بحثت مسؤولة فرنسية أمس بالجزائر استئناف الحوار السياسي والأمني بين البلدين، في أول خطوة جسدت إرادة مشتركة لطي 15 شهراً من التوترات الحادة، التي اندلعت إثر اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء في نهاية يوليو (تموز) 2024.
وزارت الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن-ماري ديسكو، أمس (الخميس)، الجزائر، وفي سياق بداية الانفراج بين البلدين، تم التطرق إلى هذه الزيارة في اليوم نفسه خلال المؤتمر الصحافي اليومي، الذي نظمه المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية؛ كريستوف لوموان.
** إعادة إطلاق التعاون الثنائي
وفي رده على أسئلة بخصوص الانفراجة بين البلدين، حسبما نشره موقع الوزارة، تطرّق لوموان إلى الإفراج عن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، الذي استفاد في 12 من الشهر الحالي، من قرار عفو صادر عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لـ«أسباب إنسانية»، بناءً على طلب من الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير. وأكد المسؤول الفرنسي نفسه أن وزارة الخارجية تعرب عن «تأثرها الكبير بعودة المواطنين الفرنسيين المحتجزين سابقاً؛ كاميلو كاسترو وبوعلام صنصال».

وكاميلو كاسترو هو معلم يوغا فرنسي اختُطف واحتُجز في فنزويلا لأكثر من 4 أشهر، وأفرج عنه مؤخراً. وكانت عائلته ومنظمات حقوق الإنسان؛ مثل منظمة «العفو الدولية»، قد أكدت أنه كان محتجزاً لدى السلطات الفنزويلية في ظروف وُصفت بأنها «شديدة القسوة»، دون أن تعلن كاراكاس رسمياً عن سبب احتجازه.
وأوضح لوموان أن الدبلوماسية الفرنسية «لم تدخر جهودها للإفراج عن مواطنينا الاثنين، وقد حرص الوزير على شكر كل الذين، في فرنسا كما في شبكتنا الدبلوماسية، أسهموا في هذه النهايات السعيدة».
ولدى سؤاله عن زيارة الأمينة العامة لوزارة الخارجية للجزائر، أشار المتحدث باسم «الخارجية» الفرنسية إلى أنه توجد حالياً «إعادة إطلاق للديناميكية، خطوة بخطوة، مع الرغبة في تحقيق نتائج ملموسة تخدم الفرنسيات والفرنسيين»، مؤكداً في الإطار نفسه أن ديسكو «توجد اليوم بالجزائر في زيارة عمل، لإعادة إطلاق التعاون الثنائي في مجالات الهجرة والأمن والاقتصاد، وكل ذلك يندرج في إطار حوار يتطلب الكثير، ويجب أن يحقق نتائج لمواطنينا».

وعند سؤاله عن لقاء محتمل بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في قمة مجموعة العشرين، التي بدأت أعمالها أمس (الخميس) في جنوب أفريقيا، أحال المتحدث صاحب السؤال إلى «الإليزيه» وإلى السلطات الجزائرية. وقال: «فيما يتعلق بما قد يحدث أو لا يحدث في مجموعة العشرين، أحيلكم إلى الإليزيه، الذي يتحكم في الأجندة. ولا يحق لي التعليق على أجندة الرئيس الجزائري: أحيلكم إلى السلطات الجزائرية».
* تنظيم «مصافحة رمزية»
بحسب مصادر سياسية جزائرية، عمل الجانبان على تنظيم «مصافحة» بين رئيسي البلدين خلال قمة مجموعة العشرين، التي دُعي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لحضورها، لتكون «إشارة رمزية قوية إلى وجود مصالحة بين البلدين»، وفق تعبير المصادر نفسها. غير أن تبون لم يتوجّه إلى جنوب أفريقيا، وكلف وزيره الأول سيفي غريب بالحضور بدلاً عنه. وكان تبون قد أعلن قبل شهر، أنه سيحضر القمة، ولا يعرف سبب غيابه عنها.
وكتب موقع «كل شيء عن الجزائر»، أن آن-ماري ديسكو «جاءت إلى الجزائر لتمهيد الطريق لاستئناف الحوار بين البلدين، في ضوء الزيارة المقررة في نهاية الشهر الحالي، أو بداية الشهر المقبل لوزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز». ونقل عن «مصادره»، أن الجزائر «لا تريد اختزال العلاقة الفرنسية - الجزائرية في بعدها المتعلق بالهجرة والأمن»، في إشارة إلى أن المقاربة للعلاقات الثنائية، من جانب الجزائر، تشمل السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم، والتعاون الإقليمي.

وحسب «كل شيء عن الجزائر»، سيكون «تعزيز الشراكات الثنائية أحد أهداف الزيارة المرتقبة للوزير نونيز»، الذي صرَّح في الأسابيع الماضية، بأنه يريد اتباع نهج الليونة مع الجزائر، بدل الأسلوب الخشن. وكان يقصد، ضمناً، سلفه الوزير برونو ريتايو، الذي تصدر التوترات بين البلدين على مدى أشهر، وأظهر تشدداً كبيراً في ملف ترحيل المهاجرين الجزائريين، الذين صدرت بحقهم أوامر بالإبعاد عن التراب الفرنسي، والذين رفضت الجزائر استقبالهم.
واللافت أن سلطات الجزائر لم تعلن عن زيارة الأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، التي كان نظيرها الجزائري لوناس مقرمان، محاوراً لها خلال ساعات قليلة قضتها في البلاد. ويعود ذلك، بحسب تقدير مراقبين، إلى أن الجزائر لم ترغب في إضفاء طابع رسمي على هذه المباحثات، مفضلة أن يتم ذلك خلال الاستقبال الذي سيخصص لنونيز.
وحول هذا الموضوع، كتبت صحيفة «لوجان إندبندنت» الجزائرية، عشية الزيارة، نقلاً عن «مصدر حكومي في باريس»، أن ديسكو «ستبحث مع مقرمان إعادة إطلاق التعاون الدبلوماسي بين البلدين»، مؤكدة أن وفداً من وزارة الداخلية الفرنسية سيرافقها في سفرها إلى الجزائر.

وأضافت الصحيفة، استناداً إلى المصدر نفسه، أن محادثات ديسكو ومقامان تشمل استئناف العمل القنصلي، خصوصاً اعتماد الموظفين القنصليين من البلدين، الذين ينتظرون الالتحاق رسمياً بمناصبهم. وتابعت موضحة أنه «من ضمن المواضيع أيضاً؛ وضع خريطة طريق بخصوص القضايا العالقة، ومن بينها عودة سفيري البلدين، وزيارات وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز، وملف الجزائريين الخاضعين لالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية».




