكابده سكان صنعاء ومدن يمنية أخرى جراء الحرب المستمرة وما خلفته من انقطاع للرواتب وانحسار العمل وغلاء الأسعار وغياب الخدمات، يشكو السكان في أحياء عصر والسنينة ومذبح والرقاص والرباط في مديرية معين (ذات الكثافة السكانية العالية) من استمرار تفاقم مشكلة طفح المجاري وتسببها في تنغيص الفرحة بالعيد.

ويقول السكان إن الأمر يكمن في إهمال الجماعة الحوثية وغياب أعمال الصيانة منذ سنوات، مع استمرار الفساد والعبث المستشري في أروقة «مؤسسة المياه والصرف الصحي» وفروعها، الأمر الذي أدى إلى انهيار شبه كامل لمنظومة المجاري.

تهديد بيئي

إلى جانب صبري، يعبر فتحي، وهو من سكان حي عصر في صنعاء، عن انزعاجه الشديد من استمرار طفح المجاري في أكثر من مكان بالحي الذي يقطنه، وأفاد بأن المشكلة التي تتزامن مع هطول مزيد من الأمطار وتدفق السيول تحولت في النهاية إلى مشكلة بيئية تهدد صحة السكان.

شارع في صنعاء بعد أن غمرته مياه الصرف الصحي (الشرق الأوسط)

وضاعف استمرار موسم الأمطار على العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى من مشكلة طفح المجاري، ومن معاناة ملايين السكان؛ بمن فيهم النازحون والأسر الأشد فقراً، وسط تجاهل من الحوثيين المسيطرين على الإدارة والموارد المالية.

في غضون ذلك، تحذر المصادر البيئية والصحية التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في صنعاء من مغبة استمرار طفح المجاري وتراكم مياه الأمطار في أغلب مديريات ومناطق صنعاء، وما قد يسببه ذلك من انتشار سريع لكثير من الأمراض والأوبئة القاتلة.

وكانت تقارير محلية أكدت دخول ملايين اليمنيين في مصاعب كبيرة جراء القصور والتسيب الحوثي المستمر والمتعمد والذي قاد إلى تهالك شبكات مياه الصرف الصحي التي تنفجر بين الحين والآخر في أحياء صنعاء وغيرها من المدن، مسببة لهم كثيراً من الأمراض.

مساعدات صحية

وكشفت منظمة الصحة العالمية عن أن أكثر من 13 مليون طفل وامرأة في اليمن بحاجة ماسة للخدمات الصحية في العام الحالي، حيث تشكل النساء ما نسبته 24 في المائة، فيما الأطفال يشكلون ما نسبته 50 في المائة.

وأوضحت المنظمة، في بيان حديث أن النزاع الذي طال أمده في اليمن ترك نصف السكان بحاجة إلى مساعدات صحية؛ إذ يحتاج 17.8 مليون شخص في البلاد إلى مساعدات صحية؛ نحو 75 في المائة منهم من الأطفال والنساء.

تحذيرات من كارثة بيئية وصحية تهدد سكان صنعاء (الشرق الأوسط)

ومن ضمن 8.9 مليون طفل يمني محتاج للخدمات الصحية، يحتاج أكثر من 540 ألف طفل دون سن الخامسة إلى علاج منقذ للحياة بسبب الهزال الشديد، 10 في المائة منهم يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم مع مضاعفات، ويحتاجون إلى رعاية مختصة مع ضرورة إبقائهم في المشفى.

وتعد الفئات الضعيفة أكثر من يتحمل آثار النزاع المستمر في اليمن، ويشمل ذلك النازحين داخلياً والنساء والأطفال وكبار السن، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، والمجتمعات المهمشة، والأشخاص المصابين خلال الصراع.

ووفق بيان من المنظمة، توجد 6 أخطار ذات أولوية واحتمالية عالية وتأثير كبير على الصحة العامة في اليمن: «النزاع المسلح، والكوليرا، وحمى الضنّك، والفيضانات والأعاصير، والملاريا، والحصبة».


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.