أدى توسع مصر في زراعة القمح إلى تراجع وارداتها من المحصول الذي يعد أحد المحاصيل الاستراتيجية الهامة. وأرجع مسؤول في شعبة المستوردين انخفاض الواردات إلى «سياسات الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي»، في حين رأى خبراء أن «تراجع الواردات له أسباب أخرى ليس لها علاقة بزيادة الإنتاج المحلي».
وأكد رئيس «لجنة التجارة الداخلية» بالشعبة العامة للمستوردين في «الاتحاد العام للغرف التجارية»، متى بشاي، السبت، أن «واردات القمح انخفضت بنسبة 25 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، لتسجل 2.6 مليار دولار مقارنة بـ3.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بما يعادل تراجعاً قدره 800 مليون دولار». (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك المصرية).
وأرجع بشاي هذا الانخفاض إلى «السياسات الحكومية التي تستهدف الحد من تأثر السوق المحلية بتقلبات الأسواق العالمية، عبر الاعتماد على المخزون الاستراتيجي، وزيادة الإنتاج المحلي، وقال في بيان صحافي إن «موسم توريد القمح المحلي شهد أداءً قوياً، حيث ارتفعت الكميات الواردة من المزارعين بنسبة 17 في المائة لتتجاوز 4 ملايين طن»، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة التموين والتجارة الداخلية، «ما يعكس نجاح المنظومة التحفيزية وثقة المزارعين بسياسات التوريد». وأشار إلى أن «الدولة تستهدف الوصول إلى 5 ملايين طن من القمح المحلي خلال الموسم المقبل، وذلك تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية بتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح التمويني المستخدم في إنتاج الخبز المدعم».
لكن الخبير الاقتصادي، الدكتور وائل النحاس، أرجع «انخفاض واردات مصر من القمح إلى أسباب أخرى»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأرقام التي تحدثت عن انخفاض واردات القمح احتسبت القيمة بالعملة أي بتكلفة الاستيراد، وكان يجب أن تستند إلى معادلة أخرى ترصد قيمة الانخفاض بالكمية وليس بالقيمة المالية، كي نعرف عدد الأطنان التي كنا نستوردها وانخفضت إلى كم طناً، لذا فنسبة تراجع الواردات ليست كبيرة».

ويرى النحاس أنه من بين أسباب تراجع الواردات نسبياً «انخفاض أسعار القمح عالمياً، وتوسع مصر في تأمين مخزون استراتيجي كبير من المحصول تم استيراده في نفس الفترة من العام الماضي لتجنب تأثيرات أي توترات عالمية تؤثر في الأمن الغذائي للبلاد».
وتتوسع مصر في زراعة القمح الذي يعد أبرز السلع الاستراتيجية، عبر تسهيلات جديدة لأصحاب الأراضي والمزارعين، لاستهداف وصول الرقعة المخصصة إلى 3.5 مليون فدان خلال الموسم الحالي، وأطلقت الحكومة «خطة شاملة» لضمان نجاح موسم زراعة محصول القمح الحالي، الذي يبدأ من نوفمبر (تشرين الثاني) حتى مايو (أيار) المقبل.
وقال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، علاء فاروق، في إفادة رسمية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «المستهدف زراعة ما لا يقل عن 3.5 مليون فدان هذا الموسم... وكانت المساحة المنزرعة في الموسم الماضي نحو 3.2 مليون فدان».
ويعد القمح من السلع الاستراتيجية المهمة بالنسبة لمصر، وفق بيانات وزارة الزراعة المصرية، وذكرت البيانات الرسمية أن «مصر استوردت 4.9 مليون طن من القمح منذ بداية العام الحالي وحتى يونيو (حزيران) الماضي، بينما استوردت 7.1 مليون طن خلال الفترة نفسها من العام الماضي بانخفاض بنسبة 31 في المائة، ويغطي الإنتاج المحلي نحو 50 في المائة من احتياجات مصر من القمح، ويتم استيراد الباقي من دول عدة، على رأسها روسيا وأوكرانيا».

وفي رأي أستاذ الاقتصاد الزراعي، الدكتور شريف سليمان فياض، فإن نسبة تراجع الواردات صغيرة؛ لأنها احتسبت بقيمة الواردات مادياً وليس بالكمية التي تم استيرادها، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بجانب انخفاض سعر القمح عالمياً، توجد أسباب أخرى لتراجع الواردات المصرية أياً كانت نسبة التراجع، منها وجود وفرة عالمية من المحصول خلال هذا العام نتيجة تخفيض الصين والهند احتياجهما للقمح لوجود مخزون من الإنتاج المحلي لديهما، وهما من أكبر الدول المستوردة للقمح».
وعلى الرغم من ذلك، فإن فياض يرى أنه «يوجد توسع في زراعة القمح بمصر؛ لكنه لن يحقق اكتفاءً كاملاً، بل ربما يكون اكتفاءً جزئياً لتقليل الاستيراد».
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، رفعت وزارة الزراعة الأميركية توقعاتها لزيادة واردات مصر من القمح بنحو 1.6 في المائة في السنة المالية الحالية 2025 - 2026، على أساس سنوي، إلى نحو 12.7 مليون طن، بسبب زيادة الاستهلاك نتيجةً للنمو السكاني. وأشارت «الزراعة الأميركية» في تقرير لها إلى أن مصر، التي يبلغ عدد سكانها 108 ملايين نسمة، تحتاج إلى 20 مليون طن من القمح سنوياً، وبالإضافة إلى السكان المحليين، تستضيف مصر أيضاً ما يُقدَّر بـ 10 ملايين مهاجر.




