تتناثر بقايا قطع الفخار الأثرية المحطمة وشظايا التماثيل القديمة، بين الزجاج المهشم وفوارغ الطلقات في متحف السودان القومي، الذي لا يبعد كثيراً عن نقطة التقاء النيل الأزرق والنيل الأبيض في العاصمة الخرطوم.
وبعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب الأهلية، التي قتلت عشرات الآلاف وشردت الملايين، طرد الجيش السوداني «قوات الدعم السريع»، شبه العسكرية، من الخرطوم وضواحيها خلال الربيع، حسبما جاء في تقرير لوكالة «رويترز»، الثلاثاء.

لكن جزءاً كبيراً من المدينة لا يزال أنقاضاً، بما في ذلك العديد من مواقعها التراثية. فقد تضررت الآثار خلال القتال، وسرق اللصوص المزيد منها وهربوها إلى الدول المجاورة.
ويبحث خبراء الحفاظ على الآثار، الذين عادوا إلى المدينة بعد تقدم الجيش، بين الحطام في محاولة لاستعادة وترميم ما يمكنهم.
قالت رحاب خضر الرشيد، وهي رئيسة لجنة جرى تشكيلها لتقييم الأضرار وتأمين المتاحف والمواقع الأثرية في ولاية الخرطوم، وهي تقف في ردهة مليئة بالحطام، «المتحف تضرر ضرراً بالغاً جداً... سرقت كمية كبيرة من القطع الأثرية وهي بالنسبة لنا مهمة جداً... أي قطعة في المتحف لها قصة...كل القطع مهمة، لكن التي سرقت كانت بالغة الأهمية بالنسبة لنا نحن الآثاريين».
وقالت إخلاص عبد اللطيف، مديرة إدارة المتاحف بالهيئة العامة للآثار والمتاحف، إنه جرى حتى الآن إحصاء نحو 4 آلاف قطعة أثرية مفقودة بالسودان.

وأضافت أن هذه الآثار تشمل قطعاً أثرية من الخرطوم، بالإضافة إلى مناطق أخرى من البلاد، مثل إقليم دارفور في غرب السودان؛ حيث اختفت نحو 700 قطعة أثرية من متحفي مدينتي نيالا والجنينة. وفي الجنينة، قُتل أمين المتحف إثر قصف المبنى.
ويبدو أن العديد من هذه القطع جرى تهريبها إلى دول مجاورة. والسودان من بين قائمة طويلة من الدول، منها العراق وسوريا وليبيا ومصر، استشرى فيها تهريب الآثار في أعقاب الاضطرابات السياسية.
ويضم فناء المتحف القومي عدداً من المعابد والقطع الأثرية الأخرى التي جرى نقلها إلى الخرطوم من شمال البلاد في ستينات القرن الماضي، للحفاظ عليها من الفيضانات الناجمة عن بناء السد العالي في أسوان بمصر.

ومن أكثر هذه المعالم إثارة للإعجاب، معبد بوهين، الذي بنته الملكة المصرية حتشبسوت التي حكمت في نحو عام 1500 قبل الميلاد. وتعرّض المعبد لأضرار أثناء القتال، وتعمل السلطات على إصلاحه، وإن كان «بإمكانات شحيحة جداً جداً»، حسبما قالت رحاب.
وذكرت: «تأثرت المعابد بالحرب، وهذا التأثير كان كبيراً جداً، وظهر في أسقف المباني وفي الزجاج الخارجي المحيط بالمعبد... نحن بصفتنا فريقاً في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، نعمل على إجراء بعض الصيانة بإمكانات شحيحة جداً... ومن هنا نسأل الجهات المختصة أو الوزارة بأن تمد لنا يد العون كي نُتم ترميم هذه المعابد».
ولم يكن المتحف القومي الموقع الوحيد الذي لحقت به أضرار، فمتحف القصر الجمهوري بالخرطوم يمتلئ الآن بالحطام المتفحم. وتتوقف سيارات عتيقة خارج المتحف وسط الأنقاض وقد تحطمت نوافذها ومصابيحها الأمامية.

وقدّرت إخلاص تكلفة ترميم وصيانة متاحف السودان وتأمين ما تبقّى من الآثار بنحو 100 مليون دولار، وهو مبلغ من غير المرجّح أن يتوفّر لخبراء الحفاظ على الآثار في المستقبل القريب، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد. وتبرز كذلك مسألة توقيت شعور الخبراء الأجانب بأن الظروف باتت آمنة بما يكفي للعودة. وأشارت رحاب إلى أن السودان كان يحتضن نحو 45 بعثة أثرية قبل اندلاع الحرب، إلا أنها توقفت جميعها اليوم.

وقالت: «عندنا نحو 45 بعثة أثرية كانت تعمل في الحقل الأثري في السودان قبل الحرب... بعد الحرب للأسف لا توجد أي بعثة... كل البعثات توقفت، ونأمل بإذن الله أن تعود البعثات وتزاول عملها».




