الملف الإنساني مدخلاً لإنهاء أزمة اليمن في نقاشات الرياض

مراقبون لـ«الشرق الأوسط»: القيادات اليمنية معنية بتقديم تنازلات لمستقبل الأجيال القادمة

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال لقائه المبعوث الأميركي لليمن أغسطس الماضي في الرياض (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال لقائه المبعوث الأميركي لليمن أغسطس الماضي في الرياض (سبأ)
TT

الملف الإنساني مدخلاً لإنهاء أزمة اليمن في نقاشات الرياض

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال لقائه المبعوث الأميركي لليمن أغسطس الماضي في الرياض (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال لقائه المبعوث الأميركي لليمن أغسطس الماضي في الرياض (سبأ)

وسط ترقب يمني وإقليمي ودولي للنقاشات الدائرة في الرياض بين الأطراف اليمنية بما فيها جماعة «الحوثي»، توقعت مصادر يمنية وغربية أن تتمحور المحادثات في إطار مسودة السلام التي توصلت إليها الأطراف في رمضان الماضي.

ويعتقد المراقبون أن الجهود التي تبذلها الرياض ومسقط اللتان تدفعان بكل ثقلهما في الملف، تضع في المقدمة تنفيذ المرحلة المتعلقة بالجانب الإنساني باعتباره المدخل الرئيسي والمنطقي لما يليه من الجوانب العسكرية والسياسية، عادّين أن المسؤولية الأخلاقية والوطنية تقع على عاتق القيادات اليمنية لتقديم التنازلات الكبرى حرصاً على مستقبل الأجيال القادمة.

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت في أبريل (نيسان) الماضي أن خطة السلام تركز على وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، وفتح جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، ودمج البنك المركزي، واستكمال تبادل الأسرى والمعتقلين (الكل مقابل الكل)، في حين أعلنت الرياض أن دعوة وفد صنعاء جاءت «بناء على المبادرة السعودية التي أُعلنت في مارس (آذار) 2021»، واستكمالاً للقاءات التي أجراها محمد آل جابر السفير السعودي لدى اليمن، في صنعاء منتصف أبريل 2023.

السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر خلال زيارته صنعاء في أبريل الماضي (الشرق الأوسط)

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول فحوى مناقشات الرياض الحالية، أشار مسؤول يمني رفيع - تحفظ على الإفصاح عن هويته - إلى أنها تدور في إطار مسودة السلام التي أُعلنت في رمضان، ورفض إعطاء مزيد من التفاصيل.

من جانبه، قال لـ«الشرق الأوسط» دبلوماسي غربي مطلع، إن مسودة السلام بالفعل على الطاولة منذ فترة، مبدياً بعض المخاوف من نية الحوثيين الاستئثار بكل شيء، وتابع: «من الصعب توقع أي شيء مع الحوثيين، علينا الانتظار ورؤية النتائج».

يشار إلى أن محمد عبد السلام، رئيس وفد الحوثيين، تحدث لـ«الشرق الأوسط» فور وصولهم للرياض الخميس الماضي، وقال إن «السلام هو الخيار الأول الذي يجري العمل عليه»، معبّراً عن أمله في أن تُتوَّج نقاشات الرياض بتقدم ملموس في كل الملفات الإنسانية والعسكرية والسياسية، وبما يحقق السلام والاستقرار في اليمن ودول الجوار والمنطقة، في حين رحّبت الحكومة اليمنية بالجهود السعودية - العمانية، والمساعي الأممية والدولية الهادفة لدفع الميليشيات الحوثية نحو التعامل الجادّ مع دعوات السلام، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني.

وشدَّدت الحكومة على استمرار نهجها المنفتح على كل المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، وفقاً للمرجعيات الثلاث، وبما يضمن إنهاء الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال استقباله أواخر أغسطس أمين عام مجلس التعاون الخليجي والوفد المرافق له في عدن (سبأ)

وتقضي الخطة وفق مصادر في الرئاسة اليمنية، في مرحلتها الأولى، بإعلان وقف إطلاق النار، ثم تشكيل لجان فنية لدمج البنك المركزي، وتبادل الأسرى (الكل مقابل الكل)، وبناء الثقة بين الأطراف، ثم مرحلة التفاوض المباشر لتأسيس كيف يرى اليمنيون شكل الدولة، تليها مرحلة انتقالية.

