«هدنة غزة»: غياب «حماس» لا يعرقل المفاوضات... وتنسيق مصري - قطري لإحداث «اختراق»

مصادر أكدت لـ«الشرق الأوسط» إصرار الوسطاء على التوصل لاتفاق «متوازن»

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (رويترز)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: غياب «حماس» لا يعرقل المفاوضات... وتنسيق مصري - قطري لإحداث «اختراق»

جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (رويترز)
جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (رويترز)

لليوم الثاني على التوالي، تواصلت بالقاهرة، مفاوضات التهدئة في قطاع غزة، بمشاركة وفد أمني إسرائيلي، بينما لم يصل وفد من حركة «حماس» للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة، التي تجري بوساطة مصرية وقطرية وأميركية، وتستهدف التوصل إلى اتفاق بشأن وقف مؤقت لإطلاق النار، وتبادل للأسرى، وإدخال المساعدات.

وبينما رجحت مصادر مطلعة على مسار المفاوضات أن تشهد الأيام المقبلة وصول وفد من حركة «حماس»، لافتة إلى أنه «لا سقف زمنياً للمفاوضات الجارية حالياً»، أكد مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن غياب الحركة الفلسطينية عن مفاوضات القاهرة حتى الآن «لا يحول دون تقدمها»، مؤكدين أن مصر وقطر لديهما «قنوات اتصال مفتوحة» مع قيادات «حماس»، وأن إقرار اتفاق للتهدئة يمثل «مصلحة لجميع الأطراف».

ويأتي استئناف المفاوضات في القاهرة في أعقاب تعثر جولات سابقة عدة استضافتها العاصمتان المصرية والقطرية على مدى الأسابيع الأخيرة، وحال جمود مواقف طرفي الصراع دون التوصل إلى اتفاق بشأن التهدئة في القطاع الذي يشهد أزمة إنسانية طاحنة جراء استمرار الحرب نحو 6 أشهر، ولم يتوقف القتال إلا لأسبوع واحد فقط بعد هدنة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دامت أسبوعاً بوساطة مصرية وقطرية وأميركية.

وبموازاة مفاوضات القاهرة، يتوجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الأردنية عمّان، مساء الاثنين، للقاء عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني. ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، فإن الزعيمين سوف يناقشان «جهود وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

غياب «حماس»

أفادت مصادر مطلعة على مجريات المفاوضات الجارية حالياً في القاهرة بأن المفاوضات «تجري وفق البنود المخطط لها منذ مفاوضات الدوحة الشهر الماضي»، لافتة إلى أن «حماس» «لم تقدم عرضاً جديداً يختلف عما أبلغت به الوسطاء في جولة الدوحة الأخيرة»، وأن الحركة «أبدت تمسكاً واضحاً بموقفها المطالب بوقف الحرب، وعودة النازحين لشمال غزة، وتيسير دخول المساعدات عبر المعابر البرية لجميع مناطق القطاع».

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن عدم وصول وفد من حركة «حماس» للمشاركة في المفاوضات الجارية بالقاهرة «لا يعرقل سير المفاوضات»، وتوقعت المصادر استمرار المفاوضات «عدة أيام»، مؤكدة أنه «لا سقف زمنياً محدداً لانتهائها»، كما شددت على وجود «إرادة قوية من جانب الوسطاء للتوصل إلى اتفاق متوازن يحظى بقبول الطرفين، ويمهد السبيل نحو خطوات أكثر تقدماً لاستدامة التهدئة».

وأضافت المصادر أن تنسيقاً «رفيع المستوى» يجري بين القاهرة والدوحة، وأن الدور الأميركي «في قلب ما يجري» من جهود بهدف إحداث «تقدم واختراق» نحو إبرام اتفاق.

