«الكوليرا» يتفشى في صنعاء ويهدد حياة المعتقلين لدى الحوثيين

معدلات الإصابة بالحصبة مستمرة في الارتفاع

تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
TT

«الكوليرا» يتفشى في صنعاء ويهدد حياة المعتقلين لدى الحوثيين

تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)
تتفشى الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الحرب ضد اللقاحات (رويترز)

مع تأكيد منظمة دولية عدم قدرتها على السيطرة على تفشي مرض الحصبة في ضواحي مدينة تعز، كشفت مصادر طبية يمنية وسكان عن انتشار وباء الكوليرا في العاصمة اليمنية المختطَفة صنعاء، وقالت إن الوباء امتد إلى سجون مخابرات الجماعة، وهو ما يعني تهديداً لحياة المئات منهم.

المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ذكرت أن القائمين على إدارة سجون الحوثيين أبلغوا عائلات المعتقلين خلال الأسبوع الحالي بمنع الزيارات أو إدخال الطعام لذويهم، بسبب تفشي وباء الكوليرا داخل المعتقلات، بينما أكَّدت مصادر عاملة في القطاع الطبي تسجيل آلاف الإصابات، وقالت إن الجماعة تتكتَّم على الأمر، فيما تستقبل المستشفيات العامة والخاصة عشرات الحالات يومياً.

ملايين الأطفال اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين عرضة للأمراض الفتّاكة (أ.ب)

وكانت «منظمة الصحة العالمية» أكدت، في تقرير لها، نهاية العام الماضي، تسجيل أكثر من 7 آلاف حالة مشتبَه في إصابتها بالكوليرا في اليمن خلال عام 2023، وقالت إن إجمالي الوفيات المبلَّغ عنها 9 حالات وفاة مرتبطة بالمرض، مع معدل إماتة للحالات يبلغ أكثر من 1 في المائة، فيما تبلغ معدلات الإصابة 23 حالة لكل 100 ألف شخص.

وأعادت «منظمة الصحة العالمية» السبب الرئيسي لانتشار الوباء إلى الإجهاد الشديد الذي تعاني منه البنية التحتية للرعاية الصحية، وتدهور الظروف الاقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى الانخفاض المتزايد في تغطية التحصين الشاملة وقيود الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وقالت إن هذا كله جعل البلاد وسكانها عرضة بدرجة كبيرة لتفشي الأمراض، خصوصاً تلك التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الكوليرا والدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال.

خوف من التصفية

أفادت مصادر في عائلات المعتقلين في سجون الحوثيين لـ«الشرق الأوسط» بأنها أوقفت إرسال الأطعمة لأقاربها في المعتقلات حتى لا تترك للحوثيين ذريعة لتصفيتهم تحت مبرر أنهم تناولوا أطعمة ملوَّثة أُرسلت لهم، أو أنهم أُصيبوا بأمراض وبائية نتيجة تناولهم تلك الأطعمة.

ورغم أن السجناء يشكون بشكل دائم من تردّي نوعية الوجبات الغذائية التي تُقدَّم لهم وعدم كفايتها، رأت المصادر في موت التربوي صبري الحكيمي أكبر دليل على استهتار الحوثيين بحياة المعارضين، لأنهم أَمِنوا العقاب.

يتجاهل الحوثيون الوضع الصحي المتردي وينفقون الأموال على التعبئة والاستقطاب (إ.ب.أ)

وذكرت المصادر أن الجماعة رفضت حتى الآن تسليم جثمان الحكيمي، وهو كبير مسؤولي التدريب في وزارة التربية والتعليم الذي فارق الحياة في أحد السجون إلى أسرته، رغم أن الجماعة أبلغت عائلته بوفاته قبل عدة أيام، وطلبت حضور مَن يمثلهم لتسلم الجثمان، دون أن تكشف أسباب الوفاة، بحجة عدم استكمال الإجراءات.

