يعاني المصري الأربعيني إبراهيم عبد الله «أزمة مالية» بفعل الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الأساسية، الذي زادت حدته عقب زيادة أسعار الوقود أخيراً؛ ما دفعه وآخرين إلى تغيير كثير من عادات راسخة والاستغناء عن كماليات لتضييق الفجوة بين دخولهم ومصروفاتهم.
ورفعت الحكومة المصرية، الأسبوع الماضي، أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 13 في المائة، في زيادة هي الثانية خلال العام الحالي، على أن تثبتها في السوق المحلية لمدة عام على الأقل؛ وهو ما أدى إلى زيادة أسعار المواصلات والسلع والخدمات.
واضطر إبراهيم عبد الله الذي يقيم في حي عابدين بوسط القاهرة ويعمل في إحدى الشركات الخاصة، إلى استخدام وسائل النقل العام، رغم ارتفاع سعرها عن ذي قبل، والتوقف عن استخدام سيارات الأجرة الخاصة التي كان يطلبها عبر تطبيقات «النقل الذكي» في بعض التحركات.
وشرح لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة ضبط الميزانية لتضييق الفجوة بين الدخل والمصروفات دفعتني إلى تغيير الكثير من العادات، منها التوقف عن شراء السلع الأساسية بكميات كبيرة وتخزينها بالمنزل، وتقليل التدخين، والتوقف عن تناول الطعام في الخارج، فأحضر وجبة إفطاري من المنزل وأتناولها بالعمل، ولا أتناول طعام الغداء في العمل، بل أنتظر حتى أعود إلى المنزل».
ومن بين العادات الاجتماعية التي غيَّرها عبد الله «الحد من استقبال الزوار وتبادل دعوات الغداء أو العشاء مع الأقارب، وأيضاً الاقتصاد في تكاليف الخروج مع الأسرة في يوم العطلة»، قائلاً: «نبحث عن أماكن أقل تكلفة أو حدائق مجانية ونحضر طعامنا في المنزل».

وتشهد مؤشرات الاقتصاد المصري تحسناً ملحوظاً، عبًّر عنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي عقب اجتماع الحكومة الأسبوع الماضي، بقوله: «تحسن المؤشرات الاقتصادية في مصر ليس مجرد أرقام أو تقارير، بل نتيجة حقيقية لجهد كبير على الأرض، من خلال إقامة مشروعات جديدة، وتشغيل مصانع، وجذب استثمارات، وتوفير فرص عمل؛ ما يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحسن مستوى المعيشة».
وتحاول الحكومة الحد من تأثير استمرار موجة الغلاء على مواطنيها عبر التوسع في برامج الحماية الاجتماعية، وتوفير السلع بأسعار مخفضة، من خلال المنافذ الرسمية، والمعارض.
ومن بين العادات التي تغيرت بفعل أزمة الغلاء عموماً في مصر، وفق رأي الخبير الاقتصادي وائل النحاس، «إعادة تدوير الممتلكات من أجهزة منزلية وأثاث وملابس، كما عادت مهن كادت أن تندثر، مثل الترزي ورفا الملابس والجزمجي (الإسكافي)، ولجأت الشركات إلى خفض حجم عبوات السلع ليصبح سعرها أقل».

ولجأت المصرية الخمسينية نجوى محمود، ربة منزل تعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، إلى شراء السلع الغذائية من المنافذ الرسمية التابعة للحكومة، ومتابعة العروض والتخفيضات التي تعلن عنها المتاجر؛ لمحاولة التأقلم مع الزيادات. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «شراء السلع الغذائية أصبح يتم بحساب، خاصة اللحوم التي أقطعها قطعاً أصغر لتكفيني وزوجي وأطفالي الثلاثة، كما أعطي ملابس الأطفال الأكبر للأصغر سناً عقب تضييقها عند الترزي». واختارت أسرتها «عدم المشاركة في بعض المناسبات الاجتماعية لدى الأقارب، مثل أعياد الميلاد أو تبادل التزاور لأنها مكلفة».
وشهدت معدلات التضخم في مصر سلسلة تراجعات متتالية على مدار الأشهر الماضية، لتنخفض من مستويات 16.8 في المائة في مايو (أيار) 2025، إلى 11.7 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، كما تراجع سعر الدولار نسبياً أمام الجنيه (الدولار يساوي نحو 47.5 جنيه في البنوك المصرية).

أستاذ الاجتماع في جامعة المنصورة محمد أحمد غنيم، يرى أن «ارتفاع أسعار الوقود أثَّر على كثير من العادات الاجتماعية لدى المصريين». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع الاقتصادي أساسي لتنظيم الحياة الاجتماعية؛ وهو ما دفع كثيرين إلى الاستغناء عن بعض متطلبات الحياة اليومية، وبعض الأمور كانت أولويات، لكنها تحولت كماليات يمكن الاستغناء عنها؛ لأنها تشكل عبئاً مادياً». ويرصد أنه «من بين العادات الاجتماعية الراسخة التي تغيرت تأثراً بالوضع الاقتصادي، التزاور والمشاركة في المناسبات الاجتماعية».
الأربعينية أمينة عبد الحميد، تسكن في حي عين شمس (شرق القاهرة)، قررت الاستغناء عن ركوب سيارات الأجرة الخاصة عند الذهاب إلى عملها، وفضَّلت التحرك بمترو الأنفاق، لافتة إلى أنها استغنت عن «كماليات كثيرة أخيراً لضبط مصروف المنزل، من بينها الحلويات للأطفال». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «رفع سعر الوقود أثَّر على السلع والخدمات، فضلاً عن استمرار ارتفاع الأسعار يوماً بعد يوم»، لافتة إلى أنها غيَّرت كثيراً من كميات الشراء الأسبوعية التي كانت تحرص عليها من السلع الأساسية.