يشار إلى أن مسؤولاً في «حماس» أكد، الأحد، أن الحركة لم تتخذ بعد قراراً بشأن ما إذا كانت سترسل وفداً إلى مفاوضات جديدة في الدوحة أو القاهرة بهدف التوصل إلى هدنة في الحرب مع إسرائيل في غزة، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

قنوات اتصال مفتوحة

ومن جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة والجامعة الأميركية في مصر، والمتخصص في الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية الدكتور طارق فهمي، أن عدم مشاركة وفد من «حماس» في مفاوضات القاهرة «لا يؤثر بشكل كبير على مسار التفاوض»، مشيراً إلى أن الوسطاء في القاهرة والدوحة لديهم «قنوات اتصال وخطوط مفتوحة على مدار الساعة مع قيادات الحركة» للتباحث بشأن ما يمكن أن يقود إلى إقرار اتفاق يحقق مصلحة جميع الأطراف.

وتوقع فهمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ألا يطول غياب وفد من «حماس» عن المفاوضات، مشيراً إلى أن الحركة «قد تتعرض لضغوط إقليمية من أجل التجاوب مع جهود التهدئة»، خصوصاً في أعقاب الخطاب «الذي بدا متشدداً» بعد زيارة قيادات حركتي «حماس» و«الجهاد»، الأسبوع الماضي، إلى إيران.

وعدَّ أستاذ العلاقات الدولية استمرار المفاوضات وعودتها إلى القاهرة ومشاركة وفد إسرائيلي يضم قادة أجهزة «الشاباك» و«الموساد» وممثلين لملف الأسرى الإسرائيليين وممثلاً للجيش «مؤشراً على وصول التفاوض إلى مرحلة جادة على طريق حسم اتفاق»، كما أنه «يعكس رغبة إسرائيلية في المضي قدماً في هذا المسار»، بغض النظر عن مستوى التفويض الممنوح لقادة تلك الأجهزة من رئيس الوزراء الإسرائيلي.

كانت حركتا «حماس» و«الجهاد»، أكدتا، الأسبوع الماضي، عقب اجتماع بين رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية وأمين عام «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة في طهران، أن نجاح أي مفاوضات «يعتمد على وقف الحرب وانسحاب إسرائيل بشكل كامل من غزة، وحرية عودة النازحين، وإدخال المساعدات».

وقال القيادي في حركة «حماس» محمود المرداوي إن ما قدمته «حماس» في 14 مارس (آذار) هو مقترح «واضح وشامل» جاء بناءً على مفاوضات باريس الأولى والثانية وحوار كامل مع الوسطاء، مضيفاً: «قدمنا مقترحات نأخذها في الحسبان، وكل التداعيات التي اكتنفت مشوار الوسطاء على مدار أشهر طويلة، نحن ما زلنا متمسكين بها».

وشدد القيادي في «حماس» في تصريحات، الأحد، لوكالة أنباء «العالم العربي» على أن «أي مفاوضات لا تأخذ في الحسبان ضرورة وقف إطلاق النار والانسحاب والإغاثة والإعمار وعودة النازحين تعد منقوصة، وهدفها استعادة الأسرى والمحتجزين فقط، وهو مطلب نتنياهو ودون ثمن، وهذا لن يتحقق مطلقاً، وهو يراهن على أوهام».

تفاوض تحت الضغط

وفي السياق نفسه، رأى أستاذ العلاقات الدولية والسياسي الفلسطيني الدكتور أسامة شعث أن حركة «حماس» لا تريد أن تظهر في صورة المهزوم، خصوصاً أنها تتفاوض تحت ضغط الحرب المستمرة منذ 6 أشهر، وإحكام الحصار الإسرائيلي على القطاع، وفي ظل استمرار عمليات الاغتيالات والتجويع والتهجير لسكان غزة.