من جهته، وصف النائب المعارض أحمد سيف حاشد ما يجري فيما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» الحوثي بأنه «مريع وفظيع»، ودعا إلى إخضاع السجون والمعتقلات للجهات التي تراقب تنفيذ القوانين، والتي لم يُسمَح لها بالنزول وزيارة المعتقلات سوى مرة واحدة خلال 9 أعوام. وقال إنه عرف محامياً تم حبسه في زنزانة انفرادية خمسة أشهر، دون أن يتم توجيه تهمة له أو يُحال للمحاكمة.

وأكد النائب المعارض أن معتقلاً آخر أمضى 4 سنوات في سجن مخابرات الحوثيين، قبل أن ينتهي به الحال إلى قرار من النيابة بأنه لا وجه لإقامة الدعوى ضده». وجزم بأن ما يصل إلى الناس من انتهاكات سوى النادر، ويمثل واحداً في الألف من قضايا الانتهاكات.

الحصبة تتمدد

ذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» أن مستشفى تديره في مناطق سيطرة الحوثيين بضواحي مدينة تعز سجل 1500 حالة إصابة بمرض الحصبة بين أطفال أعمارهم دون سن الرابعة، رغم مضي 7 أشهر على افتتاح وحدة العزل الخاصة بالمرض.

وأوضحت المنظمة أن وحدة العزل الخاصة بمرض الحصبة التي افتتحتها في أغسطس (آب) الماضي، بمستشفى الأم والطفل في منطقة الحوبان، بضواحي مدينة تعز استقبلت، حتى فبراير (شباط)، 1552 حالة إصابة بالحصبة، أغلبها لأطفال دون سن الرابعة.

يعاني الأطفال في اليمن من سوء التغذية إلى جانب الأمراض التي تهدد حياتهم (رويترز)

ونبَّهت المنظمة في تقرير لها إلى أن حالات الإصابة بمرض الحصبة بدأت تشهد ارتفاعاً مقلقاً بين الأطفال في النصف الثاني من العام الماضي، حيث استقبلت وحدة العزل بين أغسطس (آب) وديسمبر (كانون الأول) الماضي 1332 طفلاً مصاباً بالمرض، 85 في المائة منهم دون سن الرابعة، وفي شهر فبراير الماضي استقبلت الوحدة 220 إصابة جديدة.

وبحسب المنظمة، فإن الحصبة مرض متوطّن في المنطقة التي تعمل فيها، وكان فريقها الطبي يعاين في العادة ما معدله 8 مرضى كل شهر في مستشفى الأم والطفل بمنطقة الحوبان التي يسيطر عليها الحوثيون «إلا أن هذا النمط بدأ بالتغير في يونيو (حزيران) الماضي، وفجأة بدأت الأعداد تتزايد بشكل مقلق، مع وصول أطفال من مختلف مديريات المحافظة».

وقالت رئيسة الفريق الطبي لمنظمة «أطباء بلا حدود» في المستشفى، إي إي خاي، إنهم يستقبلون كثيراً من الأطفال الذين يعانون من حالات معقدة من الحصبة «وهو عدد لم أشهده من قبل في حياتي»، ورغم أن هذا المرض يمكن الوقاية منه، فإن نسبة التطعيم بين الأطفال الذين يُعالجون من الحصبة لا تتجاوز 16 في المائة. وحذرت الطبيبة من أنه إذا لم يتم احتواء انتقال الحصبة، فإن الأطفال في هذه المنطقة سيعانون من كثير من الأمراض التي قد تصبح قاتلة.

يعيش ملايين اليمنيين على المساعدات المقدَّمة من المنظمات الإغاثية (أ.ف.ب)

وذكرت خاي أن الأطفال دون سن الخامسة يتأثرون بشكل خاص بالحصبة، لأن أجهزتهم المناعية ليست متطورة بما يكفي لمقاومة العدوى. وتوقعت استمرار المرض في الانتشار، لأنه، وبعد مرور ستة أشهر على افتتاح وحدة العزل لتجنب خطر انتقال الفيروس، لا يوجد انحسار في طفرة حالات الإصابة.

وأضافت أن جهود معالجة العدوى واحتوائها يبدو أنها محدودة للغاية، ولا تشير التوقعات إلى انخفاض بالإصابات في وقت قريب.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.