الخطة تشمل كذلك فتح المنافذ جميعها ورفع القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية لتعود للعمل بشكل طبيعي سواء في مناطق الحوثي أو الشرعية، إلى جانب عملية إصلاح اقتصادية شاملة بدعم سعودي.

ويعتقد مسؤول يمني قريب من صناعة القرار أن أي اتفاق تتمخض عنه نقاشات الرياض الحالية مع جماعة الحوثي «لن يخرج عن المراحل الثلاث» التي سبق الحديث عنها في مسودة السلام، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه المراحل تنبع في الأصل من المبادرة السعودية في مارس 2021».

الملف الإنساني مدخلاً لإنهاء الأزمة

إلى ذلك، يرى مصطفى النعمان وكيل وزارة الخارجية اليمنية الأسبق، أن الجهود السعودية - العمانية تركز على تنفيذ المرحلة المتعلقة بالجانب الإنساني، على أساس أنها المدخل الرئيسي لما يليه في الجانب العسكري والسياسي.

وأضاف النعمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أنا على يقين بأن الجهود التي تبذلها الرياض ومسقط تضع في المقدمة حرصهما على تنفيذ المرحلة المتعلقة بالجانب الإنساني وتعدانه المدخل الرئيسي والمنطقي لما يليه في الجانب العسكري والسياسي».

ولفت مصطفى النعمان إلى أن «كلاً من الرياض ومسقط تضعان كل ثقلهما وتأثيرهما للتوصل إلى اتفاق يساهم أولاً في وضع حد للمأساة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني». ولا يستبعد أن «التطور الإيجابي في العلاقات بين طهران والرياض يساهم هو الآخر في تسهيل المفاوضات الجارية».

عودة العلاقات السعودية - الإيرانية برعاية صينية انعكست بشكل إيجابي على الأزمة اليمنية بحسب مراقبين (الشرق الأوسط)

مع ذلك، شدد السياسي والدبلوماسي اليمني على أن «الأمر في النهاية هو مسؤولية القيادات اليمنية التي يقع عليها الواجب الأخلاقي والوطني لتقديم التنازلات الكبرى حرصاً على مستقبل الأجيال القادمة». وأضاف: «على الجميع أن يفهم أن الرياض ليست جمعية خيرية، وأن عليها التزامات تجاه شعبها تريد التفرغ لها».

وبالعودة لخريطة السلام التي نوقشت في أبريل الماضي، أوضحت مصادر الرئاسة اليمنية أن الجانب الحكومي طالب بضمانات بعدم وجود أي تحايل أو تراجع من جانب الحوثيين، وأنه في حال حدث أي تلاعب أو التفاف من الحوثيين ستكون الحكومة اليمنية في حِلٍّ من كل هذه الالتزامات، ويجب على المجتمع الدولي ردع هذه الحركة.

ووفقاً لنفس المصادر، فقد طرحت جميع الملفات خلال النقاشات في حينها، بما فيها القضية الجنوبية، وزادت: «طُرحت كل الملفات بما فيها القضية الجنوبية بشكل كبير جداً، وهذه مسألة توجد فيها خلافات بين أقطاب العملية السياسية في الدولة، لكنهم يعملون على إصلاحها. العملية طويلة وتحتاج إلى وقت».

وتابعت أن «هناك خيارات من ضمنها أن تكون المراحل خمس سنوات أو ثلاثاً بدلاً من سنتين. المسألة تعتمد على الالتزامات والضمانات، الأمر تُرك للأطراف اليمنية في حال رأوا خيارات أخرى، خصوصاً المرحلة الانتقالية، فالجنوبيون يرون أن المرحلة الانتقالية يجب أن تشمل تصوراً لشكل الدولة يُفضي إلى استفتاء أو تقرير مصير (...) وقد أوكل مجلس القيادة الرئاسي إلى أعضائه الجنوبيين؛ الزبيدي والبحسني والعليمي وأبو زرعة، وضع ورقة تصوُّر حول القضية الجنوبية لمناقشتها ضمن الملفات الرئيسية».


مقالات ذات صلة

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

تواصل الجماعة الحوثية إجراء تغييرات في المناهج التعليمية، بإضافة مواد تُمجِّد زعيمها ومؤسسها، بالتزامن مع اتهامات للغرب والمنظمات الدولية بالتآمر لتدمير التعليم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».