وأضاف شعث لـ«الشرق الأوسط» أن كل طرف (إسرائيل وحماس) يحاول أن يبدو في صورة «القوي والمسيطر»، مؤكداً أن ما يظهر في وسائل الإعلام «لا يعبر بالضرورة عما يجري حقيقة على طاولة التفاوض»، معرباً عن اعتقاده أن وسطاء التهدئة لديهم من الأدوات والاتصالات ما يمكنهم من إدارة عملية التفاوض بكفاءة، سواء بحضور كل الأطراف أو عبر قنوات الاتصال مع المعنيين في الطرفين.

وأشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أن التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى يمثل حالياً «مصلحة» لحكومة نتنياهو التي تريد تخفيف الضغوط الداخلية والدولية عليها، فضلاً عن رغبتها في التفرغ للجبهة اللبنانية، إذ لا تريد أن تخوض حرباً مفتوحة على جبهتي غزة وجنوب لبنان.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد قالت، الاثنين، إن رئيس «الموساد» ديفيد برنياع أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لن يتسنى إبرام صفقة لتبادل المحتجَزين مع «حماس»، دون تنازلات بشأن عودة المدنيين الفلسطينيين إلى شمال غزة.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي منح رئيس جهاز «الموساد»، ورئيس الوفد المفاوض في مباحثات تبادل الأسرى مع «حماس»، صلاحيات أكبر من الماضي، في محاولة للتوصل إلى اتفاق قريب يؤدي لإطلاق سراح المحتجَزين الإسرائيليين.


مقالات ذات صلة

«حماس» تعدم شخصاً أدانته بقتل أحد ضباطها

خاص المقدم أحمد زمزم اغتيل برصاصات عدة أطلقها مسلحون على سيارته (المركز الفلسطيني للإعلام)

«حماس» تعدم شخصاً أدانته بقتل أحد ضباطها

أعدمت حركة «حماس»، الأحد، فلسطينياً اعتقلته وأدنته بالمشاركة في قتل أحمد زمزم، الضابط في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الحركة، في هجوم وقع وسط غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي يمنيون يتابعون كلمة لأبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في أغسطس الماضي (أرشيفية-إ.ب.أ)

«حماس» تؤكد مقتل أبو عبيدة ومحمد السنوار في حرب غزة

​أكدت حركة «حماس»، اليوم الاثنين، مقتل ‌أبو ‌عبيدة ‌المتحدث باسم ⁠جناحها ​العسكري ‌ومحمد السنوار الذي كان قائدها في غزة.

المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 4 فبراير 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ) play-circle

تقرير: نتنياهو فكر في فتح معبر رفح قبل لقاء ترمب لكنه تراجع

نقلت صحيفة إسرائيلية، عن مصدر، قوله إن بنيامين نتنياهو عرض فتح معبر رفح بين مصر وغزة في كلا الاتجاهين كبادرة حسن نية قبل اجتماعه مع ترمب، لكنه تراجع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لدى وصولهما إلى المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب) play-circle

نتنياهو يستعد لترمب بخطة بديلة في غزة... وتركيز على إيران

وسط زخم من التقديرات والتسريبات الإسرائيلية عما جرى إعداده في تل أبيب للقاء دونالد ترمب، مع بنيامين نتنياهو، اعتبرت مصادر إسرائيلية أن اللقاء «معركة مصيرية».

نظير مجلي (تل أبيب)

الرئيس الصومالي يزور تركيا الثلاثاء تلبية لدعوة إردوغان

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» داخل مكتبه بالقصر الرئاسي في مقديشو (رويترز - أرشيفية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» داخل مكتبه بالقصر الرئاسي في مقديشو (رويترز - أرشيفية)
TT

الرئيس الصومالي يزور تركيا الثلاثاء تلبية لدعوة إردوغان

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» داخل مكتبه بالقصر الرئاسي في مقديشو (رويترز - أرشيفية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» داخل مكتبه بالقصر الرئاسي في مقديشو (رويترز - أرشيفية)

قال برهان الدين دوران، مدير الاتصالات في مكتب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم (الاثنين)، إن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود سيزور تركيا غداً (الثلاثاء) تلبيةً لدعوة إردوغان.

