الحوثيون يواصلون تأجيج الأوضاع في البحر الأحمر

إصابة سفينة يونانية بصاروخ... وضبط أسلحة إيرانية متقدمة

شنّ الحوثيون المدعومون من إيران نحو 29 هجوماً ضد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ب)
شنّ الحوثيون المدعومون من إيران نحو 29 هجوماً ضد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ب)
TT

الحوثيون يواصلون تأجيج الأوضاع في البحر الأحمر

شنّ الحوثيون المدعومون من إيران نحو 29 هجوماً ضد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ب)
شنّ الحوثيون المدعومون من إيران نحو 29 هجوماً ضد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ب)

واصل الحوثيون، المدعمون من إيران، تأجيج الأوضاع ضد سفن الشحن في البحر الأحمر، حيث استهدفت الجماعة، الثلاثاء، سفينة يونانية بصاروخ، غداة قصف سفينة أميركية في خليج عدن بصاروخ آخر، على الرغم من التحذيرات والوعيد الأميركي والبريطاني.

وفي حين يهدد التصعيد باتساع رقعة الصراع وتأثر التجارة الدولية وتفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، إضافة إلى مخاوف انهيار مساعي السلام الذي تقوده الأمم المتحدة، أعلنت القوات الأميركية، الثلاثاء، اعتراض شحنة أسلحة إيرانية متقدمة كانت في طريقها إلى الحوثيين.

تُتهم إيران بتهريب الأسلحة المتقدمة إلى الحوثيين فضلاً عن التدريب على استخدامها (الجيش الأميركي)

وتقول الحكومة اليمنية الشرعية: إن أمن الملاحة رهن باستعادتها المؤسسات وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً، في حين تزعم الجماعة أن طريق الملاحة آمنة أمام كل السفن باستثناء المتجهة من وإلى إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها.

وذكرت شركة «أمبري» البريطانية للأمن البحري في مذكرة، الثلاثاء، أن ناقلة بضائع ترفع علم مالطا ومملوكة لليونان استُهدفت بصاروخ أثناء عبورها شمالاً بالبحر الأحمر على مسافة 76 ميلاً بحرياً إلى الشمال الغربي من مدينة الصليف الساحلية في اليمن.

ولم يتبنَ الحوثيون على الفور مسؤولية الهجوم، إلا أنهم كانوا توعدوا باستمرار الهجمات عقب الضربات الأميركية والبريطانية التي تلقتها مواقعهم يومي الجمعة والسبت الماضيين.

من جهتها، نقلت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، أنها تلقت بلاغاً عن حادث استهداف على مسافة 100 ميل بحري شمال غرب الصليف، حيث أفاد مسؤول أمن الشركة، بأن السفينة قد أصيبت بجسم مجهول في عنبر الشحن، وأن السلطات تقوم بالتحقيق. ناصحة السفن بالعبور بحذر والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.

أدت الهجمات الحوثية إلى عسكرة البحر الأحمر وتهديد حياة الصيادين (أ.ف.ب)

وفي بلاغ سابق لها، الثلاثاء، قالت الهيئة إنها تلقت بلاغاً عن إبحار زورق صغير حول سفينة في البحر الأحمر على بعد نحو 57 ميلاً بحرياً شمال غرب مدينة عصب الإريترية.

وأضافت، أن السفينة وطاقمها بخير، وأنها تبحر باتجاه وجهتها التالية بعدما أطلق أفراد الأمن من على متنها «طلقات تحذيرية وغادر القارب الصغير». وقالت إن السلطات تحقق في الحادث.

إلى ذلك، نقلت «رويترز» عن شركة أمنية ومصدرين بوزارة الشحن اليونانية، أن ناقلة بضائع فارغة ترفع علم مالطا استُهدفت بصاروخ في أثناء عبورها شمالاً بالبحر الأحمر على مسافة 76 ميلاً بحرياً إلى الشمال الغربي من مدينة الصليف الساحلية اليمنية.

