اليمن: ملامح انهيار مصرفي في مناطق سيطرة الانقلابيين

بنوك تتمرد وشركات تحول تعاملاتها إلى المناطق المحررة

يمنيون أمام مقر البنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
يمنيون أمام مقر البنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
TT

اليمن: ملامح انهيار مصرفي في مناطق سيطرة الانقلابيين

يمنيون أمام مقر البنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)
يمنيون أمام مقر البنك المركزي اليمني في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية (رويترز)

بعد أعوام من فرض الجماعة الحوثية سعر صرف ثابتاً للعملات الأجنبية بالقوة، لدعم مزاعم الاستقرار الاقتصادي والمصرفي بمناطق سيطرتها، اضطرت أخيراً إلى السماح لنسختها من البنك المركزي في صنعاء بصرف الدولار بنفس السعر في المناطق المحررة، في مؤشر على أزمة سيولة حادة تواجهها الجماعة.

وفي مؤشر آخر على بدء فقدان الجماعة سيطرتها على سوق الصرف، يرفض عدد من شركات الصرافة دفع الحوالات المالية بالعملات الأجنبية، وتعمل على دفعها بالأوراق النقدية المحلية، في حين بدأت قطاعات مختلفة رفض قبول الأوراق التالفة، وسط مخاوف من تراجع النشاط المالي للبنوك التجارية وتردي أعمال القطاع المصرفي.

انهارت العملة المحلية اليمنية أمام العملات الأجنبية منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على البنك المركزي (أ.ف.ب)

وتجاوز سعر صرف الدولار في المناطق المحررة 1500 ريال يمني، بينما أجبرت الجماعة الحوثية البنوك وشركات الصرافة على التعامل بسعر صرف لم يتجاوز 560 ريالاً للدولار الواحد في السنوات الماضية.

ويعزو باحثون اقتصاديون ومصرفيون في العاصمة المختطفة صنعاء اتجاه الوضع المصرفي نحو الانهيار إلى مخاوف كبار المصرفيين والبنوك التجارية من تأثير العقوبات الأميركية الأخيرة على القطاع المصرفي برمّته.

ويؤكد الباحث الاقتصادي، رشيد الآنسي، أن أنشطة الجماعة الحوثية العدائية في البحر الأحمر تسببت في الإضرار بسمعة اليمن في مختلف المجالات الاقتصادية، ومنها القطاع المصرفي، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» عن اطلاعه على توقف عدد من شركات الصرافة الأجنبية عن التعاطي مع شركات الصرافة المحلية في المناطق المحررة.

وإذا كان الأمر كذلك في المناطق المحررة، فإن الأمر سيكون أشد حدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أو الشركات التي تعمل في تلك المناطق، والتي ستكون عرضة للاشتباه بتعاونها مع الجماعة.

ويبين الآنسي أن مؤشرات انعدام النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الجماعة تعود إلى عدة أسابيع بعد تجنب كثير من الشركات والبنوك استلام حوالاتهم في مناطق سيطرتها، وذهاب تحويلاتهم إلى المناطق المحررة، ولا سيما مدينتي مأرب وعدن اللتين يتوفر فيهما معروض من سيولة النقد الأجنبي بعد تلاشي المعروض لدى الجماعة.

تأثير العقوبات الأميركية

أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الأسبوع الماضي، 3 شركات صرافة داخل وخارج اليمن، في قائمة العقوبات، إلى جانب شخصية مصرفية موالية للجماعة، لتورطهم في تسهيل تدفق المساعدات المالية الإيرانية إلى جماعة الحوثي ودعم أنشطتها المزعزعة للاستقرار، وذلك بعد هجماتها المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر.

فرضت الجماعة الحوثية أسعار صرف ثابتة للعملات الأجنبية بالقوة (إعلام حوثي)

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن قادة الجماعة بدأوا التفكير بتخفيف القيود على حركة النقد الأجنبي والمحلي، بعد أن لاحظوا فقدان الثقة بالبنوك التي عجزت عن تسليم الودائع للعملاء والمستثمرين، بعد تعرضها لسيطرة وتحكم الجماعة بشكل جائر ومخالف للقوانين والأعراف المصرفية.