وأضاف دوران، على منصة «إكس»، أنه سيتم خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين تركيا والصومال وتقييم الخطوات التي يمكن اتخاذها لتعزيز التعاون.

وتابع قائلاً: «سيناقش الزعيمان جهود الصومال في مكافحة الإرهاب، وخطواته لضمان الوحدة الوطنية، والتطورات الإقليمية».

كانت تركيا قد أدانت، يوم الجمعة، اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، ووصفته بأنه عمل غير قانوني يستهدف زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.

وأكدت «الخارجية التركية»، في بيان، أن الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم هو تدخل سافر في الشؤون الداخلية للصومال، مؤكدة استمرار تركيا في دعمها لوحدة أراضي الصومال.


اتهامات لقوات «الانتقالي» بارتكاب مئات الانتهاكات في حضرموت

عناصر «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمون بارتكاب المئات من الانتهاكات في حضرموت (أ.ف.ب)
عناصر «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمون بارتكاب المئات من الانتهاكات في حضرموت (أ.ف.ب)
TT

اتهامات لقوات «الانتقالي» بارتكاب مئات الانتهاكات في حضرموت

عناصر «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمون بارتكاب المئات من الانتهاكات في حضرموت (أ.ف.ب)
عناصر «المجلس الانتقالي الجنوبي» متهمون بارتكاب المئات من الانتهاكات في حضرموت (أ.ف.ب)

انضم وزير الدفاع في الحكومة اليمنية الشرعية محسن الداعري إلى الإجماع اليمني الواسع المرحب برسالة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى الشعب اليمني، التي تدعو «المجلس الانتقالي الجنوبي» إلى إخراج قواته من حضرموت وشبوة، بالتوازي مع تقارير حقوقية تتهم هذه القوات بارتكاب مئات الانتهاكات.

وفي هذا السياق، عبّر الوزير الداعري عن تقديره العميق لرسالة نظيره وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، «وما حملته من تأكيد على موقف السعودية الثابت في دعم ومساندة اليمن وشرعيته، وحرصها الدائم على وحدة الصف، وتضافر جهود الجميع لاستعادة مؤسسات الدولة، وتحرير كامل التراب الوطني، وتحقيق أهداف (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل)، بما يعزز الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة».

وأكد الوزير الداعري، في منشور له على صفحته في «فيسبوك»، ثقته المطلقة «بحكمة القيادة السعودية، وقدرتها على تجاوز وحل أي خلافات أو تباينات لإخراج اليمن إلى بر الأمان شمالاً وجنوباً».

وزير الدفاع في الحكومة اليمنية الشرعية محسن الداعري (سبأ)

وثمّن وزير الدفاع اليمني، عالياً، «التضحيات السعودية والدعم السخي والإسناد المتواصل في مختلف الجوانب وعلى الصعد كافة»، مؤكداً اعتزازه «بهذه الشراكة الاستراتيجية التي ستظل ركيزة أساسية لاستكمال التحرير وبناء مستقبل آمن ومزدهر».

وقال الداعري: «أكرر الشكر والتقدير للأشقاء في المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف، على مساعيهم الحكيمة وجهودهم الصادقة ليتحقق لنا الأمن والاستقرار والتنمية».

مئات الانتهاكات

وفي ظل استمرار التصعيد العسكري الأحادي الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي»، كشفت «الشبكة اليمنية للحقوق والحريات»، عن توثيق 614 واقعة انتهاك ارتكبتها قواته في محافظة حضرموت، خلال الفترة من 2 ديسمبر (كانون الأول) إلى 25 من الشهر نفسه، في تصعيد وصفته بـ«المنظم والممنهج» استهدف المدنيين والبنية المجتمعية، وأسفر عن تهجير وتشريد ما يقارب 5000 أسرة من مناطق متفرقة في المحافظة.