وقال أحد المصدرين اليونانيين إن السفينة جوجرافيا المملوكة لليونان كانت تبحر من فيتنام إلى إسرائيل وعلى متنها طاقم مكون من 24 فرداً، وكانت فارغة من البضائع عندما تعرضت للهجوم. وإنه «لم تقع إصابات... فقط أضرار مادية».

وبلغت الهجمات الحوثية التي استهدفت سفن الشحن نحو 29 هجوماً منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بما في ذلك قرصنة سفينة «غلاكسي ليدر» واحتجاز طاقمها وتحويلها إلى مزار لأتباع الجماعة.

شحنة أسلحة متقدمة

أعلنت القيادة المركزية الأميركية في بيان، الثلاثاء، أنه في 11 يناير (كانون الثاني) 2024، صادرت قوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأميركية ليلاً مركباً شراعياً يقوم بنقل غير قانوني لمساعدات فتاكة متقدمة من إيران لإعادة إمداد قوات الحوثيين في اليمن كجزء من حملة الهجمات المستمرة التي يشنّها الحوثيون ضد الشحن التجاري الدولي.

وأضاف البيان، أن قوات البحرية الأميركية العاملة على متن سفينة «يو إس إس لويس بي بولير ESB 3»، مدعومة بطائرات هليكوبتر ومركبات جوية من دون طيار، نفذت عملية صعود معقدة للمركب الشراعي بالقرب من ساحل الصومال في المياه الدولية لبحر العرب، واستولت على أسلحة إيرانية الصنع من ضمنها مكونات الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.

مكونات صواريخ إيرانية اعترضتها البحرية الأميركية كانت في طريقها إلى الحوثيين (الجيش الأميركي)

وتشمل العناصر المضبوطة - وفق البيان - أجهزة الدفع والتوجيه والرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية الحوثية متوسطة المدى، وصواريخ كروز المضادة للسفن، بالإضافة إلى المكونات المرتبطة بالدفاع الجوي.

ويشير التحليل الأولي - بحسب البيان الأميركي - إلى أن الحوثيين استخدموا هذه الأسلحة نفسها لتهديد ومهاجمة السفن التجارية الدولية التي تعبر البحر الأحمر.

وأكدت القيادة المركزية الأميركية، أن هذه هي أول عملية مصادرة للأسلحة التقليدية المتقدمة الفتاكة التي زودت بها إيران الحوثيين منذ بداية هجماتهم على السفن التجارية في نوفمبر الماضي. كما أنها أول مصادرة لمكونات صواريخ باليستية وصواريخ كروز إيرانية الصنع متقدمة بواسطة البحرية الأميركية منذ نوفمبر 2019.

وشدد البيان على أن توريد الأسلحة أو بيعها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الحوثيين في اليمن ينتهك قرار الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 والقانون الدولي.

وأوضح، أن اثنين من قوات البحرية الأميركية تم الإبلاغ عن فقدهما في البحر سابقاً، وقد شاركا بشكل مباشر في هذه العملية. وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية: «إننا نجري بحثاً شاملاً عن زميلينا المفقودَين».

وأكدت القيادة المركزية الأميركية، أنها عدّت المركب الشراعي غير آمن وأغرقته القوات، وأنه يتم تحديد التصرف في أفراد طاقم المركب البالغ عددهم 14 فرداً وفقاً للقانون الدولي.

واتهم البيان إيران بأنها تواصل شحن المساعدات الفتاكة المتقدمة إلى الحوثيين. وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا إن هذا مثال آخر على كيفية قيام إيران بزرع عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة في انتهاك مباشر لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 والقانون الدولي.

وتعهد إريك كوريلا بأن القوات الأميركية ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لكشف واعتراض هذه الجهود. وفي نهاية المطاف استعادة حرية الملاحة.

تهوين حوثي وتشجيع إيراني

وسط هذا التصعيد، يتملص الحوثيون من تبعات هجماتهم، ويهوّنون من المخاطر، في حين تواصل إيران بما فيهم المرشد علي خامنئي تشجيعهم على مواصلة الهجمات.

