منذ ظهور بوادر أزمة دبلوماسية بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي في بداية عام 2024، انحدرت العلاقة بين البلدين تدريجياً إلى أن بلغ التوتر ذروته في «حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة» في أبريل (نيسان) 2025. وأمس الاثنين، وقعت ملاسنة حادة في مبنى الأمم المتحدة بين وزير الخارجية الجزائري ورئيس وزراء مالي وسفيرة مالي لدى الهيئة الأممية، مما دلّ على أن احتمال ترميم العلاقات في الأفق القريب بات أمراً غير وارد.

في إطار الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة (في الفترة من 23 إلى 28 سبتمبر«أيلول» 2025)، عُقدت اجتماعات بعد ختام جلساتها الرسمية، شارك فيها رئيس الوزراء المالي عبد اللاي مايغا. وفي خطابه يوم الجمعة الماضي، تناول «العمل العدواني من جانب الجزائر» في قضية إسقاط طائرة تابعة للقوات المالية بتاريخ فاتح أبريل (نيسان) 2025 من طرف سلاح الجو الجزائري، الذي قال يومها إنها «كانت في مسار هجومي»، وفهم منه أن الطائرة كانت في مهمة لضرب مواقع المعارضة المسلحة بالحدود الجزائرية.
وقال مايغا، وفق ما أوردته الخارجية المالية، إن التوترات الحالية مع الجارة الشمالية «تعود أساساً إلى التدخلات غير المناسبة، وغير المقبولة للنظام الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي»، في إشارة إلى رعاية الجزائر اتفاق السلام بين باماكو والمعارضة المسلحة الموقع بالجزائر 2015، الذي أبطله الحاكم العسكري في البلاد العقيد عاصيمي غويتا في 25 يناير (كانون الثاني) 2024، متهماً الجزائر بـ«توفير الحماية للإرهابيين»، وكان يقصد تنظيمات «أزواد» الطرقية المسيطرة على مدن الشمال الحدودي مع الجزائر.
مبارزة بالكلمات الحارقة
ذهب مايغا أبعد من ذلك، حيث هدد جاره الشمالي الكبير بقوله: «في وجه العداء، لن نقف متفرجين... وعلى كل كلمة تُستخدم في غير موضعها، سنرد بالمثل»، متهماً الجزائر بـ«دعم الإرهاب الدولي» عندما تحدث عن موضوع تحطيم «الدرون».
ورد عطاف بحدة على هذه الاتهامات يوم الاثنين من المنبر نفسه، في كلمة نشرتها الخارجية الجزائرية، ووصف المسؤول المالي بـ«الانقلابي»، مؤكداً أنه «للسنة الثانية على التوالي، يتجرأ من هذا المنبر على مهاجمة بلادي»، معرباً عن «أسفه» على ما وصفه بـ«الانحطاط والبذاءة والوقاحة، التي بلغها هذا الشاعر الزائف، لكنه انقلابي حقيقي»، عادّاً اتهاماته «هراء جندي متسلّط».

كما قال عطاف إن «ثرثرته في المجاري لا تستحق إلا الاحتقار، ولا تثير سوى الاشمئزاز»، لافتاً إلى أنه «كان من الأفضل لهذا الانقلابي، هذا الجندي الفظّ، ومن على شاكلته، أن يتفوّقوا في مجالات أخرى أكثر شرفاً ونبلاً ونفعاً لمالي، بدلاً من التفوّق في فن إلقاء اللوم على الآخرين بسبب فشلهم».
وتابع عطاف قائلاً: «كان الأجدر بالمجلس العسكري المالي أن يتفوّق في السعي لاستعادة الأمن والاستقرار في بلاده، وفي تحسين مستوى معيشة السكان، وقبل كل شيء، في تزويد مالي بحكومة تليق بتاريخها العريق: حكومة تتميز بالكفاءة وتتحلى بالنزاهة، وتُعرف بصدقها وإخلاصها».
وفي تقدير الوزير الجزائري، «تستحق مالي أفضل من هؤلاء الانقلابيين جميعاً»، وأن الجزائر «واعية تماماً بأن هذه الأمة الشقيقة لا يمكن اختزالها في زمرة لا ترى مستقبلاً لبلدها إلا من خلال تمسكها بالسلطة، وهيمنتها على شعبها».
وفي ختام تدخله، خفف عطاف من حدة لهجته بالتأكيد على أن «يد الجزائر لا تزال ممدودة، ورصيد صبرها لم ينفد ولن ينفد من أجل تعزيز الروابط، التي تجمعها بأشقائها الماليين، روابط لا يمكن أن تزعزعها عوامل عرضية، رغم خبثها وانحطاط من يقف خلفها».
روايتان متناقضتان
لم تمض سوى ساعات قليلة حتى عاودت الحكومة المالية الهجوم على الجزائر، عن طريق ممثلها الدائم في الأمم المتحدة، عيسى كونفورو، الذي انتقد بحدة «الهجمات الشخصية والفظّة والمتعالية لوزير الشؤون الخارجية الجزائري»، مشيراً إلى أن «التوترات الحالية بين بلدينا تعود أساساً إلى التدخلات المتكررة وغير المقبولة من النظام الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي»، مشدداً على أن الشعب المالي «قرر أن يأخذ مصيره بيده، وتبنّى مسار السلام الخاص به».

وبشأن الخلاف المتعلق بتدمير طائرة مسيّرة للاستطلاع والمراقبة، التابعة للقوات المسلحة المالية، قال الدبلوماسي المالي إن حكومته علمت بالأمر إثر إعلان لوزارة الدفاع الجزائرية «تدعي فيه تدمير طائرة مسيّرة مالية كانت قد اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين». وقال إن بلاده طلبت من الجزائر «الأدلة الداعمة لهذه الادعاءات، وبعد مرور أكثر من 72 ساعة، لم يتم تقديم أي رد مرضٍ من الجانب الجزائري»، وعلى أثرها أجرت باماكو تحقيقاتها الخاصة وفق كونفورو، «وتوصلت إلى يقين مطلق: طائرتنا المسيّرة تم تدميرها بواسطة عمل عدائي ومتعمد من قبل النظام الجزائري». موضحاً أن حطامها عثر عليه على بعد 9.5 كلم من الحدود الجزائرية، داخل الأراضي المالية.

وتفيد الرواية الجزائرية حول الحادثة التي تسمم العلاقات، بأن الطائرة «اخترقت الحدود عدة مرات»، وبأنها كانت في آخر مرة قبل إسقاطها «في مسار هجومي». وعدّ الجيش الجزائري نشاطها «مناورة عدائية واضحة استوجبت وضع حد لها».