وتوقعت المصادر أن الجماعة ستبدأ بالتدريج السماح برفع سعر العملات الأجنبية في محال الصرافة وصولاً إلى التعويم الكامل ليتساوى سعر الصرف في مناطق سيطرتها مع سعر الصرف في المناطق المحررة.

يقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي إن الجماعة الحوثية اعتمدت خلال السنوات الماضية على الإثراء من الفارق بين السعر الحقيقي للعملات الأجنبية والسعر الذي فرضته بالقوة والإكراه، وهو ما أفرغ الحوالات المالية القادمة من المغتربين في الخارج وأموال المنح الدولية المقدمة لصالح المساعدات الإنسانية، من قيمتها، وحوّلها لإثراء الجماعة.

ويوضح العوبلي لـ«الشرق الأوسط» أن الحوالات النقدية القادمة من الخارج تصل إلى أصحابها بعد مصادرة الجماعة لما يقارب ثلثي قيمتها وفقاً للسعر الذي أقرته الجماعة، بينما تباع السلع المستوردة، حتى المحلية، وفقاً لسعر صرف أعلى بكثير للعملات الأجنبية، لأن المستوردين والتجار يحصلون على العملات الأجنبية للاستيراد من المناطق المحررة غالباً.

تدمير ممنهج

بسبب الانقلاب والحرب ونهب الجماعة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، المقدر بـ5 مليارات دولار، تراجعت أصول البنوك التجارية والإسلامية اليمنية من 6 مليارات دولار في عام 2014، إلى مليار و700 مليون دولار.

ووفقاً لباحث اقتصادي في صنعاء، فإن نهب الاحتياطي النقدي من قبل الجماعة الحوثية جعل القطاع المصرفي اليمن برمته في حالة خطر دائم، وإن الانهيار متوقع في أي لحظة، وهو انهيار منطقي ولا يمكن تلافيه بالإجراءات التي تمارسها الجماعة لأنها ممارسات خارج المنطق الاقتصادي تماماً.

ويفيد الباحث الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة، بأن ما أخَّر حدوث انهيار القطاع المصرفي بشكل تام، ليس قوة القبضة الأمنية والاقتصادية الحوثية كما يجري الزعم، بل الأموال المتدفقة من الخارج، سواء حوالات المغتربين لأقاربهم، أو أموال المنح والمساعدات الدولية، أو تلك الموجهة لدعم أطراف الحرب والمتقاتلين.

يحاول البنك المركزي اليمني من مقره في عدن السيطرة على القطاع المصرفي والحد من التلاعب بالعملة (موقع البنك المركزي اليمني)

وكشفت تقارير حكومية مصرفية أن الجماعة الحوثية أنشأت أكثر من ألف شركة ومؤسسة صرافة وشبكة تحويلات مالية، منذ انقلابها قبل 9 أعوام، بعد أن نهبت البنك المركزي والمصارف وفرضت جبايات على التجار والمصانع والقطاع الخاص والوقود، وسعت لإدماجها في دورتها النقدية.

وكان لسيطرة الحوثيين على القطاع المصرفي طبقاً للتقارير؛ وقوع آثار مدمرة للاقتصاد الوطني، تمثلت في عجز البنوك اليمنية عن المراسلات الخارجية لدى البنوك والمصارف الإقليمية والدولية، وإعاقة البنوك المحلية من الوصول إلى استثماراتها في أذون الخزانة لدى البنك المركزي في صنعاء، وخلق أزمة السيولة المالية.

وأدّت أزمة السيولة النقدية الحادة التي شهدها القطاع المصرفي وفقدان الدولة قدرتها على تسييل أذون الخزانة، إلى عجز البنوك عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، ووضع سقف للسحوبات النقدية بالعملة المحلية والأجنبية.


مقالات ذات صلة

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.