وزعم المتحدث باسم الجماعة الحوثية محمد عبد السلام، الثلاثاء، أن ما تعلنه عدد من شركات الشحن تعليق عملها بدعوى ارتفاع المخاطر في البحر الأحمر هو نتيجة الضغوط والتهويلات الأميركية وموقف غير دقيق، ويتماشى فقط مع الدعاية الأميركية المغرضة. وفق زعمه.

استغل الحوثيون الحرب الإسرائيلية على غزة لحشد المزيد من المقاتلين (رويترز)

وأضاف المتحدث الحوثي في تغريدة على منصة «إكس»، أن هناك مئات السفن تعبر مضيق باب المندب بشكل يومي، وأنه لا منع لأي سفينة عدا المرتبطة بإسرائيل أو تلك المتجهة إلى موانئها.

ولقيت الهجمات الحوثية تشجيعاً إيرانياً على أعلى مستوى في هرم القيادة في طهران؛ إذ أشاد المرشد الأعلى علي خامنئي، بحملة الهجمات التي يشنّها الحوثيون، ونقلت وكالة أنباء «إرنا» عن خامنئي، الثلاثاء قوله: «إن الأمة اليمنية وأنصار الله (الحوثيون) قاموا بعمل عظيم بالفعل». وأكد أن ما قاموا به هو دليل على «القتال في سبيل الله». وأنه يأمل أن «تؤدي هذه الجهود إلى النصر».

وإلى جانب الهجمات ضد السفن، هدّد قادة الجماعة الحوثية باستهداف المصالح الأميركية في البحر الأحمر انتقاماً للضربات التي أدت إلى مقتل 15 مسلحاً حوثياً وإصابة ستة آخرين منذ 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وقالت الجماعة الموالية لإيران، الاثنين، في بيان إنها مستمرة «في منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة؛ حتى يتوقف العدوان والحصار على غزة».

يرهن «الرئاسي اليمني» تأمين الملاحة باستعادة مؤسسات الدولة من قبضة الحوثيين (سبأ)

في مقابل ذلك، جدد مجلس الحكم اليمني في أحدث تصريحاته تحذير «الميليشيات الحوثية من مغبة الاستمرار في استثمار مظلومية الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق مصالح إيران ومشاريعها التوسعية في المنطقة، وصرف أنظار العالم بعيداً عن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاكاته الجسيمة».

وأكد اجتماع رأسه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني «ضرورة دعم المجتمع الدولي للحكومة اليمنية من أجل بسط سيطرتها على كامل التراب اليمني، والشروع الفوري في تصنيف الميليشيا الحوثية جماعة إرهابية وإجبارها على الانخراط الجاد في جهود التهدئة وإحلال الأمن والاستقرار والسلام».

وألقت الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر بآثارها السلبية على الأوضاع إقليمياً ويمنياً، مع عزوف شركات الشحن عن المرور عبر قناة السويس وارتفاع تكلفة الشحن إلى ثلاثة أضعاف للوصول إلى الموانئ اليمنية؛ وهو الأمر الذي سيزيد معاناة السكان الذين يعيش نحو 18 مليوناً منهم على المساعدات الإنسانية الدولية.

يزعم الحوثيون أنهم يناصرون الفلسطينيين وتقول الحكومة اليمنية إنهم ينفّذون أجندة إيران (رويترز)

ونقلت «رويترز» عن مصادر في قطاع التأمين، الثلاثاء، أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب للشحنات عبر البحر الأحمر تشهد ارتفاعاً بعد هجمات أخرى على السفن التجارية نفذتها الجماعة الحوثية.

وأدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر - بحسب الوكالة - ضمن المناطق عالية المخاطر، وذلك حتى قبل هجمات الحوثيين الأخيرة، وقالت: إنه يتعين على السفن إخطار شركات التأمين الخاصة بها عند الإبحار عبر هذه المناطق ودفع قسط إضافي.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.