وقالت الشبكة، في تقرير، الاثنين، إن «طبيعة وحجم الانتهاكات المسجلة يعكسان نمطاً متكرراً من الممارسات الجسيمة التي لا يمكن توصيفها بأنها حوادث فردية أو عرضية، بل تأتي في سياق سياسة ممنهجة تهدد السلم الاجتماعي، وتقوّض سيادة القانون في واحدة من أكثر المحافظات اليمنية استقراراً نسبياً».

موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» يرفعون في عدن صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

ووفقاً للتقرير، شملت الانتهاكات جرائم قتل وإصابة، وتصفيات ميدانية خارج إطار القانون، واعتقالات تعسفية، وإخفاءً قسرياً، ونهباً لممتلكات عامة وخاصة، وتهجيراً قسرياً واسع النطاق. وأشار إلى توثيق مقتل 35 عسكرياً من أفراد الجيش و12 مدنياً من أبناء حضرموت، إلى جانب إصابة 56 شخصاً بجروح متفاوتة.

كما سجل التقرير 7 حالات تصفية ميدانية لأسرى دون أي إجراءات قضائية، و316 حالة اعتقال تعسفي طالت مدنيين، في خرق واضح للضمانات القانونية الأساسية. وفيما يتعلق بملف الإخفاء القسري، وثقت الشبكة 216 حالة توزعت على محافظات عدة، من بينها حضرموت (53 حالة)، وريمة (41)، وحجة (31)، وتعز (28)، وذمار (26)، وأبين (19)، وإب (18)، إضافة إلى حالات من محافظات أخرى.

وأشار التقرير كذلك إلى نهب 112 منزلاً سكنياً و56 منشأة تجارية، والاستيلاء على 20 مركبة خاصة، فضلاً عن التهجير القسري وتشريد آلاف الأسر، ما فاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية في المحافظة.

إخفاء قسري

وأكدت الشبكة الحقوقية تلقيها عشرات البلاغات الموثقة من أسر مدنية، أفادت باختفاء أبنائها قسراً، دون أي معلومات عن أماكن احتجازهم أو مصيرهم حتى لحظة إعداد التقرير، إضافة إلى مئات العسكريين التابعين للمنطقة العسكرية الأولى الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، في انتهاك جسيم للقانون الوطني والمعايير الدولية.

وشدد التقرير على أن هذه الممارسات «تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وخرقاً لالتزامات اليمن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الحياة، وحظر الاعتقال التعسفي، وحظر الإخفاء القسري».

وذهبت الشبكة إلى أن «بعض هذه الأفعال قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما إذا ثبت طابعها واسع النطاق أو المنهجي، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم وتستوجب المساءلة الجنائية الفردية والمؤسسية».

«المجلس الانتقالي الجنوبي» يسعى إلى الانفصال عن شمال اليمن وإخضاع حضرموت والمهرة بالقوة (أ.ب)

وحذرت الشبكة الحقوقية من «تداعيات إنسانية كارثية، تشمل تفكك النسيج الاجتماعي، وتفاقم النزوح الداخلي، والانهيار الاقتصادي المحلي، وتعاظم الصدمات النفسية لدى النساء والأطفال، في ظل غياب آليات حماية فعالة للمدنيين».

وطالبت بـ«إدانة دولية واضحة وصريحة للانتهاكات المرتكبة في حضرموت، والوقف الفوري وغير المشروط لها، والإفراج العاجل عن جميع المحتجزين تعسفياً، والكشف عن مصير المخفيين قسراً، وإعادة الممتلكات المنهوبة إلى أصحابها». كما دعت إلى محاسبة المسؤولين «وفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب».

وأكدت الشبكة أن ما يجري في حضرموت «ليس وقائع معزولة، بل هو نمط ممنهج يهدد فرص الاستقرار والسلام في اليمن»، مجددة استعدادها للتعاون مع آليات الأمم المتحدة والجهات الدولية المختصة، وتزويدها بالتقارير التفصيلية والأدلة الموثقة وقوائم الضحايا.


الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.